الحلقة ـ 83 ـ |
(سكون مطبق ثم صوت أحد المنافقنين يقول): |
منافق (1): لقد عاد محمد من تبوك وكنا نظن أنه لن يعود.. |
منافق (2): لقد مد الله في عمره لكي يصلي في مسجدنا بذي أوان فقد جئته وجماعة من أصحابنا وهو يتجهز لغزوة تبوك فقلنا له يا رسول الله: قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة وقد أجاب إني على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا إن شاء الله تعالى لأتيناكم فصلينا لكم فيه. |
منافق (1): وها هو محمد يعود فلماذا لا نستنجزه وعده ليصلي فيه ويكون مكانا مأمونا لأعوان ابن عامر الراهب الذين يقدمون برسائل من الشام حول المهمة التي ذهب من أجلها للاستعانة بالروم لضرب محمد وأصحابه. |
منافق (2): ونصبح بعدها أيضا في أمان وتسير مؤامرتنا في التفرقة بين المسلمين في خطها المرسوم وينفسح أمامنا المجال لتحريف ما يدعون إنه كلام الله عن مواضعه فنضرب دين محمد ضربة عجزت عنها السيوف والرماح في ساحات القتال. |
منافق (1): هلم بنا نستطلع رأي لبني سلول في دعوة محمد للصلاة في المسجد. |
منافق (2): ولكن أبي سلول مريض. |
منافق (1): ولكن ذلك يخفف عنه وطأة المرض بل يهون عليه الموت وهو مرتاح إلى أن غراسه قد قويت جذورها. |
منافق (2): هيا بنا.. هيا بنا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى صاخبة ثم صوت علقمة يقول): |
علقمة: الي يا زيد.. إلي يا زيد.. |
زيد: هل من أخبار جديدة؟ |
علقمة: نعم يا زيد.. |
زيد: ما وراءك؟ |
علقمة: هلم نشهد موكب خالد بن الوليد ومعد أكيدر بن عبد الملك الكندي وما حمل من دومة الجندل من إبل وشاة وبر ودروع.. |
زيد: هيا بنا.. هيا بنا.. |
(نسمع موسيقى حربية وحوافر خيل وهمهمة وغمغمة وأصوات تدل على جمع يزحف): |
علقمة: انظر يا زيد هنا هو أكيدر على ظهر فرسه وعليه حلة من ديباج موشي بالذهب تبهت الأنظار. |
زيد: حقاً يا علقمة ما رأت عيني حلة بهذا الجمال والفخامة. |
علقمة: ما أروع خالد بن الوليد من قائد بارع بخمسمائة فارس انقض على دومة الجندل في غفلة من مليكها الذي خرج في ليلة مقمرة ومعه أخ له يسمى حسان يطارد البقر الوحش فلم يلق خالد مقاومة تذكر فقتل حسانا وأخذ أكيدر أسيرا وهددوه بالقتل إن لم تفتح دومة أبوابها.. |
زيد: لله درك يا خالد.. وماذا بعد ذلك؟ |
علقمة: وفتحت دومة الجندل أبوابها لأميرها. |
زيد: يا ليتنا اشتركنا في هذه السرية.. انظر يا علقمة أرتال الغنائم يسوقها أصحاب خالد أتدري مقدارها يا علقمة؟ |
علقمة: علمت أنها ألف بعير وثمانمائة شاة وأربعمائة وسق من بر وأربعمائة درع.. هيا بنا نشهد دخول أكيدر على النبي صلى الله عليه وسلم. |
زيد: هيا بنا.. هيا بنا.. |
(نسمع ترحيل الفرسان وأصوات الأباهر وثغاء الشاة ثم صوت علقمة يقول): |
علقمة: ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمل خالد بن الوليد بعطفه وتقديره ويحتفى بأسيره ويعرض عليه السلام. |
زيد: صه يا علقمة... اسمع ما يقوله أكيدر؟ |
أكيدر: كنا نتنسم أخبارك ونتتبع حركاتك، ونعتز بانتصاراتك ونفخر بها على أعدائنا وأعدائك. ولو لم يغزنا خالد بن الوليد لجئناك طائعين مختارين قائلين: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله. |
(نسمع أصوات استحسان من الحاضرين تقول: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر..) |
علقمة: لقد أشرق محيا رسول الله سروراً وحبوراً بإسلام أكيدر وها هو يشمله بعنايته ورعايته. |
(نقلة صوتية نسمع على أثرها صوت عبد الله بن أبي سلول يقول بصوت متهدج): |
ابن سلول: مرحبا بكم يا أبنائي ويا عدتي وعديدي.. |
أحد المنافقين: عشت.. |
ابن سلول: شكراً لكم وبورك فيكم. |
احد المنافقين: لقد جئنا نستشيرك في دعوة محمد للصلاة في مسجدنا فبم تشير؟ |
ابن سلول: لو كانت صحتي تساعدني لذهبت معكم.. والرأي أن تسرعوا في دعوة محمد للصلاة في المسجد حتى نأمن جانب المسلمين ويخلو لنا الجو لتحريف دين محمد وإلقاء بذور الخلاف والتفرقة بين صفوف المسلمين.. |
منافق ثاني: ألا تستطيع أن تتحامل على نفسك وتأتي معنا.. |
ابن سلول: حبذا ذلك يا بني ولكني أرى ظلال أيامي تتقاصر ونذر المنية تطالعني صباح مساء والبركة فيكم سيروا في طريقكم واحملوا الأمانة من بعدي ولا تالو جهداً في الكيد والنيل.. من هذا الدين الذي جاء به محمد. |
أحد المنافقين: سنكون عند حسن ظنك بك.. نعاهدك بأننا سنحمل الأمانة بكل صدق وإخلاص. |
ابن سلول: هيا سيروا إلى محمد.. سيروا إليه.. |
(نقلة صوتية).. |
أم حابس: تتحدث المدينة عن المسجد الجديد الذي بناه ثعلبة بن حاطب ورفقاه يا أم مازن؟ |
أم مازن: يقال أن عدد المشتركين في نفقات البناء اثنا عشر رجلاً على رأسهم ثعلبة بن حاطب ومنهم خذام بن خالد وأبو حبيبة بن الأزعر وغيرهم |
أم حابس: قلت يا أختاه رئيسهم ثعلبة بن حاطب لا إن رئيسهم هو الأفعى عدو الله ابن سلول. |
أم مازن: وماذا يهدفون من وراء بناء هذا المسجد.. أما يكفيهم مسجد قباء. |
أم حابس: أخبرني زوجي جابر أن بناة هذا المسجد يقصدون الدس والوقيعة بين المسلمين لأنهم من المنافقين.. |
أم زمان: إن لنا أن نبطش بالمنافقين بطشة لا تقوم لهم بعدها قائمة. |
أم حابس: إن عين الرسول صلى الله عليه وسلم لا تنام.. لقد علمت أن هذا المسجد وكر تحاك فيه المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين ولا شك أنه سيهدم على رؤوس من بنوه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
علقمة: إليّ يا زيد.. إليّ يا زيد.. اسرع.. |
زيد: ما وراءك من أخبار؟ |
علقمة: جاء جماعة من المنافقين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنجزونه وعده بالصلاة في مسجدهم الذي بنوه باوان. |
زيد: وهل قبل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في المسجد الشقاق؟... |
علقمة: لقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا المسجد كان يأوي جماعة من المنافقين يحاولون أن يحرفوا كلام الله من موضعه ليفرقوا بذلك ما بين المؤمنين.. ثم نزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم فكشف ما يرمي إليه هؤلاء المنافقون.. |
زيد: وما الذي جاء به الوحي من عند الله تعالى. |
علقمة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ . أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة: 107 ـ 110).. |
زيد: صدق الله العظيم... وماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن نزل عليه الوحي بما قرأت.. |
علقمة: دعا صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشين ومعن بن عدي ووحشيا قاتل حمزة رضي الله عنه وقال لهم: انطلقوا إلى المسجد الظالم أهله فاحرقوه واهدموه على أصحابه..
|
(نقلة صوتية).. |
مالك: هيا أصحابي نجرى ونشتد في جرينا قبل أن تطفأ نيران سعف النخل. |
(نسمع ركضهم ووقع ارجلهم وفسيح انفاسهم ثم صوت مالك يقول): |
مالك: اشعلوا النار في مسجد الشقاق ولا تأخذكم رحمة ولا شفقة على من فيه فهم منافقون. |
(نسمع أصوات تصرخ). |
الأصوات: حريقة.. حريقة.. النار.. النار.. |
اهربوا قبل أن تأكلكم النار... |
(أصوات تصرخ وأنين ووقع حوافر قوم فارين). |
وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (التوبة: 107).. |
علقمة: لقد أحرق المسلمون المسجد الضرار وهدم ما تبقى منه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ من موضعه كنانة تلقي فيها الجيف والقمامات. |
زيد: يا له من درس ارتعدت له فرائص المنافقين فخافوا وانزلوهم كالفيران في جحورها.. |
(نقلة صوتية).. |
أم حابس: أما قلت لك يا أم مازن أن عينيّ الرسول صلى الله عليه وسلم لن تغفل عن هؤلاء المجرمين لقد دك مسجدهم دكا.. |
أم مازن: إن قلبي لن يستريح يا أم حابس ما دام رأس النفاق على ظهر الحياة. |
أم حابس: أتعنين ابن سلول؟ |
أم مازن: نعم يا أختاه |
أم حابس: إنه يرقد على فراش الموت وفي ساعاته الأخيره. |
أم مازن: أرجو له العاجلة لنتخلص من شروره ومكايده ودسائسه... |
(نسمع ضجيجاً وهرجاً ومرجاً ولغطاً وأصوات أباعر ووقع حوافر الخيل ثم صوت زيد يقول): |
زيد: ما هذه الجلبة وما هذه الحشود من الناس كأننا في موسم الحجيج يا علقمة.. |
علقمة: إنها وفود القبائل العربية تزحفهن كل صوب وفج أفواجاً افواجاً لتدخل في دين الله طائعة مختارة. |
زيد: لا شك أن هذا التزاحم المنقطع النظير من العرب على الدخول في الإسلام هو بعض نتائج غزوة تبوك. |
علقمة: لعل لغزوة تبوك أثراً بعيداً في ذلك ولكني أرى أيضا أن للدين الإسلامي نفسه الأثر الأكبر والأعظم في تهافت القبائل العربية على الدخول فيه. |
زيد: انظر يا علقمة إني أشاهد جمعاً من الناس أمام دار عبد الله بن سلول. |
علقمة: لعله هلك فقد علمت أنه يحتضر منذ أمس.. |
زيد: ها هو عباد بن حنيف قادم من دار ابن سلول سله يا علقمة. |
علقمة: يا عباد... يا عباد.. |
عباد: ماذا تبغي يا علقمة؟ |
|