الحلقة ـ 11 ـ |
مزنة: أنت دقيقة في مواعيدك يا أماه.. وأراك الليلة - لأول مرة - تتأخرين.. هيا.. يا أماه.. هيا.. |
سلمى: حاضر يا بنيتي حاضر.. |
مزنة: لقد وقفنا بالأمس عند وفاة المنذر.. فماذا جد بعد ذلك؟.. |
سلمى: نصب ولده الحارث ملكاً على غسان.. |
مزنة: وماذا بعد؟.. |
سلمى: لقد حدثتك عن دولة الغساسنة في الشام بما فيه الكفاية، وأريد الليلة أن أحدثك عن دولة المناذرة في العراق.. وهي دولة عربية أيضاً لأني أود أن تلمي بحالة الجزيرة العربية إلماماً تاماً قبل فجر الإسلام.. |
مزنة: بوركت يا أماه.. هات.. هات.. |
(موسيقى انتقالية).. |
(المنظر.. قصر النعمان بالحيرة، والحديث التالي يجري بين الحارسين).. |
الحارس
الأول: يلوح لي أنه اجتماع خطير يعقده سيدي النعمان.. |
الحارس
الثاني: ليس أدل على خطورته من حضور حكيم العرب أكتم بن صيفي.. |
الحارس
الأول: وفارس العرب عمرو بن معد يكرب الزبيدي.. |
الحارس
الثاني: وطبيب العرب الحارث بن كلدة.. |
الحارس
الأول: صه.. أصغ هاهو الملك النعمان يبدأ الكلام: |
(نقلة صوتية).. |
النعمان: دعوتكم وأنتم أهل الرأي والمشورة والسلاح لأستطلع رأيكم في دعوة جاءتنا من كسرى.. |
أكتم: خيراً دعيت إليه أيها الملك.. |
النعمان: لا أكتمكم قلقي بسبب هذه الدعوة.. فقد بلغني أن كسرى يحمل في نفسه حقداً علينا.. |
أكتم: ولماذا يحقد ملك فارس علينا، وأبطالنا لم يوفروا سيوفهم في الدفاع عن ملكه أمام جحافل الرومان.. |
النعمان: إنه بدأ يشعر بأن العربي لم يعد متحمساً للقتال مع أخيه العربي في سبيل سلطان الأجنبي.. |
أكتم: وهل ساءه ذلك بعود الصفاء بين المناذرة والغساسنة؟.. |
النعمان: أجل يا أكتم.. لقد ساءه ذلك مثلما ساء قيصر، وقد علمت أن غسان قلقه على مليكها المنذر بعد أن استدعاه القيصر إليه.. |
أكتم: بل أعتقد أن قلق الإمبراطورين ناشىء عن خطر بدأوا يقدرون أنه سيأتيهم من قلب الجزيرة العربية.. |
النعمان: وما هو هذا الخطر الذي يخشونه وتشير إليه؟.. |
أكتم: إنهم يتحدثون عن مخاض جديد في مكة.. |
النعمان: ترى بماذا يفكر الفرس والرومان إزاء هذا الخطر الجديد؟.. |
أكتم: إن ملك كسرى قد استنفذ كل إمكانات المجد والقوة، وكذلك هو شأن هرقل.. |
النعمان: وماذا ترون أنه سيكون موقف العرب من هذه الأحداث المقبلة؟.. |
أكتم: لا بد وأن العرب مدركون أن دماء كريمة أهرقوها في سبيل تعزيز ملك كسرى وقيصر وأن هذه الدماء يجب أن توفر غذاء للعالم الجديد يكونون هم بناته ورافعوا ألويته.. |
عمران معد كرب: إنه لشرف للعرب أن يضعوا سيوفهم في خدمة بعث جديد تشرق أنواره على دنياهم المقبلة.. |
النعمان: أو يقول غيركم مثل هذا القول؟.. |
عمرو: لو أن الملك حفظه الله عاد إلى ذكريات الموسم في عكاظ لتذكر ما جرى على ألسنة الشعراء والأبطال من حماسة إلى دنيا جديدة.. |
النعمان: وماذا قال الأبطال بعد أن سمعوا أناشيد الشعراء؟.. |
عمرو: لقد بلغت حماستهم الذروة بعد أن سمعوا ما تلي من الأناشيد في البعث الجديد.. |
النعمان: ومن الذي برز من الشعراء في الموسم؟.. |
عمرو: شهد الله أن العرب لم يعرفوا موسماً أخصب من موسم السنة.. |
النعمان: ومن كان من النوابغ في عكاظ؟.. |
عمرو: كان طرفة وزهير وحسان وعمرو بن كلثوم وعنترة وغيرهم من فحول الشعراء والأبطال.. |
النعمان: والنابغة؟.. |
عمرو: كان عميد الموسم وسنده.. وليت الملك سمع صوته وهو يجلجل في الفضاء يدعو الشعراء إلى المنبر ويشيد بالدنيا الجديدة، ولقد كانت الوفود تمثل أكرم البيوت في الجزيرة العربية وكانت الجماهير فرحة كمن يسير في مواكب العزة والمجد.. |
النعمان: لله درك يا عمرو، فكأنك في وصفك هذا تسير مع ذكريات بطولاتك في ظل راية واحدة.. |
عمرو: أطال الله عمر الملك.. إن العرب جميعاً بدأوا يشعرون بأن أزاهير الحياة تتفتح لهم في ربيع ضاحك في حين يغمر القلق دنيا كسرى وقيصر.. |
النعمان: ألا ترون أن الخطر الشديد قد يجمع بين كسرى وقيصر في تحالف ضد البعث الجديد؟.. |
عمرو: أنى لهم ذلك وقد غلبت الروم في الأمس وكسرى ما يزال يتهيب فكرة الثأر عند قيصر وكلاهما ما يزال يؤمن بالنجدة والحماية من العرب غساسنة ومناذرة.. |
النعمان: كل ما قلته صواب ولكني ما أزال أخاف غدر كسرى.. |
أكتم: ولم لا يستشير الملك حلفاءه من ربيعة وبكر وشيبان فهم شركاء في السراء والضراء.. |
النعمان: بالخير أشرت يا حكيم العرب وغداً نكون في طريقنا إلى هاني بن مسعود فهو سيد قومه.. |
في اليوم الثاني يسير ركب النعمان إلى ربيعه وبكر ومعه هدايا وأهله وحاشية كبيرة جداً وأهازيج وغبار يعلو الفضاء وصوت وقع حوافر الخيل.. |
(هاني بن مسعود في خيمته الكبرى وحوله شيوخ بكر وشيبان والأبطال..). |
هاني: يا أبناء العمومة هذا ملك الحيرة في طريقه إليكم ومعه أهله وولده.. |
شريك بن عمرو: مرحباً بالنعمان يأتي إلى هذه الأرض فتتصل بزيارته الأرحام وتتوثق روابط الدم.. |
هاني: قيل إن واشياً تحدث أمام كسرى عن النعمان بسوء فأرسل هذا رسوله لمقابلته.. |
المثنى: ابن حارثة - لعلّ النعمان يخشى غدر كسرى.. |
هاني: أعتقد ذلك ولعلّه أراد استشارتنا ومعرفة موقفنا لو أن كسرى غدر به.. |
شريك: وبماذا ينصح الأمير طال عمره.. |
هاني: لا بد من الاطلاع على رأي النعمان في أمر سفره إلى كسرى أولاً.. ولكل حادث حديث.. |
(موسيقى).. |
(يدور الحديث التالي بين عاتكة زوج الأمير هاني بن مسعود وابنتها سلمى، وريا زوج حاجب بن زرارة).. |
عاتكة: علمت من هاني بن مسعود أن النعمان قادم مع نسائه.. |
وطفاء: وبناته يا أماه أيضاً.. |
ريا: إنهن سكان مدر وحجر ونحن سكان شعر ووبر ولا أدري هل يتحملن يا عاتكة خشونة البادية وقسوتها كما نتحملها نحن.. |
وطفاء: وبناته يا عمتاه عشن في بلاط كسرى.. وتنعمن في جنان الخورنق والسدير.. |
عاتكة: الدنيا - بنيتي وطفاء - يوم لك ويوم عليك والعاقل من تمرس حلوها ومرها، ويسرها وعسرها.. |
ريا: أعانك الرب وقواك يا عاتكة أنت وزوجك هاني بن مسعود.. |
عاتكة: لقد أعددنا أحسن ما عندنا يا ريا.. والكريم من عذر.. |
(يدخل أحد الفرسان ويخاطب هاني قائلاً السلام على الأمير السلام على الأبطال).. |
هاني: حييت بالخير يا أخا العرب، وما وراءك من الأخبار؟.. |
الفارس: في طريق عودتي إليكم شاهدت موكب النعمان ملك الحيرة، يسير إلينا، وما أظنهم يبعدون كثيراً فالغبار الذي تثيره حوافر خيولهم تكاد تلمس خيام القبيلة.. |
هاني: هلموا نستقبل الملك وحاشيته.. |
(يخرج هاني ومعه فرسان بكر وشيبان على ظهور الخيل وبعد قليل يلتقون مع موكب النعمان فيترجل هاني ويترجل النعمان ويتعاقبان).. |
هاني: أهلاً بملك الحيرة - أهلاً بكم أبناء عمومتنا ومرحبا.. |
النعمان: شكراً لكم أيها السادة وما كان يجب أن تتجشم المتاعب من أجلنا.. |
هاني: ما أجمل التلاقي مع الأحبة، الأهل والولد مع الأهل والولد، والفرسان في ربوع الأبطال، أما الملك فله الصدر من قلوبنا أهلاً بكم جميعاً.. |
((يركب هاني ويركب النعمان ويسير الركب في طريقهم إلى الخيام. علم الأمارة يرتفع على خيمة هاني بن مسعود.. يدخل الملك والأمير ويأخذان مكانهما في الصدر)).. |
الأبطال والفرسان يجلسون على اليمين والشمال.. |
هاني: ما أشد شوقي إلى هذا اللقاء فنحن مقصرون في زيارة الملك وقد شغلنا عن ذلك اهتمامنا يجمع الشمل بين عبس وذبيان وقد تم فضل الله علينا جميعاً، فالكلمة مجتمعة والقلوب صافية والتعاون صادق بين الجميع.. |
النعمان: ما أحوجنا يا ابن العم إلى وحدة في الصف بعد أن تقادم العهد على صلف الفرس وسوء معاملتهم للعرب وهم يأبون إلا أن نكون في نزاع دائم مع أبناء عمومتنا من آل جفنة. |
هاني: ولكن الحارث الغساني أخلى ما بينكم وبين جيوش قيصر، وقد أتاح ذلك لكم أن ترفعوا أعلامكم على أبواب القسطنطينية فعلام يغضب كسرى؟ وكل ضعف لقيصر هو في مصلحته؟.. |
النعمان: ولكن كسرى لا يقدر هذا الجميل الذي صنعه غسان. ويريد منا أن نعود إليها غزاة غادرين.. |
هاني: لقد بلغ مسامعنا أن واشي حمل إلى كسرى من الأخبار الكاذبة ما أوغر صدره على الملك.. |
النعمان: ولهذا جئنا إليكم نرجو الرأي والمشورة ولنطمئن إلى العون والحماية لأهلنا وولدنا وماذا حملت.. |
هاني: وماذا حملت رسالة كسرى إليكم.. |
النعمان: جاءتنا دعوة منه وليس فيها ما ينم عن نواياه؟.. |
هاني: إني أفهم من هذا أن الملك يتطير من هذه الدعوة.. |
النعمان: قلي فبماذا نشير؟.. |
هاني: أرى أن تذهب بنفسك إليه ومعك الهدايا، وأن تترك نساءك وأهلك في ذمتي فلن يخلص إليهم أحد حتى يخلص إلى بناتي وأهلي.. |
النعمان: فأنت إذن ما نعهم من غدر كسرى؟.. |
هاني: إني أمنعهم مما أمنع نفسي وأهلي وولدي.. |
النعمان: بارك الله فيكم آل بكر وشيبان فأنتم غرة العرب وريحانتهم.. |
المثنى: إن كسرى لا يجهل أنه ما يزال في حاجة إلى سيوفنا ترد عنه جحافل قيصر فما أظن أنه يجرأ على الغدر بالملك.. |
هاني: وما رأي حكيم العرب أكتم؟.. |
أكتم: أرى ما يراه سيد بكر وشيبان. أما نحن ففي ركاب الملك إلى بلاط كسرى ولن نوفر حزماً في موقفنا وسنشعر بأنه لن يخيفنا وأن العاقبة أسوأ عليه إذا غدر.. |
النعمان: وأنت يا عدي؟.. |
عدي: سأكون في ركاب الملك مع حاجب ابن زرارة فإنه ذو رأي ومكانة بين العرب.. |
النعمان: وهل يصحبنا الحارث ابن كلدة؟.. |
الحارث: ليس لي أن أنتكس عن صحبة سيد الحيرة.. |
النعمان: وأنت يا معدي كرب.. |
عمرو: سنكون حراس الملك وستكون سيوفنا مشرعة في أغمادها.. |
النعمان: بورك فيكم جميعاً فأنتم عدة هذا الملك في الأحداث الكبرى.. وأنتم أبناء العمومة من بكر وشيبان لقد ملأتم قلوبنا فخراً واعتزازاً بارك الله فيكم.. |
هاني: يؤلمني يا ابن العم أن تمتلىء صفحات هذه الفترة من التاريخ بأخبار الغزو والقتال في ميادين شتى من أرض العرب حتى أن بعضهم أطلق على هذه الحقبة أسماء ينم عن شدة وطأة الوقائع التي تجري فسماها أيام العرب.. |
النعمان: ولكن شيبان لم تهمل واجبها فجمعت الشمل المتفرق وأهابت بالمتقاتلين أن يعودوا إلى رشدهم فعادوا.. وها نحن بينكم نضع أهلنا وولدنا وسلاحنا في حمايتكم.. |
أكتم: إن الجزيرة العربية تتحدث عن مخاض جديد في الحجاز سيكون له اثره البالغ في مستقبل العرب. |
النعمان: وقد بلغني أن كسرى غاضب من هذا الذي يتحدث عنه الناس في كل أرض من الجزيرة العربية. |
أكتم: إنه يضطرب خشية أن يفقد القوى العربية التي تحمي ملكه.. |
المثنى: بل هو يخشى أن ترجع إليه فتنتزع حريتها من براثنه.. |
هاني: لقد آن للعرب أن تجتمع كلمتهم.. |
النعمان: إذا عدت آمناً فإني سأبحث هذا كله.. مع غسان فليس لأجنبي أن يتدخل بيننا بعد اليوم.. |
هاني: لن يكون موقف غسان أقل حماسة مما نرى ونسمع إنها تريد أيضاً أن تتخلص من سيطرة قيصر.. |
النعمان: ليس ما يحول بيننا وبين غسان أن نتفق على إحلال السلام في ربوعنا وستلعب أيها الأمير دورك في التقرب بيننا وبين آل جفنة.. |
هاني: لن أوفر جهداً في سبيل جمع كلمة العرب ووحدة صفوفهم.. |
المثنى: أرى أن يعيد الملك رسول كسرى في رسالة تحمل أنباء قرب وفوده إليه.. |
هاني: وأرى أن تكون الهدايا وافرة فإن ذلك يترك أثراً حسناً في نفس كسرى.. |
النعمان: لن نقصر في تقديم الهدايا ولكن كسرى يطمع في أكثر من ذلك، إنه يطمع في اغتصاب حريتنا وليس أسمى من الحرية شأناً عند أصحاب النفوس العالية.. |
هاني: لن يحني الملك رأسه أمام كسرى ولكنها السياسة والمداورة يا ابن العم ولا بد من يوم وأن تتخلص فيه جميعاً من هذا التهديد الجاثم على خدودنا.. |
النعمان: قربت أيام الحرية وليتهيأ ركبنا إلى كسرى في الصباح الباكر. |
هاني: أنعمتم مساء وإلى الصباح ستكون في وداعكم.. |
النعمان: لا بأس عليك يا ابن العم وما يجب أن تتحمل مشقة في سبيلنا فحسبنا ما كلفناك به وحسبنا أنك تحمي أهلنا وولدنا.. |
في الصباح الباكر يتهيىء ركب الملك النعمان ويسير هاني بن مسعود وفرسان شيبان مسافة طويلة في وداع الملك وحين ترتفع الشمس في قبة الفلك يقف النعمان قائلاً: |
النعمان: أقسم عليكم إلا ما عدتم وسنفترق هنا متوكلين على الله لقد ملأتم قلوبنا بالثقة والأمل وستأتيكم أخبارنا وأخيراً أوصيكم بأهلي وولدي.. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
مزنة: ما أشد واقع ما لاقاه العرب في الشام والعراق من ظلم الروم والفرس.. |
سلمى: ستعرفين يا بنيتي كيف أنقد الإسلام العرب من ظلم الفرس والرومان. فإلى غد إن شاء الله.. |
مزنة: إن شاء الله تصبحين على خير يا أماه.. |
سلمى: تصبحين على خير يا بنيتي.. |
|