الحلقة ـ 21 ـ |
مزنة: أماه وماذا أمر المعركة.. حدثيني.. |
سلمى: حسناً.. بدأ زحف الأحباش على مكة يتقدمهم فيل كبير.. ولم يكن للعرب عهد برؤية الفيلة فسميت المعركة واقعة الفيل.. وعرف ذلك العام بعام الفيل وهو السنة التي ولد فيها سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلم.. |
مزنة: صلَّى الله عليه وسلم.. |
سلمى: وتحصنت قريش في أعالي مكة ومرتفعاتها واستعدت للدفاع عن حياض وطنها.. |
(نقلة صوتية) |
عمرو: لقد شرع رماة الأحباش في إطلاق سهامهم.. |
الوليد: (بصوت مرتفع) تحصنوا يا قوم كيلا تصيبكم نبالهم.. |
عمرو: أنظر هاهم أصحاب المنجنيق يركزون آلاتهم في اتجاه الكعبة.. |
مزنة: أماه.. ما هو المنجنيق؟.. |
سلمى: آلة توضع فيها أحجار كروية فتقذف بها إلى مسافات بعيدة وهي اشبه بمدفعية اليوم مع الفارق بالطبع.. |
مزنة: أكملي يا أماه.. |
(نقلة صوتية).. |
الوليد: إذن فأبرهة يزمع تدمير الكعبة.. |
صوت هادر: إن للبيت رباً يحميه.. إن للبيت رباً يحميه.. |
(في الصباح يبدأ زحف الأحباش وفي مقدمتهم الفيلة والرماة على ظهرها).. |
الوليد: إذاً فأبرهة مزمع على تدمير البيت.. |
(صوت هادر.. إن للبيت رباً يحميه.. إن للبيت رباً يحميه..).. |
عمرو: إسمع يا ابن المغيرة؟.. |
الوليد: بلى سمعت يا أبا الحكم.. ولكن من يمنع حجارة القوم أن تتدفق على البيت فتهدمه.. |
الصوت الهادر: إن للبيت رباً يحميه.. إن للبيت رباً يحميه..).. |
(وجوم وسكون في انتظار العاصفة).. |
الوليد: أنظر بعيداً يا أبا الحكم.. ألا ترى ما أرى..؟ إنها سحابة سواد تأتي مسرعة من ناحية البحر (تتجه الأنظار إلى ناحية البحر.. غيوم سوداء كثيفة يرافقها غبار كثيف).. |
عمرو: لعلّ إسرافيل قد نفخ في الصور يا ابن المغيرة.. أظن يوم القيامة قد دنا.. تحفظوا يا قوم قبل أن تجرفكم العاصفة.. |
لمعان برق وهدير رعد وغبار يحجب الفضاء. السحاب الكثيف يتقدم بسرعة خلال ضوء البرق المتواصل.. الرياح تزمجر.. |
الوليد: ما هذه الطيور التي تتقدم السحاب يا أبا الحكم؟.. |
عمرو: لا أدري.. لعلّها جرفتها العاصفة فنفرت تبغي النجاة.. |
الوليد: إنها تقترب أنظر فهي تحمل حجارة في مناقيرها وأرجلها.. |
عمرو: وأنها لترمي بحجارتها فوق الأحباش.. |
الوليد: وها هو فيلهم قد أدار رأسه نحو الشرق واسرع يهرول ويدوس ما أمامه من الأحباش. |
(الصوت الهادر.. إن للبيت رباً يحميه.. إن للبيت رباً يحميه..).. |
الوليد: أرى أننا أمام سيل من المعجزات. ألا ترى كيف لم يتجاوز الطير الأسوار فبقينا في نجوة من العذاب.. |
الوليد: هذا هو أبرهة يحاول النجاة برأسه مخلفاً وراءه جيشه المبعثر.. |
عمرو: وأسراب الطير تتبعه وتحصب جنوده بالحجارة.. |
الوليد: أسمع إنها تملأ الفضاء بصياح مخيف.. |
عمرو: يا للهول.. يا للهول.. |
الوليد: يا للنجاة.. يا للنجاة.. لقد أنقذ رب البيت كعبته.. |
الصوت الهادر: إن للبيت رباً يحميه.. إن للبيت رباً يحميه.. |
الوليد: لقد أصيب أبرهة هاهو محمول على المحفة.. |
عمرو: لقد خلت الساحة من الأحباش وأنقشع السحاب.. |
الوليد: وكأنه لم يحدث شيء قط.. |
عمرو: إنها لمعجزة.. إنها لمعجزة.. |
الصوت الهادر: إن للبيت رباً يحميه.. إن للبيت رباً يحميه.. |
(شيوخ قريش في دار الندوة).. |
الوليد: أين عبد المطلب.. أين عبد المطلب.. |
عمرو: صدق عبد المطلب فإن صاحب البيت قد منعه من جبروت الأحباش. ها هو آت إلينا. |
عبد المطلب: أرأيتم أيها السادة كيف يحمي الرب بيته؟.. لقد تفرقت القوة القاهرة وقد كانت تظن بأنها تغلب وتقهر ولا تقهر.. وأنها إذا أرادت بلغت ما تريد.. لقد فرقتها الطير وحطمت كبرياءها فأصبحت أمامها كالعصف المأكول وسلم البيت وأمن جيرانه فعظموا صاحبه وقربوا له القرابين.. |
الوليد: سنذبح ونتصدق ونعفي المعسرين. |
عبد المطلب: فكروا بمستقبلكم أيها السادة إني لأشعر بتغيير كبير سيطرأ على حياتكم فلا تظلوا منكمشين على أنفسكم في عالمكم الصغير هذا.. |
عمرو: إنك تحدثنا بأشياء لا نفقهها.. |
عبد المطلب: سترون ما لم يره الناس وستسمعون بما لم تسمعه الأجيال قبلكم.. إنكم أمام أحداث كبيرة فتهيأوا لها.. |
أبو سفيان: لقد مررنا بسطيح وحدثنا عن عالم جديد.. |
الوليد: ماذا قال لكم سطيح عن هذا العالم الجديد يا ابن حرب؟.. |
أبو سفيان: قال إنه عالم تسوده المحبة وتتحقق فيه إنسانية الإنسان.. |
الوليد: وهل تحدث عن دورنا في هذا البعث الجديد؟. |
حسان: بلى يا ابن المغيرة.. لقد قال بأنكم ستكونون قادة وسنكون شعراء وستنطلق دعوته إلى آفاق الدنيا.. |
أبو سفيان: لقد سمعت من بحير راهب بصري الذي يقوله سطيح.. |
أمية ابن أبي الصلت: يا لخيبة الأمل.. يا لخيبة الأمل.. |
حسان: حسبت أنك ستشارك الناس أفراحهم في طرد الحبشة عن هذه الديار يا أمية.. |
أبو سفيان: دعه فإنه ما يزال يسير وراء عقم خيالاته.. |
أمية: إليكم عني.. إليكم عني.. |
(عبد المطلب وحوله أولاده يتندرون وهو صامت لا يتكلم).. |
أبو طالب: ألا تشاركنا الحديث يا أبتاه؟ فقد مللنا أن نراك غارقاً في آلامك.. |
عبد المطلب: أو تريد أن أنسى عبد الله يا أبا طالب؟.. |
أبو طالب: لقد عز علينا فقده ولكن ألمنا يزيد إذ نراك سائراً في حزنك حتى ليكاد يقطعك. |
عبد المطلب: لقد أصبحت شيخاً ذابت أحلامه يا بني فدعني ألهو بذكر من فقدته.. |
حمزة: كلا لن ندعك تعيش أبداً في حزن.. سيعوّضك الله خيراً عن عبد الله إن آمنة تكاد تضع طفلها. |
عبد المطلب: ليت ذلك يتحقق فأسلو به أحزاني. (العباس يدخل مسرعاً).. |
العباس: لك البشرى يا شيخ قريش.. لقد ولد لك غلام وأنه حفيدك من عبد الله.. |
عبد المطلب: أوضعت آمنة طفلاً؟.. |
العباس: نعم وإنه كأبيه عبد الله جمالاً وبهاءً.. |
عبد المطلب: بشرّك الله بالخير يا عباس هلمّ فننعم برؤية الصبي.. |
(يسيرون جميعاً إلى دار آمنة.. يحمل عبد المطلب المولود بين يديه ويقبله).. |
عبد المطلب: لأسمينه محمداً.. لأسمينه محمداً.. هلمّ ننحر ونحتفل.. |
أبو طالب: (للعباس) أعاد الله إليه شبابه وحيويته.. إنه لغلام مبارك.. |
حمزة: سيكون لي أخاً ورفيقاً فأنا أصغركم سناً.. |
أبو طالب: وسيكون لي ولداً.. أرعى فتوته وشبابه بعد جده.. |
عبد المطلب: سأستأثر به دونكم ما دمت على قيد الحياة.. |
العباس: هو لك فأهنأ بقربه.. |
عبد المطلب: هلمّ بنا ننحر ونحتفل.. |
(في الطريق يسرع أشراف قريش نحو عبد المطلب ويهنئونه): |
الوليد: هنيئاً لك بما أعقبت يا عبد المطلب.. |
عبد المطلب: شكراً يا ابن المغيرة.. |
ورقة بن نوفل: سيكون لولدك هذا شأن وأي شأن.. |
صوت هادر: أحذر عليه اليهود.. أحذر عليه اليهود.. |
(أهازيج تنطق في الفضاء).. |
عبد المطلب الوليد عمرو أبو سفيان حسان أبو طالب وغيرهم في دار الندوة.. |
الوليد: لمن أوكلت رضاعة يتيمك يا عبد المطلب؟.. |
عبد المطلب: إنه عند آل سعد.. |
أبو سفيان: هلا تفقدته؟ فإنه يتيم إلى رعايتك.. |
عبد المطلب: ليس أحرص مني على لقائه يا ابن حرب ولكن آل سعد لا يسلمون بعودته فقد غمرتهم البركة بوجوده بينهم إنه يرعى غنمهم وهي تسمن وتزيد ويفيض لبنها.. |
أبو سفيان: أو ترضى أن يرعى ابنك الغنم؟.. |
عبد المطلب: إن ذلك يساعد على نموه وسنرى آثار ذلك يوم يصبح رجلاً.. |
الوليد: ولكنه سينشأ نشأة بدوية.. |
عبد المطلب: ما عليه ولو كان ذلك؟ إن حياة البداوة لا تخلو من خير فسيعود إلينا وهو على سلامة فطرية. |
حمزة: أعده إلينا يا أبتاه سيكون لي رفيقاً.. |
عبد المطلب: سيكون لك ذلك يا حمزة وسنحميه من عبث الأولاد فإنه يجهل معاشرة أبناء المدن.. |
حمزة: أو تكفله يا أبتاه.. |
عبد المطلب: سيكفله رب البيت وأنا أرعى طفولته.. |
عمرو بن هشام: كنت تتحدث عن تحذير جاءك من اليهود. فما شأن اليهود مع طفل يرعى الغنم؟.. |
عبد المطلب: لا أدري ولكن النداء تكرر.. |
عمرو: إنه لحدث ووسوسة فدع هذا عنك.. |
عبد المطلب: قل ما شئت ولكن حذار أن تفكر بإيذائه يوماً.. |
عمرو: ولماذا تفترض أني سأكون من خصومه؟.. |
عبد المطلب: لا أدري ولكنني أتفرس في وجهك النفرة من الصبي في حين لم يمسك بسوء.. قوموا بنا يا أولادي عسى أن يصل محمد إلينا في هذا اليوم فقد أرسلت في طلبه من آل سعد.. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
مزنة: وحادثة الفيل يا أماه هي التي جاء ذكرها في القرآن الكريم.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ . أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ . وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ . تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ . فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (الفيل 1 - 5) صدق الله العظيم |
سلمى: صدق الله العظيم.. إلى الغد إن شاء الله.. |
مزنة: تصبحين على خير يا أماه.. |
سلمى: تصبحين على خير يا بنيتي.. |
|