الحلقة ـ 10 ـ |
سلمى: إلى أين وصلنا في حديثنا أمس.. |
مزنة: وصلنا إلى حيث آوى المنذر إلى فراشه وآويت أنت إلى فراشك (تضحك).. |
(موسيقى انتقال).. |
المنذر: لا أظن أني أستطيع مواصلات السفر على الخيل يا حنظلة.. |
أحس بالآلام في مفاصلي وانحطاط عام في صحتي.. |
حنظلة: أنت بخير يا مولاي.. إنها آثار الحمى التي ستزول إذا داومت على تعاطي الدواء.. |
المنذر: إنه شديد المرارة يا حنظلة.. أليس لديك دواء غيره؟.. |
حنظلة: ولكن له مفعولاً قوياً على الحمى.. لو أخلد مولاي إلى الراحة يومين آخرين لقطع دابر المرض.. |
المنذر: ولكن أريج دمشق يدعوني، وخيالات الأهل والولد تناديني فهلا تدبرت واسطة النقل.. |
حنظلة: سأتدبر لمولاي ((محفة)) يتناوب على حملها رجالنا الأشداء ومع ذلك فإني كطبيب ألتمس من مولاي أرجاء السفر حتى تزول آثار الحمى.. |
المنذر: لقد أزمعت وأجمعت.. |
حنظلة: حسناً أمرك يا مولاي.. |
(يذهب لتجهيز المحفة والرجال وفي أثناء غيابه يقول عمرو).. |
عمرو: حبذا لو يعدل مولاي عن السفر فصحته فوق كل شيء.. |
المنذر: إنني بخير يا عمرو.. هيا خذوا في أهبة السفر.. وأنت يا هند هيئي جميع أمتعتي.. |
هند: أمر مولاي.. سأقوم مع سلافة بهذه المهمة.. |
المنذر: بورك فيكما.. |
(يجري الحديث بين سلافة وهند وهما يحزمان أمتعة المنذر).. |
سلافة: إن حنظلة جد قلق على صحة مولاي المنذر.. |
هند: لماذا؟.. |
سلافة: لأن مولاي مصاب بحمى خبيثة وسنه لا يتحمل وطأتها.. |
هند: أليس لديه دواء لهذه الحمى.. |
سلافة: لقد سقى مولاي منه.. وقد يشفى ولكن إصراره على الرحيل يعرضه للخطر لا محالة.. |
هند: ألا سبيل إلى إقناعه.. |
سلافة: لقد باءت كل المحاولات بالفشل.. |
(يدخل حنظلة وهو يقول): |
حنظلة: هند! أين مولاي المنذر.. |
هند: في مخدعه يا حنظلة.. |
(يذهب إليه وحين يراه المنذر يقول).. |
المنذر: أهلاً بك يا حنظلة.. هل جهزتنا للسفر.. |
حنظلة: كل شيء جاهز بانتظار صدور أمر مولاي.. ولكن.. |
المنذر: ولكن ماذا؟ |
حنظلة: ألتمس من مولاي تأجيل السفر لمدة يومين يزول فيهما أثر الحمى ويسترد الجسم قوته ومناعته.. |
المنذر: إنني بخير.. إنني بخير.. أنظر إني أستطيع الوقوف والمشي. |
حنظلة: ولكن للسفر مشقته ووعثاؤه.. |
المنذر: ما قدر فليكن.. هيا بنا هيا بنا.. |
(تصدح موسيقى الرحيل ويبدأ الموكب طريقه إلى دمشق).. |
عمرو: ما رأيت المنذر قط في مثل هذا العناد والإصرار يا حنظلة.. |
حنظلة: لقد حاولت إقناعه فلم أفلح.. وإني خائف عليه.. وقد أوعزت إلى الرجال بأن يسيروا بنا الهوينا.. |
عمرو: لعلّه ينشط وتتحسن حاله عندما يصل أرض الوطن فللوطن غلاوته وحلاوته. |
حنظلة: لعلّ وعسى.. دعنا نقترب من محفة مولاي المنذر فربما احتاج إلينا.. |
المنذر: حنظلة.. إنني أشعر بحرارة تكاد تحرق جوفي.. أعطني ماء وليكن شديد البرودة.. |
(يأتي حنظلة بالماء ويسقي المنذر).. |
حنظلة: مولاي.. نحن الآن في أرض غسان.. في دارة ملكك العتيد.. |
عمرو: أجل يا مولاي وهذه أعراف الزهر تبتسم لعودتك.. |
المنذر: أسندوني لأمتع ناظري بمرأى وطني.. ألا ما أجمله إنه لم يفقد بهاءه ورواءه.. |
عمرو: لقد أخلصت يا مولاي لهذه الأرض فأبت إلا أن تستقبلك بربيعها الضاحك.. |
المنذر: لا بد أننا قريبون من بساتين (جلق) فإني أسمع تغريد البلابل وزقزقة العصافير.. وخرير المياه.. وأشم عبير الورد والياسمين في أجملها من دنيا!!.. |
عمرو: كل ما في عالم غسان ينهض إلى مليكه، أنظر بعيداً يا مولاي هاهم الفلاحون يأتون إليك ضاحكين مستبشرين.. |
المنذر: يا لهذا الصباح الندي، إلى أين يمضي هؤلاء الفلاحون برياحينهم.. |
عمرو: إنهم على موعد مع القدر فقد شعروا في قرارة نفوسهم إن مليكهم يعود إليهم فهبوا للقائه.. |
المنذر: هاتوا لنا جماعة منهم نسألهم عن الأهل والعشيرة.. |
حنظلة: سمعاً وطاعة يا مولاي (ينطلق على فرسه ويذهب نحو الفلاحين ثم يعود ومعه جمع غفير).. |
المنذر: هيئوا لنا مكاناً في جوار النهر انصبوا الخيام في ظل هذه الأشجار الباسقة لقد دخلنا جنان دمشق.. |
(تقف القافلة، صوت حركة نصب الخيام، المنذر على سريره في صدر الخيمة الكبرى).. |
المنذر: أشعلوا النار وانصبوا القدور وانحروا الذبائح، ادعوا أهل الجوار ليشاركونا طعامنا. |
(يدخل الأمير عمرو ومعه فريق آخر من الفلاحين).. |
عمرو: إنهم يا مولاي من أهل معربا وقد ملأ الفرح قلوبهم مذ علموا بعودة سيد غسان.. |
المنذر: مرحباً بهم وأهلاً.. مرحباً بكم يا خير الفتيان.. |
أحد الفلاحين: مرحبا بسيد غسان لقد أعدت إلى هذه الأرض شبابها بقدومك.. |
المنذر: ممن القوم؟.. |
الفلاح: نحن من معربا ومن أخلص رعايا الملك.. |
المنذر: مرحبا بكم وأهلنا وأخوتنا في السراء والضراء.. |
عمرو: يا له من صباح مبارك لأرى الدنيا وكأنها تتحرك من حولنا.. |
الفلاح: إن الناس على موعد مع الحياة الحرة الكريمة وهم ينتظرون عودة الملك بفارغ الصبر فما أن شاع خبر وصوله حتى هب الناس جميعاً للقائه.. |
عمرو: ما أشبههم وكأنهم في صبحة العيد.. |
الفلاح: وهذا عيد لهم فهم في أروع أيام المجد والعزة.. |
المنذر: مرحى للفتيان.. مرحى.. مرحى.. |
الفلاح: لن ترى إلا وجوهاً مستبشرة يا مولاي.. |
(يتقدم فلاح آخر بباقة من الزهر ويضعها على السرير).. |
فلاحة: هذه الأعراف من الزهر تمثل إخلاص هذا الشعب لمليكه فتقبلها يا مولاي.. |
فلاح آخر: إنها رمز لما في قلوبنا من الحب والإخلاص لسيد غسان.. |
المنذر: شكراً لكم يا أبنائي وبناتي إني نذرت نفسي لهناء هذا الشعب الوفي.. |
(هتاف وأصوات، يحيا المنذر، يحيا سيد غسان - أهازيج).. |
المنذر: الحياة لكم أنتم عماد هذا الملك وحماته إلي يا فتى (ويشير إلى أحد الفلاحين فيقترب من سرير الملك).. |
المنذر: ماذا تعرف عن أخبار الحارث يا فتى؟.. |
الفلاح: أنت تسأل عن ولدك يا سيدي.. |
المنذر: أجل وأسأل عن أهلي وعشيرتي.. |
الفلاح: لقد كان الحارث صنو أبيه في المكرمات والفضائل وهو فتى غسان وريحانتها وقد التف الجيش حوله فخافه الروم وأحبه الشعب. |
المنذر: وهل حصل صدام مع الروم؟.. |
الفلاح: جاءت بعض الأخبار القلقة عن موقف قيصر من الملك فحمل رجالنا السلاح وهبوا يريدون الزحف على القسطنطينية.. ثم طمأنهم ولدك الحارث عن سلامتك الغالية فهدأوا. |
(أصوات الطبول والأهازيج من خارج الخيام وصوت الربابة يسمع بين حين وآخر).. |
المنذر: أو خشيتم أن لا يعود المنذر إليكم؟.. |
الفلاح: كنا نخشى غدر قيصر.. |
المنذر: ألم تطمئنوا إلى قيادة الحارث.. |
الفلاح: كل غسان كانت متأهبة للقاء جيوش قيصر.. |
المنذر: والشعب؟.. |
الفلاح: كان من وراء الجيش يسانده ويآزره.. |
المنذر: بارك الله لهذا الشعب في وفائه.. |
فلاحة: لقد نذرنا أنفسنا للغداء فشعبنا يأبى أن يخضع لقيصر وجنوده.. |
عمرو وحنظلة: مرحى.. مرحى.. |
حنظلة: هذه دنياك يا مولاي فسرّح نظرك في جبالها وسهولها، إنها تبتسم لك وتحتفي بقدومك.. |
المنذر: ما أروعك في حماستك يا حنظلة ليتني أعيش لأقوم بواجبي نحوكم جميعاً.. |
عمرو: أنظر بعيداً يا مولاي فالجموع تزحف لتستقبل سيدها (تدمع عيني المنذر).. |
المنذر: مرحى وعاشت هذه النفوس الكريمة.. |
عمرو: إنها تجتمع على الحب والوفاء لسيدها.. |
المنذر: وهذه الرايات التي يحملونها.. لقد حملت مثلها في أيام طفولتي وهاهي الأيام ما تزال تحلق في سماء العزة والكرامة.. |
عمرو: لقد آن لهذا الشعب أن يقيم أعراسه في حالة لا تقرب منها أيدي العابثين.. |
المنذر: ألا ما أجمل أيام العز والكرامة.. |
عمرو: لقد أطل الصبح الجديد على دنيا العرب يا مولاي.. ولن تخضع لأجنبي بعد اليوم.. |
المنذر: ليتني أعيش لليوم الذي تجتمع كلمتنا في كل أرض عربية.. |
عمرو: ستعيش طويلاً إن شاء الله فغسان ما تزال تتطلع إليك لتكتب صفحة جديدة من أيام عزها. |
المنذر: إني أوصيكم بولدي يا عمرو.. |
عمرو: سنبقى أوفياء له وفاءنا لأبيه العظيم.. |
المنذر: بارك الله فيكم جميعاً.. وأنت يا حنظلة لا تهمل تكريمك لضيوفنا ليشعروا أنهم بين أهلهم.. |
حنظلة: إنهم جميعاً في بحبوحة من عطاء الملك.. |
المنذر: اعتنوا بالأطفال فإنهم رجال المستقبل.. |
حنظلة: لن يخيب أملهم بعد أن شملهم سيد غسان برعايته.. |
المنذر: أعدوهم لمستقبلهم، إنهم سوف يواجهون أحداثاً كبيرة.. |
عمرو: سيكونون الجنود الخلص لمليكهم والأبناء البررة لوطنهم وسيحملون رايات المجد إلى آفاق الدنيا.. |
(يدخل فوج جديد من الفلاحين، يشتد صوت الأهازيج في الخارج وتقرع الطبول).. |
حنظلة: إنهم أبناء (داريا) يا مولاي وهم من أخلص رعاياك. |
المنذر: مرحباً بهم جميعاً.. (يلتفت نحو الفلاحين) سلام الله على الفتيان.. |
أحد الفلاحين: سلام الله عليك يا مولاي إن هذه القلوب التي تحملها تشعر بسعادة لم نشعر بمثلها من قبل.. |
المنذر: مرحباً بكم جميعاً كيف حال من خلفتم وراءكم من الأهل والولد؟.. |
الفلاح: لقد تركنا وراءنا شيوخاً ورجالاً ونساء وأطفالاً نذروا نفوسهم لعزة هذا الوطن.. |
المنذر: لقد عودنا هذا الشعب على حبه ولن ننسى جميله أبداً.. |
الفلاح: لقد عشنا في غيابك عيش المؤمنين بالنصر وقد ردّك الله إلينا سالماً فالحمد له والشكر.. |
المنذر: هل اعتدى عليكم أحد من جنود قيصر.. |
فلاحة: كان ولدك الحارث الأمين لشعبه وكان قوادك الدروع التي تقي غسان كل شر.. |
(صوت الربابة يعلو والمنشد يردد الأناشيد الحماسية).. |
المنذر: لكم الله يا أبناء غسان إني لأشعر بدنو الأجل وإني أذكركم بأن الحياة وقف على المناضلين هذا هو نظام الحياة الحرة الكريمة، انظروا إلى المستقبل بالعين التي ترى آفاق الدنيا تدعوها وتستنهض هممها. |
(يعبق وجه الملك بالإحمرار ويبدأ بالسعال).. |
عمرو: ابتعدوا عن سيد غسان دعوه يرتاح (يشتد السعال على المنذر).. |
حنظلة: فداك روحي يا مولاي أتتألم؟.. |
المنذر: إن الألم ليشتد يا عمرو ساعة بعد ساعة وأظن أن أجلي قد قارب النهاية فأحمل يا عمرو وصيتي إلى ولدي الحارث وإلى أبناء عمي قل لهم أن يجمعوا كلمتهم على الوفاق وحذار أن يتفرقوا فإن عدوهم ما يزال يتحين الفرص لينقض عليهم.. |
عمرو: أطال الله عمر الملك أنت ما تزال بخير هذا عارض سيزول عما قريب.. |
حنظلة: وأسعفه مولاي بالدواء.. |
المنذر: لا ينفع الدواء في رد القدر انظر بعيداً يا ابن العم إنهم يطلعون علينا من وراء جبل الشيخ إنهم آبائي وآباؤك وأبطال غسان إنهم يتهيئون لاستقبالي.. |
عمرو: مولاي.. |
المنذر: لقد دنت ساعة اللقاء مع الأحبة يا عمرو.. فلا تنسى وصيتي إني أوصيكم بالحارث سيروا به في طريق المجدانه وديعتي لدى غسان.. |
(سكوت عميق وقلق على الوجوه).. |
المنذر: وداعاً يا أرض غسان لا تنسوا أن تجعلوا أكفاني من رياحين هذا الوطن الذي أحببته وداعاً يا أبناء شعبي وداعاً.. |
(يميل برأسه إلى اليمين ويرتعش جسمه فيسرع عمرو ويغمض عينيه).. |
عمرو: لقد حلق النسر حتى بلغ الجوزاء ثم قصرت جناحاه عن بلوغ ذراها، رحم الله المنذر.. |
حنظلة: رحم الله المنذر.. وعوّض غسان في ابنه الخير.. |
أصوات: رحم الله المنذر.. (نشيج البكاء يعم الفضاء).. |
(موسيقى حزينة).. |
مزنة: مسكين مات المنذر.. قبل أن يجتمع بأهله وولده.. |
سلمى: هذه حال الدنيا كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (سورة الرحمن: 26 - 27).. |
مزنة: وماذا جرى بعد ذلك يا أماه.. |
سلمى: غداً إن شاء الله غداً إن شاء الله.. |
|