الحلقة ـ 57 ـ |
أبو سفيان: أرى أن نطاول محمداً حتى يختار بين أمرين لا ثالث لهما.. إما القتال وإما الرجوع من حيث أتى. |
عروة: ولكن صدكم محمداً عن زيارة البيت سيكون حجة له عليكم وسننظر العرب إليه على أن عمل غير صالح من قريش سدنة الكعبة وسقاة الحج وحماة هذا البيت ولا سيما وأنتم لا تملكون منع أحد من العرب عن الحج والعمرة في الأشهر الحرم.. |
صفوان: ولكن مجيء محمد للحج من دون سابق تفاوض واتفاق وسماحنا له يزعزع مركزنا أمام العرب ويجعل منا سخرية في أفواههم.. أنهم سيتحدثون أن محمداً دخل مكة عنوة وهو أمر لا يحلم به محمد إلا على جسر من جثتنا. |
عروة: هذا رأيي وأنتم أدري بصالحكم.. عموا صباحا. |
أبو سفيان: عم صباحا يا بن مسعود ولك الحمد منا على كل خطوة سرتها في سبيلنا. |
صفوان: المطاولة التي تحدثت عنها يا أبا سفيان خير امتحان لصبر محمد وأصحاب محمد وستكشف نواياهم بسرعة قد لا تتوقعها. |
(ضجيج ولغط وأصوات مبهمة تعلو وتنخفض ثم صوت أبان بن سعيد بن العاص يقول): |
أبان: يا أبا سفيان.. لقد أجرت رسول محمد إليكم. |
أبو سفيان: ومن هو رسوله. |
أبان: إنه عثمان بن عفان. |
أبو سفيان: قد أجرنا من أجرت يا أبان فائت به إلينا سريعا.. |
(نسمع صوت خروجه ونسمع صفوان بن أميه يقول): |
صفوان: لقد بدأت خطتك يا أبا سفيان تؤتى أكلها.. ها هو محمد يبعث رسولا من عنده. |
أبو سفيان: ولكن محمدا يعرف أين يضع قدميه. |
صفوان: إني أرى أن يكون اجتماعنا بعثمان بن عفان مقصورا عليك وعلي وعلى خالد وعكرمه.. فإني أخشى سفهاءنا أن يتطاولوا على عثمان فنقع في طلاب مع من أجاروه وقد يحدث ما لا تحمد عقباه. |
أبو سفيان: بالصواب نطقت يا صفوان.. ما رأيك أن نذهب نحن إليه عند ابن سعيد فوجوده في دار الندوة لا يمكننا من منع الناس من رؤيته والتحدث إليه وربما التهجم عليه. |
صفوان: أبعث إلى أبان من يخبره وسأرسل في طلب خالد وعكرمة |
أبو سفيان: سأفعل |
(موسيقى حربية وأصوات ضجيج ولغط وأسلحة وخيل وبعض هذه الأصوات واضح وبعضها يقول): |
زيد: لقد طال احتباس قريش لعثمان بن عفان.. |
سعد: أخشى أن يكونوا قد قتلوه كما فعلوا بجمل من أوفده الرسول إليهم وكادوا يقتلونه لو لم تمنعه الأحابيش وتخلصه منهم. |
زيد: لا يستبعد ذلك من قريش فالحقد والضغينة تملأن صدورهم. |
المؤذن: (يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين قريش قتلت عثمان بن عفان غدرا في الشهر الحرام.. رسول الله يدعوكم للجهاد.. هلموا أثابكم الله.. هلموا يرحمكم الله..) |
سعد: أتسمع النداء يا زيد.. |
زيد: نعم.. هيا.. انظر أن علقمة قادم إلينا مسرعا.. |
علقمة: سلام عليكم. |
سعد: سلام عليك يا علقمة.. ما لك تركض. وتلهث أعياه. |
علقمة: لقد كنت حاضرا عندما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل عثمان في الشهر الحرام فقال: (لا نبرح حتى نناجز القوم) ثم وقف تحت شجرة في الوادي فبايعناه جميعا على أن لا نفر وأن نقاتل حتى الموت فهلموا يا قوم إلى المبايعة هلموا. |
سعد: هلم يا زيد |
زيد: هلم يا سعد |
(نسمع أصوات قعقعة السلاح وعليل السيوف وصهيل الخيل وتهليل وتكبير الله أكبر… الله أكبر.. الله أكبر.. ثم صوت عال وكأنه آت من مكان سحيق).. |
الصوت:
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (الفتح: 18).. |
(أصوات تهليل وتكبير.. الله أكبر.. الله أكبر… الله أكبر.. الويل لقريش.. الويل لقتلة عثمان.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر).. |
أبو سفيان: ما لك تلهث يا حنظله.. وكأنك كنت تعدو مسافة طويلة.. |
حنظلة: لقد جئتكم من بين صفوف المسلمين.. وقد صمموا على مناجزتكم الحرب وبايعوا محمداً على القتال حتى الموت. |
صفوان: ولماذا كل هذا؟ |
حنظله: بلغهم إنكم قتلتم رسوله عثمان بن عفان. |
أبو سفيان: (ضاحكاً).. ما أشد خطر الإشاعات أننا لم نقتل عثمان بن عفان بل أكرمناه وحرصنا على راحته.. وقد اطلعنا على نوايا محمد وأصحابه وافهمنا، نوايانا. |
صفوان: وسيرى محمد وأصحابه أن قريشا لا تقتل الرسل في الأشهر الحرم.. |
أبو سفيان: تعال يا أبان بن سعيد وأسمع |
أبان: ما الذي أسمع؟ |
أبو سفيان: لقد أشاع المغرضون ولعلهم من بقايا المناففقين في صفوف محمد إننا قتلنا عثمان بن عفان وأنت نفسك كنت رفيقه حتى اقترب من أصحابه. |
أبان: لا شك أن محمداً وأصحابه يتندرون الان بما فعلته هذه الشائعة منهم. |
حنظلة: إنها كشفت متانة الروابط بين محمد وأصحابه ودلت على مبلغ إقدام المسلمين على خوض مخاطر الموت غير هيابين ولا وجلين.. ومن أقدم على الموت خافه الموت وعنت له جبهة الحياة. |
المؤذن: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين… يا معشر المسلمين.. عاد عثمان بن عفان إلينا.. عاد عثمان بن عفان إلينا. لم يقتلوه.. لم يقتلوه.. |
زيد: ما أروع موقف المسلمين وقد أشهروا سيوفهم فالتمعت ببريقها سفوح الوادي وحزوته وسال بجموعهم بطن الوادي وجنباته.. |
سعد: وماذا عندك من أخبار جديدة يا زيد؟ |
زيد: لقد عاد عثمان بن عفان وأبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم تبق عند قريش ريبة في أنه وأصحابه إنما جاءوا حاجين معظمين للبيت. |
سعد: إذن سندخل مكة إن شاء الله آمنين محلقين ومقصرين. |
زيد: إن شاء الله… ولكن. |
سعد: ولكن ماذا؟ |
زيد: أثناء المفاوضات التي جرت بين عثمان بن عفان وقريش قال أبو سفيان: أن قريشا تعرف أنها لا تملك منع أحد من العرب عن الحج والعمرة في الأشهر الحرم. |
سعد: كلام جميل. |
زيد: وهم مع ذلك خرجوا تحت راية خالد بن الوليد وحصلت بينهم وبين المسلمين مناوشات. |
سعد: صحيح.. صحيح.. وجرحى منا ومنهم. |
زيد: فإذا قريش تركوا محمدا يدخل مكه بعد هذه المناوشات فستتحدث العرب بأنهم انهزموا أمامه.. وبذلك تتضعضع مكانتهم وتسقط هيبتهم. |
سعد: حجة واهية.. |
زيد: وأنهم استبقاء لهذه الهيبة وحرصاً على هذه المكانة يصرون على موقفهم من صد المسلمين عن دخول مكة في هذا العام. |
سعد: إذن يجب أن نقاتلهم.. كيف يصدوننا عن دخول مكة في الشهر الحرام. |
زيد: الموقف دقيق بالنسبة للمسلمين والمشركين.. ومفتاح حله بيد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.. |
(موسيقى انتقإليه.. وضجيج وهرج ومرج في صفوف المسلمين وصوت علقمة يقول): |
علقمة: يا زيد.. وأنت يا سعد.. هلما إلي. |
زيد: ما وراءك يا علقمة. |
علقمة: بعثت قريش سهيل بن عمرو العامري لمصالحتنا.. هلما نتسقط الأخبار. |
(نقلة صوتية) |
أبو سفيان: أترانا يا صفوان أحسنا بإرسال سهيل بن عمرو العامري إلى محمد |
صفوان: إن سهيلا ذلق اللسان.. فصيح البيان.. أريباً، قوي الحجة.. ولقد أحسنت صنعاً باختياره. |
أبو سفيان: أرجو أن يوفق في مهمته فإن أخشى ما أخشاه أن يركب محمد رأسه بعد أن بايعه أصحابه فلا يقبل بالرجوع عنا هذا العام.. فنضطر إلى الحرب في الأشهر الحرم. |
صفوان: ولكننا لم نمنع محمداً من دخول مكة إلا في هذا العام فقط.. أما في العام القابل فلا مانع من دخولهم لمدة ثلاثة أيام. |
أبو سفيان: والشروط الثلاثة الأخرى لا أدري أيقبلها محمد أم لا.. |
صفوان: إن غداً لناظره قريب. |
(هرج ومرج في صفوف المسلمين.. ولغط كبير وأصوات تقول): |
صوت: إنها شروط قاسية تلك التي جاء بها سهيل بن عمرو. |
صوت: ما هي؟؟ |
صوت: يرجع الرسول من عامه هذا فلا يدخل مكة- فإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثا.. ومعهم سلاح الراكب السيوف المغمدة بعد أن تخرج قريش من مكة. |
صوت: شرط لا نقبله. |
صوت: وماذا من شروط غيره. |
صوت: وضع الحرب وماذا لديك عما جاء به سهيل بن عمرو |
صوت: هات وماذا لديك عما جاء به سهيل بن عمرو |
صوت: من أتى محمدا من قريش من غير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه. |
صوت: لا… لا.. هذا ليس شرط صلح وإنما هو إملاء الغالب على المغلوب.. حسنا تابع مما لديك.. |
صوت: من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه. |
صوت: شرط لا يأمر به. |
صوت: ولكن الشرطين الأولين لا يمكن أن نرضى بهما.. هل وقعت الاتفاقية؟ |
صوت: لا… حتى الآن.. إن عمر بن الخطاب ممتعض جدا من هذه الشروط.. إنه متحمس لرفضها. |
صوت: وهل سيقبل النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الشروط؟ |
صوت: سمعت ممن يحضرون أمر هذه المحادثات أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقبل هذه الشروط. |
صوت: أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بصالحنا ولا شك أنه رأي في هذه الشروط وقدرها أكثر منا وعلينا أن نرتضي بما يرتضيه لنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. |
صوت: وما ينطق عن الهوى - إن هو إلا وحي يوحى. |
|