الحلقة ـ 45 ـ |
مزنة: تعالي يا أماه.. فقد آن وقت الحديث في هذه الساعة المباركة.. |
سلمى: قلت في حديث أمس أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قد ترك لقوم رأس النفاق عبد الله بن أُبي بن سلول يحاسبونه على ما يأتي من أفعال قبيحة وما يخترع من أكاذيب وافتراءات وقد أثرت هذه الطريقة الحكيمة على قومه.. فحينما بلغهم مقالته جاؤوا إليه وقالوا له: |
(نقلة صوتية).. |
أوس بن قيظي: يا أبا الحباب.. إن كنت قلت ما نقل عنك فأخبر به النبي فليستغفر لك، ولا تجحده فينزل فيك ما يكذبك، وإن كنت لم تقله فأنت رسول الله فاعتذر له.. |
ابن سلول: والله العظيم ما قلت من ذلك شيئاً وسوف أذهب إلى محمد أقسم له أني لم أقل شيئاً مما نقله إليه الغلام الفدم زيد بن أرقم.. |
سويد: خيراً تفعل يا أبا الحباب.. |
ابن سلول: هيا بنا إلى محمد بن عبد الله.. |
حكيم: وذهب ابن سلول إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم وحلف أنه لم يقل شيئاً مما بلغ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
زيد: ما كان أفظع هذا الرجل وجرأته على الكذب.. لم يكن له ضمير يحاسبه ولا رب يخشاه.. |
حكيم: وإنه لمن المفارقات المثيرة أن يكون لهذا المنافق الكبير ولد في منتهى الصلاح وقوة الإيمان.. |
الحارث: أليس هو عبد الله بن عبد الله بن أُبي بن سلول الذي استخلفه النبي صلَّى الله عليه وسلم على المدينة حين ساد إلى غزوة بدر الأخرة.. |
حكيم: نعم.. حينما بلغت هذا الابن الصالح مقالة أبيه ذهب إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم وقال: ((يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل والدي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلاً فمرني أن أحمل لك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالده مني وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن انظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فاقتله، فاقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار.. |
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لهذا الابن المؤمن الصالح ما معناه: |
(ما أردت قتله ولا أمرت به، ولنحسنن صحبته ما كلن بين أظهرنا). |
مزنة: يا للموقف الحكيم الذي وقفه الرسول العظيم من زعيم المنافقين.. |
سلمى: وما أقوى عقيدة الإيمان في قلب ابن سلول.. إنه كان لا يتوانى عن قتل أبيه في سبيل عقيدته لو أمره النبي صلَّى الله عليه وسلم بذلك.. حقاً لقد صدق من قال: |
(إن العقيدة تصنع الرجال).. |
(نقلة صوتية).. |
زيد: لقد تجلّى أثر الخطة الحكيمة البارعة التي انتهجها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في معالجته لفتنة ابن سلول.. |
حكيم: نعم يا زيد.. إن هذا الابن الصالح لم يكتف بما قاله لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم فبالرغم من انصياعه لأمر نبيه فقد أحب أن يظهر سخطه واستنكاره لفعلة أبيه عملياً.. |
الحارث: كيف كان ذلك يا حكيم؟.. |
حكيم: وقف هذا الابن الصالح إثر عودة الجيش الإسلامي من غزوة بني المصطلق عند مدخل المدينة وقال لأبيه ابن سلول:
|
(نقلة صوتية).. |
عبد الله بن أُبي: قف.. مكانك يا أبي.. وانخ ركابك.. |
ابن سلول: ما تريد يا لكع.. |
عبد الله بن أُبي: والله لا تدخل المدينة حتى يأذن لك رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وتعلم أيهما الأغز من الأذل.. أنت أو رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
أحد المنافقين: أتصنع هذا بأبيك يا عبد الله..؟ |
عبد الله بن أُبي: اذهب وشأنك يا هذا.. |
ابن سلول: أتركني يا بني.. لأنا أذل من الصبيان.. لأنا أذل من النساء.. |
عبد الله بن أُبي: لن تمر حتى يأذن لك رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
حكيم: وظل هذا الولد الصالح واطئاً على يد راحلة أبيه حتى مر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فرأى ما رأى فأمر هذا الولد الصالح بأن يخلي عن أبيه.. فامتثل وفعل.. |
الحارث: لعمري هذه هي النتائج الباهرة للموقف الحكيم الذي أتخذه النبي صلَّى الله عليه وسلم إزاء فتنة ابن سلول.. |
حكيم: نعم يا حارث.. ويروي أن النبي صلَّى الله عليه وسلم بعد أن رأى ما رأى من معاملة هذا الولد الصالح لأبيه التفت إلى عمر بن الخطاب وقال له: |
((يا عمر!! أما والله لو قتلته يوم قلت لي، لأُرعدت أنُف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته.. فقال عمر)): |
((قد والله علمت لأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري)).. |
زيد: حقاً لقد حدث في غزوة بني المصطلق أمور كثيرة.. |
حكيم: نعم يا زيد.. ولذلك سميت غزوة العجائب.. |
الحارث: لقد نسيت أن أسألك عن الغلام الذي نقل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم مقالة ابن سلول الخبيثة ماذا تم بأمره؟.. |
حكيم: لقد أنزل الله تعالى سورة من القرآن بعد هذه المقالة الأثيمة هي سورة المنافقين كشف فيها أمر هذا المنافق الكذاب وعصابته ومن جملة ما جاء في هذه السورة قوله تعالى: |
بسم الله الرحمن الرحيم: يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (المنافقون: 8).. |
الحارث: صدق الله العظيم.. |
حكيم: وفي هذه السورة تأكيد لما قاله الغلام زيد بن أرقم عن ابن سلول ويروى أن النبي صلَّى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة أخذ بإذن زيد بن أرقم وقال: |
ـ هذا الذي أوفى الله بإذنه.. |
زيد: وهل ارتدع هذا المنافق الكذاب بعد هذه الآيات البينات؟. |
حكيم: لا يا زيد - لم ينقطع عن دسه وكذبه وبهتانه.. وقد ساعده على الإمعان في غيه ومضيه في إيذاء المسلمين وجود يهود بني قريظة في أحياء المدينة القريبة وفي وكرهم اللعين في خيبر.. |
زيد: وقريش والقبائل المجاورة للمدينة وفي مقدمتها قبائل غطفان.. |
حكيم: بلى.. ولكن عداء اليهود للنبي صلَّى الله عليه وسلم يتميز بعمق جذوره وتأصل الحقد والبغض والحسد فيه وذلك لأن الرسول جاء برسالة سماوية فيها محاربة سافرة للكيان اليهودي القائم على الاستغلال والغش والخداع والدس والتآمر.. |
الحارث: صدقت يا أخي فموقف اليهود منه صلَّى الله عليه وسلم ومن دينه موقف حياة أو موت.. ولذلك كان اليهود أحرص من قريش وكافة القبائل العربية الأخرى على السعي بكل ما لديهم من إمكانات ووسائل لمحو الإسلام والقضاء على المسلمين.. |
حكيم: هو ما رأيت يا حارث.. وهذا ما دفع باليهود أن يدخلوا في معركة مصيرية إبقاء على وجودهم وقد أبصروا العقيدة الإسلامية تنمو وتتسع ويكثر معتنقوها وأحسوا أن وضعهم يسوء يوماً عن يوم وأن ساعتهم آتية لا ريب فيها.. |
زيد: يا لهول ما تقول.. تابع يا أخي حديثك.. تابع.. |
حكيم: لقد فكر اليهود في محاولة يائسة للقضاء على الإسلام قبل أن يقضي عليهم واجتمع زعماؤهم في خيبر فوضع خطة محكمة لسحق المسلمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
(أصوات مبهمة وهمسات.. ولفظ يدل على أن هناك اجتماع.. وصوت حيي بن أخطب يقول).. |
حيي: يا قوم.. ها أنتم ترون بأم أعينكم أن الإسلام ينتشر بسرعة واليهودية يتقلص ظلها في هذه الجزيرة.. ونحن الآن في موقف حياة أو موت.. لم تجد محاولاتنا السابقة في تفريق صفوف المسلمين فتيلاً.. بل لقد زادتهم استمساكاً ببعضهم البعض وقد جمعتكم الآن للتفكير في مصيرنا المهدد بالزوال.. |
سلام: يجب أن نبحث هذا الأمر بحثاً شاملاً من جميع نواحيه واحتمالاته يا حيي.. |
كنانه: إن علاقاتنا مع القبائل المجاورة ليثرب متينة وقوية ولنا ديون مادية في أعناق رؤسائها يمكن استغلالها في صالح قضيتنا يا سلاّم.. |
هوذه: صحيح ما تقوله يا كنانة.. وأحب أن اضيف إلى ذلك أن هذه القبائل موتورة من محمد لقد حرمها من غزواتها ومن عيشها على النهب والسلب.. |
حيي: لعلّكم نسيتم في غمرة ذلك قريشاً التي سلبها محمد زعامتها ومكانتها وهدر كرامتها وأنا أرى: |
سلام: ترى ماذا يا حيي؟.. |
حيي: نؤلف وفداً منا يقوم بالاتصال بالقرشيين في مكة وإقناعهم بتجهيز حملة غزو واسعة مع استعدادنا للمساهمة في تمويل هذه الحملة.. |
سلام: رأي سديد يا حيي ولكن يجب أن نطمئنهم أن القبائل المجاورة للمدينة وفي مقدمتها قبيلة غطفان ستشترك معهم.. |
أبو عامر: ولا تنسى أقرباءنا بني قريظه يا سلاّم وعبد الله بن أُبي بن سلول صديقنا الودود وعيننا الساهرة هنالك على المسلمين.. |
سلام: لم أغفل ذلك يا أبا عامر ولكن أخشى أن يتردد بنو قريظة في التحزب معنا لأنهم على عهد محمد أما ابن سلول فهو مع كل من يثور في وجه محمد.. |
حيي: أما القبائل المجاورة للمدينة وفي مقدمتها غطفان فيمكن شراؤهم بوعدهم بثمار خيبر لهذه السنة وبتأجيل الديون التي لنا عليهم لسنة أخرى والأعراب أكثر منا شغفاً بالمال.. والمهم قريش فإن لديها الرجال والعتاد والعقول المدبرة.. أما بنو قريظه فسأتكفل باستمالتهم عندما يرون جيشاً عرمرماً من قريش وغطفان وغيرها من القبائل يهاجمون محمداً واصحابه في عقر دارهم.. |
هذيل: أؤيد ما رأيت يا حيي.. والرأي للجميع.. |
أصوات: موافقون.. موافقون.. موافقون.. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
مزنة: قاتل الله اليهود وأخزاهم إنهم بلاء على الإسلام في كل زمان ومكان. |
سلمى: بسم الله الرحمن الرحيم.. لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ (المائدة: آية 82). |
مزنة: صدق الله العظيم.. |
سلمى: صدق الله العظيم.. إلى الغد إن شاء الله.. |
مزنة: إن شاء الله تعالى.. |
|