الحلقة ـ 36 ـ |
مزنة: أماه.. تعالي.. قولي وبعد أن أستمكن أبو نائلة من كعب بن الأشرف... ماذا جرى... |
سلمى: ساعد الحارث أبا نائلة على وثاق كعب وقام محمد بن مسلمة وأخذ رأسه.. وأسرع الثلاثة إلى المدينة.. فلما اقتربوا حيث يقيم الرسول صلى الله عليه وسلم كبروا فلما سمع تكبيرهم كبر وعرف أن قد قتلوا كعباً فلما وصلوا إلى رسول الله قال لهم، أفلحت الوجوه... قالوا ووجهك يا رسول الله ورموا برأس كعب بين يديه فحمد الله على قتله.. |
مزنة: ما أعظم روح التضحية التي كان يتحلى بها المسلمون الأوائل. |
سلمى: إنها تلك الروح التي فتحوا بها أكثر آسيا وأفريقيا وأوروبا... |
مزنة: لا بد أن قتل كعب قد أحدث رد فعل لدى اليهود يا أماه. |
سلمى: نعم يا بنيتي لقد أصبح كل يهودي يخاف على نفسه ويتخذ لنفسه وأهله الحيطة من المسلمين ولكنهم لم يقلعوا عن الدس والتعاون مع أعداء الإسلام وخاصة كفار قريش... فقد نظم اليهود جهاز مخابرات سري يدل كفار قريش ويطلعهم على تحركات المسلمين وأخبارهم. |
مزنة: لا يستغرب الحقد والمكر والدس على اليهود فذاك شيء يجري في دمائهم وعروقهم... |
سلمى: وقد أثرت اتصالات اليهود على كفار قريش وأثمر تحريضهم بصورة فعالة على من فقدوا آباءهم أو أبناءهم في معركة بدر وخاصة عنصر الشباب بينهم... |
مزنة: كيف يا أماه؟ |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
عبد الله بن أبي ربيعه: أنصبر يا عكرمة على ذل الهزيمة في يوم بدر أترضى أن يذهب دم أبيك أبي جهل هدراً أتهنأ لك الحياة بعده؟ |
عكرمة: لا يا بن أبي ربيعه… ولكن شيوخ قريش لا تستمع إلى آراء شبابها… إني أتحرق شوقاً إلى الانتقام ممن قتلوا أبي.. وداسوا كرامة قومي وعزتهم تحت أقدامهم يوم بدر... |
عبد الله بن أبي ربيعه: هلم بنا إلى صفوان بن أمية فإن مشاعره معنا... فقد آباه وأخاه في بدر... ثم أنه صاحب نفوذ وجاه... وله مكانة عند أبي سفيان هيا إليه... هيا إليه.. |
عكرمة: عم صباحاً يا عماه... |
صفوان: عما صباحاً... ماذا تريدان... قولا ولا تخشيا... |
عبد الله: أنت تعلم يا عماه نكبتنا يوم بدر فلقد كنت أكثر من اصطلى بنارها... |
صفوان: نعم... لقد راح أبي وأخي في أتونها... |
عكرمة: أتسكت هكذا بعد أن مرغ محمد أنوفنا في التراب. |
صفوان: ولكن هل لديكما سبيل للانتقام؟ |
عبد الله: أرى أن نذهب إلى التجار الذين ربحوا من وراء تلك العير التي هرب بها أبو سفيان يوم بدر ونسألهم أن يعينونا بهذا المال على حرب محمد... |
صفوان: لله أبوك يا عبد الله... |
عبد الله: إنه رأي عكرمة يا عماه لكنه استحى أن يقوله... |
صفوان: إن العصَا من العصية... |
سلمى: وراح الثلاثة إلى تجار العير من قريش وقالوا لهم أن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا. |
سلمى: وكانت أعصاب كفار قريش متوفزة ومتحفزة لا تحتاج إلا لمن يقودها... فقد أثرت الدعاية اليهودية فيهم كثيراً وفجرت فيهم طاقات الثأر لقتلاهم ببدر... وانتهز أبو سفيان هذه الثورة النفسية فقال: |
أبو سفيان: يا قوم لقد حانت ساعة الانتقام واشتاقت الأنفس إلى الثأر لكرامتها وعزتها... وآن لقريش أن تستعيد مكانتها، وأن تسترد سيادتها.. وتمحو وصمة العار التي لحقتها يوم بدر... إن قتلانا يستصرخون لنا... يطالبوننا بدمائهم التي أهرقت على رمال بدر... وأنتم يا وجوه قريش ويا أحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة أخرجوا بالضعن التماس الحفيظة وعدم الفرار فإني سأخرج بهند بنت عتبة. |
عكرمة بن أبي جهل: وأنا بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة |
الحارث بن هشام: وأنا يا عكرمة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة |
أبو سفيان: وأنت يا صفوان بن أمية. |
صفوان: سأخرج ومعي برزة بنت مسعود الثقفية. |
أبو سفيان: وأنت يا عمرو بن العاص. |
عمر بن العاص: بويطة بنت منبه بن الحجاج. |
أبو سفيان: لا جناح على من ليس قادراً على الخروج بأهله |
أصوات: إلى يثرب... إلى يثرب.. إلى الثأر... إلى الثأر... |
(تدق طبول الحرب، ويسمع صهيل الخيل... وصليل السيوف وقعقعة السلاح... وفي غمرة هذا الضجيج نسمع صفوان ابن أمية يتحدث إلى ابن عزة الجمحي).. |
صفوان بن أميه: ألا تخرج معنا يا أبا عزة الجمحي... فأنت الشاعر الفحل الذي سيلهب إنشاده الجموع حمية وحماسة... |
أبو عزة: إن محمداً قد من على يوم بدر فأطلق سراحي من دون فدية ولا أريد أن أظاهر عليه يا صفوان... |
صفوان: أعنا بنفسك ولسانك وبيانك فلك الله علي أن رجعت أن أغنيك وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر... |
أبو عزة: لبيك يا صفوان... لبيك... |
صفوان: أخرج إلى كنانة واستحثهم على الخروج من معنا وسر بعد إلى أهل تهامة وسننتظر عودتك سريعاً |
أبو عزة: سأفعل... سأفعل... |
جبير بن مطعم: لله درك يا صفوان... لعمري أنك لساحر ما كنت أصدق أنك تستطيع إقناع أبي عزة الجمحي على الخروج معنا لقتال محمد... |
صفوان: إنه الثأر... إنه الثأر... يا جبير بن مطعم... قل لي لماذا لا يخرج غلامك وحشي معنا للقتال فأنه بارع في قذف الحربة قذف الحبشة الذي قلما يخطئ... |
جبير: لقد ذكرتني به... سأدعوه.. وأمنيه بالعتق إن قتل حمزة عم محمد يعمى طعميه. |
صفوان: من يدري.. إنها الحرب... محك الرجال.. وميدان تجربتهم.. |
(تصدح موسيقى الحرب... ويسمع صوت ينادي) |
الصوت: يا قوم... يا قوم... إن قائدكم اليوم هو أبو سفيان.. |
أصوات: مرحى... مرحى... مرحى... |
(يبتدئ زحف جيش كفار قريش والموسيقى تصاحب الزحف... وأصوات تعلو وتخفت وكلما انضمت جماعة إلى الزاحفين يصيح أبو عزة الجمحي): |
أبو عزة: هذه كنانة بخيلها ورجلها وظعنها ورحلها |
أصوات: مرحى... مرحى... مرحى... |
مزنة: لقد خرجت قريش في جمع غفير وعدد وفير |
سلمى: نعم يا بنيتي... إن حماسها واستعداداتها قد بلغت ذروتها. |
مزنة: وماذا فعل المسلمون؟ |
سلمى: لقد كتب العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بخبر قريش وتجهيزاتها وعدتها وعديدها وأرسله مع رجل من غفار فلقى النبي صلى الله عليه وسلم عند مسجد (قبا) وكان الرسول أمر أميا لا يقرأ ولا يكتب فدفع الكتاب إلى أبي بن كعب ليقرأه له وبعد أن عرف مضمونه أمره أن يكتم الخبر. |
مزنة: ثم ماذا يا أماه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
الحارث: لقد كنت ممن شهد موقعة أحد يا حكيم فهلا حدثتنا عنها.. |
حكيم: وبعد أن عرف النبي صلى الله عليه وسلم بخبر زحف قريش على يثرب... أخذ في الاتصال بقادة المهاجرين والأنصار والتشاور معهم لمواجهة الموقف.. |
زيد: وماذا كان أول شيء فعله المجتمعون... |
حكيم: وضعت المدينة في حالة استنفار عام وتمنطق الرجال فيها بسلاحهم لا يفارقهم حتى وهم في أوقات الصلاة وانتخبت مفرزة من الأنصار لحراسة النبي صلى الله عليه وسلم في غدوه ورواحه ومنزله.. |
الحارث: يا لها من تدابير هائلة... |
حكيم: وأرسلت دوريات من المسلمين لاستطلاع حركة الجيش المكي وترقب وصوله ومعرفة أين سيعسكر.. |
زيد: وكم كان عدد جيش كفاره قريش؟ |
حكيم: بلغ عددهم نحو ثلاثة آلاف رجل وخمسة عشرة امرأة.. |
زيد: وهل هذا العدد كله من القرشيين.. |
حكيم: لقد كان فيهم مئة من قبائل كنانة المتطوعين وألفان وتسعماية من قريش ومواليها وأحابيشها.. |
مزنة: ما معنى أحابيش يا أماه؟ |
سلمى: الأحابيش قبائل غير قرشيه، وهم بنو المصطلق وبنو الهون بن خزيمه… حالفوا قريشاً… وسبب تسميتهم بالأحابيش هو أنهم اجتمعوا عند جبل اسمه حبش يقع أسفل مكة وتحالفوا عنده على أنهم مع قريش يداً واحدة على غيرهم فسموا أحابيش باسم ذلك الجبل... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية وصوت يقول): |
حكيم: وعسكر جيش قريش وأحلافها بالقرب من جبل عينين وسارع الرسول إلى عقد اجتماع مع قادة المهاجرين والأنصار للتشاور فكان الرأي في أول الأمر أن يتحصن المسلمون بالمدينة ويقاومون هذا الجيش الضخم وأخيراً تغلب رأي الخروج على الرأي الأول. |
الحارث: وكم كان عدد المسلمين يا حكيم..؟ |
حكيم: حوالي الألف رجل ولكن هذا العدد نقص إلى السبعمائة بعد أن انسحب منه ثلاثمائة مقاتل من المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول... مدعياً أن النبي خالف رأيه لأنه كان من أنصار الرأي القائل بالتحصن في المدينة... |
مزنة: وهل تعتقدين يا أماه إن انسحاب المنافقين كان بسب مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الرأي. |
سلمى: لا يا بنيتي إن الباعث الحقيقي لهذا التمرد في ذلك الظرف الدقيق هو أحداث البلبلة والاضطراب في جيش المسلمين على مرأى ومسمع من عدوهم القرشيين. |
مزنة: ياه يا لها من خطة ماكرة ومكيدة محكمة... |
سلمى: ولكن هذه المؤامرة فشلت فشلاً ذريعاً إذ لم ينجح رأي النفاق عبد الله ابن أبي سلول في الانسحاب بأصحابه من أهل الريبة والنفاق... |
مزنة: من حسن حظ المسلمين يا أماه فقد يكون بقائهم داخل جيش المسلمين ساعة القتال عاملاً من عوامل تحطيم الجيش الإسلامي... إذ لا يبعد وهذه نواياهم الخبيثة أن يميلوا على المسلمين ساعة احتدام المعركة ثم ينضمون إلى عدوهم. |
سلمى: ما أروع تحليلك يا بنيتي لهذه المسألة... ما شاء الله ما شاء الله... لعمري أنك مصيبة في تقديرك إذ أراد الله تطهير هذا الجيش من عناصر الناس والانهزامية ولينطبق على هؤلاء المنافقين قوله تعالى لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (التوبة: 47). |
مزنة: صدق الله العظيم. |
سلمى: إلى الغد إن شاء الله تصبحين على خير أماه.. |
مزنة: إن شاء الله تصبحين على خير أماه.. |
سلمى: تصبحين على خير.. |
|