شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 51 ـ
مزنة : وهكذا استطاع نعيم الأشجعي الصحابي الألمعي أن يشحن قلوب اليهود والأحزاب بطاقة كبيرة من الشك والريبة وعدم الثقة.
سلمى: لقد نجح هذا الدبلوماسي بالفطرة والداهية الموهوب أن يزرع حقول ألغام من الريبة والتخوف وعدم الاطمئنان في صرح التحالف الوثني اليهودي.. وأن ينتظر في ثقة واعتزاز تفجر هذه الألغام بين حين وآخر.
مزنة: حدثيني يا أماه كيف بدأت هذه الألغام تنسف صرح تحالف اليهود والأحزاب..
(نقلة صوتية)
(أصوات رياح تمضى في زئير وصفير مرعب وصوت يقول):
زيد: عندما استحكم الخلاف بين الأحزاب ويهود بني قريظة لم يقم شيطان بني النضير حبي بن أخطب بمحاولة لرأب الصدع؟
حكيم: بلى يا زيد… عندما تدهور الموقف بين الفريقين سعى حبي بن أخطب إلى بني قريظة محاولا إقناعهم على الهجوم ولكن سعيه باء بالفشل.. وكان جواب كعب بن أسد سيد بني قريظة له..
(نقله صوتية)
كعب بن أسد: والله لا نقاتل معهم محمداً حتى يدفعوا إلينا سبعين رجلاً من قريش وقطفان هنا عندنا.. فلا تحاول يا بن أخطب أن تجد جواباً عندنا غير هذا.
حكيم: وانصرف حبي من عند بني قريظة يتعثر في أذيال خيبته وفشله ولما علم قادة الأحزاب بفشل مسعى ابن أخطب الأخير جمعهم أبو سفيان وخطب فيهم قائلا:
(نقلة صوتية مسبوقة بعاصفة هوجاء من رياح عاتية وأصوات وقوع خيام وقدور وصراخ وأصوات مبهمة تعلو وتهبط).
أبو سفيان: يا قوم.. إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام.. لقد هلك الكراع والخف.. واخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون.. ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء… إني أرى أن نرتحل فماذا ترون؟
طليحة: يا أبا سفيان.. إن لنا قرابة ثلاثين ليلة ونحن مستمرون أمام هذا الخندق لا نستطيع عبوره وقد هلكت إبلنا من قلة المرعى والعشب.. وضاقت نفوسنا وسئمت من شيء لم تألفه.
عبينه: إن ما قاله طليحة لا يعدو الواقع فقد بدأت وساوس التذمر بين قومنا.. ولولا بقية من وفاء لانفضوا من حولنا وانسابوا ينتجعون مكانا غير مكاننا.. ولقد أعمت الرياح السافية العاتية عيوننا وأهاجت خيلنا وركابنا.. فاختلط زادنا بها حتى أصبحنا في كرب وبلاء منها.. وإن الرحيل خير لنا مما نحن فيه بعد أن خانت بنو قريظة عهدها وأخلفت وعدها.
(أصوات رياح عاتية تسعى وقدور تكفأ وخيام تقتلع وأصوات تستغيث هنا وهناك)..
أبو سفيان: إذن فقد اتفقنا على الرحيل.
طليحة: اتفقنا يا أبا سفيان.. اتفقنا وليذهب بنو قريظة إلى النار.
أبو سفيان: يا خالد
خالد: لبيك يا عماه.
أبو سفيان: تولى أنت وعمرو بن العاص تنظيم ارتحالنا وحماية مؤخرتنا من تعقب المسلمين إذا ما علموا بارتحالنا.
خالد: أمرك يا عماه.
أبو سفيان: عكرمة… عكرمة.. ادع لي أبا سلمة الخشنى.
(أصوات رياح تسعى تكفي القدور وتطفىء النيران وتقتلع الخيام وأصوات تصرخ)..
أصوات: إلينا… أدركونا… أدركونا… أغيثونا.
أبو سفيان: انظروا ما الخبر يرحمكم الله. .. لعمري إنها آثار هذه الرياح لقد أعمت أبصارنا وصرنا لا يرى المرء من بجانبه.
أحدهم: إنها الريح الصرصر يا أبا سفيان.. اقتلعت منازلهم فوقعت أعمدتنا على رؤوسهم فشجتها وأكفأت قدورهم على ما فيها من زاد وأطفأت نيرانهم وكادت تدفنهم الرمال.. لو لم يهب جيرانهم لإنقاذهم.
أبو سفيان: ألم أقل لكم إنها الريح.
أحدهم: أبو سلمة حضر يا أبا سفيان.
أبو سفيان: أمسكني يده فإني لا أكاد أراه من غبار هذه الريح.
أبو سلمة: هاأنذا يا أبا سفيان.
أبو سفيان: خذ هذه الرسالة إلى محمد واذهب إليه من توّك.
طليحة: وماذا قلت فيها يا أبا سفيان؟
أبو سفيان: قلت يا طليحة:
باسمك اللهم فإني أحلف باللات والعزى وأساف ونائلة وهبل.
صفوان: لقد سرت إليك في جمعنا وأنا نريد الا تعود حتى نستأصلكم فرأيت قد كرهت لقاءنا وجعلت مضائق وخنادق واعتصمت بها واعتصمت بمكيدة ما كانت العرب تعرفها وإنما تعرف ظل رماحها وشبا سيوفها وما فعلت هذا إلا فراراً من سيوفنا ولقائنا فليت شعري من علمك هذا… فإن نرجع عنكم فلكم منا يوم كيوم أحد ننصر فيه النساء..
أصوات: أحسنت يا أبا سفيان… أحسنت يا أبا سفيان..
أبو سفيان: أذنوا بالرحيل.. وافعل ما أمرتك يا خالد..
خالد: لقد أعددت كل شيء يا عماه.
أبو سفيان: بورك فيك.. وأنتم يا وجوه بني قطفان لن ننسى لكم هذه الحمية وهذه الفعال وهذا النضال فقد وفيتم وكفيتم وكنتم عند حسن الظن.. ولنا لقاء مع محمد لن يفلت منا فيه.
طليحة: بورك فيك يا أبا سفيان.. وبورك لقريش في حلفائها وأحابيشها ومواليها.. وأنا بانتظار اليوم الذي نلتقي معكم بمحمد وأصحاب محمد فسيكون حسابه فيه عسيراً.
أصوات: الرحيل يا قوم.. الرحيل يا قوم.. هذا أمر أبي سفيان إليكم وصوت يقول:
الصوت: لقد عاد أبو سلمة الخشني من عند محمد.
أبو سفيان: ادخلوه يا قوم… ادخلوه.
أبو سلمة: عم مساءً يا أبا سفيان.. عموا مساءً أيها القوم.
أبو سفيان: ما وراءك؟؟
أبو سلمة : قرىء على محمد كتابك وبعد أن عرف محتوياته أمر بالإجابة فاحتجزت حتى سلمت إلي.
أبو سفيان: اقرأها.
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى أبي سفيان بن حرب أما بعد:
فقد أتاني كتابك وقديماً غرك بالله الغرور وسيحول الله بينك وبين ما تريد، ويجعل الله لنا العاقبة - وأما ما ذكرت أنك سرت إلينا في جمعكم وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا فذلك أمر الله يحول بينك وبينه ويجعل لنا العاقبة وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وأسافا ونائلة وهبل حتى أذكرك بذلك وأما قولك من علمك الذي صنعنا من الخندق فإن الله ألهمني ذلك لما أراد من غيظك به وغيظ أصحابك.
أبو سفيان: الويل لمحمد… الويل له… هيا يا قوم.. ارتحلوا… ارتحلوا..
(موسيقى رحيل.. وأصوات رياح لنسقى بشدة)..
حكيم: وهكذا انقشعت الغمة وخلص الله المسلمين من براثن هذه المحنة.. وجنى المسلمون الصادقون ثمار صدقهم وصبرهم وثباتهم مع نبيهم في تلك الليالي الرهيبة المرعبة.
زيد: نعم يا حكيم.. إنها برهنت وكشفت المؤمن الثابت العقيدة من غيره.. وكانت ابتلاء أراد الله أن يمحص به المسلمين ليخرجوا منه وهم أشد ما يكونون تمسكاً بعقيدتهم.
سلمى: وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بعد رحيل الأحزاب بقوله ما معناه: (لا يغزونكم بعدها أبداً ولكن أنتم تغزونهم).
مزنة: صلى الله عليه وسلم.
سلمى: وفعلا يا بنيتي… لم يتعرض المسلمون بعد غزوة الأحزاب لأي غزوة من قبل العدو وإنما كانوا هم الذين يقومون بذلك حتى استكملت لهم السيطرة على الجزيرة العربية ودانت لهم قبائلنا ومن فيها..
مزنة: وما ينطق عن الهوى… إن هو إلا وحي يوحى.
سلمى: صدقت يا بنيتي.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
مزنة: قولي يا ماما ماذا جرى لنعيم بن مسعود الأشجعي بعد أن رأى ثمرة جهوده وجهاده..
(نقلة صوتية)
حكيم: أما نعيم بن مسعود الأشجعي الغطفاني فبعد انسحاب قومه بني غطفان التحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه.
زيد: لا شك أنه كان فخوراً بما فعل.
حكيم: لقد أقدم على ما أقدم في سبيل الله وهو لا يطلب جزاء ولا شكورا من أحد بل فعل ذلك ابتغاء مرضاة الله وبدافع من إيمانه القوى بالله سبحانه وتعالى وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
الحارث: وكم كان عدد قتلى المسلمين في غزوة الأحزاب؟
حكيم: كان عدد المسلمين الذين استشهدوا ثمانية على الأقل وهنالك قتلى بطريق الخطأ لم يعرف عددهم.
الحارث: وكيف يا حكيم؟
حكيم: خرجت فئتان من المسلمين لحراسة جانب من مشاريع الخندق فالتقتا في الليالي الحالكة من ليالي الخندق التي كانت تسفي فيها الرياح بشدة فظنت كل واحدة منها أن الأخرى عدوة وكانت بينهما جراحة وقتل ثم نادوا بشعار الإسلام فكف بعضهم عن بعض ولما بلغ الخبر سول الله قال ما معناه: جراحكم في سبيل الله ومن قتل منكم فإنه شهيد.
زيد: وكم كان قتلى المشركين؟
حكيم: ستة وكلهم من قريش وليس فيهم أحد من غطفان..
الحارث: ألم تشترك قطفان في القتال.. ألم تهاجهم؟
حكيم: نعم ولكنها لم تكن متحمسة للقتال كما كانت قريش وأحلافها ثم أن الخندق أحدث صدمة في نفوس الأعراب الذين اشتركوا في هذه المعركة طمعاً بالنهب والسلب بأقل ما يمكن من الضحايا في الأنفس ثم عندما وجدوا أن الخندق يحول بينهم وبين ما جاؤوا من أجله آثروا السلامة في انتظار ما تسفر عنه المخاطرات التي قام بها فرسان قريش.
الحارث: إنه تحليل رائع للموقف الجامد الذي وقعته قبائل غطفان في غزوة الأحزاب.. لم يكونوا أيضا مدفوعين بدافع عقائدي كما إنهم لم يكونوا يضمرون البغض والعداوة للمسلمين بالشكل الذي كان عليه كفار قريش.
مزنة: وماذا كانت نتائج معركة الخندق يا أماه..
سلمى: النتائج بينه وباهرة.. هزيمة شنيعة منكرة لقريش وأحلافها وللقبائل التي ساندتها وليس أدل على ذلك من أن المدينة لم تتعرض لأي غزو بعد معركة الخندق.
مزنة: طيب يا أماه.. ولكن ما هو الدرس الذي أخذته قيادة المسلمين من وراء هذه المعركة.
سلمى: لقد أدركت قيادة المسلمين أنه لا مناص من القضاء نهائيا على أوكار الدس والمؤامرات اليهودية داخل المدينة وفي خيبر وإن بقاء الوجود اليهودي المتنفذ بسلطان ماله وفكره معناه استمرار تعريض الكيان الإسلامي للخطر- فيجب إذن التخلص من هذه الأوكار.. ولذلك فبعد انسحاب جيوش الأحزاب أذّن مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى قتال بني قريظه.
مزنة: وكيف تم القضاء على هذه الأوكار..؟
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :750  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 51 من 69
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج