الحلقة ـ 13 ـ |
مزنة: لقد أدهشني بيان أكتم بن صيفي يا أماه وسحرتني بلاغته وجزالة ألفاظه وسمو معانيه.. |
سلمى: إنه حكيم العرب يا مزنة.. والحكيم عند العرب هو العالم بجميع الأشياء.. |
مزنة: كذلك أعجبتني براعة الطبيب العربي الحارث بن كلدة وتمكنه وحذقه وقوة حجته ومنطقه في المناظرة.. طمنيني يا أماه هل استطاع معالجة زوجة كسرى؟.. |
سلمى: إليك يساق الحديث |
(نقلة صوتية بدون موسيقى).. |
كسرى: كيف وجدت الطبيب العربي يا كبير أطبائنا.. |
كبير الأطباء: لله دره يا مولاي إنه حاذق في مهنته ملم بفنه واثق من نفسه.. |
كسرى: لقد بزكم مع الأسف وبرهن أن العلم لا حدود ولا وطن له. أليس كذلك يا مرزويه؟.. |
مرزويه: إننا نقر له بذلك.. لقد عجزنا عن تسكين آلام مولاتي الملكة وكدنا نيأس وإذا بهذا الطبيب العربي يفلح حيث عجزنا.. |
كبير الأطباء: كنت أظن مولاي لا يوافق على معالجة مولاتي الملكة بطريقة الكي.. |
كسرى: كنت متردداً بادىء الأمر ولكن صراخ الملكة من شدة الألم وحالة اليأس من الشفاء التي رانت على وجوهكم دفعتني إلى أن آمر هذا العربي أن يفعل ما فعل وكان فيما فعل الشفاء والعافية للملكة.. |
مرزويه: إن أطباء العرب يستغلون في المعالجة أعشاباً تنبت في بلادهم ولا تنبت في بلادنا.. وقد حاولت حين أخرج الطبيب العربي بعض الأعشاب من جرابه ليغليها ويسقيها للملكة حاولت أن أتعرف على نوعها فلم أتمكن.. |
كسرى: المهم.. لقد استطاع هذا الطبيب أن ينجح حيث عجزتم أنتم.. على فكرة.. أما يزال يسهر على معالجة الملكة؟.. |
مرزويه: نعم.. إنه يتفقدها صباح ومساء.. |
كسرى: سأغنيه حتى لا يعرف الفقر طريق بابه.. مرزويه.. |
مرزويه: مولاي.. |
كسرى: هل دعوتم النعمان وصحبه لمقابلتنا؟.. |
مرزويه: نعم يا مولاي وعما قريب سيصلون.. |
كسرى: لا شك أن النعمان سيتيه علينا فخاراً بما قام به طبيبه الحارث.. |
مرزويه: إن النعمان يا مولاي يعتز بعروبته حتى لقد يبلغ هذا الاعتزاز إلى حد الغرور والكبرياء.. |
كسرى: سأحطمن غروره، وأذلن كبرياءه.. وسأنتقمن منه انتقام عزيز مقتدر.. |
مرزويه: لا شك أن باستطاعة مولاي أن يفعل كل ذلك ولكني أرى.. |
كسرى: ترى ماذا؟.. |
مرزويه: أرى أن ندين النعمان من أقواله.. إن غروره وكبرياءه ورعونته سيعرضانه إلى زلق اللسان.. وعندها يضرب مولاي ضربته القاضية.. |
كسرى: رأي سديد يا مرزويه.. بورك فيك.. |
(يعلن الحاجب دخول النعمان بن المنذر ورفقاه ما عدا الحارث بن كلدة الذي أمره كسرى بأن يشرف على معالجة الملكة).. |
النعمان: السلام على إمبراطور فارس وسيد الأكاسرة.. |
كسرى: وعليك السلام يا ملك العرب.. |
النعمان: شرف عظيم يوليني إياه سيد فارس ولقب أعتز به.. |
كسرى: أتعتز باللقب أم العرب.. |
النعمان: أعتز بالاثنين معاً.. |
كسرى: ولكن العرب الذين تعتز بهم قوم يعيشون في شقاق دائم وخلاف مستمر وقتال بين بعضهم البعض لا ينتهي إلا ليبدأ من جديد.. هاهم عربك فهل يستحقون أن تفخر بهم.. |
النعمان: أطال الله عمر كسرى.. لو أذنت فإن عندي جواباً في غير رد عليه ولا تكذيب.. |
كسرى: قل فأنت آمن.. |
النعمان: لا ننازع في مجد أمتك التي أكرمها الله بولاية آبائك وولايتك، أمام الأمم الأخرى فأي أمة تقرنها بالعرب إلا وفضلتها.. |
كسرى: وبم تفضل العرب على الناس؟.. |
النعمان: بعزها وسخائها وحكمة ألسنتها ووفائها.. |
كسرى: لا أراكم ألا تستعملون على غيركم من الأمم، على ما بكم من الفاقة والبؤس، وتنزلون أنفسكم فوق مراتب الناس.. |
النعمان: أعز الله الملك، ليس أمة في الأرض يسمى آباؤها إلا العرب فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينتسب إلى غير نسبه ولا يدعي إلى غير أبيه.. |
كسرى: لقد أطلت في مديح قومك.. |
النعمان: إن الرجل منهم يرضي أن يخرج عن دنياه ليكسب طيب الذكر وأما وفاؤهم فإن الرجل يرضى بأن تفنى قبيلته ولا يخفر بجواره.. |
كسرى: وماذا أنتم من هذه الدعوة الجديدة؟.. |
النعمان: مخلصون لكسرى ما دام الملك يحترم قوميتنا ويحسن معاملته لنا.. |
كسرى: ولكن بلغني أنكم تتطلعون إلى مكة.. |
النعمان: إن لمكة في نفوسنا ذكريات روحية تربطنا بها.. |
كسرى: وما هي هذه الروابط.. |
النعمان: إن لنا أشهراً حرماً وبلداً وبيتاً نحج إليه ونقيم فيه مناسكنا وعنده يلتقي الرجل بقاتل أبيه فلا يتناوله بأذى وهو قادر عليه.. |
كسرى: ولكنكم تتجاوزون حدود هذه الروابط حين يغزو بعضكم بعضاً.. |
النعمان: لقد ألجأتنا الصحراء إلى أن يغزو بعضنا ولكننا نتطلع الآن إلى دنيا أوسع من عالمنا الصغير.. |
كسرى: إذن من أجل هذا تتحدثون عن بعث جديد يلم شملكم؟.. |
النعمان: أو يضير هذا الملك؟.. |
كسرى: ليس براض عن هذه الروح تسري في صفوفكم ألم أكفكم ما تحتاجون إليه؟.. |
النعمان: نحن لا ننكر عطف الملك علينا ولكن دنيا العرب أوسع من جوار كسرى ولا بد من حدث يرفع بهذه الأمة إلى مقامها.. |
كسرى: أراك تجاوزت الحدود في تعريف أطماع قومك؟.. |
النعمان: أيها الملك لم نأت لضيمك، ولم نفد لسخطك، نحن لجوارك حافظون، هذه أيدينا لك بالوفاء رهينة.. |
كسرى: وماذا على حدود الشام.. |
النعمان: هدنة يتحفز فيها الروم للأخذ بثأرهم.. |
كسرى: وأنتم هل تدافعونهم إذا ما حاولوا الاعتداء؟.. |
النعمان: لقد أعطينا هرقل درساً بليغاً لا ينساه.. |
كسرى: وماذا للغد.. |
النعمان: أن سيوفنا التي قاتلناهم بها ما تزال في أغمادها.. |
كسرى: وماذا عن غسان؟ |
النعمان: لقد اتفقنا مع أبناء عمومتنا من آل جفنة أن نقاتل دفاعاً عن حدودنا.. وكل اعتداء يبدأه أجنبي فنحن لا نصطدم بسببه والعربي لا يقاتل أخاه.. |
كسرى: أراكم قد تمرستم في السياسة فمن الذي أعطاكم هذه الأفكار الجديدة؟.. |
النعمان: إنه حديث العرب كلهم وفي كل أرض من الجزيرة العربية.. |
كسرى: وقومك هل يخلصون إخلاصك لنا؟.. |
النعمان: أطال الله عمر الملك نحن جيرانك الأدنون إن استنصرتنا أجبناك ولا نتنكر لدهر.. |
كسرى: لقد عرفناك من قبل ولن ننسى موقف أبيك في نصرتنا على هرقل.. |
النعمان: ما زلنا على العهد نحمد سجاياك ونأمل الحياة الهادئة بقربك.. |
كسرى: سموت بفضل وعلوت بنبل وقد صحبك أصحاب العقول فكنت موفقاً.. |
النعمان: أطال الله عمر الملك وأبقاه.. |
كسرى: سيتحدث معك وزيري مرزويه فكن صادقاً معه وتجنب المراوغة.. |
النعمان: لقد عودناك الصراحة والصدق ولن يكون موقفنا اليوم غير موقفنا بالأمس.. |
(نقلة صوتية بدون موسيقى).. |
الحارث بن كلدة: كيف تحسين الآن أيتها الملكة.. ألا تشعرين بتحسن عام..؟ |
زوج كسرى: لقد مر أسبوع على معالجتك لي وفي كل يوم أشعر بتحسن في صحتي وفي مشيتي.. سأكافئك حتى أغنيك.. |
الحارث: يكفيني أيتها الملكة أني قمت بواجبي الإنساني نحوك.. |
زوج كسرى: أنت مؤدب جداً.. هل يوجد بين قومك من هم طلاقة لسان وسحر بيانك..؟ |
الحارث: إني قطرة في بحرهم.. |
الوصيفة: إنه جد متواضع يا مولاتي.. |
زوج كسرى: هكذا يكون العظماء.. |
الحارث: لقد رتبت طريقة علاجك والأدوية اللازمة وأفهمت وصيفتك بما يجب أن تفعل.. والآن استأذنك أيتها الملكة متمنياً لك العمر المديد والصحة والعافية.. |
زوج كسرى: شكراً لك أيها الطبيب النابغة.. سنراك قبيل سفرك لنجزل عطاءك.. |
الحارث: حسبي رضاك أيتها الملكة.. |
(ينصرف وتقول الملكة لوصيفتها).. |
زوج كسرى: لقد أثبت هذا العربي جهلنا التام بأمور العرب وأن ما لدينا من معلومات عنهم جداً خاطئة.. |
الوصيفة: سيكون للعرب شأو عظيم إذا ما وجدوا القيادة الرشيدة.. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
مزنة: لقد رفع هذا الطبيب العربي اسم العرب عالياً وبرهن على إبائهم وشممهم وعزتهم وكرامتهم.. |
سلمى: هؤلاء هم قومك يا مزنة الذين أردتك أن تعرفيهم قبل معرفتك للأقوام الآخرين.. |
مزنة: يا لفخري واعتزازي بقومي.. |
سلمى: إلى الغد إن شاء الله.. |
مزنة: إن شاء الله.. تصبحين على خير يا أماه.. |
سلمى: تصبحين على خير.. |
|