الحلقة ـ 48 ـ |
مزنة: تعالي يا أماه حدثيني كيف استطاع شيطان بني النضير حيي بن أخطب إغراء بني قريظه على نقض العهد الذي كان بينهم وبين النبي صلَّى الله عليه وسلم بهذه السرعة..؟ |
سلمى: تعلمين يا بنيتي أن هذا اليهودي القذر حيي بن أخطب قد تعهد لقادة جيوش الأحزاب بأن بوسعه سحب بني قريظة إلى صفوفهم حالما يصلون إلى المدينة ويبدأون في القتال، وهكذا خرج عدو الله ابن أخطب إلى حصون بني قريظة وطلب مقابلة سيدهم كعب بن أسد.. |
(نثلة صوتية).. |
(همسات وأصوات مبهمة تدل على وجود اجتماع وصوت حارس الحصن يقول): |
الحارس: بالباب سيد بني النضير حيي بن أخطب يستأذن عليك يا سيدي. |
كعب: أغلق دونه باب الحصن.. |
الحارس: أمرك يا سيدي.. |
(نسمع مشيته وصوته يخاطب حيي بن أخطب قائلاً): |
لا أذن لك عندي بالدخول.. فأذهب من حيث أتيت.. |
(يصرخ حيي بن أخطب قائلاً): |
حيي: يا كعب.. ويحك يا كعب.. افتح لي.. أهكذا يكون لقاؤك لي.. |
كعب: ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم.. وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلاّ الوفاء والصدق.. |
حيي: ويحك افتح لي أكلمك.. أهذا حق اليهودي على أخيه.. افتح.. افتح.. وكلمني وجهاً لوجه وليس من النافذة.. |
كعب: ما أنا بفاعل يا حيي.. ما أنا بفاعل.. إذهب ودعني.. |
حيي: ويحك يا كعب.. سيتحدث اليهود والعرب أنك ما أغلقت دوني حصنك إلاّ تخوفاً على حشيشتك أن آكل معك منها.. يا للعار.. يا للشنار.. |
كعب: ويحك يا بن أخطب.. ما أسقط لسانك.. واقذع كلامك.. أتوصمني بالبخل.. وأنا من عرفت اليهود في المدينة وفي كل مكان.. افتح له ايها الحارس باب الحصن. |
حكيم: ودخل حيي بن أخطب في سرعة حتى وصل إلى حيث كان يجلس كعب بن أسد سيد بني قريظه وما أن رآه حتى قال: |
حيي: عم مساء يا كعب.. |
كعب: عم مساء يا حيي.. افسح له يا غلام صدر المكان وأته بأطايب ألوان الطعام والشراب.. |
حيي: ما جئت لهذا يا كعب.. |
كعب: إذن جئت لماذا يا حيي؟.. |
حيي: ويحك يا كعب.. جئتك بعز الدهر.. جئتك بقريش قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بجمع الأسيال.. وبغطفان شيوخها ورؤسائها حتى أنزلتهم بجانب أحد قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمداً ومن معه. |
كعب: جئتني والله بذل الدهر.. وبجهام قد أهرق ماءه، فهو يرعد ببرق ليس فيه شيء، ويحك يا حيي، دعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاء. |
حيي: إن ظل أيام اليهود يتقاصر في هذه الجزيرة.. ورواق الإسلام يمتد بسرعة مذهلة، لقد فتك محمد بأخواننا بني قينقاع وبنا نحن بني النضير.. وغداً من في خيبر ومصيركم أنتم جيرانه أقرب.. إن جيوش الأحزاب المطبقة على المدينة بيدها حياتنا أو مماتنا.. |
كعب: ماذا تقول؟.. |
حيي: إننا إن نصرنا هذه الجيوش قضت على محمد ومن معه واستأصلت شأفتهم وخلصتنا من شرهم وضمنا حياتنا إلى الأبد.. وإن نحن خذلنا هذه الجيوش الجرارة كان في ذلك مصيرنا المحتوم.. |
كعب: ولكني على عهد مع محمد فكيف أنقضه.. |
حيي: ولكن مصير قومك بل مصير اليهودية متوقف على هذه المعركة.. وما عهدك بمنجيك من فتك محمد إن هو خرج ظافراً منصوراً هذه المرة.. |
كعب: أدع يا حارس زعماء بني قريظة وأحضر صحيفة العهد المعقود بيننا وبين محمد.. |
(أصوات المناوشات بين المسلمين وجيوش الأحزاب وزئير رياح باردة وأصوات مبهمة تعلو وتهبط.. وأخيراً يدخل زعماء بني قريظة فيبتدرهم كعب بن اسد بقوله): |
كعب: يا وجوه بني قريظه.. هذا سيد بني النضير حيي بن أخطب جاءكم بنبأ وبطلب فاستعموا له وقرروا ما ترون فيه وأنا معكم فيما تجمعون عليه.. |
حكيم: ويسرد حيي للمجتمعين ما جاء من أجله وتحتدم مناقشة حادة بين زعماء بني قريظة وينهض أحد زعمائهم عمرو بن سعدى فيقول: |
عمرو: إنني أحذركم من نقض العهد الذي عقدتموه مع محمد.. أما أنا ومن معي من بني سعيد فلن نغدر بمحمد أبداً.. يا قوم إني امحضكم النصح واقول لكم إذا لم تنصروا محمداً فاتركوه وعدوه.. |
حيي: أننصر محمداً يا عمرو بن سعدي، وأي عدو أعدى لنا من محمد.. يا زعماء بني قريظه إن أموالكم وأنفسكم ومصيركم مرهون بمصير هذه المعركة.. فخسرانها إيذان بفنائكم وزوالكم وظفرها بشرى لكم وطمأنينة إن في أيديكم كل ذلك فظهر جيش محمد مكشوف من جهتكم، وما هي إلاّ ساعات ويصبح المسلمون فيها أثراً بعد عين.. قوموا مزقوا صحيفة العهد.. هيا.. قل لهم يا كعب.. قل لهم.. إنك موافق على نقض الصحيفة والانضمام إلى الأحزاب. |
كعب: ما رأيكم يا زعماء بني قريظة.. |
عزال: الرأي ما تراه أنت يا سيد بني قريظة. |
كعب: إني أصبحت مقتنعاً برأي ابن أخطب فإنها فرصة العمر للقضاء على الإسلام والمسلمين. |
أصوات: موافقون.. موافقون.. |
كعب: قبل أن أمزق صحيفة المعاهدة.. قل لي يا بن أخطب هل تعطينا العهد والميثاق لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا من محمد مساً أن تدخل معنا حصننا حتى يصيبك ما يصيبنا؟.. |
حيي: أعاهدكم برب موسى وهارون أن أكون معكم على الخير والشر وأن أربط مصيري بمصيركم. |
كعب: هذه هي الصحيفة أمزقها أمامكم وأبرئكم مما كان بينكم وبين محمد.. |
(نسمع صوت التمزيق.. وبعدها يقول كعب..).. |
وأنت يا شاس بن قيس وأنت يا بن باطا جمعوا الرجال والفتيان للقتال.. |
أصوات: إلى القتال.. إلى القتال.. إلى القضاء على المسلمين.. هيا.. هيا.. |
حكيم: وبلغ عمر بن الخطاب خبر نقض بني قريظة للعهد فنقله إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فشق عليه ذلك كثيراً وأمر ألاّ يشاع هذا الخبر حتى يستوثق منه.. ثم دعا إليه سعد بن معاذ سيد الأوس وحليف بني قريظة وسعد بن عباده سيد الخزر وعبد الله بن رواحه وأسيد بن حضير وكلفهم بأن ينطلقوا وينظروا أحق ما بلغه عن هؤلاء القوم أم لا فإن كان حقاً فلينقلوه إليه بصورة لا يعرفها غيره لئلا يفتوا في عضد الناس وإن كانوا على وفائهم فليجهروا به للناس.. |
زيد: نعم التوجيهات السديدة والتعليمات الرشيدة.. |
حكيم: وسار وفد النبي صلَّى الله عليه وسلم إلى بني قريظة فاستقبلوهم ودخلوا معهم حصنهم وقال لهم سعد بن معاذ.. |
سعد بن معاذ: لقد بلغنا يا كعب إنكم نقضتم العهد الذي بينكم وبين رسول الله فإن كان ذلك حقاً فإني أناشدكم الله أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه ولا تطيعوا حيي بن أخطب.. |
كعب: من هو رسول الله هذا؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد لقد قطعته كما قطعت خيوط نعلي هذا يا سعد بن معاذ.. |
سعد بن معاذ: قبحت ايها اللعين القذر.. إنك لست سيد بني قريظة بل سيد السفهاء فيها.. ستلقى جزاءك على نقضك العهد.. |
كعب: أتسبني وأنت في حصني.. وبين قومي.. ورب موسى لولا حليفي سعد بن معاذ معك لأمرت رجالي بقتلك في الحال.. يا سعد بن عباده يا سيد الخزرج الأحمق.. |
سعد بن عباده: خسئت يا هذا.. والله لتفنى أنت ورجالك قبل أن تقدر على ذلك.. |
سعد بن معاذ: دع عنك يا بن عباده مشاتمتهم فيما بيننا وبينهم، أربي على المشاتمة.. يا كعب وأنتم يا وجوه بني قريظة إني أخاف عليكم وأنا حليفكم يوماً مثل يوم بني النضير أو أمرّ منه. |
كعب: الآن جئتم تطلبون منا الوفاء بالعهد الذي بيننا وبين محمد وهو الذي كسر جناحنا وأخرج إخواننا بني النضير.. إذهبوا لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد. |
أسيد: أتطردنا يا عدو الله ما أنت كفء يا بن اليهودية، لتؤلِّين قريش إن شاء الله منهزمين وتتركك في عقر دارك وعندها نعرف كيف نحاسبك.. |
أصوات: إذهبوا.. لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد.. |
حكيم: وعاد الوفد إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم يحمل تأكيد غدر يهود بني قريظة ونقضهم العهد وابلغوه هذا الخبر المزعج على انفراد دون أن يعلم به أحد غيره من المسلمين. |
مزنة: ولكن أخبار السوء لا تخفى.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. |
لا شك أن وضع المسلمين بعد انضمام بني قريظة للأحزاب قد بلغ أقصى درجات الحرج والتأزم ومصيرهم أصبح كله في مهب العاصفة. |
سلمى: نعم يا بنيتي.. لم يلبث خبر السوء أن انتشر فاشتد الخوف وعظم البلاء وخيف على الذراري والنساء ولقد وصف القرآن الكريم جزع المسلمين وفزعهم أصدق وصف حيث قال تعالى: |
(نقلة صوتية).. |
صوت:
إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا . هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (الأحزاب: 328).. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
مزنة: وماذا جرى بعد ذلك يا أماه؟.. |
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله.. |
مزنة: إن شاء الله تعالى.. |
|