الحلقة ـ 26 ـ |
مزنة: وماذا آل إليه أمر النبي صلَّى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة رضي الله عنها.. |
سلمى: كانت خديجة رضي الله عنها وزير صدق النبي صلَّى الله عليه وسلم، آمنت به قبل كل أحد، وعطفت عليه بكليتها وجزئيتها، وواسته بمالها ودافعت عنه بما تستطيع من قوة وجاه.. فكان لا يسمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم من المشركين شيئاً يكرهه من رد عليه أو تكذيب له إلاّ فرج الله بها عنه فتثبته وتصدقه وتخفف عنه وتهوّن عليه ما يلقى من قومه.. |
مزنة: لا شك أن حزن النبي صلَّى الله عليه وسلم على وفاتها كان عظيماً.. |
سلمى: لقد داراها بيده الشريفة في قبرها وحزن عليها حزناً شديداً، حتى سمي العام الذي توفيت فيه عام الحزن.. وما كانت تخرج من ذاكرته صلَّى الله عليه وسلم مدة حياته.. |
مزنة: وهكذا كانت فرحة كفار قريش بموتها - وعلى رأسهم أبو جهل - كبيرة جداً.. |
سلمى: نعم يا بنتي.. لقد كانت خديجة رضي الله عنها وزير صدق، وكان أبو طالب عضداً للنبي صلَّى الله عليه وسلم وناصراً على قومه، وبموتها خلا الجو لكفار قريش فنالوا من أذى الرسول ما لم يكونوا يطمعون فيه في حياة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها فتجرأ عليه سفهاؤهم ونثر أحدهم التراب على رأسه صلَّى الله عليه وسلم.. |
مزنة: تباً لهم وسحقاً.. تابعي حديثك يا أماه.. |
سلمى: ورأى الرسول صلَّى الله عليه وسلم إنه لا بد له من عضد يؤازره ويدفع عنه أذى قومه حتى يؤدي رسالة ربه فذهب إلى الطائف يلتمس النصر من ثقيف والمنعة بهم من ثقيف والمنعة بهم من قومه فردوا عليه رداً قبيحاً، ولم يكتفوا بذلك بل أغروا به سفاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به.. |
أصوات: مجنون.. ساحر.. كذاب.. مجنون.. ساحر.. كذاب.. احصبوه.. احصبوه.. |
أحدهم: ويحكم.. كفوا عنه.. لقد أدميتم قدميه.. وبللتم نعلاه بالدماء.. إنه قرشي وستطالبكم بدمه قريش. رغم ما بينها وبينه من عداء، أما تخشون من عتبة بن ربيعة وأخيه شيبة إنهما ينظران إليكم وما أظنهما يقفان مكتوفي الأيدي.. |
مزنة: ويحهم.. قبحهم الله ولعنهم.. |
سلمى: ورجع سفهاء ثقيف عنه صلَّى الله عليه وسلم بعد ما رأوه يلتجىء إلى حائط بستان لعتبة بن ربيعة وأخيه شيبة وكانا موجودين فيه وقت الحادث فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له (عداس) وقال له عتبة: |
عتبة: خذ قطفاً من عنب فضعه في هذا الطبق ثم أذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه.. |
سلمى: ففعل (عداس) ما أمر به ولما عاد من مهمته قال له شيبة.. |
شيبة: ويلك يا عداس.. لقد رأيناك تقبل رأس هذا الرجل ويديه، فما الذي جرى لك؟.. |
عداس: يا سيدي.. ما في الأرض شيء خير من هذا.. لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلاّ نبي.. |
عتبة: ويحك يا عداس.. لا يصرفنك هذا الرجل عن دينك، فإن دينك خير من دينه.. |
سلمى: ورجع صلَّى الله عليه وسلم إلى مكة.. وقبل أن يدخلها أرسل إلى المطعم بن عدي، وكان أكبر الأشراف سناً وقدراً، أن يدخل في جواره.. |
مزنة: ولماذا يا أماه؟.. |
سلمى: لكي يمنعوه من أذى قريش.. أما قلت لي قبلاً أن موت أبي طالب كان مصيبة عظيمة.. |
مزنة: نعم يا أماه.. نعم.. وهل أجابه المطعم بن عدي.. |
سلمى: نعم أجابه إلى ذلك ثم تسلح هو وأهل بيته وخرجوا إلى المسجد فقام المطعم على راحلته ونادى: |
(نقلة صوتية).. |
المطعم: يا معشر قريش.. إني قد أجرت محمداً فلا يؤذيه أحد منكم.. |
سلمى: ثم بعث إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أن أدخل، فدخل إلى المسجد وطاف بالبيت وصلّى عنده ثم انصرف والمطعم بن عدي وجماعته مطيفون به صلَّى الله عليه وسلم.. وبدأ رسول الله يعرض نفسه على القبائل في المواسم يدعوهم إلى الله تعالى ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يقوموا دونه حتى يؤدي رسالة ربه.. |
وكان أبو لهب يمشي خلفه فإذا فرغ رسول الله من قوله قال أبو لهب: |
أبو لهب: يا قوم!.. إن هذا يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى.. وتعبدوا ما جاء من البدع والضلالة فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه.. |
مزنة: إذن نفذ أبو جهل اتفاقه هو وأبو لهب.. |
سلمى: نعم يا بنيتي.. كانا يتناوبان إيذاء رسول الله وتسفيهه أمام القبائل وهذا ما دعاهم إلى عدم الاستجابة إلى دعوته صلَّى الله عليه وسلم.. |
مزنة: قبحهما الله ولعنهما شر لعنة.. |
سلمى: فلما أراد الله سبحانه وتعالى إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز وعده لرسوله رغم أنف كل معاند وباغ وحاسد - حضر وفد من الأوس من سكان يثرب يستعينون بقريش ليساعدوهم في قتالهم مع بني عمهم الخزرج.. |
مزنة: وهل أعانتهم قريش يا أماه؟.. |
سلمى: لا يا بنيتي.. ولكن النبي صلَّى الله عليه وسلم لقي هذا الوفد وقال لهم هل لكم في خير مما جئتم له؟ فقالوا وما ذاك قال: أنا رسول الله بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً وأنزل علي الكتاب ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم شيئاً من القرآن الكريم.. فقال أحد أعضاء الوفد واسمه أياس بن معاذ؟.. |
أياس:يا قوم هذا والله خير مما جئتم له.. |
سلمى: فرماه رئيس الوفد بحفنة من حصباء في وجهه وقال له: |
رئيس الوفد: دعنا منك.. لقد جئنا لغير هذا.. |
سلمى: وقام الرسول عنهم وعاد الوفد إلى المدينة وجرت بينهم حرب شديدة انتصر فيها الأوس نصراً مؤزراً أنهى ما بين القبيلتين من حروب امتدت وقتاً غير قصير.. وفي الموسم الذي تلا هذه الحروب أقبل إلى مكة جماعة من الخزرج فلقيهم الرسول ودعاهم إلى الإسلام وكان في أنفسهم شيء مما كانوا يسمعونه وهم في المدينة من يهودها عن بعثة نبي يستظهر به اليهود عليهم.. فقال بعضهم لبعض إنه للنبي الذي توعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه.. |
مزنة: وماذا حدث قولي إني جداً متلهفة.. |
سلمى: لقد استجابوا إلى دعوته صلَّى الله عليه وسلم فصدقوه وآمنوا به وقالوا له: (إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم وعسى أن يجمعهم الله بك وعليك فلا رجل أعز منك وكان عددهم ستة.. فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ودعوهم للإسلام حتى فشا فيهم فلم تبق دار من دور الأنصار إلاّ وفيها ذكره.. |
مزنة: وما جرى بعد ذلك؟.. |
سلمى: جاء في موسم حج السنة التالية اثنا عشر شخصاً منهم وأسلموا وبايعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وسميت هذه البيعة في التاريخ ببيعة النساء.. |
مزنة: لماذا يا أماه؟.. |
سلمى: سميت بذلك لأنها كانت على الأمور التي ورد ذكرها في سورة الممتحنة خاصة ببيعة النساء وهي هذه الآية يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.. (الممتحنة: 12).. صدق الله العظيم |
مزنة: صدق الله العظيم.. |
سلمى: وأرسل النبي صلَّى الله عليه وسلم مع الوفد مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين - وعاد الوفد إلى المدينة فلم يبق فيها رجل أو امرأة إلاّ مسلماً أو مسلمة إلا فيما نذر.. |
مزنة: ألم يعلم كفار قريش بهذه اللقاءات بين النبي صلَّى الله عليه وسلم وبين الوفود من يثرب؟.. |
سلمى: كانت هناك همسات تتناثر هنا وهناك لم تلق قريش لها أهمية ولكن في موسم الحج الأخير وفد إلى الحج من يثرب مسلمون كثيرون بلغ عددهم (73) رجلاً وامرأتان فأرسلوا إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم يواعدونه المقابلة عند العقبة.. |
مزنة: وما هي هذه العقبة يا أماه؟.. |
سلمى: هي مكان مرتفع تحت الجمرة الأولى من (منى) وقد تمت اللقاءات الثلاثة فيه ولكن اللقاء الأخير عرفت به قريش لأن عدد المجتمعين كان كبيراً وهنا قال لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فقال كبير الوفد وهو البراء بن معرور.. |
البراء: نعم.. والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فإنا والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر.. |
سلمى: وقال ثانٍ من الوفد واسمه أبو الهيثم بن التبهان: |
أبو الهيثم: يا رسول الله.. إن بيننا وبين يهود المدينة حبالاً وأنا قاطعوها، فهل عسيت أن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا.. |
سلمى: فتبسم الرسول صلَّى عليه وسلم وقال: الدم الدم والهدم الهدم.. |
يعني أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم ثم قال لهم أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم - فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس فقال لهم: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء كفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي.. وتمت البيعة.. وعاد الجميع إلى مضاجعهم.. |
مزنة: وماذا فعلت قريش عندما علمت؟.. |
سلمى: هرع رؤساء كفار قريش إلى منازل الأنصار وقال كبيرهم: |
كبير الكفار: يا معشر الخزرج - قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا، وأنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم.. |
سلمى: فأجابتهم بعض مشركي الخزرج ممن لم يحضروا البيعة بعدم علمهم بشيء من هذا وحلفوا لهم ثم انصرف كفار قريش من عندهم إلى عبد الله بن أبي سلول وكان من زعماء الخزرج المشركين فسألوه فأجابهم: |
عبد الله بن سلول: إن هذا الأمر جسيم ما كان قومي ليتفوتوا علي بمثل هذا وما علمته.. |
سلمى: فانصرفوا من عنده.. وعندما تأكد رسول الله صلَّى الله وسلم أن الإسلام قد عم أرجاء المدينة أذن لأصحابه الذين بمكة أن يهاجروا إليها وقال لهم - إن الله عز وجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها - فخرج المسلمون إرسالاً نساء ورجالاً إلاّ من حيل بينه وبين الهجرة من المستضعفين.. |
مزنة: وماذا صنعت قريش بعد أن علمت بهذا النبأ العظيم؟.. |
سلمى: اجتمعوا في دار الندوة يخططون للمؤامرة الكبرى.. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
مزنة: وماذا كانت مخططات هذه المؤامرة يا أماه.. |
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله.. |
مزنة: إن شاء الله.. تصبحين على خير يا أماه.. |
سلمى: تصبحين على خير بنيتي.. |
|