الحلقة ـ 18 ـ |
سلمى: حديثنا هذه الليلة سيكون عن مكة المشرفة قبيل مولد النبي صلَّى الله عليه وسلم.. |
مزنة: صلَّى الله عليه وسلم.. قولي يا أماه كم أنا تواقة إلى سماع ذلك.. |
سلمى: كان العرب قبل الإسلام يحجون إلى الكعبة.. وكان أجداد النبي صلَّى الله عليه وسلم سادة مكة وأشرافها.. فكانوا يتولون الضيافة بأمر هذا الحجيج وتأمين راحته فهاشم جد النبي صلَّى الله عليه وسلم الثاني كان يطعمهم، وعبد المطلب جده صلَّى الله عليه وسلم الأول كان يسقيهم.. |
مزنة: ياه يا أماه.. كل ذلك الحشد من الناس كانوا بحكم زعامتهم يفضلون ذلك.. وماء مكة كما تعرفين شحيح وقليل ولذلك كانت السقاية من أشد الأمور.. وكانت شغل عبد المطلب الشاغل وهمه الأوحد.. |
(نقلة صوتية بدون موسيقى).. |
ذؤيب: لك الحمد يا سيدي، ما أراك ألا تفكر وتفكر ثم لا تخرج من هذا الأمر الذي اقلقك فجعل منك مؤرق الليل قلق النهار قليل الحديث حتى مع أهل بيتك.. |
عبد المطلب: وما شأنك فيما أفكر يا ذؤيب أنه لأمر لا يعنيك منه شيء.. |
ذؤيب: ولكنني بت أشفق عليك من هذه الوحدة التي تصرفك عن مجالس القوم في الندوة، وعن هناء العيش في بيتك حتى وعن عطفك علي.. |
عبد المطلب: أو تراني مقصراً في أمر أهلي وفي أمرك؟.. |
ذؤيب: معاذ الله يا سيدي أن أشكو منك تقصيراً ((بحقي))، ولكن هذا القلق الذي يحيط بك تكاد عدواه تنتقل إلي وإلى أهلك.. وقد أصبحنا معك كمن يسكن مع الغرباء في نزل لا يجمعهم إلا الجوار.. |
عبد المطلب: وماذا تراه غريباً في علاقتي بكم؟.. |
ذؤيب: لا نراك إلا صامتاً، (مقطب الجبين.. وإذا خرجت من بيتك تنحيت أقربائك وأصدقائك إلى المسجد تطوف حول الكعبة ثم تلبث أن تتركه إلي بطاح مكة.. وقد تصل إلى غار حراء فماذا يغريك في الجبال وصخورها الجرداء.. |
عبد المطلب: لقد أحرجتني يا ذؤيب ولولا أن لك علي حقوقاً تبدأ في طفولتي لمنعتك عن أن تتدخل فيما لا يعنيك.. |
ذؤيب: إنك تقول دائماً إنني لك بمثابة المطلب.. وهذا.. وهذا ما حملني على إحراجك في السؤال عن هذا الأمر الذي يشغل بالك.. |
عبد المطلب: ما أرى إلا أني سأجن يا ذؤيب.. |
ذؤيب: ومما تشكو يا ولدي؟ دعني آخذك إلى الكاهن عسى أن نجد عنده الشفاء لهذا العارض الذي يسبب لك القلق.. |
عبد المطلب: لقد حدثتني نفسي مراراً أن اذهب إلى الكاهن فأعرض عليه أمري.. ولكن ما أن أبلغ فناء المسجد حتى أتردد وأتراجع، أأزعم للكاهن أنني مجنون وتشيع المقالة في أندية مكة ويضحك مني فتيان أمية وشباب بني مخزوم؟.. |
ذؤيب: ولكن ما هذه الخيالات التي تتراءى لك يا بني؟.. |
عبد المطلب: إنه ظل يأتيني في نومي كل ليلة.. |
ذؤيب: أو تحدث إليك بشيء؟.. |
عبد المطلب: بلى.. قال لي مرة ((أحفر المضنونة)) وتساءلت ما المضنونة فلم أجد لها تفسيراً في عقلي.. |
ذؤيب: وبعد؟.. |
عبد المطلب: وجاءني مرة فقال (أحفر البرة) فسألته وما برة هذه فلم يجب وتركني حائراً.. |
ذؤيب: ثم ماذا؟.. |
عبد المطلب: قلت في نفسي لعلك تسمع من رواد القوافل شيئاً عن برة أو المضنونة فذهبت أختلط بالناس ولكن.. |
ذؤيب: ولكن ماذا؟.. |
عبد المطلب: سمعتهم يتحدثون عن بصري والخورنق والسدير وغمدان ويتندرون بأخبار العجم والروم ولكن أحداً منهم لم يذكر شيئاً عن برة أو المضنونة.. |
ذؤيب: وأخيراً؟.. |
عبد المطلب: شغلت نفسي بأهلي وولدي الحارث فما صرفني ذلك عن التفكير بأمر الهاتف.. وها أنذا أراني مع الظل في منامي يأتي ويضع يده على جبهتي يرفق وتتفتح شفتاه.. |
عن هذه الكلمة (أحفر زمزم).. |
ذؤيب: ليتك سألته عن زمزم هذه؟.. |
عبد المطلب: سألته بعد إعياء وجهد (وما زمزم؟) فقال (لا تنزح ولا تزم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الغُرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم) ثم تولى الطيف، تركني بعد أن غمر نفسي بالأمل.. |
ذؤيب: أو كنت تفكر بسقاية الحجيج يا ابن المطلب؟.. |
عبد المطلب: كثيراً ما فكرت بالجهد والعسر الذي يلقاه الحجاج من قلة الماء.. |
ذؤيب: أبشر فقد جاءك الطيف بالغوث والنعمة.. |
عبد المطلب: وكيف ذلك يا أبتاه؟.. |
ذؤيب: إنه جاء يوحي إليك أن تحفر بئراً في زمزم.. |
عبد المطلب: وأين تقع زمزم من مكة؟.. |
ذؤيب: لقد عين الطيف مكانها فلا مجال للتردد. إنه في جوار المسجد.. فتعال معي أعينك على تحديد موقعك فأنا أعرف منك بأجواء مكة.. |
عبد المطلب: إذاً فلنأخذ معولاً وكتلاً نستعين بهما على الحفر ونقل التراب.. |
ذؤيب: وددت لو عملت معك في حفر البئر.. ولكنني أعتقد أن هذا شرفاً خصكم الله به آل هاشم فخذ معك ولدك.. |
عبد المطلب: قل له أن يأتي ومعه المعول والكتل فأنا في انتظاركما؟.. |
(يذهب ذؤيب ويبقى عبد المطلب في مكانه وعلى وجهه علائم الاستبشار.. ثم يعود ذؤيب ومعه الحارث..). |
عبد المطلب: هلمّ فلا تضيع وقتاً (يسير الثلاثة إلى جوار المسجد..). |
ذؤيب: بعد أن يطوفوا قليلاً في باحة المسجد ((احفر هنا يا سيدي وسأعود إليكما بالطعام)).. |
(يحمل عبد المطلب المعوّل ويضرب به حيث أشار له ذؤيب).. |
عبد المطلب:
|
لا هم قد لبيت من دعاني |
وجئت سبعاً ألمس العجلان |
ثبت اليقين صادق الإيمان |
يتبنى الحارث غير وان |
جذلان لم يحفل بما يعاني |
لا هم فلتصدق لنا الأماني |
مالي بما لم ترضه يدان |
|
(عبد المطلب يحفر والحارث ينقل التراب إلى خارج المسجد والنشيد لا ينقطع ((يأتي ذؤيب وهو يحمل الطعام).. |
ذؤيب: هذا غداؤك وغداء الصبي، هلما فقد بلغت الشمس قبة الفلك وهي تصهر الأبدان وأنت لا ترفق بنفسك ولا بالصبي.. |
(يداوم عبد المطلب على الضرب بالمعول والإنشاد).. |
عبد المطلب: إليك يا غلام بهذا التراب وأسرع بنقله فما لهذا الأمر - إلا عبد المطلب وابنه.. ألم تقل ذلك يا ذؤيب.. |
ذؤيب: ليت لي أن أشارككما في هذا الأمر ولكن الله قد خص البيت بشرفه. |
(يداوم عبد المطلب على الضرب بالمعول ويعلو صوته بالنشيد).. |
ذؤيب: أرحم الطفل يا هذا إذا كنت لا ترحم نفسك فقد بلغ الجوع منه مبلغه.. ألا تراه يكاد لا يستطيع حمل المكتل.. |
عبد المطلب: أسرع يا ذؤيب إلى يا حارث أنظر ألا تريان ماء؟ ينظر الحارث إلى الحفرة ((ويقلب التراب بيده)).. |
الحارث: كلا يا أبتي وإنما أستشعر رطوبة وحسب. |
عبد المطلب: لا بد من الوصول إلى الماء لقد أمرني الطائف أن أحتفر ووعدني أن أجد الماء لأسقي الحجيج.. |
(يداوم عبد المطلب على الضرب بالمعول وترديد النشيد).. |
ذؤيب: أما لهذا الليل من آخر؟ هيا لتطعم وتطعم ابنك فقد أضناه الجوع.. |
عبد المطلب: يصرخ هاتفاً ((الله أكبر.. الله أكبر.. هذا هو الماء إنه يتفجر.. أسرع يا ولدي.. |
(يقف ذؤيب والحارث إلى جانب الحفرة وينظران إلى الماء وهو يتدفق من جوف ((البئر))..). |
عبد المطلب: هنا طوى ((إسماعيل))، هذه هي بئر زمزم لقد صدق الوعد وتحقق الأمل.. |
(يملأ عبد المطلب راحتيه من الماء ويشرب ويسقي ابنه ثم يرسل الماء من حوله).. |
ذؤيب: لقد بر الطائف بوعده لتعرفن قريش لك هذه اليد.. |
(يتجمهر الناس حول البئر ويشربون).. |
عتبة ابن ربيعة: هذه الأرض ليست لك يا ابن المطلب أين الكاهن الذي أمرك أن تحفر الماء لقريش لانك.. |
(أصوات الماء لقريش.. الماء لقريش..).. |
عبد المطلب: خلوا بيني وبين الماء يا قوم.. فوالله لن تبلغوا مني شيئاً فإن الذي أمرني أن نحتفر الماء هو الذي يرد كيدكم ويحميني منكم.. |
عتبة: ومن يمنعك من هؤلاء الناس؟.. إنك أبو واحد ونحن كثرة من الأقوياء وأولادنا وأموالنا.. |
عبد المطلب: إني أقسم لو منحني الله من الولد عشر ذكوراً أراهم بين يدي لأضحين له بواحد منهم.. |
عتبة: يا عبد المطلب إنها بئر أبونا إسماعيل، وإن لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها.. |
عبد المطلب: ما أنا فاعل.. إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم.. |
عتبة: أنصفنا من نفسك فانا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها.. |
عبد المطلب: اجعلوا بيني وبينكما من أحاكمكم إليه.. |
عتبة: كاهنة بني سعد بالشام.. |
عبد المطلب: وأنا قبلت هيا إليها.. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
مزنة: غريب يا أماه أمر عتبة وقريش.. إنه تعسف منهم.. |
سلمى: لا شك في ذلك.. ولا سيما إذا عرفنا أن عبد المطلب احتفر البئر بقصد سقاية الحجيج.. أي قام بهذا العمل للمنفعة العامة.. |
مزنة: لقد تفاخرت قريش على عبد المطلب بأولادها وتحدته حتى اضطر إلى النذر بتضحية أحد أبنائه إذا اصبحوا عشرة.. |
سلمى: التحدي صعب يا بنيتي وكثيراً ما يخرج المرء عن صوابه.. |
مزنة: أماه وماذا كان حكم كاهنة بني سعد.. |
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله.. |
مزنة: إن شاء الله تصبحين على خير.. |
سلمى: تصبحين على خير.. |
|