شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 37 ـ
مزنة: أماه... لا شك أن حركة التمرد التي قام بها عبد الله بن أبي بن سلول قبل الالتحام في معركة أحد... كانت مؤامرة خسيسة قصد بها المنافقون تفتيت وحدة جيش المسلمين.
سلمى: نعم يا بنيتي... لقد كانت مؤامرة دنيئة هدفها إضعاف قوة المسلمين وكسر معنوياتهم وهم على أبواب معركة حياة أو موت. ولقد أنزل الله تعالى في عبد الله بن أبي بن سلول وزمرته الخائنة قوله: وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ . الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (آل عمران: 167 - 168).
مزنة: صدق الله العظيم..
سلمى: وعسكر المسلمون في فم الشعب من أحد مستقبلين المدينة وجاعلين ظهرهم إلى هضاب جبل أحد...
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية)..
الحارث: تابع حديثك يا حكيم عن معركة أحد...
حكيم: فتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وأمَّر على الرماة عبد الله بن جبير الأنصاري وقال له: أنضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا. إن كانت لنا أو علينا فاثبت في مكانك لا نؤتين من قبلك. احموا ظهورنا فإن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا...
زيد: لقد كان الوضع دقيقاً جداً بالنسبة للمسلمين فالتفاوت في العَدَد والعُدَد كبير جداً.
مزنة: ولماذا كل الاهتمام بالرماة يا أماه...
سلمى: لأن فصيلة الرماة أشبه بسلاح المدفعية في عصرنا هذا يا مزنة والخيل تخشى النبال وتحجم عن الهجوم على رماتها... ثم إن تمركز هذه الفصيلة في الجبل حماية للمسلمين من خطر التفاف المشركين وضربهم من الخلف ساعة احتدام المعركة..
مزنة: فهمت يا أماه فهمت...
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى)..
حكيم: وتعبأت قريش فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل وعلى المشاة صفوان بن أمية وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعه... ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة العبدري وقال أبي سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم بذلك..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى)..
أبو سفيان: يا بني عبد الدار أنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم.. وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم.. إذا زالت زالوا تماماً فإمَّا أن تكفونا لواءنا، وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه.
حكيم: فهم بنوا عبد الدار بأبي سفيان وتوعدوه وقال كبيرهم طلحة.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى)..
طلحة: نحن نسلم إليكم لواءنا ستعلم غداً إذا التقينا كيف نصنع؟
حكيم: فكان هذا التحمس من آل عبد الدار هو ما أراده أبو سفيان.
الحارث: يا له من داهية...
حكيم: وبعد إتمام التعبئة وتقارب الفريقين قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضنهم وهي تقول:
هند: ويها بني عبد الدار... وبها حماة الأدبار... ضرباً بكل بتار.
(أصوات طبول وقعقعة سلاح وصهيل خيل وركض فرسان وأصوات من جانب المسلمين تقول):
الله أكبر... الله أكبر.. الله أكبر... الله أكبر.. أَمِتْ.. أَمِتْ..
حكيم: وابتدت معركة أحد واشتد أوارها وأبلى المسلمون بلاء حسناً في كفار قريش وأحلافهم وقتل عشرة من بني عبد الدار حول لواء قريش وأنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده فحصدوا الكفار بسيوفهم حتى كشفوهم عن معسكرهم وبدأوا يولون الأدبار وإذا بصوت يصرخ... محمد قتل.. محمد قتل...
الحارث: وكيف كان ذلك؟
حكيم: لما رأى رماة المسلمين الذين أمرهم الرسول ألا يبرحوا مكانهم أبداً، هزيمة المشركين وأن المسلمين صاروا يجمعون غنائم قريش قالوا لأميرهم عبد الله بن جبير الأنصاري.
أحد الرماة: الغنيمة ظهر أصحابكم... ماذا تنتظرون؟
عبد الله بن جبير: أنسيتم يا قوم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟
أحد الرماة: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة هيا... هيا... هيا...
حكيم: ونظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل فحملوا على من بقى من النفر الرماة فقتلوهم مع أميرهم عبد الله بن جبير الأنصاري... وبينما المسلمون منشغلون بالنهب والغنائم إذْ دخلت خيل قريش يتنادى فرسانها بشعاراتها..
أصوات الفرسان: يا لعزي.. يا لهبل...
حكيم: ووضع كفار قريش السيوف في رقاب المسلمين وجاؤوهم من خلفهم فانتفضت صفوفهم وساروا يقتتلون على غير هدى بل ربما ضرب بعضهم البعض. وانهزمت طائفة منهم إلى المدينة فلقيتهم أم أيمن الصحابية وجعلت تحثو في وجوه الفارين التراب وتقول:
أم أيمن: هاكم المغزل فاغزلوا به وهلم السيف عودوا قاتلوا عن أعراضكم ودياركم وأبنائكم... عودوا... عودوا... الموت... ولا العار...
حكيم: وانتهز وحشي الحبشي غلام جبير بن مطعم انشغال حمزة رضي الله عنه بقتل أحد المشركين فرماه بحربته فتمكنت منه حتى خرجت من بين وركيه... وعندما وقع على الأرض ومات بقرت هند بنت عتبة زوج أبي سفيان بطنه وأخرجت كبده فلاكتها فلم تستسغها فلفظتها..
مزنة: يا للفظاعة يا للقساوة... ما أبشع الحروب.
سلمى: ومثل المشركون بكثير من قتلى المسلمين فجدعوا الآذان والأنوف واتخذت هند من ذلك قلائد وأقراط وخلاخيل..
مزنة: ما أقسى قلبها... وما كان أشد حقدها.
(نقلة صوتية)..
حكيم: ودافع حامل راية المسلمين مصعب بن عمير حتى قتله ابن قمئه وهو يظنه رسول الله وعندها صاح قائلاً: محمد قتل... فارتبك الناس وأتاهم العدو من خلفهم فازدادوا حيرة وخبالاً وهنا تجلت عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كقائد محنك.
الحارث: كيف يا حكيم...
حكيم: لم يكد الرسول يرى خالداً ينقض على المسلمين ويحتل الموقع الذي هجره الرماة حتى أدرك عظم الخطر المحدق بالمسلمين. ولم يكن أمامه في تلك اللحظات سوى سبيلين اثنين... إما أن يكفل السلامة الشخصية لنفسه بالهرب إلى أي مكان تاركاً أصحابه لمصيرهم المحتوم، وإما أن يناديهم مخاطراً بنفسه لكي ينقذهم من خطر الإبادة والتهلكة ويجعل من مقره مكان تجمع لهم.
زيد: يا للحرج... يا لخطورة الموقف...
حكيم: وقد اختار الرسول السبيل الثانية فصاح بأعلى صوته..
(هلموا إلى... أنا رسول الله)..
مزنة: يا للشجاعة.. يا للبسالة النادرة..
سلمى: لقد أشار القرآن الكريم إلى موقف الرسول البطولي الرائع هذا الذي أنقذ به جيشه من الفناء المصيري فقال تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (آل عمران: 153).
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى)..
حكيم: وسرى صوت الرسول الكريم فأعاد للمنهزمين رشدهم فأخذوا يتوافدون إليه ونجح الكثير من المطوقين في شق طريقهم عبر صفوف العدو غير مبالين بالخسائر الباهظة في الأرواح.
الحارث: ولا بد أن صيحة الرسول صلى الله عليه وسلم قد نبهت المشركين إلى أنه حي لم يقتل ودلتهم على مكانه...
حكيم: نعم لئن كانت صيحة الرسول قد جمعت شتات المسلمين على صعيد الهزيمة فقد جعلت من الذات النبوية هدفاً لهجمات المشركين المتلاحقة السريعة التي ركزت اهتمامها على القضاء على شخص الرسول الأعظم للتخلص منه والقضاء عليه...
زيد: وعلى ذلك فقد دخلت المعركة في طور آخر وأخذت نيرانها في الاشتعال من جديد وبضراوة فظيعة..
حكيم: بلى يا زيد لقد احتدم أوار المعركة.. وأدرك الصحابة الخطر المحدق بنبيهم فتدافعوا نحوه وأخذوا في إقامة سور بشري من أنفسهم لمواجهة ضربات المشركين المسددة إلى الرسول شخصياً..
الحارث: لا شك أن معركة أحد كانت أعظم معركة خاضها النبي صلى الله عليه وسلم.
حكيم: أجل فقد ثبت النبي القائد لتلك الهجمات القرشية المتلاحقة وقاتل بضراوة وشجاعة منقطعة النظير. وجرح في وجهه الشريف عدة جروح وكسرت رباعيته وانشقت شفته ومع ذلك ظل ثابتاً كالطود يقاتل ويساعد الرماة ويعطيهم النبال بيده الكريمة.
زيد: قل يا حكيم فقد أثرتني.. وهززت أعصابي...
حكيم: وبعد أن تجمع لدى الرسول كثير من أصحابه قام بحركة ارتداد إلى مواقع حصينة في جبل أُحد لتجنب المسلمين خطر التطويق والإبادة من جديد..
الحارث: ولا بد أن المشركين هاجموا المنسحيين لعرقلة انسحابهم...
حكيم: نعم.. ولكن المسلمين تصدوا للهجوم واوقعوا بالمهاجمين ضربات قاتلة حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل بيده الكريمة أبي بن خلف الجمحي عم صفوان بن أمية إذ قذفه صلى الله عليه وسلم بحربة قبل أن يقترب منه وقع على أثرها من فرسه وصار يتدحرج من شدة الضربة...
زيد: وقد سمعت أنه الشخص الوحيد الذي قتله الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة.
حكيم: نعم يا زيد...
مزنة: وهل نجح انسحاب المسلمين يا أماه؟
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله؟
مزنة: إن شاء الله تصبحين على خير؟
سلمى: تصبحين على خير؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :809  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 69
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد عبد الصمد فدا

[سابق عصره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج