الحلقة ـ 31 ـ |
مزنة: كم كان رائعاً ذلك الاستقبال الذي قوبل به الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم عندما وصل المدينة المنورة.. |
سلمى: لقد كان استقبالاً منبثقاً من قلوب مخلصة مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم والآن حديثنا الليلة يبدأ عن حياته صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة. |
مزنة: هات يا أماه... هات... فكلي أسماع وأبصار... |
سلمى: يحاول بعض الحاقدين على هذا الدين والذين في قلوبهم مرض أن يقللوا من شأن الهجرة فيلبسونها لباس الفرار المفاجئ وأن النبي صلى الله عليه وسلم خشي من أن يقتل فهرب إلى المدينة. |
مزنة: وما هو الصحيح يا أماه؟ |
سلمى: المتفق عليه أن الهجرة لم تكن فراراً فجائياً.. بل كانت خطة مدبرة استغرقت سنتين.. كان النبي صلى الله عليه وسلم يمهد لها بمقابلاته مع الخزرج والأوس في العقبة الأولى والثانية والثالثة كما مر معنا. |
مزنة: صحيح يا أماه... أذكر أنه صلى الله عليه وسلم قابلهم في موسم الحج ثم بعد ذلك في موسم الحج الذي تلاه.. |
سلمى: هذا صحيح... وبعد أن استكمل للهجرة جميع أسباب نجاحها أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بمبارحة مكة إلى المدينة متفرقين حتى لا يثيروا ريبة قريب فيهم... ثم أمره الله تعالى بالهجرة في تلك الليلة التي حاولت فيها قريش لتكون هجرته معجزة بينة شاهدة على أنه الرسول الذي أختاره المولى جلَّ وعلا لهذه الأمة. وهكذا شخص صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فوصلها يوم الاثنين 12 ربيع الأول الموافق 24 سبتمبر 622م رغم أنف قريش وما فرضته من حصار ومراقبه. |
مزنة: ومتى بدأت السنة الهجرية؟ |
سلمى: أصبحت السنة الهجرية أول العهد الإسلامي بعد وقوع الهجرة بسبع عشرة سنة وذلك في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جعل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة بدء التاريخ الإسلامي. |
مزنة: وماذا جرى لمن بقي من المسلمين بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم؟ |
سلمى: بالرغم من الحصار الشديد الذي فرضته قريش على من بقي من المسلمين بمكة فقد استطاع أكثرهم الخروج والوصول إلى المدينة إلا القليل منهم. |
مزنة: أماه! إن تدفق سيل المهاجرين على المدينة قد خلق ولا شك مشكلة الإسكان والإعاشة فكيف تغلب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك؟ |
سلمى: سؤالك وجيه ودقيق والجواب عليه هو: |
(في مضافة سيد من سادات المدينة يدور الحديث التالي).. |
عمير: لقد بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا. وأثره علينا وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم. |
سنان: نعم هو ذلك يا عمير. |
عمير: وعندما فاء إلينا المهاجرون نشأت أزمة الإسكان والإعاشة وهما أمران لم يحسب حسابهما عندما بايعناه وكنا في موقف مخجل وعصيب بالنسبة للسيل المتدفق منهم وكدنا نيأس من حل هاتين المشكلتين ولكن المؤاخاة التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ستحل أزمة الإسكان يا سنان. |
مسعود: كيف يكون ذلك؟ |
عمير: اسمع يا مسعود... المؤاخاة محت ما بيننا والمهاجرين من الفوارق وربطت بين قلوبنا بوشائج من التعاطف والمودة فأصبح بيت المهاجرين وبيته وبيتي وأهله أهلي... وكل ما أملك مشاركة بيني وبين أخي المهاجري... لقد أصبحنا متضامنين... متحدين... صفاً واحداً، يداً واحدة. |
سنان: وفوق ذلك قضت المؤاخاة على التمييز العنصري والتفرقة في اللون والجنس... من كان يظن أن أبا رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخشعي - وهو منا كما يقولون - يصبح أخاً لبلال الحبشي هذا أسود اللون وذلك أبيض وهذا عربي وذلك حبشي. |
كعب: ومن كان يحلم أن يرى سلمان الفارسي الجنسية أخاً لأبي الدرداء عويمر بن ثعلبة العربي رغم ما بين العرب والفرس من الكراهية. |
مزنة: يا الله ما أعظم ذلك.. فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على التمييز العنصري الذي نشاهد مآسيه وفواجعه في أفريقية وآسيا. |
سلمى: نعم قضى عليه الإسلام منذ 1386 عاماً. |
مزنة: وكيف تغلب صلى الله عليه وسلم على أزمة الإعاشة؟ |
عمير: أما مشكلة الإعاشة فقد أوجد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحل المبدئي حين أمر بالمؤاخاة من جهة ثم وادع اليهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم من جهة أخرى. |
سنان: الآن استطعت أن أتصور أبعاد هذا الحل ومراميه فبالإخاء والموادعة يتم الاستقرار والتجارة لا تنشط إلا في عهود الاستقرار ومدينتنا مركز تجاري هام والمهاجرون من مكة تجري التجارة في دمائهم وعروقهم.. يا عمير... |
كعب: وهناك أمر هام جداً جداً... |
عمير: وما هو يا كعب؟ |
كعب: شرعية القتال... والجهاد في سبيل الله. |
عمير: نعم، شرع القتال لسببين أولاً للدفاع عن النفس عند التعدي. ثانياً للدفاع عن الدين إذا وقف أحد في سبيله بفتنة من آمن به بشتى أنواع التعذيب والاضطهاد والتنكيل حتى يرجع عما اختاره لنفسه ديناً أن يصدِّق من أراد الدخول في الإسلام عنه أو يمنع الداعي من تبليغ دعوته. |
سنان: عمير!!! هل تحفظ بعض الآيات التي نزلت في أمر القتال؟ |
عمير: نعم.... بسم الله الرحمن الرحيم... |
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (الحج: 39). |
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 40). |
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج: 41). |
سنان: واذكر أنا أيضاً الآيات: |
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة: 193). |
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (البقرة: 194). |
مسعود: ولقد وعدنا الله بالنصر.. وبالنصر تتحسن أوضاعنا من كل الوجوه.. |
مزنة: صدق الله العظيم.. ((أماه)) كيف جاء اليهود إلى المدينة وضواحيها؟ |
سلمى: عندما احتل نبوخذنصر ملك بابل القدس وحطم هيكل سليمان وأخذ معه كبار اليهود وأعيانهم أسرى إلى مدينة بابل في العراق... فر كثير من اليهود ممن لم يقع منهم في الأسر إلى الجزيرة العربية فاستوطنوا المدينة وما جاورها من قرى مثل خيبر.. وسأحدثك فيما بعد كيف أجلى اليهود عن الجزيرة العربية بأسرها.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى). |
عمير: إن النصر الذي وعد به الله عباده آت ولا شك أن الله عز وجل لا يخلف الميعاد وعلينا أن نتمسك بعقيدتنا وإيماننا وأن ندافع عن ذلك بأرواحنا وأموالنا وأولادنا وكل ما نملك. |
سنان: إني أسمع همسات... ونذر حرب تتلبد في سماء المدينة واستعدادات تجري في حرص تام ودقة... فاليهود لا يؤمن من جانبهم بالرغم مما أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم من أمان وعهد وحرية دينية... |
كعب: إنهم اليهود قوم جبلوا على الخيانة والدس والوقيعة وانتهاز الفرص للفتك والغدر... لأن الحقد يملأ صدورهم على الناس جميعهم ما عدا بني جنسهم وهم يغذون أولادهم هذا الحقد جيلاً بعد جيل. |
عمير: سيأتيهم اليوم الذي تذهل عنه كل مرضعة.. سنبيدهم.. سننتقم منهم... |
مسعود: لقد رأيت بأم عيني الاستعدادات للحرب، والتشاور بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فالإشاعات تتناثر عن استعداد كفار قريش لاسترداد زعامتهم وكرامتهم التي ديست وأهينت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلينا. |
عمير: إننا أهل حرب ومجالدة وقد بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ننصره وندفع عنه أذى المعتدين وقد أذن الله لنا بالقتال وشرعه فمرحبا بالجهاد في سبيل الله، في سبيل الإسلام في سبيل رسول الإسلام. |
(أصوات أبواق ونفير عام وموسيقى حرب ثم خبطة موسيقية قوية): |
مزنة:
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج:40).. |
سلمى: صدق الله العظيم.. إلى الغد إن شاء الله. |
مزنة: إن شاء الله... تصبحين على خير يا أماه. |
سلمى: تصبحين على خير يا بنيتي.. |
|