الحلقة ـ 84 ـ |
علقمة: ما هذا الجمع الذي أراه أمام دار ابن سلول. |
عباد: لقد مات ابن سلول.. مات.. قضى نحبه.. وخلفنا كالثكالى من بعده.. أنا ذاهب لشراء ما يلزم لتجهيزه. |
زيد: أسرع يا عباد.. أسرع فالسرعة في دفن الميت مستحبة. |
علقمة: ولماذا طلبت إليه أن يسرع؟ |
زيد: خشيت أن تعود الحياة ثانية إلى ابن سلول فانه كالهر له سبع أرواح... |
(يضحكان) |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة ناعمة ثم صوت ام حابس تقول): |
أم حابس: وأخيراً استجاب الله دعاءك يا أم مازن فهلك ابن سلول. |
أم مازن: الحمد لله الذي أراح المسلمين من شروره.. |
أم حابس: ومع أن حقد ابن سلول على المسلمين كان يأكل قلبه منذ نزل النبي المدينة فقد آثر صلى الله عليه وسلم ألا ينال المسلمون ابن سلول بشر. |
أم مازن: هو ما قلت يا أختاه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلبث حين دعي للصلاة على ابن سلول أن صلى وقام على قبره إلى أن دفن وفرغ منه. |
أم حابس: لقد وافى صلى الله عليه وسلم بذلك بنية المسلم التقي الورع. |
أم مازن: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4). |
ام حابس: صدق الله العظيم. |
(نقلة صوتية).. |
أحد المنافقين: لقد إنهار صرحنا ودكت أساساته دكا بموت ابن سلول يا خذام |
منافق آخر (خذام): صحيح يا نبتل وإني أرى أن نخلص توبتنا ونقلع عن الكيد والدس لهذا الدين الذي أظهره الله بالرغم من أنوفنا وأنوف من هم أعظم شأناً ومنعة وقوة. |
نبتل: هيا بنا يا خدام نصلى ركعتين ونسأل الله التوبة والغفران. |
خذام: هيا بنا... هيا. |
علقمة: بغزوة تبوك تمت كلمة ربك في بلاد العرب كلها وأصبحنا بنعمة الله وهذا الدين وبقيادة الرسول العظيم آمنين من كل عادية. |
زيد: لقد كان لغزوة تبوك وانسحاب الروم فيها أمام المسلمين من الأثر أكثر مما كان لفتح مكة والانتصار في حنين. |
علقمة: بلى يا زيد... لقد شرع كل من أقام على شركه من أهل هذه الجزيرة يفكر في الدخول في الإسلام والانضواء في تلك الوحدة التي تستظل بعلم الإسلام ليكونوا بمنجاة من تحكم الروم والفرس جميعاً. |
زيد: بالصواب نطقت يا علقمة.. وهذا سر ازدحام المدينة بالوفود من أمراء القبائل العربية والدخول في الإسلام طائعين مختارين.. |
علقمة: صه يا زيد... اني أرى جابرا يسعى حثيثا صوبنا لعل لديه أخباراً.. |
زيد: إنه منافس خطير لك يا علقمة. |
علقمة: إنه من الملازمين على الأماكن التي يرتادها النبي صلى الله عليه وسلم.. |
جابر: السلام عليكما. |
علقمة وزيد: وعليك السلام. |
علقمة: ما وراءك يا جابر.. هل من جديد.. |
جابر: لقد رأيت عروة بن مسعود أحد سادة بني ثقيف المقيمين بالطائف يعلن إسلامه على يد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الصباح وحرصه على دعوة قومه للدخول في دين الله. |
زيد: ألا تذكر عروة بن مسعود يا علقمة.. لقد كان أحد الذين تفاوضوا عن قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية.. أتنسى كيف كان ذليق اللسان قوى الحجة والبيان. |
علقمة: بلى... بلى... تذكرته يا زيد.. أكمل حديثك يا جابر.. |
جابر: قال عروة للنبي صلى الله عليه وسلم إنه يعتزم الذهاب إلى قومه يدعوهم إلى الدين الذي دخل فيه.. |
علقمة: حسنا ما تقول. |
جابر: ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشجعه على عزمه هذا لأنه يعرف من تعصب ثقيف لصنعها اللات ومن تخونها وشدتها ما جعله يحذر عروة ويقول له: إنهم قاتلوك إنهم قاتلوك. |
زيد: وماذا قال عروة؟ |
جابر: كان عروة معتزاً بمكانه من قومه فقال: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبصارهم ثم ذهب إلى سبيله.. |
علقمة: لقد كان عروة مغروراً لعمرو الله. |
زيد: صدقت يا علقمة... وإني واثق من أن قومه سيقتلونه.. فإنني لا يكذب.. وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى.. ثم أصوات غمغمة وهمهمة تدل على اجتماع عام ثم صوت أحدهم يقول): |
أحدهم: يا قوم.. لقد صبأ عروة بن مسعود وعاد من عند محمد يسفه آلهتنا ويعيب علينا عبادتنا للات.. فماذا تشيرون؟ |
الثاني: أرى أن نقطع لسانه.. وإن لم يكف قطعنا عنقه.. |
الثالث: أنسيتم عشيرته.. |
أحدهم: لا.. ولكنهم قوم عقلاء لا يسمحون لصابىء كعروة أن يقدح في آلهتهم ويطعن في صميم عقيدتهم. |
الثاني: أرى أن نأخذ من كل فخذ من ثقيف شاباً جلداً شجاعاً ثم نتربص لعروة بن مسعود فإذا قام يؤذن كما يفعل أصحابه للصلاة رموه رمية رجل واحد بالنبال.. ولا شك أنهم قاتلوه وبذلك يضيع دمه بين أفخاذ ثقيف ولن تستطيع عشيرته الأخذ بثأره.. ويذهب دمه هدراً.. |
أصوات: نعم الرأي.. نوافق عليه.. |
أحدهم: هيا انتقوا لي عشرة من شباب ثقيف وأرسلوهم إليّ واتركوا لي تنفيذ المهمة. |
الجميع: حسنا...حسنا... موافقون.. |
أحدهم: هيا نترصد داره حتى إذا صعد للآذان على داره رميناه بالنبال فلن يسمع له صوت بعد ذلك. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى مخيفة ثم سكون يعقبه صوت عروة وهو يخاطب زوجه): |
عروة: يا أم مسعود ها هي تباشير الفجر تلوح في الأفق.. لا تصعد إلى سطح الدار للآذان. |
أم مسعود: يا أبا مسعود هلا أذنت في ساحة الدار بدلا من العلية.. |
عروة: ولماذا يا أم مسعود هل توجست من شيء؟ |
أم مسعود: لقد سمعت أمس بعضهم يتهامسون فيما بينهم سخطا على ما تفعل.. |
إنك بما تفعل تقوم بعمل ضد آلهتهم وأنت تعلم تعصب ثقيف لصنمهم اللات. |
عروة: سيأتي اليوم الذي تهشم فيه اللات على رؤوس عابديها.. |
أم مسعود: إنه ولا شك يوم قريب إن شاء الله ولكني لا أربد أن تذهب أنت الضحية الأولى في هذا السبيل. |
عروة: أتخشين علي سفهاء بني ثقيف.. إني أعرف كيف أؤدبهم. |
أم مسعود: لقد محضتك النصح وأنت أعلم بقومك مني.. إني غريبة عن ثقيف ولكن قلبي منقبض هذا الصباح فهلا أصغت إلى قولي.. |
عروة: ليكن ما يكون.. ولا راد لما قضاه الله وقدره.. إني صاعد للآذان. |
أحد المؤتمرين: انظروا ها هو عروة يصعد للعلية للأذان.. استعدوا وانتظروا مني الاشارة.. |
(نسمع صوت عروة بن مسعود يؤذن لصلاة الصبح).. |
عروة: الله أكبر... الله أكبر... الله أكبر.. الله أكبر.. |
أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله... أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن محمداً رسول الله.. أشهد أن محمداً رسول الله.. |
أحد المؤتمرين: هيا اقتلوا عدو آلهتكم.. هيا اقتلوا عروة بن مسعود. |
(نسمع أصوات النبال.... ثم صوت عروة بن مسعود يصرخ): |
عروة: ويحكم يا أعداء الله. تقتلون رجلاً يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يا لبني هذيل.. يا لبني سفيان.. أدركونا...خلصونا.. |
(نسمع هرجاً ومرجاً وركضاً وحركات أناس هاربين، ثم صوت أحد المؤتمرين يقول): |
أحد المؤتمرين: قُتل عروة.. قُتل عروة.. اهربوا قبل أن يعرفكم أحد.. |
أم مسعود: احملوا معي عروة.. لقد أصابه سهم قاتل.. إنه يسلم الروح.. اعدوني.. وارجلاه... وارجلاه.. قتله الخونة الغادرون.. |
عروة: لا تبك يا أم مسعود.. إنها كرامة اكرمني الله بها.. وشهادة ساقها الله لي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم.. إني أموت في سبيل هذا الدين فإذا مت فادفنوني مع هؤلاء الشهداء.. |
أم مسعود: مات..... مات....وامصيبتاه.. |
أحدهم: بل قولي يا أمة الله. إنا لله وإنا إليه راجعون.. |
أم مسعود: إنا لله وإنا إليه راجعون... |
أحدهم: لن يذهب دمك هدراً يا عروة... ستعرف كيف يثأر من قاتليك. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى ثم صوت زيد يقول): |
زيد: وفي هذه المرة خذ مني أنا يا علقمة الأخبار.. |
علقمة: قل.. قل... |
زيد: أتذكر حديثنا عن عروة بن مسعود؟ |
علقمة: نعم وماذا جرى له.؟؟؟؟؟ |
زيد: ذهب إلى الطائف فدعا قومه إلى الإسلام فتشاوروا فيما بينهم ولم يبد له رأيا فلما كان الصباح قام عروة على علية له ينادي إلى الصلاة فلم يطق قومه صبرا فرجموه بالنبل من كل جهة فأصابه سهم قاتل. |
علقمة: رحمه الله.. لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حذره فما انصاع فذهب ضحية غروره واعتداده بمكانته من قومه. |
زيد: رحمه الله رحمة واسعة.. إن دمه لم يذهب هدرا يا علقمة.. إن عشيرة عروة أصبحت تترصد لقتلاه فكل من شاهدوه منهم قتلوه وقالوا فدا لعروة - وهكذا ايقنت ثقيف إنها لم تجد سبيلاً إلى صلح أو هدنة مع المسلمين فمصيرها إلى الفناء. وهكذا ائتمروا فيما بينهم وتحدثوا إلى كبيرهم (عبد يا ليل) كي يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه صلح ثقيف معه. |
علقمة: وهل (عبد يا ليل) موجود الآن بين ظهرانينا في المدينة؟ |
زيد: لقد وصل إلى المدينة اليوم مع خمسة من وجوه ثقيف، هلم نشهد دخولهم على النبي صلى الله عليه وسلم. |
علقمة: هلم بنا.. هلم بنا.. |
(نسمع همهمة وغمغمة وأصوات تعلو وتخفض مما يدل على اجتماع هام ثم صوت زيد يقول): |
زيد: ها هو وفد ثقيف يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيحيونه تحية الجاهلية رغم أن المغيرة بن شعبة علمهم تحية الإسلام ـ إنهم ما يزالون يعتزون بقوميتهم. |
جابر: انظر هناك يا زيد لقد ضربت لوفد ثقيف قبة خاصة في ناحية من المسجد أقاموا بها يصرون على الحذر من المسلمين وعدم الطمأنينة إليهم وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله في مفاوضاتهم إياه فكانوا لا يطعمون طعاما ياتيهم من عند النبي حتى يأكل منه خالد. |
زيد: إذن كان خالد بن العاص يقوم بالسفارة يا جابر؟ |
علقمة: صه يا زيد.. وأنت يا جابر إن (عبد يا ليل) رئيس الوفد يتكلم. |
عبد يا ليل: يا محمد إننا مستعدون للإسلام ولكننا نطلب منك إلا تهدم صنعنا اللات قبل ثلاث سنين |
زيد: وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يأبى إباء حاسماً لا تردد فيه ولا هوادة إلا أن يهدم اللات. |
عبد يا ليل: دع اللات لنا سنتين أو سنة أو شهرا واحد بعد انصرافنا من عندك إلى قومنا. |
زيد: وها هو الرسول يصر على هدم اللات فالإنسان إما أن يؤمن وإما ألا يؤمن وبقاء اللات دليل على أنهم لا يزالون يداولون عبادتهم بينها وبين الله جل شأنه وهذا إشراك بالله والله لا يغفر أن يشرك به. |
عبد يا ليل: يا محمد اعفنا من الصلاة. |
زيد: انظر ها هو وجه الرسول صلى الله عليه وسلم يربد وها هو يرفض طلبه ويقول له: |
إنه لا خير في دين لا صلاة فيه.
|
|