الحلقة ـ 53 ـ |
(نسمع أصوات عويل نساء وبكاء صبية وأطفال ونحيب رجال ثم سكون مطبق يعقبه صوت كعب بن أسد يقول): |
كعب: قل يا أبا بشير.. أشر.. هل ننزل على حكم محمد.. بربك قل.. |
(أصوات عويل نساء وبكاء صبية وأطفال ونحيب رجال.. ثم سكون.. مطبق يعقبه صوت أبي لبابة يقول): |
أبو لبابة: نعم.. نعم.. |
حكيم: ثم أشار أبو لبابة إلى حلقة وكأنه يعني: أنه الذبح أن لم تفعلوا غير أن أبا لبابة لم يكد يفرغ هذه الإشارة حتى أحس بعظم الخطيئة التي ارتكبها في حق نبيه وأمته فارتبك ثم قال: |
أبو لبابة: لا حول ولا قوة إلا بالله. |
حكيم: ثم فاضت عيناه ندماً على ما فعل.. |
(نسمع صوت نحيبه وتكراره قوله: لا حول ولا قوة إلا بالله..) |
حكيم: واسودت الدنيا في عيني أبي لبابة وضاقت الأرض في وجهه بما رحبت.. وأنبه ضميره ووبخه فغادر مجلس بني قريظة لا يلوي على شيء ولم يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم خجلاً وندماً بل ذهب إلى المسجد وربط نفسه بسارية المسجد ورآه أحدهم فصاح به قائلا: |
أحدهم: ماذا تفعل بنفسك يا أبا لبابة؟ |
أبو لبابة: لقد آليت على نفسي إلا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعاهدت الله أن لا أطأ أرض بني قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا. |
حكيم: وظل أبو لبابة مربوطاً سبع عشرة ليلة كاد يذهب فيها سمعه وبصره حتى نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة أبي لبابة فسار الناس إليه ليطلقوه فقال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده.. فلما مر به النبي صلى الله عليه وسلم خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه. |
زيد: هل تحفظ آية التوبة التي نزلت بحق أبي لبابة الأنصاري؟ |
حكيم: نعم.. |
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً (التوبة: 102). |
الحارث: لقد كانت استشارة يهود بني قريظة لأبي لبابة آخر سهم في كنانتهم ولا شك. |
حكيم: فلما أطلقوه تملكهم الرعب والفزع وسيطر عليهم الخوف والجبن جمعهم كعب بن أسد وقال لهم: |
(نقلة صوتية) |
كعب: يا قوم لقد نثرت كنانة رأيي بين أيديهم فلم تقبلوا واحدة منها والآن قد بلغت الروح التراقي.. خمس وعشرون ليلة ونحن محاصرون وعدونا لم يترك لنا فرصة نستريح فيها.. في هذه الحال لم يبق علينا إذن إلا أن ننزل على حكم محمد وقد لاحظتم من إشارة أبي لبابة مصيركم المحتوم. |
فماذا تشيرون؟؟ |
عزال بن سموأل: أرى أن مصيرنا لن يكون أسوأ من بني النضير وأن حلفاءنا من الأوس سيدفعون عنا الشر. |
نباش: أشرت بالصواب يا عزال بن سموأل وأرى أن نعرض على محمد أمر ارتحالنا إلى اذرعات بالشام. |
أصوات: موافقون.. موافقون.. |
كعب: ليقم نباشر بن قيس بهذه السفارة. |
حكيم: وأعلن يهود بني قريظة استسلامهم بعد أن رفض النبي صلى الله عليه وسلم طلب ارتحالهم ومشت جماعة من الأوس إلى الرسول وقالوا له: يا نبي الله.. ألا تقبل من حلفائنا مثل الذي قبلت من حلفاء الخزرج؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم قائلاً: |
يا معشر الأوس ألا ترضون أن أجعل بيني وبين حلفائكم رجلاً منكم قالوا بلى يا رسول الله. |
قال: فقولوا لهم فليختاروا من شاؤوا. |
(أصوات هرج ومرج وسلاسل وقيود)… |
وأصوات نساء وأطفال… |
(ثم سكون مطبق وصوت يقول):… |
الصوت: يختار اليهود سعد بن معاذ حكما. |
أصوات: إلينا بسعد يا قوم.. هلموا إليه ندعوه … اسرعوا إليه. |
الحارث: ألم يشترك سعد بن معاذ في حصار بني قريظة. |
حكيم: لا.. لم يشترك لأنه كان متأثرا من جراح السهم الذي أصابه يوم الخندق فقطع أكحله. |
زيد: وعندما استسلم اليهود وألقوا بأسلحتهم ماذا فعل المسلمون بهم في الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه قدوم الحكم سعد بن معاذ. |
حكيم: اعتقل الرجال بعد أن جردوا من أسلحتهم وكان عددهم حوالي ثمانمائة مقاتل وحبسوا في دار أمامة بن زيد.. أما النساء والذراري فانزلوا في دار ابنة الحرث البخاريه وهي الدار المعدة لاستقبال الوفود الذين يقصدون المدينة. |
الحارث: وكم كان عدد النساء والأطفال؟ |
حكيم: عددهم يناهز الألف. |
زيد: إذن لم يحتجز النساء والأطفال في سجن كالرجال. |
حكيم: لا يا زيد. |
الحارث: ألم يتوجه زعماء الأوس إلى سيدهم سعد بن معاذ طالبين الرأفة في الحكم بحلفائه بني قريظة. |
حكيم: بلى.. لقد اتصلوا به عدة مرات وذكره بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل أمر بني قريظة إليه إلا ليحسن فيهم. |
(نقلة صوتية) |
(نسمع وقع حوافر دابة سعد بن معاذ وهو في طريقه إلى ديار بني قريظة إلى حيث يقيم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصوات من الأوس تقول): |
صوت: حلفاؤك ومواليك ومن قد علمت يا أبا عمرو |
صوت: يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك لتحسن فيهم. |
صوت: لقد غررت بهم قريش وغطفان فارأف بحالتهم. |
صوت: يا أبا عمرو نحن قومك الأوس نسألك الرفق ببني قريظة |
سعد: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. |
(موسيقى وصول وأصوات مبهمة تعلو وتهبط وتدل على كثرة المجتمعين.. وصوت سعد بن معاذ يقول): |
سعد: السلام على رسول الله.. السلام عليكم يا معشر المسلمين |
أصوات: وعليك السلام يا سعد بن معاذ. |
حكيم: ولما استقر بسعد بن معاذ المقام وشخصت إليه الأبصار قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أحكم فيهم يا سعد.. فأجاب.. الله ورسوله أحق بالحكم فقال الرسول: قد أمرك الله أن تحكم فيهم. |
سعد: سمعا وطاعة لك ورسوله. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى وصوت سعد يقول بعد أن شمل الجو سكون مطبق).. |
سعد: يا بني قومي من الأوس، عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم كما حكمت. |
أصوات: نعم.. نعم.. نعم.. |
سعد: وعلى من ههنا من معاشر المسلمين. |
أصوات: نعم… نعم.. نعم.. |
سعد: وأنتم يا بني قريظة… أترضون بحكمي.. |
أصوات: نعم.. نعم.. نعم.. |
سعد: إني أحكم فيها أن تقتل المقاتلة. وأن تسبي النساء والذرية وأن تقسم أموالهم. |
(ضجيج وأصوات مبهمة مختلطة ببكاء ونحيب وعويل)؟ |
حكيم: وعندما نطق سعد بن معاذ بحكمه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): |
حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات. |
(موسيقى سوق المحكومين إلى ساحة الإعدام تختلط بالنحيب والبكاء والعويل).. |
حكيم: وسبق مقاتلة بني قريظة إلى المدينة حيث نفذ فيهم حكم الإعدام. |
زيد: لا شك أن دم هؤلاء اليهود في عنق شيطان بني النضير حيي بن أخطب لعنه الله. |
حكيم: قد يكون حيي بن أخطب سببا في هذه النتيجة ولكن ما جرى لهم كان جزاء لنقضهم المواثيق وخيانتهم للعهد الذي وقعوا عليه. |
الحارث: ولا بد أن حيي بن أخطب كان أول من قطعت رأسه.. |
حكيم: يقال إنه كان أول من نفذ فيه القتل وقد قابل الموت بكل صراحة وتبجح. |
زيد: كيف.. ماذا فعل؟؟ |
حكيم: لقد أتي حيي بن أخطب عدو الله وعليه جلسة حمراء قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة مجموعة يداه إلى عنقه فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: |
حيي: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك.. ولكنه من يخذل الله يخذله الله. |
حكيم: وعندما وصل إلى ساحة الإعدام قال* أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل* ثم جلس فضربت عنقه وألقيت جثته في الخندق. |
زيد: إلى جهنم وبئس القرار.. |
حكيم: أما كعب بن أسد سيد بني قريظة فعندما جيء به إلى ساحة الإعدام فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا كعب.. فأجاب نعم يا أبا القاسم قال.. ما انتفعتم بنصح أبي خراش لكم وكان مصدقا بي.. أما أمركم باتباعي وإن رأيتموني تقرؤني السلام.. فأجاب كعب: |
(نقلة صوتية) |
كعب: بلى والتوراة يا أبا القاسم.. ولولا أن تعيرني اليهود بالجزع من السيف لاتبعتك. |
زيد: ومن هو ابن خراش الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم. |
حكي: ابن خراش حبر من أحبار اليهود الكبار مات قبل ظهور النبوة وكان يوصيهم باتباع النبي صلى الله عليه وسلم. |
زيد: حقاً لم تخطىء فراسة سيد بني قريظة في حيي بن أخطب حين طلب منه هذا الغدر بالمسلمين فقال له كعب: ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم. |
حكيم: نعم يا زيد فقد توالت الأحداث وأثبتت الأيام صدق فراسة كعب بن أسد فقد كان أشأم إنسان على بني قريظة وهو شؤم ساق بهم إلى الإبادة والتهلكة. |
المخرج: إلى الغد أن شاء الله. |
|