الحلقة ـ 25 ـ |
مزنة: هيا يا أماه هيا.. فقد تأخرت عن موعد الحديث كثيراً.. |
سلمى: حاضر.. حاضر.. |
(نقلة صوتية بدون موسيقى).. |
خباب: مات أبو طالب.. إنا لله وأنا إليه راجعون.. لقد فقد محمد بموته ركناً شديداً.. |
سالم: ولكن الله معنا وهو مؤيد دينه وناصره.. أتذكر يا خباب أيام كنت تعذب بالنار إذ كانوا يضعونها على ظهرك فما يطفيها إلا شحم ظهرك.. |
خباب: أذكر ولا أنسى فما زالت آثار النار في ظهري.. ولذلك تراني أخاف أن يتنمر القرشيون علينا بعد موت أبي طالب.. |
سالم: على كل حال لم يكن ما نالك من العذاب من المشركين مثلما نال عمار بن ياسر ووالده ياسر وأمه سمية وأخوه عبد الله فقد ماتوا من شدة العذاب لقد كان أبو جهل يلبس عمار درعاً من حديد في اليوم الصائف الشديد الحر ويطرحه في الرمضاء.. |
خباب: ولكنهم ظفروا بدعاء النبي صلَّى الله عليه وسلم لهم حين مر بهم وهم يتعذبون فقال: صبراً آل ياسر صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة.. |
مزنة: يا للفظاعة.. يا للوحشية.. |
سلمى: لقد لقي بلال رضي الله عنه من أمية بن خلف من العذاب أشده إذ كان يخرجه أمية إذا حميت الشمس بعد أن يجيعه ويعطشه ليلة ويوماً فيطرحه على ظهره في الرمضاء ثم يأمر بصخرة كبيرة توضع على صدره ثم يقول له: |
(نقلة صوتية بدون موسيقى).. |
أمية بن خلف: لا تزال هكذا يا بلال حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى.. |
بلال: أحد.. أحد.. |
أمية: أضربوه بالسياط أيها الغلمان ثم اربطوه بالحبل وطوفوا به شباب مكة ليرتدع به كل من تسول له نفسه أن يدخل في دين محمد.. |
(نسمع صوت السياط وبلال رضي الله عنه يقول): |
بلال: أحد.. أحد.. |
سلمى: هذا بعض ما كان يصنعه المشركون من تعذيب الموالي والمستضعفين من المسلمين ليكرهوهم على الخروج من دين الإسلام.. فلو كان دين الإسلام باطلاً لما ثبت هؤلاء على دينهم رغم ما نالوه من العذاب.. |
مزنة: صحيح.. صحيح.. لقد أقشعر بدني من هول العذاب الذي تعرض له المسلمون.. قولي يا أماه.. كيف نجا بلال رضي الله عنه من هذا العذاب.. |
سلمى: لقد بادل أبو بكر رضي الله عنه به غلاماً مشركاً فقبله أمية بديلاً وأخذ أبو بكر بلالاً وأعتقه.. |
مزنة: لله ما فعل الصديق.. |
سلمى: لقد أنفق ابو بكر كل ما له في شراء الموالي المسلمين لتخليصهم من عذاب المشركين وعتقهم بعد ذلك.. |
مزنة: لا شك أن كفار قريش كانوا يكرهون أبا بكر رضي الله عنه كثيراً.. |
سلمى: نعم يا بنيتي.. بل إن أبا بكر رضي الله عنه لم يسلم من أذاهم.. |
مزنة: وكيف كان ذلك؟.. |
سلمى: خرج أبو بكر مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وأصحابه من دار الأرقم حتى أتو المسجد، فقام أبو بكر رضي الله عنه في الناس خطيباً ورسول الله صلَّى الله عليه وسلم جالس ودعا إلى الله تعالى ورسوله فكان أول خطيب في الإسلام دعا إلى الله تعالى فثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوه ضرباً شديداً ووطىء أبو بكر بالأرجل وصار عتبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين على وجهه حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه ولم يخلصه منهم إلا قومه بنو تميم إذ تدخلوا ودفعوا المشركين عنه وعن بقية المسلمين وتوعدوا بقتل عتبة بن ربيعة إن مات أبو بكر.. |
مزنة: لقد فظع كفار قريش في تعذيبهم للمسلمين تباً لهم.. |
سلمى: وبهذه المناسبة يهمني أن تعرفي أن أبا بكر رضي الله عنه عندما استرجع وعيه كان أول شيء قاله: ما فعل رسول الله.. ما فعل رسول الله وصار يكرر ذلك حتى طمأنوه ولم يقتنع بذلك بل حينما شعر أن باستطاعته المشي ذهب إلى دار الأرقم متوكئاً على أمه حيث دخل على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فرق له رقة شديدة وأكب عليه ليقبله وأكب عليه المسلمون وأبو بكر يقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لي من بأس إلا ما نال الفأس من وجهي ولم يهدأ أبا بكر مما هو فيه حتى رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في خير حال.. |
مزنة: حدثيني يا أماه.. متعيني وأنيري طريقي بهذه المناقب والمثل العليا.. |
سلمى: وفرح كفار قريش بموت أبي طالب وكان أشدهم سروراً أبو جهل لعنه الله الذي وجد الفرصة مؤاتية بعد اليوم لإيذاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ومناهضة عقيدته ومحاربتها حرباً لا هوادة فيه.. |
مزنة: قاتله الله وأخزاه.. |
سلمى: وقد اجتمع أبو جهل بعد وفاة أبي طالب بنفر من أمثاله من كفار قريش في أحد أوكار مكة ودار بينهم الحديث التالي: |
(نقلة موسيقية صوتية).. |
أبو جهل: لقد جمعتكم هنا عند نسطاس الرومي لنحتفل بوفاة أبي طالب فقد تخلصنا من قلعة حصينة كان يحتمي محمد وراءها.. |
عتبة: لقد وقف بجانب محمداً موقفاً حازماً صلباً أفسد علينا كثيراً من خططنا ومحاولاتنا للقضاء على محمد. |
النضر: وها هو الجو يصفو لكم فماذا أنتم فاعلون.. إن دعوة محمد تسري في الناس كما تسري النار في الهشيم يا عتبة.. |
عتبة: هذا صحيح يا نضير ولكن الفرصة لم تفلت من يدنا بعد إننا نستطيع مقاومة محمد في مكة بل أجزم إننا قادرون على الفتك بأتباعه والقيام بمجزرة ما روى تاريخ الجزيرة مثلها يا نضر.. |
أبو جهل: قد نستطيع التخلص من الموالي والمستضعفين المسلمين ولكن الذين صبأوا بين أشراف مكة أكثر من أولئك.. |
عتبة: إذا ما العمل يا أبا جهل؟.. |
أبو جهل: أرى أن تضع رقابة شديدة على أتباع محمد ونمنع اتصالاتهم بالوافدين على مكة للتجارة والحجيج.. فإن أخشى ما أخشاه أن تجد دعوة محمد قبولاً لدى هؤلاء وعندها يفلت زمام الأمور من يدنا تأماه.. |
عتبة: ما رأيك في أن توحد جهودك مع أبي لهب فإن قرباه من محمد سلاح ماض في يدنا.. |
أبو جهل: كيف يكون ذلك.. |
عتبه: ستقوم أنت وأبو لهب بمراقبة اتصالات محمد.. فكلما رأيتماه ينفث عدم دعوته في أحد قمتما بدحض ما يقول.. |
وعندما يرى هؤلاء أن أبا لهب عم محمد ضد ابن أخيه لا شك أنهم سيترددون في قبول ما يقوله محمد.. |
النضر: رأي سديد.. أما من في مكة من اتباع محمد فسيكونون تحت رقابتنا الشديدة.. ومن السهولة القيام بهذه المهمة بعد أن أراحنا موت أبي طالب.. |
أبو جهل: إنني على استعداد للتعاون مع أبي لهب.. وستشهد الأيام القادمة سلطان اللات والعزى.. |
النضر: نسيتم أيها الرفاق في غمرة نشوتكم وفرحتكم بموت أبي طالب عدواً لدوداً لكم لا يقل بأساً ومنعة عن أبي طالب.. |
عتبة: ومن هو يا نضر؟.. |
النضر: إنه خديجة بنت خويلد.. إنها بما لها وتجارتها تتحكم في كثير من أهل مكة.. وغيرهم في البلدان المجاورة.. |
أبو جميل: إن خديجة مريضة جداً.. لعلّه مرض الموت يا نضر إن عندي جائزة كبيرة لمن يبشرني بوفاتها.. |
أبو جهل: لا أكرهها شخصياً ولكن أكره حمايتها ومساندتها لمحمد.. |
نسطاس: لا تشمتوا في موت أو مرض.. فكلنا معرضون للموت والمرض.. |
أبو جهل: حتى أنت يا نسطاس سحرك محمد.. |
نسطاس: إنني نصراني.. باقٍ على ديني.. ولكني أربأ برجال مثلكم من سراة قريش وسادتها أن ينتظروا موت زيد أو مرض عمر للوصول إلى أهدافهم.. |
أبو جهل: إنك لقنتني يا نسطاس درساً سأحمده لك.. |
(يسمع هرج ومرج في الخارج).. |
عتبة: ما هذه الأصوات التي نسمعها في الخارج يا نسطاس ولا تكاد تميزها.. أنظرها وقل لنا.. |
(يخرج نسطاس ليعود حالاً وهو يقول).. |
نسطاس: لقد نلت مبتغاك يا أبا جهل.. ماتت خديجة.. |
(أصوات من الخارج.. ماتت خديجة.. ماتت خديجة).. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
مزنة: رحمها الله.. رحمها الله.. |
سلمى: وهكذا حُُمَّ القضاء وفجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في أعز إنسانة لديه خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها.. |
مزنة: وكيف صار حال النبي صلَّى الله عليه وسلم بعد وفاتها؟.. |
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله.. |
مزنة: تصبحين على خير يا أماه.. |
سلمى: تصبحين على خير يا بنيتي.. |
|