الحلقة ـ 81 ـ |
علقمة: هيا بنا.. هيا بنا.. فالمنافقون ما يزالون مجتمعين مع بعض اليهود في منزل سويلم اليهودي وعلى كل فرد أن يضع ما يحمل من الحطب والأعشاب اليابسة في الأماكن التي أحددها لكم حول منزل سويلم، ثم عندما أعطيكم الإشارة أشعلوا النار وليحترق البيت على من فيه فانهم يستأهلون حرق الدنيا قبل الآخرة. |
(نقلة صوتية).. |
جد بن قيس: سأقوم أنا بنشر الرعب والفزع بين الخزرج فإن لي بينهم معارف وأقرباء أستطيع أن أسيطر عليهم واقنعهم بالتخلف.. وأنت يا سويلم إلى أين ستتجه؟ |
سويلم: أما أنا يا جد بن قيس فسانطلق ومعي عزرا وسماك إلى الأعراب المجاورين للمدينة فأكثر شيوخهم مدينون لي وسأعرف كيف استغل هذا الدين إلى أبعد حد. |
أحدهم: وأنا طريقي إلى الأوس والمهاجرين فإن من بينهم فقراء لا يستطيعون أن يجدوا ما يقفون فقد شاهدت عدداً غير قليل منهم هذا اليوم وهم في حالة فظيعة من التفكير في تدبر أمر خروجهم.. |
صوت: حريقة... حريقة.. |
صوت: النار... النار... يا قوم.. انجوا بأبدانكم قبل أن تأكلكم.. |
صوت: لقد حاصرتنا النيران من كل جهة.. فالقوا بأنفسكم من النوافذ والاسطحة.. |
صوت: ولكن سهام أصحاب محمد بالمرصاد.. |
صوت: السهام ولا الحرق بالنار. |
(نسمع أصوات ذعر وهلع ثم صوت سقوط جسم من كل مكان عال على الأرض يتبعه صوت يقول): |
صوت: آه... آه... كسرت رجلي... كسرت رجلي.. آه.. آه.. |
أصوات: هذا جزاء المنافقين.. |
طلحة: احملوه واقتفوا آثار الفارين.. |
(نقلة صوتية).. |
راشيل: وأخيراً وقعنا في أيدي المسلمين يا سويلم.. لقد نصحتك كثيراً بالإخلاد إلى السكينة والانتظام مع المنتظمين تحت لواء الإسلام بعد ما أمنك محمد على ما لك وأرضك وضمن لك الحرية الدينية ولكنك ظللت تسعى كالباحث عن حتفه بظلفه. |
سويلم: صحيح ما تقولين يا راشيل.. لقد منحنا الإسلام حرية العقيدة والأمن والطمأنينة ولكن. |
راشيل: ولكن ماذا يا سويلم.. ماذا.. قل.. هل هنالك عدالة بعد الإسلام. |
سويلم: إن كرهي للإسلام يجري في دمي وما يجري في الدم لا يمكن تغييره بسهولة.. |
راشيل: يجب أن ينزف جسمك حتى استريح من متاعبك.. ومشاكلك كل يوم وأنت تدبر أو تحوك مؤامرة ضد المسلمين.. ولعلّها هذه الليلة آخرة أيامك. |
سويلم: أأصبحت تكرهينني إلى هذا الحد يا راشيل.. إذن مرحباً بالموت بعدك يا راشيل. |
راشيل: على نفسها جنت براقش.. |
(نقلة صوتية) |
علقمة: لقد كان لهذه الشدة التي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بها المنافقين أثرها في قلوب المرجفين وضعاف الايمان يا زيد.. |
زيد: بلى يا علقمة.. ما أشد الفارق بين من يعمل في سبيل الله ومن يعمل في سبيل الشيطان ها هو عثمان بن عفان وغيره من الموسرين يقدمون جل ما عندهم من أجل تجهيز هذا الجيش. |
علقمة: لقد بلغ هذا الجيش حتى الآن ثلاثين ألفاً.. وقد لاقى النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل تكوينه الأهوال.. وخاصة في هذه الفترة العصيبة. |
زيد: سمعت بعضهم يطلق على هذا الجيش جيش العسرة.. فإن الرسول لم يستطع أن يحمل معه إلا القادرين واعتذر إلى الفقراء وقال: لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون.. |
علقمة: لقد تألمت كثيرا يا زيد وأنا أراهم يبكون بكاء الثكالى والأيامي.. |
زيد: أنت تألمت لهؤلاء.. اما أنا فحنقت لأولئك الذين تخلفوا وتقاعسوا واعتذروا بأعذار واهية وخاصة كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية.. إنهم أغنياء أصحاء ومع ذلك تخلفوا وتقاعسوا وآثروا الظل والنعمة واللذة على إيمانهم وعلى رضا الله عنهم. |
علقمة: إنهم ولا شك سيندمون حين لا ينفع الندم.. |
المنادى: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. رسول الله يأمركم بالخروج إلى تبوك.. فسارعوا وبادروا إلى الجهاد في سبيل الله اثابكم الله. |
زيد: هيا بنا يا علقمة.. هيا بنا فقد دعانا الداعي.. |
علقمة: هيا بنا.. هيا بنا.. |
(نسمع حركات الجيش الضخم.. فمن صهيل الخيل إلى قعقعة السلاح إلى صليل السيوف.. إلى أصوات تعلو وتهبط إلى تهليل وتكبير... إلى).. |
إحدى النساء: ما شهدت المدينة جحفلاً جراراً كهذا.. اللهم انصرهم واكتب لهم السلامة. |
سيدة أخرى: ما أعظم قوة العقيدة يا أختاه.. إنها تستهين بالصعب في سبيل إعلاء كلمة الله.. وتسترخص النفس والنفيس لرفع رايات الدعوة للإسلام. |
السيدة الأولى: إن هذا الجيش العرمرم يتوجه مخترقاً الصحراء صوب الشام مستهيناً في سبيل الله بالحر والظمأ والمسغبة.. |
السيدة الثانية: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز. |
السيدة الاولى: انظري يا أختاه.. ها هو عدو الله ابن سلول رأس النفاق والمنافقين يعود بمن معه إلى المدينة.. |
السيدة الثانية: لقد ضعفت ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بابن سلول وبصحة إيمانه. |
السيدة الأولى: قاتل الله هذا العجوز المنافق.. أرجو أن يخلصنا الله منه ومن شروره.. |
السيدة الثانية: انظري إليه إن السنون قد أحنته وها هو يسرع الخطى نحو لحده.. |
السيدة الأولى: إلى جهنم وبئس المصير. |
(نسمع صوت حوافر خيل ابن سلول ومن معه تمر).. |
علقمة: يا إلهي.. إن الريح تسفى.. وغبارها يعمى أبصارنا وسمائمها تلفح وجوهنا بسياط من نار.. |
زيد: وذرات الرمال يا علقمة أنسيتها؟!.. |
علقمة: في سبيل الله نستعذب الآلام.. أن رسول الله يتعرض لما نتعرض ومع ذلك فلم تفارق البسمة محياه.. الشريف... |
زيد: نعم يا علقمة.. إن لنا في رسول الله أسوةً حسنةً.. |
(نسمع عويل الرياح وزئير العواصف وصوت ابن سلول يقول): |
ابن سلول: لقد خرجت كارهاً الخروج وقد أراحني محمد من وعثاء هذا السفر في حمارة القيظ.. لكأني بأصحاب محمد تدفنهم الرمال السافية في بادية الشام المقفرة. |
جد بن قيس: أن من ينجو من الصحراء لن ينجو من سيوف الروم.. إن مصير هذه الجموع الفناء المحتوم. |
(نقلة صوتية).. |
ريا: اليوم شديد الحرارة.. رشي عريشك يا وطفاء وأنا سأرش عريشي وأرضها.. |
وطفاء: إن الأرض أشبه بالنار الموقدة ولا شيء يطفئها إلا الماء يا ريا.. وعريشي قد فرغت من رشها وأنا بانتظار أبي خيثمة.. |
ريا: لقد أحسن صنعاً بنفسه حين تخلّف عن الخروج إلى تبوك.. |
وطفاء: انظري ها هو أبو خيثمة قادم.. وهو يسرع الخطى إلينا. |
أبو خيثمة: ما هذا النعيم الذي تعيشان فيه... |
ريا: لقد هيأناه من أجلك يا أبا خيثمة. |
أبو خيثمة: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضنك والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وماء مهيأ وامرأة حسناء. ما هذا بالنصف.. والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم.. ريا... هيا قومي وهيء إليّ المزاد وأنت يا وطفاء الي بسيفي ورمحي.. وسأذهب لأسرج فرسي. |
(نسمعه وهو يمتطي فرسه ثم وقع حوافرها وصوت زوجتيه تقولان): |
الزوجتان: رافقتك السلامة.. رافقتك السلامة يا أبا خيثمة.. |
(نقلة صوتيه مسبوقة بموسيقى.. ثم أصوات مبهمة تدل على اجتماع عام).. |
قباذا: إننا نجتمع اليوم على حدود الجزيرة العربية للتداول والتشاور فيما وصلني من أخبار ومعلومات عن مدعي النبوة في الجزيرة.. |
جورجيوس: وهل من جديد عنه أيها القائد الكبير.. |
قباذا: بلغني من تجار الأنباط مدعي النبوة هذا حين بلغه تجمعنا على حدود الجزيرة استنفر أهل المغينة والقبائل العربيه فهرعوا إليه بالألوف.. |
جورجيوس: إذن ما بلغنا من قبل متنصرة العرب في الشام إن مدعى النبوة في حالة من البؤس والضنك والجوع غير صحيح.. |
قباذا: نعم غير صحيح ومتى صدق إعراب الشام في أقوالهم وأفعالهم.. |
جورجيوس: ما قلته عن عرب الشام هو الحقيقة أيها القائد المحنك.. فماذا ترون يا سيدي القائد!!! |
قباذا: أن أتباع مدعي النبوة هذا قدموا ما عندهم من الأموال والمنتوجات في سبيل تجهيز جيش عرمرم.. |
جورجيوس: عجيب أمر مدعي النبوة هذا.. لقد سحر العرب بقرآنه وحديثه وبيانه من كان يصدق أن هؤلاء الحفاة العراة الذين تعودوا على النهب والسلب والقتل والغدر يستكينون في عشر سنوات لا تلين قناتهم وتتصقل أنفسهم وتتوحد أهدافهم ومشاريعهم.. |
قباذا: إن محمداً هذا رجل عظيم وخطر جلل على إمبراطوريتنا. ولا شك أن فيه من صفات الزعامة ما مكنه من السيطرة على هؤلاء الحفاة العراة وقطاع الطرق.. |
جورجيوس: الدين يا سيدي القائد.. الدين خير موحد للقلوب المتنافرة... لقد جاءهم محمد بدين جديد فاستطاع بهذا الدين وبما أوتي بن مؤهلات وقدرات على تأليف القلوب وضم الصفوف.. |
قباذا: هكذا كانت المسيحية قبل أن تتلاعب بها الأهواء والنحل والطائفية نعم.. نعم.. ولكن أرانا خرجنا عما اجتمعنا من أجله. أليس كذلك.. |
جورجيوس: لا يا سيدي بل نحن في صميم الموضوع.. |
قباذا: لقد استشرت الإمبراطور حين علمت بخروج هؤلاء المسلمين.. وقد ترك لي الخيار في القتال أو الانسحاب قبل مجيئهم.. فماذا ترون؟!.. |
جورجيوس: أرى أن إمبراطورية الروم ليست في وضع حربي سليم يؤهلها للدخول في حرب جديدة وجراح وكوارث حربها مع الفرس لمّا تنته بعد.. |
قباذا: صحيح ما تقوله يا جورجيوس.. إن مصائب حروبنا مع الفرس ما تزال قائمة ودخولنا في حرب مع المسلمين ربما يشجع الفرس على مهاجمتنا للانتقام من الهزيمة التي لحقتهم منا.. |
جورجيوس: ولكن يا سيدي القائد.. |
قباذا: ولكن ماذا يا جورجيوس؟ |
جورجيوس: إذا تابع المسلمون زحفهم إلى الشام عندها أرى لا مناص من القتال.. |
قباذا: هو الرأي يا جورجيوس.. هو الرأي.. وعندها تكون الفرصة مؤاتية لنا لضربهم ضربة قاصمة لأنهم سيكونون بعيدين عن طريق تموينهم وقياداتهم بينما نكون نحن في أرضنا وديارنا ومراكز تمويننا. |
جورجيوس: إذن تأمرون بالانسحاب.. |
قباذا: هذا ما أرى والرأي لجميع الحاضرين.. |
أصوات: موافقون.. موافقون.. |
(نسمع نفير جيش الروم الدال على تحركهم وانسحابهم ثم صوت علقمة يقول): |
علقمة: إليّ يا زيد... إليّ.. |
زيد: ما وراءك... أأخبار جديدة!.. |
علقمة: بلى... اسرع.. اسرع.. |
زيد: ها أنذا... قل ما عندك.. |
علقمة: هيا نشهد دخول يوحنا بن رؤبة على النبي صلى الله عليه وسلم.. |
زيد: ومن هو يوحنا بن رؤبة.. |
علقمة: هو صاحب أيلة وأحد الأمراء المقيمين على الحدود وقد وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم. رسالة أن يذعن أو يغزوه.. |
زيد: يلوح أننا لن نقاتل الروم فإني لا أرى أو أسمع عنهم شيئاً.. |
علقمة: إنهم آثروا الانسحاب بعد أن علموا بمسيرتنا.. |
(نسمع حركة تدل على قدوم جمع من الناس ثم صوت علقمة يقول): |
علقمة: انظر يا زيد.. ها هو يوحنا بن رؤبة يقبل وعلى صدره صليب من ذهب. |
زيد: إنه مسيحي.. |
علقمة: نعم.. لم يدخل في الإسلام.. بل آثر دفع الجزية.. انظر ها هو يقدم الطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم.. وها هي أرتال الهدايا تتبعه.. |
زيد: ها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يحتفي بيوحنا ويأمر بأن يكتب له كتاب الأمان. |
علقمة: صه يا زيد.. إن زيد بن ثابت يقرأ نص كتاب الأمان... |
بسم الله الرحمن الرحيم.. هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليوحنا بن رؤبة وأهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر.. لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر. فمن أحدث منهم حدثا فانه لا يحول ما له دون نفسه، وانه طيب لمحمد أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقاً يريدونه من بر أو بحر.... |
|