الحلقة ـ 46 ـ |
مزنة: هيا يا أماه.. فقد حان وقت الحديث.. |
سلمى: لقد اتفق اليهود على تشكيل وفد للاتصال بالقرشيين في مكة وبالقبائل العربية المجاورة للمدينة وتأليبهم وتجميعهم في جيش موحد يستقطب أكبر عدد ممكن من الفرسان البارزين بقصد القضاء على المسلمين في المدينة نهائياً.. |
(نقلة صوتية).. |
حكيم: وتشكل الوفد اليهودي من حيي بن أخطب، وسلاّم بن مشكم، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عامر، وأتخذ الوفد طريقه إلى مكة رأساً.. |
زيد: إن هذا الوفد كله تقريباً من بني النضير الذين أجلوا إلى خيبر. |
حكيم: نعم.. لأن يهود بني النضير كانوا سادة اليهود في تلك المنطقة وكانوا الطبقة المترفة الثرية بينهم كما أنهم كانوا أنشط اليهود تجارة واتصالاً بالقبائل في الجزيرة العربية وبجماعتهم اليهود في بر الشام. |
الحارث: وماذا جرى للوفد اليهودي في مكة؟.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
(أصوات مبهمة.. وهمسات خفيفة - ولفظ يدل على اجتماع وصوت أبي سفيان يعلو من بين الحاضرين وهو يقول): |
أبو سفيان: يا معشر قريش.. إننا نرتقب الفينة بعد الفينة وصول وفد يهودي من مدينة خيبر يقوده حيي بن أخطب.. فعلينا أن نرحب بهم ونكرمهم بما يستحقون. |
صفوان ابن أمية: أجل يا أبا سفيان.. إن هؤلاء اليهود شوكة في جنب المسلمين بالمدينة والواجب يقتضينا بل يفرض علينا أن تبقى هذه الشوكة حادة سليمة وإذا استطعنا أن نجعل منها حربة في ظهور المسلمين كان ذلك أجدى وأولى.. |
أبو سفيان: ما أروع ما تقول يا صفوان.. إن هؤلاء اليهود خير معين لنا في حربنا مع محمد بأموالهم بآرائهم.. بسرعة اتصالاتهم وخاصة رئيسهم حيي بن أخطب.. إنه رجل فذ.. |
عكرمة: أعندك يا عماه معلومات عن مهمة هذا الوفد؟.. |
أبو سفيان: لا يا عكرمة.. إن اليهود بارعون في التستر على خططهم وأعمالهم.. |
صفوان: يجب أن نستغل الموقف ونهتبل هذه الفرصة بجميع الوسائل والطرق.. فاليهود موتورون مثلنا وقد جمعتنا عداوة محمد ووحدت ما بيننا.. |
أحدهم: وصل وفد خيبر.. |
(أصوات نزولهم عن خيلهم ومشيهم وصوت أبي سفيان يقول): |
أبو سفيان: مرحبا.. مرحبا باليهود.. أهلاً ومرحبا.. إن أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد… |
حيي: لقد جئنا نشد أزركم.. وسنكون معكم على محمد وأصحابه حتى نستأصلهم جميعاً.. |
صفوان: لقد نزلتم منا الصدور والقلوب.. وإننا لنرحب بكل يد تمد إلينا في سبيل القضاء على محمد ودين محمد.. |
حكيم: وعرض الوفد اليهودي على قريش كامل الخطة التي رسموها لتحزيب القبائل وتجميعها لغزو المدينة واستئصال شأفة المسلمين فيها وسحقهم عن بكرة أبيهم.. |
زيد: ولا شك أن سرور قريش بالغاً جداً.. |
حكيم: نعم يا زيد وخاصة حين امتدح اليهود عبادة قريش للأصنام وأنها خير من دين الإسلام - لعنهم الله -.. |
زيد: لعنهم الله وأخزاهم إلى يوم القيامة. |
حكيم: لقد ذهب اليهود إلى أبعد مدى في استرضاء قريش واستجداء موافقتهم على الغزو فوق وعدهم المساهمة في تمويل هذا الجيش. |
الحارث: كيف يا أخي كيف؟.. |
حكيم: لقد سجدوا للأصنام إرضاء للقرشيين عندما طلبوا منهم ذلك ليطمئنوهم إلى قولهم الذي قالوه بتفضيل الوثنية على الإسلام.. |
زيد: إنهم اليهود لا يتورعون عن ارتكاب أي شيء في سبيل الوصول إلى غاياتهم.. إنهم يلبسون لكل حالة لبوسها. |
حكيم: وبعد أن ضمن الوفد اليهودي الشرير موافقة قريش وحدد معهم موعد الغزو وعدد الجيش الذي سيشترك في هذه الغزوة بحيث لا يقل عن أربعة آلاف مقاتل.. توجهوا إلى ديار غطفان وصاروا ينتقلون من منزل إلى منزل ومن مضرب إلى آخره ليؤلبون القلوب ويستميلونها بالدرهم والدينار والوعد المعسول حتى اطمأنوا إلى موافقة غطفان ومن جاورها من القبائل العربية فعقدوا معهم اتفاقاً أهم ما جاء فيه هو: |
أولاً: أن تجهز غطفان جيشاً لا يقل عن ستة آلاف مقاتل. |
ثانياً: أن يدفع اليهود لهذه القبائل ثمر نخل خيبر لسنة واحدة. |
الحارث: إذن لقد حشدوا جيشاً لا يقل عن عشرة آلاف مقاتل. |
حكيم: نعم يا حارث.. وهو جمع لم يسبق للمسلمين أن واجهوا مثله في حروبهم من قبل وقد نقل اليهود إلى قادة قريش تفاصيل اتفاقهم مع القبائل العربية.. |
زيد: فسروا أيما سرور وفرحوا بما لم يحلموا به واغتبطوا.. |
حكيم: نعم وهكذا عاد الوفد اليهودي إلى خيبر بعد أن حقق الجانب الأكبر من مهمته، أما قادة الأحزاب المشتركة في هذه الغزوة فقد بدؤوا يحشدون قواهم ويركزون جهودهم لكي تكون الغزوة التي سميت بغزوة الأحزاب ناجحة ومحققة لأهدافها. |
الحارث: ومن هم قادة هذه الأحزاب؟ |
حكيم: أبو سفيان قائد الجيش المكي.. أما قبائل غطفان فكانت لهم قيادات أربعة: |
عيينة بن حصن الفزاري قائداً لبني فزارة.. |
طليحة بن خويلد قائداً لبني أسد.. |
مسعود بن نويرة قائداً لبني أشجع.. |
الحارث بن عوف قائداً لبني مرة.. |
زيد: ألم يكن المسلمون على علم بهذه التجمعات؟ |
حكيم: كان المسلمون يتابعون في حذر وترقب تحركات الوفد اليهودي واتصالاته.. عندما بلغتهم أنباء الحلف الثلاثي بين قريش واليهود وقبائل غطفان دعا النبي صلَّى الله عليه وسلم إلى اجتماع عاجل حضره كبار قادة جيشه من المهاجرين والأنصار للتشاور في مجابهة هذا الموقف الخطير.. |
زيد: إن كلمة خطير لا تفي التعبير عن دقة هذا الموقف.. إنه معركة مصيرية بالنسبة للمسلمين كما هو بالنسبة لليهود المحرضين عليه.. |
حكيم: لقد درس المجمتعون الهدف الرئيسي من هذه الغزوة فوجدوا أنه يهدف إلى احتلال المدينة ثم تناولوا شؤون المقاتلين فوجدوا أن ما لديهم لا يزيد عن تسعمائة مقاتل بينما عدد جيش الأحزاب يبلغ عشرة آلاف مقاتل.. |
زيد: إن المقارنة بين الجيشين تكاد تكون مفقودة بالرغم من أن المسلمين كانوا يمتازون بالشجاعة النادرة النابعة من قوة العقيدة الصادقة.. إلا أن الكثرة كما يقولون تغلب الشجاعة. |
حكيم: وقد حسب المجتمعون لكل شيء حسابه وقدروا تقديره وقرروا التحصن بالمدينة والدفاع عنها ولكنهم كانوا يفكرون في إيجاد مخرج لتفادي الالتحام المباشر مع جيوش الأحزاب الجرارة المتفوقة عدداً وعدة.. |
الحارث: حقاً إنه موقف دقيق وحرج للغاية فعدد المسلمين ضئيل لا يكاد يسد ثغرة من مداخل المدينة.. |
حكيم: بلى يا حارث.. ولكن الله أرسل لهم الفرج حين أقترح سلمان الفارسي أن يسارع المسلمون إلى حفر خندق عميق يشمل المنطقة التي يتوقع أن تنفذ منها جيوش الأحزاب لاقتحام المدينة.. وراق للنبي صلَّى الله عليه وسلم الاقتراح فوافق عليه وأمر بتنفيذه. |
زيد: إن حفر الخنادق شيء جديد في تاريخ الحروب العربية، وسلمان فارسي الأصل ولا بد أن قومه كانوا يستعملون مثل ذلك في حروبهم.. |
حكيم: نعم يا زيد.. لقد قال سلمان الفارسي وهو يعرض اقتراحه: يا رسول الله.. إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا.. |
الحارث: وأين كان موضع الخندق يا حكيم؟.. |
حكيم: لقد كانت الجهة الشمالية من المدينة الناحية الوحيدة المكشوفة التي لا بد لأي غاز يريد احتلال المدينة من أن يتجه إليها.. أما الجهات الأخرى من المدينة فمتشابكة الأبنية والزروع والأشجار ومن الصعب للخيل اجتيازها. |
زيد: وكم كان طول الخندق؟.. |
حكيم: حوالي خمسة آلاف ذراع.. |
زيد: إنها عملية شاقة ولا ريب. |
حكيم: لقد كان المسلمون يحفرون الخندق وهم في حالة معيشية صعبة فالعام كان عاماً مجدباً ولم يكن عندهم ما يتبلغون بل كان بعضهم يقع مغشياً عليه من الجوع.. وكان النبي صلَّى الله عليه وسلم يعمل بيديه الكريمتين في الخندق ويحمل التراب وهو يعصب حجراً على بطنه من الجوع.. |
مزنة: يا الله.. النبي العظيم صلَّى الله عليه وسلم يشد على بطنه الحجر من الجوع.. ويشترك في حفر الخندق ونقل التراب كأي فرد أو عامل.. |
ما أعظمك يا رسول الله وما أشد ما قاسيت وتحملت.. |
سلمى: لقد كان يحفر التراب بالمسحاة ويضرب بالفأس والمعول ويحمل التراب على ظهره ويرفع صوته مع المرتجزين وهم يرددون أثناء العمل والابتسامة لا تفارق شفتيه والعزيمة الصادقة والإيمان الذي لا يتزعزع صلَّى الله عليه وسلم.. |
مزنة: صلَّى الله عليه وسلم.. أماه.. |
(نقلة صوتية).. |
(نسمع أصوات المعاول والفؤوس والمساحي وهي تشتغل في الخندق).. |
وأصوات ترتجز قائلة: |
نحن الذين بايعوا محمداً |
على الجهاد ما بقينا أبداً |
|
زيد: وكم استغرق حفر الخندق يا حكيم؟.. |
حكيم: استغرق حفر الخندق شهراً كاملاً.. وبحفره استطاع المسلمون أن يتفادوا الالتحام المباشر بين جيشهم وجيش الأحزاب.. |
الحارث: ألم يكن من السهل على المشاة الدخول من الجهات الأخرى من المدينة.. ولماذا اختيرت الجهة الشمالية من المدينة وحفر فيها الخندق.. |
حكيم: كانت الجهات الأخرى من المدينة محاطة بأشجار النخيل والزروع الكثيفة الأخرى وكانت مسورة بالأبنية المتشابكة والحواجز الطبيعية الصعبة التي لا يمكن لقوات كبيرة أن تقاتل فيها بشكل واسع.. |
أما الجهة الشمالية فكانت مفتوحة وواسعة المسالك وفسيحة الميادين هناك لكي يكون حاجزاً بين المسلمين القلة وجيوش الأحزاب الكثرة..ولذلك من السهل على الفرسان الكرّ والفرّ فيها وهذا ما حفز المسلمين على حفر خندق هناك لكي يكون حاجزا بين المسلمين القلة وجيوش الأحزاب الكثرة.. |
زيد: الآن قدرت أن أدرك عظمة هذه الخطة الحكيمة.. |
حكيم: ثم هنالك آخر.. |
الحارث: وما هو.. |
حكيم: كان جيش المسلمين الرئيسي مرابطاً في الجهة الشمالية وجاعلاً جبل (سلع) خلف ظهره ليتقي أية حركة التفاف يقوم بها العدو.. |
زيد: وماذا اتخذ المسلمون من خطة بشأن النساء والأطفال والعجزة؟.. |
حكيم: أخلوا المدينة من النساء والأطفال والعجزة وجمعوهم في الحصون والآطام المنيعة بعيدين عن أعين العدو ولتسهل حمايتهم وخاصة من يهود بني قريظة الواقعة منازلهم في المدينة والذين كان المسلمون ينتظرون منهم الغدر بين حين وآخر. |
مزنة: ولكن حيي بن أخطب وعد جماعته اليهود بأن يستميل بني قريظة إلى جانب الأحزاب فهل تمكن من ذلك يا أماه؟.. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله.. |
مزنة: إن شاء الله تعالى.. |
|