الحلقة ـ 52 ـ |
زيد: حدثنا يا حكيم كيف تم القضاء على يهود بني قريظة. |
حكيم: أن موقف الخيانة الذي اتخذه يهود بني قريظة في أحلك أيام وليالي الخندق الحرجة لم يبق ذرة من العطف والشفقة في قلوب المسلمين على بني قريظة.. وكل واحد ممن شهد معركة الخندق كان يتحرق غيظاً وحنقاً وينتظر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالزحف على هؤلاء اليهود الغادرين.. |
زيد: لا شك أنه موقف تجلت فيه الخيانة بأبشع صورها ومظاهرها. |
حكيم: وهكذا عندما نزل الوحي على النبي الأمين بالمسير إلى بني قريظة هرع المسلمون فرادى وجماعات إلى قتالهم بالرغم مما كانوا عليه من إرهاق وتعب ولا سيما وأن المسلمين لم يستكملوا راحتهم من عناء معركة الخندق.. |
(نقلة صوتية) |
صوت
المؤذن: (يا معشر المسلمين من كان سامعاً ومطيعاً لله ورسوله فلا يصلين العصر إلا في بني قريظه) (أصوات تهليل وتبكير.. وصليل سيوف وقعقعة سلاح ووقع حوافر الخيل وأقدام المشاة).. |
حكيم: وحينما بلغ عمرو بن سعدي وهو سيد من سادات يهود بني قريظة انسحاب الأحزاب وفكهم الحصار عن المدينة دعا قومه إلى اجتماع عاجل وقال لهم: |
(نقلة صوتية تدل على وجود عدد من الناس في شكل اجتماع وصوت عمرو بن سعدي يقول): |
عمرو: يا قوم انسحب القرشيون والغطفانيون وخلفونا وحدنا وجها لوجه أمام محمد وأصحابه.. ولقد كنت حذرتكم من نقض العهد الذي بيننا وبين المسلمين فلم تستجيبوا.. وها هي ساعة حساب المسلمين لنا تدنو فهل لكم قبل بهم؟ |
أصوات: سنقاتل دون أموالنا ونسائنا وأبنائنا. |
عمر: يا بني قريظة لقد رأيت عبرا، رأيت دار إخواننا بني النضير خالية بعد ذلك العز والشرف تركوا أموالهم قد تملكها غيرهم وخرجوا أذلاء. |
أصوات: يجب أن نقاتل ونثأر لإخواننا بنى النضير. |
عمرو: يا قوم أقول لكم كحبر من أحباركم أنه لا يعادي أحداً محمد إلا كان مصيره الخسران.. لقد أوقع ببني قينقاع وكانوا أهل عدة وسلاح ونخوة فلم يخرج أحد منهم رأسه حتى سباهم. يا قوم أطيعوني وتعالوا نتبع محمداً فإن في الإسلام العز والشرف والدنيا. |
أصوات: كلا… كلا… لقد صبأ عمرو.. وسحره محمد.. |
(يسمعون طلائع زحف المسلمين نحو حصونهم فيقول لهم عمرو): |
عمرو: هذا الذي حدثتكم عنه وحذرتكم منه قد وقع يا قوم.. إن أبيتم تدخلوا في دين محمد فاثبتوا على اليهودية واعطوا الجزية فوالله ما أدري أيقبلها منكم أم لا بعد ما فعلتم.. |
أصوات: لا… لا… نحن لا نقر للعرب بخراج في رقابنا يأخذونه القتل خير من ذلك.. |
عمرو: إنني بريء منكم براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. وإني مفارقكم إلى الأبد. |
أصوات: إلى حيث ألقت.. إلى حيث ألقت.. |
حكيم: وخرج عمرو بن سعدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم. |
زيد: وماذا جرى بعد ذلك.. |
حكيم: أحكم المسلمون الحصار حول حصون بني قريظة وقاموا بتطويقها من كل جانب وقطعوا كل اتصال لهم ووضعوا أيديهم على كل مزارع بني قريظة ونخيلهم خارج حصونهم. |
الحارث: ألم يقاوم اليهود هذا الحصار |
حكيم: قاوم بنو قريظة الحصار في الأيام الأولى منه بشدة غير أنهم بعد مرور عشرين ليلة عليه بدأ الوهن والقلق يتسرب إلى نفوسهم. |
زيد: ذلك لأنهم أيقنوا أن المسلمين لن يرفعوا عنهم الحصار حتى يستسلموا أو يقتحموا عليهم حصونهم ويفتحوها بحد السيوف. |
حكيم: صحيح يا زيد.. إن هذا الاعتقاد الجازم من قبل اليهود أشاع في نفوسهم الرعب والخوف والجزع فأخذوا يفكرون في طريقة للتخلص من الورطة التي وقعوا فيها. |
زيد: والحفرة التي حفروها بأيديهم. |
حكيم: نعم وانطلاقا من هذا التفكير عمد كعب بن أسد سيد بني قريظة إلى دعوة زعماء قومه إلى اجتماع عاجل. |
(أصوات مبهمة تعلو وتهبط وسكون يعقبه صوت كعب بن أسد يقول): |
كعب: يا معشر بني قريظة.. قد نزل بكم من الأمر ما ترون، ولقد كنت كارهاً لنقض العهد بيننا وبين محمد لولا تعزيز حيي بن أخطب الجالس بينكم الآن بنا حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه.. والآن وجيش محمد يحيط بحصون بني قريظة كما يحيط السوار بالمعصم فماذا ترون.. |
(أحد الحاضرين الرأي أشير به يا كعب).. |
كعب: بماذا تشير يا حيى به أخطب يا رأس البلاء.. |
حيى: ورب موسى وهرون لم أكن أتوقع هذه النتيجة بعد الجهد الكبير الذي تمت به والأموال الطائلة التي أنفقتها في سبيل نصرة بني قومنا.. يا كعب لكل مجتهد مما كسب نصيب وها أنذا أدخل معكم حصونكم وأربط مصيري، بمصيركم ورأيي أن نقاتل محمداً حتى لا يبقى منا أحد. |
كعب: يا قوم إني أرى إمّا أن ندخل في الإسلام، أو نقتل نساءنا وأبناءنا ونهجم على محمد هجمة رجل واحد أو نلجأ إلى أخذ المسلمين على حين غرة منهم قمة رأيكم؟ |
ابن باظا: أما أن ندخل في دين محمد فهذه دعوة نفضل الموت عليهما وأما أن نقتل نساءنا وأطفالنا فما ذنب هؤلاء المساكين وأي عيش يطيب لنا بعدهم، وأما أن نأخذ المسلمين على غرة يوم السبت فلا يمكن أن ننقذ ميتاً وتحدث عليه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا عن قد علمت الإصابة ما لم يخف علينا من المسخ. |
أعميات: بالصواب نطقت بابن باظا.. نحن معاً نوافق ما أرتأيت. |
كعب: يا للعصيبة وخيبة الأمل.. ما بات منكم رجل منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما |
ابن باظا: هل أشير يا كعب.. فأفصح لنا صدرك. |
كعب: قل يابن باظا.. قل.. |
ابن باظا: نفاوض محمداً في الجلاء وهو آخر سهم في الجعبة إن لم تحدث أشياء تغير ذلك. |
كعب: وأية أشياء تنتظر.. لقد غدرت بنا قريش وأحابيشها وغطفان وأحلافها وتركونا في وجه محمد وننتظر بعد ذلك أشياء.. أية أشياء يابن باظا. |
ابن باظا: ربما عدل محمد عن حصارنا وفك أسارنا كما فكت جيوش الأحزاب أساره. |
كعب: إن إيمان محمد وأصحابه هو الذي قشع عنهم هذه الغمة وخلصهم من الكرب الذي كانوا فيه ونحن فقدنا إيماننا وثقتنا بأنفسنا فأصبحنا نقاد كالأغنام لكل من هب ودب. |
نباشر: إن الدخول في مفاوضات مع محمد كما أرتأى ابن باظا أسلم عاقبة من كل ما أرتأيت يا كعب. |
أصوات: بلى.. بلى.. أنه الرأي السديد. |
كعب: إذن لتكن أنت يا نباش من قيس رسولنا إلى محمد فهل توافقون على ذلك يا قوم. |
أصوات: موافقون.. موافقون.. |
حكيم: وحمل نباشر بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم عرض بني قريظة للعمل. |
الحارث: وماذا تضمن العرض؟ |
حكيم: طلب بنو قريظة السماح لهم بالخروج من يثرب مع نسائهم وذراريهم وما تقدر الإبل على حطه من متاع غير السلاح على أن يتركوا بقية كل ما يملكون في يثرب للمسلمين. |
زيد: وما كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. |
حكيم: رفض هذا العرض رفضا باتا وأبلغهم أنه لا يقبل ألا أن يسلم بنو قريظة أنفسهم من دون قيد أو شرط ونقل نباشر بن قيس الجواب إلى قومه. |
الحارث: وماذا كان موقفهم إزاء ذلك. |
حكيم: لم ييأس اليهود بل أرسلوا نباشر بن قيس بعرض ثانٍ يطالبون فيه السماح لهم رجالاً ونساءً وأطفالاً بالجلاء عن يثرب بأرواحهم وترك كل ما يملكون للمسلمين بعاقبة أموالهم. |
زيد: وماذا كان الجواب على هذا العرض. |
حكيم: إصرار النبي صلًى الله عليه وسلم على موقفه الأول وهو أن يسلم اليهود من دون قيد أو شرط. |
الحارث: أنهم يستاهلون ذلك بحق.. |
حكيم: وأسقط في يد يهود بني قريظة وازدادت مخاوفهم وأجهدهم الحصار وضيق قبضت على أعناقهم ولم يبق لديهم سوى أمرين: الدخول في معركة فاصلة مع المسلمين أو التسليم بدون قيد أو شرط. |
الحارث: فأما القتال فلا شك أن اليهود أجبن من أن يقوموا به وأما التسليم بدون قيد أو شرط فهذا هو ما سيختارون. |
حكيم: صدقت يا حارث… كان التسليم بدون قيد أو شرط هو ما قرره بنو قريظة ولكنهم قبل أن يبلغوا قرارهم هذ1 إلى النبي صلى الله عليه وسلم طلبوا منه أن يسمح لحليفهم أبي لبابة الأنماري بأن يأتي إليهم ليستشيروه في أمرهم. |
زيد: ولما أختار اليهود أبا لبابة الأنصاري من دون غيره من حلفائهم الأوس. |
حكيم: لأن أبا لبابة كانت أمواله وأولادهم في الجبهة التي كانت فيها بنو قريظة وكان على علاقة وثيقة به قبل أن ينقضوا العهد ويرتكبوا هذه الخيانة. |
زيد: وهل استجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لطلبهم؟ |
حكيم: نعم يا زيد لقد أمره بالذهاب إليهم وعندما دخل جيشهم قبيل أبو لبابة يحشد من النساء والصبيان يبكون من شدة الحصار وما هم فيه من جهد وكرب. |
(نسمع أصوات بكاء متواصل من نساء وأطفال.. ثم سكين وصوت كعب بن أسد يقول): |
كعب: يا أبا بشير قد عرفت ما بيننا وقد اشتد علينا الحصار وقد هلكنا وبعد لا يفارق حصننا حتى ننزل على حكمه فلو زال عنا لحفنا بأرض الشام أو خير ولم نطأ له أرضاً ولم تكبر عليه جمعا أبدا أما ترى قد اخترناك على غيرك. أشر على ننزل على حكم محمد وماذا سيكون مصيرنا.. قل يا أبا بشير قل.. بربك قل. |
(نسمع أصوات بكاء النساء والصبيان ونشيج الرجال). |
حكيم: وهنا زلت قدما أبي لبابة وكان قد تأثر ببكاء النسوة والأطفال والرجال فقال |
مزنة: فقال ما يا أماه؟ |
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله. |
مزنة: إن شاء الله تعالى. |
|