الحلقة ـ 63 ـ |
صوت جهوري صادر من مكان سحيق:
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (سبأ: 28). |
(نقلة صوتية).. |
سعد: أكنت حاضراً يا زيد خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه هذا اليوم؟ |
زيد: نعم يا سعد. |
سعد: ماذا قال؟ |
زيد: قال ما معناه: أيها الناس إن الله بعثني رحمة وكافة فأدوا عني يرحمكم الله ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم. |
سعد: وهل وضح الرسول كيفية اختلاف الحواريين علي عيسى بن مريم؟ |
زيد: نعم قال: دعاهم عيسى لمثل ما دعوتكم له فأما من بعثه قريبا رضي وسلم وأما من بعثه مبعثاً بعيداً كره وأبي فشكا ذلك إلى ربه فأصبحوا وكل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وجه إليهم.. |
سعد: يلوح لي أنه صلَّى الله عليه وسلم يرغب في إيفاد رسل إلى ملوك ورؤساء خارج الجزيرة. |
زيد: هذا ما توضحه الخطبة ويعززه أمره صلى الله عليه وسلم بصنع خاتم يختم به رسائله للملوك. |
سعد: صحيح يا زيد. |
صوت جهوري:
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (سبأ: 28). |
سعد: انظر يا زيد.. إن علقمة مسرع إلينا ولا شك أن لديه حصيلة من الأخبار.. |
علقمة: السلام عليكما. |
زيد: وعليك السلام. |
سعد: وعليك السلام.. ما وراءك يا علقمة. |
علقمة: كل الخير.. لقد أوفد رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي برسالة إلى هرقل ملك الروم. |
زيد: أتعرف محتوى الرسالة يا علقمة؟ |
علقمة: لا يا زيد.. ولكن الذي أعرفه أن الرسول أمر دحية بن خليفة الكلبي أن يدفع بالرسالة إلى الحارث ملك غسان وهذا سيوصله إلى قيصر الروم. |
(موسيقى صاخبه.. وهرج ومرج ولغط.. وصوت الحاجب يعلن).. |
الحاجب: سيدي ملك غسّان.. رسول من عند محمد بن عبد الله نبي المسلمين يستأذن في الدخول.. واسمه دحية بن خليفة الكلبي.. |
الحارث: أدخله.. |
الحاجب: أمرك مولاي. |
الحارث: لعلّه رسول خير إلينا من محمد بن عبد الله. |
دحية: السلام على من اتبع الهدى. |
الحارث: وعليك السلام.. اجلس يا أخا العرب.. هات ما عندك؟ |
دحية: إنني أحمل رسالة من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم وقد أمرني أن أدفع بها إليك لتوصلني بها إلى هرقل فإن لك في قلبه صلى الله عليه وسلم مكانة ومنزلة خاصة.. |
الحارث: سنلبي رغبة محمد بن عبد الله والآن قل لي يا دحية ما هي أخبار نبيك وحروبه المتصلة ومعركته الأخيرة مع يهود خيبر. |
دحية: لقد انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على اليهود في خيبر ووادي القرى وتيماء وفدك وقضى على سلطانهم في الجزيرة العربية. |
الحارث: لقد أثلجت صدري بهذه الأنباء يا دحية.. إن اليهود كالمرض الخبيث يجب أن يجتث من جذوره حتى يشفى المريض منه. |
جبلة: إن هدنة العشر سنين التي عقدها محمد مع قريش قد دلت على بعد نظر محمد وعمق تفكيره وصائب رأيه كما أثبتت غباء قريش وسطحية يسوسون زمام أمرها. |
الحارث: كيف يا جبلة… قل وأوضح.. |
جبلة: إن هذه الهدنة وضعت محمداً موضع الند من قريش بعد أن كان في منزلة الثائر عليها… كما أعطته الفرصة الذهبية لنثر دعوته بعد أن أمن شر قريش.. إن قريشاً نظرت إلى مصلحتها التجاريه أكثر من نظرتها إلى قوميتها وسيادتها… إنهم تجار حاذقون غير أنهم بلهاء مغفلون في السياسة. |
دحية: صدقت أيها الأمير.. فقد دخل الناس أفواجاً أفواجاً في دين الإسلام حتى بلغ عدد المسلمين أضعاف أضعاف ما كانوا عليه قبل الهدنة. |
الحارث: إنني أتطلع إلى اليوم الذي يوحد فيه محمد الجزيرة تحت راية العروبة. |
دحية: والإسلام أيها الملك الهمام. |
الحارث: والإسلام.. إنه يهمني أن يتوحد العرب تحت لواء العروبة أو الإسلام أو أي لواء.. المهم أن يتوحدوا ويكونوا يدا واحدة أمام أعدائهم المتربصين بهم الدوائر ويبنوا بسواعدهم أمجادهم. |
دحية: أرجو لك العمر المديد أيها الملك حتى ترى ذلك اليوم العظيم. |
الحارث: يا جبلة. |
جبلة: مولاي. |
الحارث: أرسل عدي بن حاتم الطائي مع دحية ليوصله إلى قيصر ملك الروم وزودهما بالنجب ومتطلبات هذه الرحلة. |
جبلة: أمرك يا مولاي. |
دحية: شكراً لك أيها الملك الهمام. |
الحارث: رافقتك السلامة. |
(لنفسه) يا إلهي.. متى يأتي اليوم الذي يتخلص فيه العرب من هذه التفرقة التي يعيشونها والخلافات التي يصطلون بنارها.. والكابوس الجاثم على صدورهم هنا في أرضي وهناك في أرض المناذرة. أيكون الخلاص على يد محمد بن عبد الله أيكون لهذا الدين الجديد الذي جاء به محمد شأن بعيد في هذا التوحيد. |
من يدري.. |
(أصوات تهليل وتكبير..الله أكبر… الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر صدق وعده،.. وأعز جنده.. وهزم الأحزاب وحده).. |
(نقلة صوتية).. |
صفوان: لقد علمت يا سهيل بن عمرو أن محمداً قد بعث برسائل إلى هرقل ملك الروم وكسرى ملك فارس والنجاشي إمبراطور الحبشة.. فماذا تكون محتويات هذه الرسائل؟ |
سهيل: وماذا تظن أنها تحتوي.. ماذا عند محمد؟ أليس غير دعوتهم إلى الدخول في الإسلام. |
صفوان: (ضاحكاً).. أبلغت بمحمد الجرأة أن يخاطب قيصر الروم وكسرى الفرس أن أمر هذا الرجل عجيب يا سهيل. |
سهيل: ولماذا لا نفتخر بما يفعل محمد.. أنه قريش منا والحمد لله الذي بقينا حتى رأينا قرشيا يتجرأ فيبعث برسل إلى مثل هؤلاء الملوك الذين تنكسر أبصارنا عند رؤيتهم وتعنوا لهم جباهنا إن مروا بنا. |
صفوان: أرى نفسك يا سهيل تعتمل بأحاسيس صبوة لعل لابنك أبي جندل يدا فيها. |
سهيل: لا يا صفوان.. ولكني قرشي عربي واعتز بكل ما يأتي به أي عربي من عمل مشرف حتى لو كان عدوا لي. |
صفوان: لا أظنه سفيان موجود حاليا في بر الشام وعسى أنه يفسد أي خطط يقوم بها محمد. |
سهيل: لا أظنه يفعل.. فإنه لا يحقد على محمد كما تحقد أنت- ثم لا تنسى أن محمداً متزوج من ابنة أبي سفيان. |
صفوان: أعرف ذلك ولكن كرهي لمحمد يجري في دمي.. وما يجري في الدم لا يمكن تصفيته الا بتفريغ الدم.. وهذا لا يكون إلا بقتلي. |
(نقلة صوتية.. تسمع وقع حوافر خيل دحية بن خليفة الكلبي وعدي بن حاتم الذي نسمعه يقول): |
هدى: ها نحن وصلنا يا دحية قصر هرقل ملك الروم في الشام. |
دحية: يا لفخامة القصر وأبهته وكثرة حرسه وخدامه. |
الحارس: قف.. من أنتما.. |
عدي: هذا رسول من عند نبي المسلمين إلى قيصر عظيم الروم وأنا دليله إليك. |
الحارس: خذه إلى كبير الحراس أيها الجندي. |
(نسمع صوت مسيرهما إلى كبير الحراس) |
كبير الحراس: ماذا عندك أيها العربي؟ |
دحية: إني أحمل رسالة إلى هرقل ملك الروم. |
كبير الحراس: أعطني إياها وأنا بدوري أرفعها له. |
دحية: لا…. أنني مكلف بتسليمها إليه بالذات. |
كبير الحراس: أن القيصر مشغول في هذه الايام بأمر صلاة الشكر التي سيؤديها في أورشليم. |
عدي: إنني موفد من قبل الحارث ملك غسان مع هذا الرجل.. فهلا مكننا من شرف المثول بين يدي القيصر. |
كبير الحراس: لم لم تقل من قبل أيها الرجل أنك موفد من عند الحارث.. سأهيء لك وله مقابلة سيدي القيصر في الحال.. ولكن هنالك مراسيم للدخول على القيصر. |
فهل هذا الأعرابي مستعد للقيام بها. |
دحية: وما هي؟ |
كبير الحراس: إذا رأيت الملك فاسجد له ثم لا ترفع رأسك أبدا حتى يأذن لك. |
دحية: إني لن أفعل هذا أبدا لأني لا أسجد لغير الله تعالى. |
كبير الحراس: إذن لن تدخل عليه ولن يؤخذ كتابك. |
دحية: لن أسجد لغير الله تعالى.. ورسالة نبي سيهديني ربي إلى إيصالها للقيصر عن غير طريقك. |
كبير الحراس: ذلك مستحيل.. ذلك مستحيل.. |
دحية: إن قدرة ربي تذلل المستحيلات. |
(يذهبان ونسمع صوت خروجهما.. ثم نسمع صوت رجل يركض في أثرهما وهو يقول): |
الرجل: قف أيها العربي قف.. |
عدي: من أنت أيها الداعي؟ |
الرجل: إني عربي مثلكما.. إنني خزاعي الأصل.. وقد هاجر والدي منذ عشرات السنين إلى هنا.. واسمي عروة.. قولا لي.. ما خطبكما. |
عدي: لدينا رسالة من محمد بن عبد الله نبي المسلمين إلى قيصر ملك الروم وقد اشترط كبير الحراس أن يسجد رفيقي هذا حينما يمر به ملك الروم عند تقديم الرسالة فأبى وأصر كبير الحراس على طلبه.. وتمسك رفيقي برأيه. |
عروة: هين أمرك يا أخي.. رسالة محمد بن عبد الله ستصل إلى القيصر رغم أنف كبير الحراس. |
دحية: كيف السبيل إلى ذلك يا عروة؟ |
عروة: إن على كل عتبة من قصر هرقل منبراً يجلس عليه للاستراحة في طريق صعوده للقصر فدع صحيفتك تجاه المنبر فإن أحداً لا يحركها حتى يأخذها هو ثم يدعو صاحبها. |
دحية: ولكني غريب وأخشى أن يمنعني حراسه إذا رأوني أفعل ذلك. |
عروة: لا عليك يا هذا.. إنك في بلد عربي.. كل من فيه يشبهك في شكلك وملبسك وسأذهب معك لأدلك على ما يجب أن تفعل. |
دحية: جزاك الله عني كل خير. |
عروة: إن اسم محمد بن عبد الله هو على لسان كل عربي في هذه الجهات.. |
إنهم يرون فيه المخلص لهم والمحرر لهم من طغيان الروم وجبروتهم.. أن الناس هنا يتحدثون أن هرقل إنما جاء إلى الشام بقصد الوقوف عن كثب على كنه هذه الدعوة التي يدعو بها محمد بن عبد الله ومبلغ سريانها بين القبائل العربية القاطنة على تخوم إمبراطوريته.. |
دحية: ولكن كبير الحراس قال إنه جاء ليؤدي صلاة الشكر في أورشليم بعد أن نصره ربه على الفرس. |
عروة: هذه تعمية وتظاهر ولكن الحقيقة هي ما قلت لك أنه يخشى على سلطانه من محمد بن عبد الله. |
دحية: الحمد لله… الحمد لله.. |
|