الحلقة ـ 60 ـ |
(همهمة وغمغمة وأصوات مبهمة تدل على اجتماع هام ثم صوت سلام بن مشكم يقول): |
سلام: يا قوم.. يا قوم.. لقد علمتم بالصلح الذي جرى بين محمد وقريش في الحديبية. |
أصوات: نعم… نعم.. بلى… بلى.. |
سلام: ولكنكم لم تعلموا بما أثاره هذا الصلح المخزي في نفوس المسلمين؟ |
أصوات: لا… يا سلام.. لا.. قل.. قل.. |
سلام: لقد ضاق صدر كثير منهم بهذا الصلح فبعضهم ظهره وفثأ غضبه وبعضهم كتمه على غيظ ولكن أسارير وجهه كانت تفضحه.. لقد رأوا فيه الدنية رأوا فيه انتصار قريش وقوتها وصدها محمداً عن دخول المسجد الحرام. |
الحارث: نعم يا سلام.. هذا صحيح.. ولكن الصلح وضع محمداً وأصحابه موضع الند والعدل بقريش بعد أن كانت تعده ثائراً عليها.. |
سلام: هذا الاستقرار للحوادث لا يفهمه إلا من كان في مستوى عقلية اليهود وقوة إدراكهم وتفهمهم لبواطن الأمور.. ولكن الغوغائية الملتفة حول محمد لا تستبين ذلك.. يا بن أبي زينب.. |
الحارث: هذا الثناء والتقدير أعتز به من زعيمنا سلام بن مشكم |
سلام: بورك لليهود فيك والآن.. |
رزال: قل يا عماه.. قل.. فإني لمتشوق إلى ما وراء ذلك.. |
سلام: إن محمداً مضطر للقضاء على النقمة بين صفوفه إلى أن يشغلهم في معركة جانبية إلهائية حتى يفتت هذا السخط ويذيبه ومن غيرنا يصلح لأن يكون هدفاً وحيداً ثميناً نشخص إليه أبصار المسلمين وتسيل نفوسهم توقاً للحصول عليه.. يا رزال. |
رزال: أيظن محمد أن احتلال خيبر معقل صناديد اليهود وشجعانهم شيء هين ولقمة سائغة.. إن دون ذلك خرط القتاد. |
أصوات: (بلى… بلى.. لا فض فوك يا رزال…). |
مرحب: فليقدم محمد.. فليتجرأ.. وسيرى من سيوفنا البواتر ما لم يره من أحد. |
سلام: صدقت يا مرحب.. إن خيبر تزخر بالرجال الأبطال وبالعدد والعدة ولكن الكثرة تغلب الشجاعة فعلينا أولا أن نعتمد على أنفسنا. |
أصوات: (نحن معك يا سلام.. نحن معك يا سلام.. الويل لمحمد وأصحابه.. الويل للمسلمين). |
سلام: بورك فيكم.. بورك فيكم.. هذا ما أردت أن أعرفه منكم وأردت أن تعرفوه مني. |
أصوات: وهل كنت في شك من ذلك يا سلام. |
سلام: لا… لا… ولكن لأطمئن..هيا.. انصرفوا إلى أعمالكم وكونوا على أهبة الاستعداد لأي طارىء وليبق الحارث ابن أبي زينب عندي. |
أصوات: مرحى لسلام.. مرحى… مرحى.. |
(نسمع أصوات مغادرتهم.. ثم سكون مطبق يعقبه صوت سلام يقول): |
سلام: يا بني أبي زينب لم أشأ أن أطلع رجالنا على كل ما نفعله فالأمور التي هي على مستوى رفيع لا يجب أن تنحدر إلى أسماع الغوغاء.. |
الحارث: قل.. هل من جديد في اتصالاتك مع اليهود في فدك ووادي القرى وتيماء. |
سلام: لقد أبدوا استعدادهم الكلي لمساعدتنا وربطوا مصيرهم بمصيرنا. |
الحارث: هذا شيء حقيقي فمصير اليهودية في الجزيرة العربية سيقرر في خيبر. |
سلام: صحيح يا حارث.. صحيح.. |
الحارث: وماذا تم في اتصالاتك مع غطفان والقبائل العربية المجاورة. |
سلام: إن العرب لا يؤمن جانبهم فتجربة حيي بن أخطب ماثلة أمام أعيننا تذكر بغدر العرب وإنهم مع كل ناعق. |
(يسمع قرع على الباب فيقول سلام).. |
سلام: أدخل.. من… آزر.. ما وراءك.. |
آزر: رسول عن عبد الله بن أبي بن سلول. |
سلام: أدخله في الحال.. |
الحارث: لا بد أنه يحمل نبأ هاما لنا.. |
المنافق: عموا صباحاً. |
سلام: عم صباحاً يا رسول حبيب اليهود وأعزهم عندها.. إجلس… تفضل.. ما وراءك. |
المنافق: لدي رسالة شفوية من ابن سلول هل أدلي بها أمام من أرى. |
سلام: قل.. لا عليك.. إنه قائد جيشنا. |
المنافق: يقرئكم ابن سلول التحية ويبلغكم أن محمداً يعد نفسه لقتالكم فخذوا حذركم ولا تخافوا منه فإن عددكم وعدتكم كثيرة وقوم محمد شرذمة قليلون عزلا لا سلاح معهم إلا اليسير. |
سلام: قل لأبي عبد الله أن اليهود يشكرون له صنيعه ويقدرون له وده وجميله وإننا سنحتاط لكل طارىء. |
المنافق: عموا صباحا. |
سلام: عم صباحا |
(نسمع صوت خروجه من اصطفاق الباب.. ثم نسمع صوت سلام يقول): |
سلام: لم يبق لنا صديق بالمدينة غير ابن سلول.. لئن فقدناه فقدنا عيناً وسنداً لنا هنالك. |
الحارث: لقد علمت أنه مريض.. يشكو علة الشيخوخة. |
سلام: لا دواء لمرضى الشيخوخة يا حارث. |
الحارث: نعم.. والآن قل لي.. ماذا تريد أن نفعل؟ |
سلام: نستكمل استعدادنا في حصوننا من زاد وعتاد وتوزيع المقاتلين.. وأنا سأحاول من أخرى مع غطفان والقبائل المجاورة على جرهم للمعركة فيكونوا الوقود الأول في أتونها.. |
الحارث: أعانك رب موسى وهرون.. أما أنا فسأذهب لاستكمال الاستعدادات وتهيئة مستلزماته. |
سلام: بورك فيك.. بورك فيك.. |
(نقلة صوتية).. |
المؤذن: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. رسول الله يدعوكم للتجهيز لغزو خيبر على ألا يغزو معه إلا من شهد الحديبية.. إلا أن يكون غازياً مقطوعاً ليس له من الغنيمة شيء. |
(ضجيج ولغط.. وقعقعة سلاح.. وصهيل خيل وأصوات مبهمة تعلو وتهبط.. وتهليل وتكبير وصوت يقول): |
زيد: إن جموع اليهود في خيبر من أقوى اليهود بأساً وأوفرها مالاً وأكثرها سلاحاً. |
سعد: ولكننا لن نستشعر بنعمة الاستقرار ما دام لليهود وكر في الجزيرة. |
زيد: إنني أخشى أن يطول حصارنا لخيبر فحصونها منيعة وأهلوها متمرسون على الحرب القتال.. |
سعد: ولكن الإيمان الذي يملأ صدورنا سيذلل هذه الصعاب وسننغلب عليها بإذن الله. |
زيد: علينا أن نترقب قتلاً عنيفاً واستماتة من اليهود في الدفاع عن أنفسهم إيمانا منهم بأن هزيمتهم أمامنا إنما هي القضاء المبرم على اليهود في بلاد العرب |
(يبتدىء زحف المسلمين على خيبر فنسمع أصوات التهليل والتكبير وقعقعة السلاح وصليل السيوف وموسيقى الزحف..). |
علقمة: إن علينا أن نسير ثلاثة أيام إلى جهة الشمال حتى نصل خيبر وقد سمعت رسول الله يسأل أحد الأولاد على الطريق الأحسن حتى يحول بين أهل خيبر وغطفان. |
سعد: ولماذا يا علقمة؟. |
علقمة: لأن اليهود في خيبر على علاقة وثيقة بغطفان وأخشى ما نخشاه أن يتحالفوا معهم علينا وغطفان كما تعلم أكبر قبيلة في جهات المدينة. |
سعد: وهل نحن الآن نسير في الطريق الأقصر والأحسن إلى خيبر؟ |
علقمة: نعم يا سعد.. وسنصبح اليهود غداً إن شاء الله. |
(صوت مسيرة الجيش وزحفه فوق الصخور والرمال وصوت سعد يقول): |
صوت: إن طريقنا وعرة موحشة يا زيد. |
سعد: إنها تذكرني بالطريق التي كنت فيها دليلنا يوم الحديبية أتذكر.. ليلة تقطعت نعالي وتدامت قدماي. |
زيد: إن الحياة يا سعد حلوة ومرة.. والجهاد في سبيل الله على حلاوته فيه بعض المرارة ولعل مرارته هي السر في الجزاء والثواب عليه من عند الله. |
سعد: أراك أصبحت من حكماء العرب يا زيد.. |
زيد: بل قل والمسلمين ولا فخر يا سعد. |
(يتضاحكان…) |
(نسمع صوت الديكة وأصوات عمال اليهود يسرحون إلى أعمالهم وهم يتحدثون).. |
أحد العمال: أن تباشير طلع النخيل جيدة في هذا العام يا غزير. |
عزير: وجميع الخضروات أيضا نحوها غريب وعجيب في هذه يا سماك. |
سماك: انظر.. يا عزير.. انظر؟ أرى غباراً تسد الأفق ثورته. |
عزير: إني أسمع أصوات تهليل وتكبير. |
سماك: إنهم المسلمون.. إنهم المسلمون.. |
عزير (يصرخ): واصباحاه.. واصباحاه.. يا أهل خيبر. واصباحاه.. محمد والله محمد.. والخميس.. |
سماك: فلننجو بأنفسنا إلى الحصن لينذر قومنا بقدوم المسلمين. |
(تعلو أصوات التهليل والتكبير.. وصليل السيوف ووقع حوافر الخيل ثم صوت مدو يقول): |
أصوات: يا أهل خيبر.. يا أهل خيبر.. إلى حصونكم.. دافعوا عن أموالكم ونسائكم وأولادكم.. لقد داهمنا المسلمون. |
(ثم همهمة وهمسات وحركات ذهاب وإياب تدل على اجتماع عاجل ثم صوت سلام بن مشكم يقول): |
سلام: يا قوم.. يا قوم.. لقد وقع المحذور وصح ما كنا نخشاه ها هو محمد يغزوكم بجيشه فماذا تراكم فاعلين.. |
رزال: القتال يا عماه.. وهل غيره طريق نختاره إني أريد أن أنتقم لأبي وعمي اللذين قتلا غيلة وغدرا.. |
الحارث: أرى أن نبعث برسل إلى يهود وادي القرى وشيماء وفدك لنؤلف من بينها تحالفا ثم نغزو يثرب بينما يكون محمد منشغل عنهم بحصارنا. |
سلام: رأي سديد ولكن لمحمد في المدينة من غير شك قوة احتياطية يمكنها صد أي هجوم يا حارث. |
الحارث: من يدري يا سلام.. فلماذا لا نستعلم عن ذلك من صديقنا عبد الله بن أبي بن سلول.. وفي نفس الوقت تسير اتصالاتنا بيهود وادي القرى وتيماء وفدك في مجراها الطبيعي. |
حرمون: ولم كل هذا يا قوم؟ لماذا لا ندخل في حلف مع محمد قبل أن نبدأ في القتال إننا لم نقم بعمل عدواني ضده بل هو الذي هاجمنا اليوم ولعلنا نجد بين الأنصار من يستجيب لهذه الدعوة. |
أصوات: لا يا حرمون.. لا يا حرمون.. لا نقبل التفاوض مع محمد.. وليس له عندنا غير السيوف.. |
حرمون: لقد محضتكم النصح يا قومي وأرجو ألا تندموا حين لا ينفع الندم.. |
أصوات: أسكت أيها الخرف.،. أيها الجبان.. أيها الخوار إذهب إلى كناسك واحبس نفسك به فليس اليوم يومك.. |
حرمون: يا رب موسى وهرون اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. |
أصوات: الرأي ما رآه الحارث بن أبي زينب.. اعملوا به.. نفذوه.. |
|