الحلقة ـ 9 ـ |
مزنة: أماه!! لقد انتهيت من تحضير دروسي وواجباتها، وعجلت إليك للاستماع إلى بقية قصة فرار المنذر الغساني.. هيا يا أماه.. هيا إن أعصابي مشدودة وكلِّي خوف عليه من بطش الروم.. |
سلمى: هوني عليك يا ابنتي.. واضبطي أعصابك فتاريخنا مليء بمثل هذه المواقف العصبية.. |
مزنة: سأحاول يا أماه! سأحاول.. فأرجوك التحدث عما وقع للمنذر.. |
(موسيقى انتقالية).. |
حنظلة: هل يأمر مولاي بالرحيل؟ |
المنذر: نعم، إننا على أتم استعداد.. |
حنظلة: هيا على بركة الله.. |
(تصدح موسيقى القافلة).. |
المنذر: في أي طريق نسير يا حنظلة؟.. |
حنظلة: سنسير يا مولاي في طريق غير معبدة.. وسنلتزم الحذر في كل شيء خشية أن يشعر بنا أحد.. |
المنذر: وأين سنلتقي مع الآخرين؟.. |
حنظلة: في مكان عينته لهم نرجو أن نصل قبل طلوع الفجر.. |
المنذر: أنت تبالغ في الحيطة والحذر.. |
حنظلة: إننا كما تعلم يا مولاي نكاد نكون في فم الأسد.. ولولا انشغال القوم عنا لكان سفرنا مستحيلاً.. |
المنذر: عمرو! من تظن أنه سيخلف قيصر؟ |
عمرو: كان قيصر يرجو أن يخلفه طيباريوس ولكن هذا يكرهه الروم بسبب كرههم لقيصر نفسه. |
المنذر: وعلى هذا فسينتصر البطريرك وينصب مرشحه هرقل.. |
عمرو: هذا ما تدل الطلائع عليه، ولكن هنالك أيضاً مفاجآت. |
المنذر: ولكن هرقل ما يزال حديث السن. |
المنذر: نعم وهذا ما حمل البطريرك على تعهده وإعداده بنفسه ليجعل منه آلة يحركها كيفما يشاء.. |
المنذر: ومعنى ذلك أن البطريرك هو الذي سيحكم.. |
عمرو: إنها الحقيقة.. وخصوم البطريرك يعرفون أهدافه وأطماعه.. |
المنذر: يميناً يا عمرو، لم أنقطع ساعة عن التفكير فيما سيكون عليه الوضع بيننا وبين العهد الجديد.. |
عمرو: إنهم لن يأمنوا جانبنا بعد أن وصلتهم أنباء ما تتمخض به الجزيرة العربية.. |
المنذر: ولم يحذروننا؟ ومم يخافون!؟ |
عمرو: لقد باتوا يعرفون أننا نتطلع إلى قبلة جديدة غير القسطنطينية.. |
المنذر: ليتني أعيش فأرى أمتي تنحر من عبث كسرى وعنجهية قيصر.. |
عمرو: لا أعتقد أن هذا سيكون بعيداً عنا.. فالإمبراطوريتان أدركتهما الشيخوخة، وهما يعيشان في دور أكثر ما يكون شبها بالاحتضار.. |
(يأتي حنظلة ومعه أحد الحرس ويتابع عمرو حديثه قائلاً):: |
أظن رسول حنظلة يحمل إلينا أنباء جديدة.. |
حنظلة: لقد عاد سالم أخيراً وملء جعبته أخبار.. |
المنذر: مرحبا بالطليعة ما وراءك يا سالم؟.. |
سالم: الطريق مأمونة يا مولاي فالبلاد كلها مشغولة بما يجري في العاصمة.. |
المنذر: وماذا عن البطريرك والقيصر الجديد؟.. |
سالم: لقد أصبح كل شيء في قبضة البطريرك.. وفي غضون الأيام القادمة سيتوجون هرقل في كنيسة أياصوفيا.. |
المنذر: وطيباريوس؟.. |
سالم: يقال إنه قد فر إلى روما.. |
المنذر: لا بد من الإسراع يا حنظلة قبل أن يستفيق القوم من دهشتهم.. |
حنظلة: لن نتأخر ما دمنا نأمن طريقنا.. دع هذا إلى مولاي.. |
المنذر: هل بعدنا حقاً عن دروب المخاوف والمفاجآت؟.. |
حنظلة: لقد تجاوزنا أكثرها خطورة.. وعما قريب نكون في منأى عنها.. |
المنذر: بورك فيك يا حنظلة.. لن أنسى إخلاصك ما حييت.. |
حنظلة: المجد لسيد غسان.. |
(يدور الحديث بين أفراد الفصيل الثاني).. |
جابر: يا لها من طريق موحشة وعرة مليئة بالجنادل والصخور وأقطع من ذلك الغابات المشتبكة لا أنسى فيها سوى عواء الذئاب.. أتخشين الذئاب.. يا سلافة؟.. |
سلافة: إن سلافة بنت الصحراء لا تخشى الذئاب.. وكيف تخشاهم وهي في صحبة هذا النفر من الأبطال.. |
سعد: تقدمنا يا ((خنفس)) في هذا الظلام الدامس فإن لك باصرة زرقاء اليمامة.. |
سلافة: وله أذن تحس مسير النمل على هذه الصخور.. |
خنفس: لتحرسني الآلهة من عيون الحاسدين. |
(يدور الحديث بين أفراد الفصيل الثالث ونسمع قائده يقول): |
قائد الفصيل: قفوا أيها الرفاق.. إني أسمع حركات غريبة. أنزل يا رباح وضع أذنك على أحد الصخور لعلّك تستبين شيئاً.. |
رباح: إني أسمع وقع حوافر خيل ليست بعيدة عنا.. |
قائد الفصيل: عد يا رباح إلى مكانك.. أيها الرفاق إننا الآن نستشرف طريقاً رئيسية فعلينا أن نتوقف ريثما تمر قافلة الأعداء فالتزموا السكوت التام. |
خنفس: أرى شبحين قادمين من بعد.. |
جابر: هل ميزتهما يا خنفس؟ |
خنفس: سأتميز ذلك بواسطة أذني.. إن لحوافر خيل الروم وقعاً خاصاً. |
جابر: ها.. ها هل عرفت؟.. |
خنفس: نعم.. إنها من خيل الروم يا جابر.. ولعلّها من حراس هذه الغابات. |
جابر: لنختبىء بين هذه الغابات الكثيفة ريثما يمران.. فإن شعرنا أنهما أحسا بوجودنا فلا مناص لدينا إذن من قتلهما.. |
(نسمع حركات المختبئين ووقع حوافر خيل القادمين اللذين مرا من دون أن يلاحظا المختبئين بعد ذهابهم يقول خنفس).. |
خنفس: هيا أيها الرفاق.. أخرجوا من أوكاركم فالطريق أمان.. |
(نسمع وقع حوافر خيلهم).. |
المنذر: ها هو اليوم السابع يمضي ونحن لم نصل دارة الأمان.. |
حنظلة: لم تبق إلا سويعات على وصولنا إلى مواطن الأمان.. |
المنذر: أرى السماء ملبدة بالسحاب المطير فهلا أوينا في أحد الكهوف حتى ينقطع المطر.. |
حنظلة: أمرك يا مولاي.. |
(يسمع صوت سعال امرأة هي هند فيقول المنذر).. |
المنذر: ما بك يا هند؟ لعلّك بخير.. |
هند: إنني بخير ما دمت بخير يا مولاي.. إنه عارض برد بسيط.. |
المنذر: دثروها وأدفئوها وأعطها من دوائك يا حنظلة.. |
حنظلة: أمرك يا مولاي.. |
هند: شكراً لمولاي على هذه الرعاية.. |
(نسمع هزيم الرعد وانهمار الغيث).. |
المنذر: لا أدري ماذا يصنع بقية رفاقنا في الفصلين الآخرين.. |
حنظلة: إن معهم أدلاء.. ويلوح لي أن المطر ليس عاماً وإنها سحابة.. صيف عما قليل تقشع.. |
المنذر: ولكن الجو بارد.. وما أظن هنداً وحدها ستكون المصابة به. |
هند: سلمت يا مولاي.. كلنا فداء لك.. |
حنظلة: لقد انقطع فهل يأذن مولاي بالسفر.. |
(تصدح موسيقى القافلة).. |
المنذر: عجباً بماذا يفكر رجالنا في دمشق بعد هذه الأحداث يا عمرو؟ |
عمرو: إنهم ينتظرون عودة الملك بفارغ الصبر.. |
المنذر: إني أخشى أطماع قواد قيصر وغدرهم.. |
عمرو: نحن أقوى منهم في ديارنا وحولنا أبناء عمومتنا في الحجاز والعراق فلا خوف على غسان من الروم. |
المنذر: أترانا نجتمع على مقاومة هذه القوى الباغية فنخرجهم من أرض آبائنا.. |
عمرو: إن العرب يعيشون اليوم في يقظة ولا يجهل الفرس والرومان هذا.. |
المنذر: لقد آن لنا أن نخلع سيطرتهم عن رقابنا.. ليت أبناء عمومتنا في الحيرة يقدرون الظروف التي نعيشها وإياهم.. |
عمرو: إنهم ليسوا أقل منا حرصاً على التخلص من نير الفرس.. |
المنذر: ليتني أعيش يا عمرو فأرى إشراق شمس العالم الجديد.. |
عمرو: أنت بخير والحمد لله وقريباً ستظلنا غسان براياتها. |
(يأتي حنظلة ووجهه ينطلق بالبشر).. |
حنظلة: لقد مررنا بشرق أدلب ونحن الآن نسير بحذاء معرة النعمان وقريباً سنطل على سهول دمشق. |
المنذر: مرحباً برياح الوطن إنها تحمل إلينا نسمات كلها العطر وأريج الزهر. |
عمرو: ستستقبلك دمشق بوجهها الضاحك يا مولاي.. |
المنذر: أنا في شوق إلى ولدي وأبناء عمومتي.. |
عمرو: ستكون غسان في استقبالك وعلى رأسها الحارث.. |
المنذر: مرحباً برياح الوطن مرحباً بالأرض المباركة.. |
أصوات: يحيا ملك غسان.. يحيا ملك غسان.. |
المنذر: المجد للعرب المجد للعرب.. ((يأتي سالم مسرعاً)).. |
سالم: أرى أن نسلك طريقاً آخر فقد شاهدنا سرية من الرومان تطوف بالقرب من هذه الأرض.. |
عمرو: بماذا تقدر عدد أفراد السرية؟.. |
سالم: إنهم حول الخمسين من الفرسان.. |
عمرو: سنقاتلهم إذا تحرشوا بنا.. |
حنظلة: أفضل أن نتحاشهم فلا نتورط معهم في معركة تعوقنا عن السير.. |
المنذر: ما يقوله حنظلة هو الصواب.. اتصلوا بالآخرين من رفاقنا ليلتحموا بنا.. |
حنظلة: اذهب يا سالم وبلغ رفاقنا أننا سنلتقي معهم في ضواحي حمص بالقرب من النهر.. |
سالم: سمعاً وطاعة.. |
المنذر: كونوا على حذر فقد نصطدم مع السرية أو مع غيرها من جنود قيصر.. |
عمرو: لن يمس أحد ملك غسان وفي صدورنا نفس.. |
(يداومون السير على حذر، يطلع عليهم أحد الفلاحين).. |
المنذر: تعرّف على هذا الفلاح يا عمرو واستمع إلى أخباره دون أن يعرف من نحن.. |
الفلاح: عموا صباحاً يا قوم.. |
عمرو: عم صباحاً هل أنت من أهل هذه الديار.. |
الفلاح: نعم وأنا في طريقي إلى حمص.. |
عمرو: وماذا عن أخبار البلد؟.. |
الفلاح: يعيش الروم على أعصابهم وقومنا لهم بالمرصاد.. |
عمرو: ولماذا يقلق الروم؟.. |
الفلاح: إنهم يخشون بعضهم.. فالجيش متفرق الكلمة بعضهم يتظاهر للعهد الجديد وآخرون يضمرون الشر ولكن يخافون على مصيرهم فلا يتظاهرون. |
عمرو: وقومنا؟.. |
الفلاح: يترقبون كل حركة تصدر عن الفريقين ويعملون لإقرار الأمن في البلاد.. |
عمرو: هل تعرف شيئاً عن أخبار دمشق؟.. |
الفلاح: كل من فيها ينتظر عودة سيد غسان بفارغ الصبر.. |
عمرو: والحارث ولد الملك؟.. |
الفلاح: إنه يرعى غسان رعاية أبيه لها.. |
المنذر: وأبناء عمومتنا؟.. |
الفلاح: (وعلى وجهه علامة الدهشة) كلهم يلتفون حول الحارث كالبنيان المرصوص. |
المنذر: بورك لقومي في هذه الروح العالية.. |
الفلاح: (وتزداد الدهشة على وجهه).. ومن أنتم يا سيدي؟.. |
عمرو: ستعرف ذلك عما قريب.. |
الفلاح: إني أرى على وجوهكم علائم الاهتمام يأمر غسان وشعب هذه البلاد.. |
المنذر: لا تقلق فنحن من أهلك يا فتى.. |
الفلاح: يبدو وأنك سيد القوم، هلا أخبرتني بما يملأ قلبي فرحاً.. عن ملك غسان.. |
عمرو: إنه بخير وستراه قريباً.. |
حنظلة: هل ترغب في رؤية الملك.. |
الفلاح: ليت لي هذا ولك كل ما أملك؟.. |
(يلتفت عمرو نحو المنذر فيبتسم الملك).. |
عمرو: أبشر يا فتى فهذا هو ملك غسان ((ويشير إلى المنذر)).. |
الفلاح: مولاي.. (يجمد وعيناه شاخصتان إلى المنذر ودموعه تنهمر..). |
مولاي.. مولاي.. (ثم يهجم على يد المنذر ويقبلها بجرأة).. |
المنذر: مهلاً يا فتى فلقد آثرت شجوني بإخلاصك البريء.. |
الفلاح: أرواحنا وأموالنا فداء للملك.. إني لا أكاد أصدق ما أرى.. |
المنذر: أهلاً بك يا أخ العرب. لن تفارقنا بعد اليوم وستكون في موكبنا حتى نصل إلى حمص وهنالك سنجد طلائع جيشنا فنطمئن وتطمئن.. |
الفلاح: لن نخاف الروم بعد اليوم لن يصلنا أذاهم.. |
المنذر: خذه إليك يا حنظلة وأكرمه فهو من رعايانا المخلصين.. |
حنظلة: تعال يا أخ العرب فأنت في ضيافة سيد غسان.. |
المنذر: أرني تعباً يا عمرو وأشعر أن بي حمى متى نصل إلى دمشق؟.. |
عمرو: نحن بالقرب من حمص وسنعسكر على ضفاف العاصي الليلة ثم نسير في الصباح.. |
المنذر: قل لحنظلة أن يبحث لي عن دواء ينقذني من هذه الحمى التي تشتد وطأتها علي.. |
عمرو: ستشفى بإذن الله وسآتيك بالدواء.. (يخرج عمرو ثم يدخل حنظلة ومعه الدواء).. |
حنظلة: لا تخشى شراً يا مولاي فهذا كله من آثار التعب.. وسنجلي هذا الكدر قريباً إن شاء الله.. |
(يقدم العلاج للمنذر فيأخذه).. |
المنذر: أتعلم يا حنظلة إنني لم أطمئن من غدر الروم إلا بعد أن اجتزنا الدروب، هل لديك أخبار جديدة.. |
المنذر: عجباً ماذا ستكون سياسة هرقل؟.. |
حنظلة: من مصلحة هرقل أن يكون على وفاق مع غسان.. |
المنذر: إني أشعر بحاجة ملحة للنوم فدعوني أسترح.. |
حنظلة: إنه من تأثير الدواء فلا تخشى يا مولاي.. |
(خبطة موسيقية قوية).. |
سلمى: والآن أنا أيضاً بحاجة إلى الراحة.. |
مزنة: تصبحين على خير يا أماه.. |
|