الحلقة ـ 34 ـ |
مزنة: تعالى يا أماه.. فقد انتظرتك طويلاً على أحر من الجمر.. |
سلمى: إنني أعرف السبب. |
مزنة: إذا كنت تعرفينه.. فهلاَّ شفيت غلتي وظمأي لمعرفة المؤامرة الثانية على حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم... |
سلمى: لقد دهش العرب في الجزيرة للنصر الحاسم الذي حققه المسلمون في معركة بدر بل لقد عقدت الدهشة ألسنة الكثيرين من أعداء هذا الدين بهذا النصر غير المتوقع. |
مزنة: وكان اليهود والمنافقون من أشد الناس استياء لهذا النصر المبين... |
سلمى: كذلك كان الاستياء في ذروته بين الكفار من قريش وغير قريش ممن بلغهم هذا الانتصار.. وكان الاجماع منعقداً على الوقوف في وجه الزحف الإسلامي.. والصمود في سبيل هذه العقيدة مهما كلف الثمن.. وهكذا تضافرت جهودا أعداء هذا الدين وابتدأوا يكيدون للإسلام فرادى وجماعات. |
صفوان بن أميه: سمعت أن محمد يطلب الفداء من أسرى بدر مقابل اطلاق سراحهم فماذا أنت فاعل يا عمير بن وهب بابنك وهب الأسير ألا تود أن تفديه. |
عمير بن وهب: بودي ذلك لو أن لدي مبلغ الفداء.. فأنت تعلم أني لا أملك شيئاً وأني مثقل بالديون والعيال. |
صفوان بن أميه: إن المبلغ جاهز لدي في أي وقت تطلبه.. إنما هنالك موضوع أحب أن أفاتحك فيه وكلي أمل أن يبقى مكتوماً بيننا.. |
عمر بن وهب: قل ولا تخف فسرك مأمون وعرضك مصون. |
صفوان بن أميه: إنني اتعهد بدفع فدية ابنك وتسديد جميع ديونك وإعالة أولادك طيلة حياتهم.. إذا.. |
عمير: إذا... إذا... ماذا..؟.. قل وأوضح.. |
صفوان بن أميه: إذا قتلت محمداً.. |
عمير: وكيف يكون ذلك ومحمد محاط برجال أشداء من الأنصار والمهاجرين... |
صفوان: أنت فارس قريش المجلى ولا يعجزك أن تتدبر طريقة لذلك.. |
عمير: دعني أفكر فيما عرضته على مغر جداً وقد كانت نفسي تساورني بقتل محمد من قبل لولا الدين والعيله.. |
صفوان: إنها خدعة لك ولبني قومك الذين أذلَّهم محمد وقذف بهم إلى الحضيض وجعلهم موضع السخرية بين العرب. |
عمير: نعم.. نعم.. إن زعامة قريش قد دفنت في رمال بدر... |
صفوان: ولكنك وأنت الشجاع الجريء والبطل المغوار أتستطيع أن تغسل عار الهزيمة وتسترجع لقريش كرامتها السليبة... |
عمير: اتفقنا... اتفقنا.... |
(يسمع صوت رنين النقود). |
سلمى: واتخذ عمير طريقه إلى المدينة لتنفيذ هذه المؤامرة بطريقة انتحارية بعد أن وعده صفوان بما وعد.. |
مزنة: ولكن يا أماه هل كان مسموحاً للمشركين أن يدخلو المدينة. |
سلمى: نعم.. كان في ذلك الوقت بالذات غير مستنكر وجود أي مشرك مكي في المدينة ولا سيما من جاؤوا لدفع الفدية.. |
مزنة: قولي يا أماه... قولي.. |
سلمى: ووصل عمير إلى المدينة متظاهراً بأنه إنما جاء ليدفع الفداء عن ابنه وهب الأسير.. وكان عمر بن الخطاب أول من رأى عميراً هذا فارتاب في نواياه. |
مزنة: وكيف توفرت الريبة عند عمر رضي الله عنه. |
سلمى: لقد رآه متوشحاً سيفه.. وكان عمر يعرف عنه بغضه الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم كما يعرف بأس عمير وشجاعته وجرأته.. ثم إن عمر رضي الله عنه شخصية لها من قوة الفراسة وبعد النظر وقوة الإدراك والعبقرية ما ستعرفينه في أحاديثنا القادمة إن شاء الله... |
مزنة: وعندما ارتاب سيدنا عمر فيه ماذا فعل؟ |
سلمى: قال لمن كانوا معه، هذا عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر.. وسأذهب إلى النبي في المسجد لأخبره عنه.. فأسرعوا أنتم معي لنتولى حراسة الرسول صلى الله عليه وسلم. |
صوت: سنفعل.. سنفعل.. سنفعل.. أسبقنا وسندخل في أثرك من دون أن يلاحظ عمير ذلك. |
سلمى: ودخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن عمر بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه فأمره أن يدخله. |
مزنة: قولي بسرعة يا أماه.. فأعصابي متوترة.. |
سلمى: وقاد عمر بن الخطاب عميراً هذا بحمائل سيفه بعد أن ربطها إلى عنقه حتى لا يمكنه من استعمال سيفه إذا ما حاول الغدر. |
مزنة: لله درك يا بني الخطاب.. وماذا بعد ذلك.. قولي يا أماه قولي.. |
سلمى: ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يحل عميراً من وثاقه ثم طلب من عمير أن يدنو منه... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
رافع: لقد كنت حاضراً يا عبد الله حيث أدخل بعمير بن وهب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبالله عليك ألامارويت لنا ما رأيت.. |
عبد الله: نعم كنت حاضراً ويدي على سيفي مستعد لقتل عمير لأقل بادرة منه وإذا بالرسول الأعظم يقول لعمير في هدوء وبساطة، ما جاء بك يا عمير؟ |
قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه.. |
قال: فما بال السيف في عنقك؟ |
قال: قبحها الله من سيوف.. وهل أغنت عنا شيء. |
قال: أصدقت ما الذي جئت له؟ |
قال: ما جئت إلا لذاك (أي لولدي الأسير). |
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين على وعيال عندي لخرجت حتى اقتل محمداً فتحمل لك صفوان بن أميه بدينك وعيالك.. على أن تقتلني له.. والله حائل بينك وبين ذلك. |
(نقلة صوتية بدون موسيقى).. |
عمير: أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان.. والله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق. |
رافع: إنها وربي معجزة.. |
عمير: إنها وربي معجزة من معجزات هذا النبي العظيم.. قل لي وماذا حدث بعد ذلك يا عبد الله؟ |
عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القرآن وأطلقوا أسيره... |
رافع: وهكذا فشلت المؤامرة الصفوانية. |
عبد الله: بل قل مؤامرة كفار قريش. |
رافع: صدقت يا عبد الله.. كانت مؤامرة قريش.. حسناً ولكني لا أرى عسيراً بيننا بعد أن هداه الله إلى الإسلام. |
عبد الله: لقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: |
(نقلة صوتية بدون موسيقى).. |
عمير: يا رسول الله.. أني كنت جاهداً على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله... وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم... |
سلمى: فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم.. وعاد عمير مع ابنه وهب إلى مكة... وكان صفوان يترقب وصوله بين آوانه وأخرى.. فكان يسأل عنه الركبان... |
مزنة: وماذا جرى لصفوان بن أمية حين علم بإسلام عمير. |
سلمى: غضب غضباً شديداً وحلف ألا يكلم عميراً أبداً ولكن عميراً جاءه بنفسه وقال له. |
عمير: يا صفوان.. خذ.. هذه نقودك فقد من على رسول الله بإطلاق سراح ولدي وهب من دون فدية. |
صفوان: وأخيراً صبأت يا أبا وهب.. وخيبت جميع الآمال المعقودة عليك... |
عمير: إنني لم أصبا يا صفوان بل هداني الله للإسلام على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم... |
صفوان: اسكت.. اسكت.. لا تكمل كلامك.. |
عمير: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله. |
صفوان: كفى.. كفى.. يا عمير.. إذهب في سبيلك إذهب.. |
عمير: لا.. لن أذهب إنني أدعوك للإسلام أنت يا صفوان.. قل معي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. |
صفوان: (هارباً) لقد سحرك محمد.. وأنني راحل عنك خشية أن أصاب بسحرك. |
عمير: (صارخاً) لا تهرب.. لا تهرب.. يا صفوان إنني أدعو الله لك الهداية والرشد. |
صفوان: (يخاطب نفسه وهو يلهث) يا الهي ما هذه القوة الخارقة التي يملكها محمد.. لقد خشيت أن أصبأ كما صبأ عمير وهو يردد شهادته.. |
مزنة: وهل أسلم صفوان بن أمية أم مات على كفره؟ |
سلمى: لقد أسلم بعد فتح مكة وعلى الأصح بعد وقعة حنين وحسن إسلامه.. وشهد معركة اليرموك وكان قائد إحدى الكتائب التي اشتركت في القتال ومات بالمدينة المنورة في اليوم الذي قتل فيه سيدنا عثمان رضي الله عنه.. |
مزنة: سبحانك يا الله ما أعظم قدرتك عمير يذهب مصمماً على قتل رسول الله ويعود مؤمناً برسول الله يدعو بدعوته ويؤمن برسالته. |
سلمى: نعم لأنه دين من عند الله نزل به الروح الأمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
مزنة: صلى الله عليه وسلم. |
سلمى: إلى الغد يا بنيتي إن شاء الله. |
مزنة: إن شاء الله تصبحين على خير يا أماه. |
سلمى: تصبحين على خير. |
|