الحلقة ـ 42 ـ |
مزنة: أماه.. قلت في حديثك أمس أن يهود بني النضير بعد أن أجلوا من أماكنهم حول المدينة هددوا بأنهم سيرفعون الأرض ويخفضونها بأموالهم ويجعلون عاليها سافلها على المسلمين.. |
سلمى: نعم يا بنيتي.. قيل إن أحد زعماء بني النضير المدعو سلاّم بن أبي الحقيق عندما خرج كان معه جلد ثور مملؤ ذهباً وفضة وكان يضرب بيده على هذا الجلد ويقول مخاطباً المسلمين.. هذا الذي أعددنا لرفع الأرض وخفضها.. وإن كنا تركنا نخلاً.. ففي خيبر النخل.. |
مزنة: إنه صراخ الموتورين وجعجعة الحانقين لعنة الله عليهم أجمعين إلى يوم الدين.. |
سلمى: وبعد جلاء بني النضير قام النبي صلَّى الله عليه وسلم بحملات تطهيرية ضد الأعراب والقبائل المجاورة للمدينة كما قلت لك في المرة الماضية وفي إحدى هذه الحملات جرت محاولة لاغتيال النبي صلَّى الله عليه وسلم للمرة الرابعة.. |
مزنة: وكيف كان ذلك؟.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى) |
زيد: حدثنا يا حكيم عن الحملات التأديبية التي قام بها الرسول صلَّى الله عليه وسلم لقمع القبائل المجاورة للمدينة.. |
حكيم: لم يهدأ بال للمنافقين ولا لليهود من فلول بني النضير ومن بني قريظة ومن سكان خيبر فظلوا يتحينون الفرص للإيقاع بالمسلمين - وأخيراً وجدوا ضالتهم في القبائل المجاورة للمدينة وعلى رأسها قبيلة غطفان أكبرها وأشدها إيذاء للمسلمين فحرضوها على التجمع واستفزوها لغزو المسلمين.. |
الحارث: ولا بد أن مال اليهود قد أغرى قبائل غطفان ووسوسة المنافقين شجعتهم على الإقدام. |
حكيم: نعم.. يا حارث.. ولكن النبي صلَّى الله عليه وسلم فوت عليهم فرصة المبادرة.. |
زيد: كيف يا حكيم؟.. |
حكيم: عندما بلغ النبي صلَّى الله عليه وسلم هذا التجمع الغطفاني سارع بالتأهب والخروج بسرعة من المدينة لتأديبهم، وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى ذات الرقاع وجد غطفان قد استعدت لهم بجمع عظيم.. |
الحارث: وكم كان عدد جيش المسلمين؟.. |
حكيم: لقد كان أربعمائة مقاتل بينما كانت غطفان في حشد بلغ أضعاف جيش المسلمين.. فتقارب الفريقان.. إلا أنهم توقفوا حيث خاف بعضهم البعض الآخر وكان مشركو غطفان يعلمون أن المسلمين يقومون بأداء الصلاة جماعة في أوقات مختلفة فكانوا يترقبونهم محاولين أخذهم على حين غرة وهم يصلون.. فأوحى الله إلى نبيه بأن يصلي بالناس صلاة الخوف وبين له كيفية أدائها.. |
زيد: أتحفظ الآيات التي رسمت للمسلمين صفة الصلاة ساعة مواجهة العدو.. |
حكيم: بسم الله الرحمن الرحيم: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً (النساء: 102).. |
زيد: صدق الله العظيم.. |
حكيم: ويظهر أن مشركي غطفان لم يتمكنوا خلال خمسة عشر يوماً من إيجاد ثغرة بين المسلمين للإيقاع بهم وأخذهم على حين غرة فبدأ الملل والخلف يتسرب بين صفوفهم ففضلوا الانسحاب وتفرقوا في رؤوس الشعاب.. |
الحارث: ألم يتعقبهم المسلمون حينما بدؤوا في الانهزام؟ |
حكيم: لا.. لم يفعلوا.. بل اكتفوا بالتشتيت الذي نال قبائل غطفان وألقوا عليهم درساً بأن المسلمين يستطيعون ليس فقط سحق أية قوة تحاول مهاجمة يثرب فحسب بل يقدرون على نقل المعركة إلى أرض العدو وضربه في عقر داره.. |
زيد: يا لعظمة الرسول.. وبعد نظره وصائب تقديره للأمور إن هذه الحركة السريعة بالقوة الضاربة البسيطة التي انتهت بتبديد هذا الحشد الكبير من قبائل غطفان لا مرية إنها ألقت الرعب والفزع في قلوب كل من تحدثهم أنفسهم بمهاجمة المسلمين من القبائل الأخرى.. |
حكيم: نعم يا زيد.. ولكن قبائل غطفان وإن لم تأت بجمعها وقضها وقضيضها بشيء فقد لجأت إلى الغدر والوسائل الدنيئة الأخرى.. |
الحارث: وما هي؟.. |
حكيم: عندما قفل النبي صلَّى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة وكان الوقت شديد الحرارة نزل برجاله في واد كثير الشجر وتفرق أصحابه يستظلون بالشجر واستروح النبي الكريم ظل شجرة بعد أن علق سيفه على أحد أغصانها وراح في نوم عميق فجاء غورث بن الحارث وهو من بني محارب وقد تعهد لقومه بقتل الرسول فاخترط سيف النبي صلَّى الله عليه وسلم من الشجرة فأستيقظ الرسول فوجد (غورث) قائماً على رأسه والسيف مصلت في يده وهو يقول: |
ـ أما تخافني؟.. |
قال:
|
ـ لا… وما أخاف منك؟ |
قال:
|
ـ أما تخافني وفي يدي السيف؟. |
قال:
|
ـ لا.. يمنعني الله منك.. |
مزنة: يا لشجاعة الرسول صلَّى الله عليه وسلم ورباطة جأشه.. قولي يا أمَّاه قولي.. ماذا حدث بعد ذلك..؟ |
سلمى: فوقع السيف من يد (غورث) فأخذه النبي صلَّى الله عليه وسلم وقال (لغورث).. |
ـ من يمنعك مني؟.. |
قال:
|
ـ يا محمد كن خير آخذ.. |
قال:
|
ـ تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.. |
قال:
|
ـ أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك - فخلى النبي صلَّى الله عليه وسلم سبيله فجاء إلى قومه فسألوه: |
(نقلة صوتية).. |
أحدهم: ما وراءك يا غورث.. هل أجهزت على محمد..؟ |
غورث: لقد جئتكم من عند خير الناس.. وأكرم الناس.. |
رجل آخر: لقد سحرك محمد.. |
غورث: صه يا هذا.. وإلاّ أسكت فمك إلى الأبد.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
حكيم: وقد أسلم غورث فيما بعد وحسن إسلامه.. |
زيد: ولماذا سميت هذه الغزوة بذات الرقاع؟.. |
حكيم: لأن الأرض التي نزل بها جيش المسلمين كانت ذات ألوان تشبه الرقاع فيها بقع حمر وسود وبيض وقيل سميت بهذا الاسم لأن كثيراً من المسلمين في هذا الجيش كانوا حفاة لا نعال لهم فلفوا على أقدامهم الخرق لمقاومة الحفاء.. |
الحارث: وهل استكان المنافقون واليهود بعد أن رأوا نتيجة غزوة ذات الرقاع؟.. |
حكيم: لم يستكينوا بالشكل الذي يجب أن يكون.. وظلوا يعملون في الظلام بل لقد خرجوا من حجورهم حينما بلغهم أن قريشاً وعلى رأسها أبو سفيان بن حرب تستعد لخوض معركة بدر الآخرة وفاء بتهديدها ووعيدها يوم أُحد.. |
زيد: نعم.. أذكر أن أبا سفيان نادى يومئذ (يا محمد الموعد بيننا وبينكم بدر العام المقبل) وأن النبي صلَّى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب أن يجيبه: |
(هو بيننا وبينكم موعد إن شاء الله..).. |
حكيم: ولما حال الحول.. أخذ الفريقان يستعدان لخوض معركة ثانية في بدر.. فحشدت قريش جيشاً بلغ عدد رجاله ثلاثة آلاف مقاتل.. وبلغ جيش المسلمين ألفاً وخمسمائة مقاتل.. |
الحارث: لقد كان جيش كفار قريش ضعف عدد جيش المسلمين.. |
حكيم: أجل.. غير أن أبا سفيان لم يكن متحمساً لهذا اللقاء فقد كان يخشى المسلمين ولكنه كان ملزماً بأن يفي بوعده ووعيده فكيف يوفق بين كرهه خوض هذه المعركة وسمعته بين العرب التي سوف تتدهور إن لم يفعل شيئاً.. |
زيد: صحيح إنه كان موقفاً حرجاً على أبي سفيان فكيف تغلب عليه؟.. |
حكيم: لا نقدر أن نقول تغلب عليه ولكنه حاول أن يفعل شيئاً في سبيل ذلك.. |
زيد: ما هو؟.. |
حكيم: لقد أرسل إلى المدينة من يشيع بين المسلمين أن قريشاً قد خرجت إلى بدر بجيش لم تشهده العرب من قبل وهو يهدف من وراء ذلك تثبيط عزيمة المسلمين وإلقاء الرعب في قلوبهم لعلّهم يعدلون عن الخروج إلى بدر فيحصل له ما أراد من دون أن يعرف العرب أنه كان كارهاً للخروج إلى بدر.. |
زيد: يا له من داهية.. ومن كان رسول فتنته إلى المدينة؟.. |
حكيم: لقد استأجر رجلاً اسمه نعيم بن مسعود الأشجعي للقيام بهذه المهمة وجعل له مكافأة عشرين بعيراً إن وفق فيما أرسل له.. |
(نقلة صوتية).. |
أبو سفيان: يا نعيم.. يا نعيم.. لقد بدا لي أن لا أخرج لقتال محمد وإني أكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا.. فيزيد المسلمون بذلك جرأة علينا.. وإنه لأحب إلي أن يكون الخلف من قبلهم من أن يكون من قبلي.. |
نعيم: ماذا تراني فاعلاً من أجلك؟ |
أبو سفيان: إلحق بالمدينة.. وأعلمهم أنّا في جمع كثير لا طاقة لهم بنا وستجد في عبد الله بن أُبي بن سلول وأصحابه خير معين.. |
نعيم: وما هو جزائي عندك؟.. |
أبو سفيان: لك عندي عشرون من الإبل أدفعهما لك على يد سهيل بن عمرو.. |
سهيل بن عمرو: إني كفيل بالدفع يا نعيم فسر في مهمتك.. |
نعيم: حباً وكرامة.. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
مزنة: وماذا جرى بعد ذلك يا أماه؟.. |
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله.. |
مزنة: إن شاء الله.. |
|