شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 50 ـ
مزنة: واقلق اليهود جيش المسلمين بتحرشهم بالنساء والذرارى وزادوا من متاعبهم وضاعفوا من بلائهم.
سلمى: نعم يا بنيتي.. وحين شعرت جيوش الأحزاب بالنقص الملموس في قوات المسلمين بعد انسحاب المنافقين والذين في قلوبهم مرض أطبقوا عليهم من كل ناحية وشاغلوهم إلى درجة الإرهاق والإعياء بصورة لم يبق لها مثيل حتى بلغ الأمر بالمسلمين إلى حد الإنهيار من الإعياء.
(نقلة صوتية مصحوبة بوقع حوافر الخيل وصليل السيوف وقعقعة سلاح وأصوات تهليل وتكبير من المسلمين تقول: ((حم.. لا ينصرون)).. وأصوات المشركين تصيح باللات العزى.. وأصوات يهودية تهتف داعية إلى إفناء المسلمين.. وأصوات سقوط جرحى وقتلى وصوت يقول):
زيد: حدثنا يا حكيم عن ليالي معركة الخندق الأخيرة.
حكيم: لقد حم البلاء واشتد الحصار وتزايد هجوم الأحزاب في الليالي الأخيرة من معركة الخندق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلاً: اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب.. اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم وزلزلهم... ثم قام في الناس خطيباً فقال: أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإن لقيتم العدو اصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف.
الحارث: حقاً أنها كانت ليالي كرب، وجهد وبلاء وكم دامت ليالي الخندق؟
حكيم: حوالي الشهر بلغت فيه حالة المسلمين حد الإعياء من الضيق والتعب والإرهاق حتى هزم الله الأحزاب وكبت الخونة الغادرين من يهود بني قريظة وكتب النصر للمؤمنين الصابرين.
زيد: وكيف تنفس المسلمون الصعداء وتخلصوا من ذلك الكرب العظيم..
حكيم: في الليالي الخانقة الأخيرة من معركة الخندق جاء نعيم بن مسعود الأشجعي الغطفاني في الليل إلى معسكر المسلمين. فلما أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ما جاء بك يا نعيم قال يا رسول الله إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت...
فقال له الرسول: إنما أنت رجل واحد فخذل عنا إن شئت فإن لحرب خدعة.
فقال نعيم: أفعل ولكن يا رسول الله إني أقول فأذن لي أن أقول وإن كان خلاف الواقع...
فقال الرسول: قل ما بدا لك فأنت في حل..
مزنة: أليس هذا نعيم هو الرجل الذي استأجره أبو سفيان بعشرين ناقة ليثبط المسلمين عن الخروج لمعركة بدر الآخرة أو الأخيرة.
سلمى: نعم يا بنيتي... ولكنك تذكرين إني قلت لك أني سأحدثك عن موقف له رائع في خدمة المسلمين.
مزنة: نعم أذكر يا أماه... هاتي.. حدثيني..
سلمى: وخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى مناسبة)..
أصوات: يا مرحبا بنعيم.. يا مرحبا.. أهلاً ومرحبا..
كعب: مرحبا بك يا نعيم بين خلانك وندمانك... هيئوا يا قوم له الطعام والشراب.
نعيم: يا كعب وأنتم يا وجوه بني قريظة، إني لم آت لطعام وشراب إنما جئتكم تخوفاً عليكم لأشير عليكم برأي... فقد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم.
كعب: صدقت يا نعيم.. لست عندنا بمتهم، بل أنت عندنا على ما نحب من الصدق والبر..
نعيم: عدوني أن تكتموا عني ما سأقوله لكم...
أصوات: نعدك.. سنفعل.. قل.. ولا تخف..
نعيم: يا قوم.. إن أمر محمد بلاء.. صنع ما رأيتم بين قينقاع وبني النضير وأجلاهم عن بلادهم بعد أن استصفى أموالهم وأن ابن أخطب سار فينا فاجتمعنا معه لننصركم.. وإن الأمر قد استطال كما ترون...
كعب: بلى يا نعيم.. بلى.
نعيم: إن قريشاً وغطفان ليسوا مثلكم.. البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره.
أصوات: صدقت يا نعيم.. صدقت..
نعيم: وإن قريشاً وغطفان قد جاؤوا الحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلادهم وأموالهم ونساؤهم بغيره. فليسوا كأنتم.. فإن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين محمد...
كعب: بالصواب نطقت يا نعيم..
نعيم: وقد كبر عليهم جانب محمد... جلبوا عليه بالأمس القريب إلى الليل فقتل رأسهم عمرو بن عبد ود العامري وهربوا منه مجروحين.. ومحمد ببلادكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم.
كعب: صحيح.. قل يا نعيم... أشر.
نعيم: لا تقاتلوا محمداً مع القوم حتى تأخذوا منهم رهائن سبعين رجلاً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمداً حتى يناجزوه ويقضوا عليه...
أصوات: أشرت بالرأي والنصح..
كعب: بورك فيك يا نعيم...
نعيم: اكتموا عني ما قلت..
كعب: سنفعل.. سنفعل.. كن مطمئناً..
نعيم: عموا مساءً..
أصوات: عم مساء يا نعيم. يا صديق بني قريظة.
مزنة: يا له من داهية..
سلمى: إنه ليس داهية فحسب بل عبقري ألمعي..
مزنة: تابعي حديثك يا أماه.
(نقلة صوتية)..
نعيم: عم مساءً يا أبا سفيان وأنتم يا صناديد قريش..
أبو سفيان: عم مساء يا نعيم..
أصوات: عم مساء يا أخا غطفان..
أبو سفيان: قل ما وراءك..
نعيم: قد عرفتم ودي لكم وعداوتي لمحمد... وإنه قد بلغني أمر قد رأيت أن ابلغكموه نصحاً لكم فاكتموه علي..
أبو سفيان: سنفعل.. قل.. وافصح..
نعيم: لقد جئتكم من عند بني قريظة وقد رأيتهم قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد.
أبو سفيان: أتعني ما تقول يا نعيم.
نعيم: أتشك في صدقي يا أبا سفيان وأنت تعلم علاقتي ببني قريظة.
أبو سفيان: كيف وأنت من أعز ندمانهم وأصفى خلانهم.
نعيم: لقد أرسلوا إلى محمد يقولون أنهم نادمون على ما فعلوا وأنهم مستعدون لوضع يدهم في يده من جديد ليكونوا معه عليكم وأنهم لكي يبرهنوا على صدق نيتهم وطويتهم قالوا له:
أبو سفيان: قالوا له ماذا.. قل وفصل..
نعيم: قالوا له: هل يرضيك أن نأخذ لك من قريش وغطفان سبعين رجلاً من أشرافهم فنعطيكم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم..
أبو سفيان: وهل وافق محمد على ذلك..؟
نعيم: بلغني من أصحاب ابن سلول إنه وافق على ذلك..
أبو سفيان: بم تشير يا نعيم..
نعيم: أرى أن بعثت إليكم يهود بني قريظة يلتمسون منكم رهائن فلا تدفعوا إليهم منكم أحداً..
أبو سفيان: حييت يا نعيم وبورك فيك.. والله لن نسلمهم عنق بهيمة واحدة فكيف نسلمهم سبعين رجلاً من أشراف قريش.
أصوات: مستحيل.. مستحيل.. لا نقبل ذلك..
نعيم: عموا مساءً.
أصوات: عم مساءً.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى)..
حكيم: ثم خرج نعيم من عند قريش حتى أتى قومه غطفان فقال لهم:
نعيم: يا معشر غطفان إنكم أهلي وعشيرتي وأحب النَّاس إلي وأنا رجل منكم ولا أراكم تتهموني..
أصوات: صدقت ما أنت عندنا بمتهم.
نعيم: إن لدي أمراً سأقوله لكم فاكتموه عني..
نفعل فما أمرك؟
حكيم: فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم أن يدفعوا إليهم رجلاً واحداً منهم وتمت خدعة نعيم للجميع.. ودارت في رؤس قادة جيوش الأحزاب وأحبوا أن يستوثقوا من صحة ما نقله إليهم نعيم بن مسعود الأشجعي.
زيد: وربما لأنهم ملوا الوقوف شهراً تقريباً أمام خندق من دون أن يلتحموا بالمسلمين وجهاً لوجه.
حكيم: لعله هذا وذاك..
زيد: وماذا فعل قادة الأحزاب في سبيل الوصول إلى الحقيقة..
حكيم: أرسل أبو سفيان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان.. فلما وصلوا إليهم واجتمع بهم قال لهم:
(نقلة صوتية)..
عكرمة: يا سيد بني قريظة ويا وجوهها.. إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فأغدوا للقتال حتى نناجز محمداً وننفرغ فيما بيننا وبينه.
كعب: إن غداً السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثاً خاصاً به ما لم يخف عليكم.
عكرمة: فليكن غير يوم السبت.. إننا نريد القضاء على محمد بها نحن نحاصر الخندق حوالي الشهر ولما نأت نتيجة وقد أرسلتم لنا رجلكم عزَّال بن سمُّوك تلوموننا على أننا لم نصنع شيئاً وأرسلتم لنا معه تقولون إنكم لو وعدتمونا يوماً تزحفون فيه على محمد فتأتون من وجه وتأتي غطفان من وجه وتخرجون أنتم يا بني قريظة من وجه فلن يفلت منا محمد.. وها نحن جئناكم الليلة لنقول لكم إنا على أتم استعداد لتنفيذ ما أرتأيتم.
كعب: حسناً.. حسناً.. ولكنا لسنا مع ذلك بالذين يقاتلون معكم محمداً حتى تعطونا رهائن سبعين رجلاً من أشرافكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمداً فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن ترجعوا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك منه..
عكرمه: سأعود برأيكم هذا إلى أبي سفيان وقادة غطفان.
كعب: ليكن ما تريد.. وبنو قريظة على استعداد للقتال إذا دفعتم لنا الرهائن.
عكرمه: عمو مساء.
أصوات: عمو مساء.
(نسمع حركات خروجهم كما نسمع زئير الرياح وصفيرها وأصوات مناوشات.. ووقع حوافر خيل وصوت يقول)..
أبو سفيان: ما وراءك يا عكرمة أنت ومن معك.
عكرمة: يريد بنو قريظة سبعين رجلاً من أشراف قريش وغطفان رهائن يكونون بأيديهم ثقة لهم حتى يناجزوا محمداً أنهم يشكون في صدق تحمسنا للقتال كما يخشون محمداً ولعلهم ضالعون معه..
أبو سفيان: يا قوم.. والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحق..
أصوات: نعم.. نعم.. نعم..
أبو سفيان: أرسلوا إليهم أنا لا ندفع إليهم رجلاً واحداً من رجالنا فإن كانوا يريدون القتال فليخرجوا ليقاتلوا.
أصوات: بالصواب نطقت يا أبا سفيان...
حكيم: وعندما انتهت رسل أبي سفيان إلى بني قريظة بهذا قالوا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق.. ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشروا إلى بلادهم وخلوا بيننا وبين محمد في بلدنا..
زيد: وما كان موقفهم بعد ذلك.
حكيم: أرسلوا إلى قريش وغطفان قائلين إنهم لن يقاتلوا معهم محمداً حتى يعطوهم الرهائن.
(أصوات رياح تسفى في زئير وصفير مرعب)..
مزنة: يالله.. حقاً أن نعيماً هذا شخصية فذة إنه نابغة...
سلمى: أنها قوة الإيمان يا بنيتي تلك القوة الخارقة التي حفزت نعيماً أن يقدم على هذه المحاولة الخطيرة وأن يسجل هذه الصفحة الرائعة الخالدة في تاريخ الدبلوماسية العالمية.
مزنة: صحيح يا أماه.. وإن نعيماً فلتة.. إنه الذكاء الفطري إعرابي من هذه الصحارى الموحشة لم يتمرس حياة الدبلوماسيين ولم يختلط بالرجال المحنكين في الدول المتمدنة في شمال الجزيرة وشرقيها ومع ذلك يأتي بالأعاجيب.. ولا مرية أن هنالك معجزة أراد الله سبحانه وتعالى أن تتحقق على يد هذا الإعرابي...
(خبطة موسيقية قوية)..
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله..
مزنة: إنه شاء الله تعالى..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :736  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 50 من 69
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج