الحلقة ـ 64 ـ |
عروة: والآن ها نحن قد وصلنا إلى عتبة القصر.. وها هو المنبر الذيب يجب أن تضع عليه الرسالة وتنتظم مع المنتظرين مرور هرقل تقدم يا أخي وضعها.. لا تخف. |
دحية: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء.. |
عروة: حسنا فعلت يا دحية.. لقد وضعت الرسالة حيث يجب أن توضع.. هيا نتفيأ ظلال هذه الشجرة ريثما يمر هرقل في طريقه إلى القصر. |
دحية: أيطول انتظارنا يا عروة؟ |
عروة: لا يا أخا العرب.. أين رفيقك بالأمس. |
دحية: أتعنى عدي بن حاتم.. |
عروة: نعم.. |
دحية: لقد عاد من حيث أتى بعد أن أسلمني إليك. |
(يسمع ضجيجاً وهرجاً ومرجاً ولفظاً وجموعاً تزحف فيقول عروة): |
عروة: أنظر إلى هذي الجموع إنها تساق كالأنعام لتحي هرقل حين مروره. |
دحية: ومن يسوق هذه الجموع يا عروة؟ |
عروة: إنهم حكام هرقل المنافقون.. إنهم يستأجرون هذه الغوغاء بالدراهم لتصفق لهرقل حين مروره ولتدخل في روعه مبلغ إخلاص هذا الشعب ووفائه له. |
دحية: وهل الاخلاص والوفاء يستأجران في هذه البلاد؟. |
عروة: نعم يا دحية.. إننا هنا نعيش حياة كلها خداع وغش.. ودس ومكر وإلحاد وكفر.. إنّ عقلاءنا ينتظرون الفرج من عند الله ويتطلعون في لهفة وترقب إلى محمد بن عبد الله فقد يكون على يديه انقشاع هذه الغمة وانفراج هذه الأزمة. |
دحية: ابشر يا أخا العرب سيكون خلاص هذه الأمة من محنتها على يد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. |
عروة: صلى الله عليه وسلم. |
دحية: أمسلم أنت يا أخي. |
عروة: لا يا أخا العرب ولكني وجدت لساني يدافع مما في نفسي. يقول صلى الله عليه وسلم. |
دحية: ولم لا تهتدي بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. |
عروة: كيف السبيل إلى ذلك.. قل لي.. |
دحية: قل معي: أشهد أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله. |
دحية: هنيئاً لك بالهداية يا أخي عبارة بسيطة خرجت بها من الظلمات إلى النور ومن دياجي الشرك إلى إشراقة الإيمان.. سأعلمك يا أخي ما بقيت ما يجب أن تعرفه عن هذا الدين.. |
عروة: جزاك الله عني خير الجزاء.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. |
دحية: لقد طال وقوفنا مع هذه الجموع المحتشدة. |
عروة: هل تفعلون مع محمد كما نفعل نحن مع قيصر الروم. |
دحية:
((ضاحكاً)) لا يا أخي.. أن نبينا يعيش كأحدنا لا فرق بيننا وبينه في المأكل والمشرب والمسكن.. إنه يسكن بيتا من اللبن يكاد رأسه يدق بسقفه كلما دخله.. إنه يلبس الثوب الخشن والكساء البسيط كأي فرد من إخوانه المسلمين.. إنه كثيرا ما ينام في العراء وفي المسجد لا حارس ولا رقيب إنه يعصب على بطنه الحجر من الجوع عندما لا يجد ما يأكله، شعاره التواضع والتقوى والمحبة والأخوة والدعوة إلى توحيد كلمة المسلمين تحت راية الإسلام والتخلق بمكارم الأخلاق. |
عروة: ما أروع ما تقول يا أخي.. أين محمد من هرقل الذي يعيش مترفا في أبراجه العاجية وقصوره العالية وبين حشد من الجند والخدم والحشم يأكل في أوان من الذهب والفضة ويجلس على أرائك موشاة بالذهب ومطعمة بالأحجار الكريمة وينام على سرر وثيرة الرياش والفراش شعاره البطش والفتك والفسق والمجون والغش والخداع ونهب أموال الشعوب وتكديسها في خزائنه الخاصة. |
دحية: ما اجتمعت هذه الأمور في أحد أو أمه الا وكان نصيبه أو نصيبها الدمار والهلاك.. |
عروة: أجل.. إننا نترقب الوعد الحق بفارغ الصبر.. |
(صوت أبواق وتغير وتحركات جنود.. ثم وقع حوافر خيل وعربة تجرها عدة خيول.. وتصفيق حاد وهتافات مدوية). |
الهتاف: (عاش قيصر ملك القسطنطينية وانطاكية وأورشليم.. مرحى ملك الروم مرحى مرحى.. مرحى).. |
الجموع: تردد الهتاف وتشفعه بالتصفيق الحاد المدوي. |
عروة: هذا هو هرقل يا دحية.. انظر كيف تسجد له الجموع عندما تمر مركبته بهم. |
دحية: لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا يجوز السجود الا لله تعالى. |
عروة: إن من لا يسجد حين يمر القيصر به يعاقب بالإعدام شنقاً. |
دحية: يا الله ما أبشع حياة الظلم التي تعيشونها.. |
عروة: لقد مر القيصر.. هيا بنا نقترب من المكان الذي سيجلس فيه.. إنهم سينادونك إذا أخذ رسالتك فهيىء نفسك للمقابلة.. |
دحية: نحن على أتم استعداد.. |
(نسمع موسيقى ثم صوت بوق ونفير وصوت الحاجب يعلن).. |
الحاجب: جلالة ملك القسطنطينية وانطاكية وأورشليم وملك الروم. |
هتاف: يحي القيصر.. يحي القيصر.. يحيا… يحيا… يحيا.. |
((تردد الجماهير الهتاف وتشفعه بالتصفيق الحاد)).. |
عروة: ها هو القيصر يجلس للناس.. انظر إني أراه يتطلع إلى رسالتك.. لقد تناولها.. ها هو يسلمها إلى الترجمان الذي يسر إليه بشيغ.. انظر… إنه يدعو الحاجب ويصدر إليه أمراً.. بعد أن يسلمه الرسالة. |
)يعلن الحاجب بصوت عالٍ قائلاً وهو يمسك بالرسالة ويرفعها). |
الحاجب: من صاحب هذه الرسالة.. فليمثل أمام القيصر.. فليمثل أمام القيصر.. ليمثل أمام القيصر.. |
عروة: أسرع يا دحية إليه وعرفه بنفسك. |
دحية:
((يصرخ من بين الحاضرين)) يا أيها المنادي.. يا أيها المنادي إنني حامل هذه الرسالة إنها من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم. |
الحاجب: أقدم تشرف بالمثول بين يدي قيصر الروم. |
(يمشي دحية وعندما يواجه القيصر يقول): |
دحية: السلام على من أتبع الهدى. |
قيصر: وعليك السلام.. هل أنت حامل هذه الرسالة.. ما اسمك. |
دحية: نعم وأسمي دحية بن خليفة الكلبي. |
قيصر: هل أنت رسول من عند مدعي النبوة محمد؟ |
دحية: لا أيها الملك إني رسول من عند نبي صادق أمين بعثه الله رحمة للعالمين. |
قيصر: سننظر في أمر رسالتك غدا.. أيها الحاجب. |
الحاجب: أمر مولاي. |
قيصر: خذ هذا الرسول إلى دار الضيافة وأت به الغداة عندما ينتظم مجلس العرش. |
الحاجب : أمر مولاي. |
(نقلة صوتية وصوت همهمة وغمغمة من الجماهير الحاضرة وصوت يقول): |
صوت: لقد كان هذا العربي ثابت الجنان حاضر البديهة حلو البيان. |
صوت آخر: إنه ممن منبع اللغة العربية ومهدها.. |
صوت ثالث: إنه لم يسجد لقيصر حين دنا منه بل سلم عليه كما لو كان يسلم على أي شخص عادي. |
صوت رابع: أنسيت أنه مسلم؟.. والسجود عند المسلمين محرم لغير الله. |
صوت خامس: يلوح لي أنك مسلم بأمر هذا الدين الجديد الذي ظهر به محمد بن عبد الله في الجزيرة.. |
صوت سادس: إني أتعاطى التجارة مع القرشين وبعض المسلمين الذين يفدون إلى هذه البلاد |
صوت سابع: إن هذه الانتفاضة الجديدة سيكون فيها القضاء على الظلم والاستعباد. |
صوت ثامن: إنها فجر جديد يبزغ في سماء الجزيرة ثم يمتد رواقه لتستظل به العرب هنا وفي كل مكان. |
صوت: صه يا بشر.. صه.. أما تخشى عيون الروم.. إنهم منتشرون بين ظهرانينا اليوم أكثر من أي وقت مضى. |
صوت: سيأتي اليوم الذي نفقأ فيه هذه العيون وأسياد هذه العيون. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
قائد الشرطة: انطلقوا أيها الجنود وابحثوا في أرجاء أورشليم عن العرب الموجودين فيها وآتوني بهم جميعاً. |
(نسمع وقع أقدام وهم يخرجون).. |
قائد الشرطة: جوليوس… ممن تلقيت الأمر بالقبض على العرب الموجودين في أورشليم من القادمين من الجزيرة حديثا.. |
جوليوس: من قائد حرس القيصر.. إنه يريد من القبض على العرب حالياً في أورشليم أن نستقصى عمن يكون بينهم من هو أقرب نسبا وصلة بمحمد مدعي النبوة بالجزيرة. |
قائد الشرطة: أن أمر هذا النبي يقلق بال القيصر والامبراطورية جميعها. |
جوليوس: لقد بعث هذا النبي موفدا من عنده برسالة إلى القيصر وقد أكرم القيصر لقاء الموفد وانزله في ضيافته وأمر باحضاره غدا عندما يلتئم مجلس العرش. |
قائد الشرطة: إن هذا الاهتمام البالغ برسول محمد يدل على قلق القيصر من هذا المدعي للنبوة. |
شرطي:
((يدخل بعد أداء التحية ثم يقول)) لقد قبضنا على جميع العرب القادمين حديثاً من الجزيرة وهم بالباب. |
قائد الشرطة: ادخلهم في الحال. |
(نسمع أصوات دخولهم ثم صوت قائد الشرطة يقول).. |
انتخبوا بينكم من نوجه إليه السؤال ليجيب نيابة عنكم. |
أصوات: إننا ننتخب أبا سفيان بن حرب ليتكلم نيابة عنا. |
قائد الشرطة: حسناً فليكن.. يا أبا سفيان. |
أبو سفيان: نعم أيها القائد؟ |
قائد الشرطة: من من الحاضرين معك من العرب يمت بصلة وثيقة إلى مدعي النبوة محمد.. |
أبو سفيان: ولم هذا السؤال؟.. إن كثيرا من الحاضرين تربطهم بمحمد وشائج قربى ونسب. |
قائد الشرطة: إني أربد أن أعرف من منكم أشد قربى ونسباً إليه؟ |
أبو سفيان: إنني أنا أقربهم نسباً إلى محمد. |
قائد الشرطة: حسناً.. تبقى الليلة ضيفاً عندي وسنرسلك غداً إلى قيصر ملك الروم.. |
أبو سفيان: وهل أستطيع أن أعرف شيئا عن أسباب هذا الطلب؟ إنه ليشرفني أن أمثل بين يدي القيصر. |
قائد الشرطة: ما السائل بأعلم من المسؤول.. إني أجهل السبب كما تجهله أنت.. |
أبو سفيان: حسناً.. حسناً.. فليكن ما شاء القيصر. |
قائد الشرطة: أما أنتم أيها العرب فانصرفوا من حيث أتيتم.. |
((نسمع أصوات انصرافهم))
|
أبو سفيان: إن لي من بين هؤلاء العرب رفاقاً أرجو أن يكونوا معي عند المثول أمام القيصر |
قائد الشرطة: سيكونون معك كن مطمئنا.. شرطي … شرطي… خذ أبا سفيان وأجمعه بأصحابه وأنزل الجميع في إحدى دور الضيافة. |
أبو سفيان: عم مساءً أيها القائد. |
قائد الشرطة: عم مساء أبا سفيان. |
(نسمع صوت خروجه ثم صوت القائد يقول): |
جوليوس… جوليوس… |
جوليوس: نعم.. سيدي القائد. |
قائد الشرطة: ضع حرساً قوياً حول دار الضيافة التي سينزل بها أبو سفيان وأصحابه وراقبهم.. حذار أن يفر منهم أحد. |
|