الحلقة ـ 12 ـ |
مزنة: أماه! لقد حان موعد الحديث.. هلمي إلي.. |
سلمى: حاضر.. أين وقفنا في حديثنا أمس؟.. |
مزنة: وقفنا عند سفر الملك النعمان بن المنذر إلى كسرى وبعد أن أودع هاني بن سعود شيخ قبيلة بني شيبان أهله وولده وماله. |
سلمى: ورحل النعمان إلى كسرى في وفد مؤلف من أكتم بن صيفي، الحارث بن كلده، زيد بن عدي.. حاجب بن زرارة وعمرو بن معد يكرب الزبيدي.. واستقبلهم كسرى في بلاطه.. |
(نقلة صوتية بدون موسيقى).. |
كسرى: أهلاً بكم جيرتنا وحلفاءنا.. إننا لن ننسى يداً للمنذر في عهد مزدك.. |
النعمان: أطال الله عمر كسرى.. إن العرب أمة واثقة ما تآلفتها مسترسلة ما لاينتها، سامعة ما سامحتها، ونحن وفودها إليك وألسنتها لديك ذمتنا محفوظة، وأحسابنا ممنوعة وعشائرنا فينا - سامعة مطيعة.. |
كسرى: ومن هؤلاء الذين في صحبتك؟.. |
النعمان: هذا أكتم بن صيفي حكيم العرب، وهذا الحارث بن كلدة طبيبهم وعمرو بن معد يكرب، وفارسهم ورهط من المغاوير ذي المكانة والحسب وليس من حضر له منا بأفضل ممن تخلف عن الحضور.. |
كسرى: فليتكلم أكتم بن صيفي.. |
أكتم: إن أفضل الأشياء أعاليها، وأعلى الرجال ملوكها، وأفضل الملوك أعمها نفعاً، وخير الأزمنة أخصبها وأفضل الخطباء أصدقها، آفة الرأي الهوى، وخير الأمور الصبر. |
كسرى: زدنا من حكمتك يا أكتم فلقد أعجبني عقلك ومنطقك. |
أكتم: الصمت حكم وقليل فاعله، والبلاغة إيجاز، من شدد نفّر، ومن تألف أحبه الناس.. |
كسرى: حدثنا عن قومك.. |
أكتم: أطال الله عمر الملك من يبل العرب يعرف فضلهم، فيهم الجبال الرواسي عزاً والنجوم الزواهر شرفاً والحصى عدداً وأنهم سوف لا يخذلون إذا ما استصرختهم. |
كسرى: حسبك أبلغت وأحسنت، من هو منكم الحارث الطبيب؟.. |
الحارث: أنا يا مولاي.. |
كسرى: أأعرابي أنت؟.. |
الحارث: نعم من صميمها وبحبوحة دارها.. |
كسرى: ألك ولد؟.. |
الحارث: نعم.. |
كسرى: وأيهم أحب إليك؟.. |
الحارث: صغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يبرأ وغائبهم حتى يعود.. |
كسرى: وأين تعلمت الطب؟.. |
الحارث: في فارس واليمن وقرأت كتب الهند.. |
كسرى: وما تصنع العرب بالطب مع جهلها وضعف عقولها.. |
الحارث: أطال الله عمر الملك.. إذا كانت هذه حالها كانت أحوج ما تكون إلى من يصلح أمرها ويقيم عوجها ويسوس أبدانها.. |
كسرى: لو عرفت الحلم لم تنسب إلى الجهل.. |
الحارث: العقل قسمة كالرزق.. فكل من قسمته أصاب، منهم مثر ومنهم معدم، ومنهم جاهل وعالم وعاجز وحازم.. |
كسرى: وما الذي نحمد من أخلاق قومك وصفاتهم؟.. |
الحارث: لهم نفوس سخية وقلوب جرئية ولغة فصيحة وألسن بليغة وأنساب صحيحة وأحساب شريفة.. |
كسرى: وما يرضيك من سجاياهم؟.. |
الحارث: إن الكلام يمرق من أفواههم مروق السهم. وهم المطعمون في الجدب، ولا يضام جارهم ولا يذل كريم كريمهم.. |
كسرى: أجلس وسيناظرك وزيرنا مرزويه.. |
(نقلة صوتية).. |
(يدور الحديث التالي بين زوج كسرى وإحدى وصيفاتها).. |
زوج كسرى يلوح لي أن العربي ذلق اللسان متمكن في فنه وطبه.. |
الوصيفة: صحيح ما تقولينه يا سيدتي إنه جريء في منطقه ساحر في بيانه.. حبذا.. |
زوج كسرى: حبذا ماذا؟ قولي.. |
الوصيفة: حبذا لو سمح مولاي كسرى بأن يفحصك هذا الطبيب العربي فربما عرف دواء لمرض المفاصل الذي تشكين ولم تجد علاجات أطباء فارس وعلى رأسهم مرزويه.. |
زوج كسرى: الجو السياسي بين كسرى والنعمان والعرب بوجه عام ملبّد بالغيوم.. وإني لأرجو أن يصفو بعد هذا اللقاء وعندها سأقنع كسرى بأن يفحصني هذا الطبيب العربي.. |
الوصيفة: لعلّ وعسى.. |
زوج كسرى: صه.. إن مرزويه قد حضر.. فهلمي نسمع لما يدور بين الطبيبين.. |
(نقلة صوتية).. |
مرزويه: ما أصل الطب.. |
الحارث: ضبط الشفتين والرفق باليدين.. |
مرزويه: أصبت فما الداء الدوي؟.. |
الحارث: إدخال الطعام على الطعام فهو يفنى البرية.. |
مرزويه: وما الجمرة التي تلهب منها الأجواء.. |
الحارث: هي التخمة إن بقيت في الجوف قتلت، وإن تحللت أسقمت.. |
مرزويه: صدقت فما تقول في الحجامة؟.. |
الحارث: حسنة في نقصان الهلال، في يوم صحو لا غيوم فيه والنفس طيبة والعروق ساكنة.. |
مرزويه: وما قولك في دخول الحمام؟.. |
الحارث: لا تدخله وأنت شبعان، ولا تنم بالليل وأنت عريان، ولا تقعد إلى الطعام وأنت غضبان، وأفاء بنفسك وقلل من طعامك يكن أهنأ لنومك.. |
مرزويه: أصبت فما تقول في الدواء؟.. |
الحارث: اجتنبه ما لزمتك الصحة، فإن هاج داء فاحسمه بما يردعه قبل أن يستفحل شره.. |
مرزويه: ثم ماذا أيضاً؟.. |
الحارث: إن البدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت وإن تركتها خربت.. |
مرزويه: وأي اللحمان تفضل؟.. |
الحارث: الضأن الفتى، والقديد المالح مهلك. |
مرزويه: وما شأن الفواكه عندك؟.. |
الحارث: كلها في إقبالها وحين أوانها، وأتركها إذا ولت وانقضى زمانها؟.. |
مرزويه: وما أفضل الرياحين؟.. |
الحارث: الورد البنفسج والياسمين.. |
مرزويه: وما تقول في شرب الماء؟.. |
الحارث: هو حياة الأبدان وبه قوامها، ينفع ما شرب منه بقدر الحاجة، وشربه بعد النوم فيه مضرة. |
مرزوية: ما طعمه وما هو لونه؟.. |
الحارث: طعمه شيء لا يوصف وقد أشتبه لونه على الأبصار. فهو يحكي لون كل وعاء يكون فيه.. |
مرزويه: فما النور الذي في العينين؟.. |
الحارث: مركب من أشياء ثلاثة.. البياض شحم والسواد ماء والناظر ريح.. |
مرزويه: وعلى كم طبع البدن؟.. |
الحارث: ليس البدن من طبع واحد، لو خلق من طبع واحد لم يأكل ولم يشرب ولم يمرض ولم يهلك.. |
مرزويه: أجمل لنا الحار والبارد.. |
الحارث: كل حلو حار، وكل حامض بارد وكل مر معتدل.. |
مرزويه: ما قولك بالدم.. |
الحارث: حسن إخراجه إذا زاد.. |
مرزويه: أفتأمر بالحقنة؟.. |
الحارث: نعم إنها تنقي الجوف وتكتسح الأدواء عنه، وعجيب لمن احتقن كيف يهرم أو يعدم الولد.. |
كسرى: قفوا عن الكلام قليلاً فإني أرى الحاجب قادم ولعلّ لديه حاجة.. |
(نسمع صوت مشي الحاجب الذي يسر إلى كسرى فإذا بنا نسمعه يقول بانفعال): |
كسرى: أجلوا المناظرة إلى وقت آخر.. وأدع يا مرزويه كبير الأطباء على عجل فإن المرض عاود الملكة بشكل حاد وشديد.. |
مرزويه: أمرك يا مولاي.. |
كسرى: وليكن هذا الطبيب العربي معكم فقد أعجبني تفكيره السليم واطلاعه الواسع. ما قولك يا حارث؟.. |
الحارث: إنه لشرف عظيم ما بعده شرف.. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
مزنة: أماه.. هل وفق الحارث إلى معالجة ملكة فارس.. قولي.. طمنيني.. طمنيني.. |
سلمى: ستعرفين ذلك غداً إن شاء الله.. |
مزنة: أن شاء الله.. تصبحين على خير يا أماه.. |
سلمى: تصبحين على خير يا بنيتي.. |
|