الحلقة ـ 7 ـ |
مزنة: أماه.. وعدتني أمس بأن تحدثيني عن فتى قريش.. فهلا وفيت بوعدك.. |
سلمى: بلى.. إنني عند وعدي! ولكنك نسيت يا بنيتي بقية كلامي.. |
مزنة: لا أذكره يا أماه.. |
سلمى: (ضاحكة) ألم أقل لك لا تستبقي الحوادث.. ستعلمين كل شيء في حينه.. |
مزنة: صدقت يا أماه.. هات فكلي آذان وأسماع.. |
سلمى: ولبَّى المنذر الغساني دعوة قيصر الروم وتوجه إلى القسطنطينية.. |
(أصوات الرياح وهي تزأر والأمواج وهي تتكسر على الصخور كأنما هي نذر عاصفة).. |
المنذر: يتمشى في أبهاء القاعة ووقع أقدامه يدل على قلقه ووحدانيته.. نسمعه يقول لنفسه ما لهذه الرياح ثائرة لا تهدأ وكأنها المقدمة للعاصفة المنتظرة في لقاء قيصر.. لقد كان تصرفه غريباً في حفل أمس وكأنه تعمد أن يبالغ في حفاوته ليبعدني عن جو الحذر الذي يقدره في نفسي.. يا لهذا القيصر الماكر أنه لا يشبه في قليل أو كثير أخلاق عمه جوستنيان.. إنه يشك في كل واحد حتى أقرب المقربين إليه ويراوغ في معاملته للجميع ولعلّ للمرض الذي يشكو منه أثراً فيما هو فيه.. |
(حركة خفيفة).. |
المنذر: أنت هنا يا حنظلة الكندي؟.. |
حنظلة: نعم جئت متستراً بدواء أحمله لقيصر.. |
المنذر: وكيف وصلت إلى؟ |
حنظلة: كل من في القصر يعرفني.. فأنا أبيع العقاقير إلى المحتاجين من أهله حتى قيصر نفسه لا يمتنع عن التزود مني بما يقوله أو يسهل له النوم.. |
المنذر: ومِم يضطرب القيصر فيحتاج إلى الدواء لتسكينه.. |
حنظلة: إن القيصر لا يشكو من علة مرضية.. بل من قلق استحوذ عليه حتى أصبح مرضاً مزمناً.. |
المنذر: وكيف عرفت بمكاني هنا والطريق إليه محفوف بالمكاره.. |
حنظلة: لقد استعنت بفتاتين في هذا الحصن ولإحداهما دالة كبيرة على قائد الحرس.. |
المنذر: لله أنت يا حنظلة.. لقد جئت في وقت أنا فيه بأمس الحاجة إليك.. |
حنظلة: منذ وطئت قدماك القسطنطينية وأنا أشعر بالخطر عليك من القيصر وقد هرعت إليك لأدفع عنك هذا الخطر.. |
(صوت حركة من الخارج).. |
المنذر: ما هذا؟.. |
حنظلة: أظنه القيصر.. سأختبىء في الزاوية اليسرى من القاعة حتى لا يراني.. |
(يفتح الباب وصوت يقول).. |
الصوت: سيدي قيصر الروم.. |
(يدخل قيصر في عصبية تدل عليها وقع أقدامه وصوته حين يقول للحراس): |
قيصر: انصرفوا عنا أيها الحراس فلست بحاجة إليكم.. |
(نسمع وقع أقدامهم وهم يخرجون.. موسيقى تدل على بداية عاصفة).. |
المنذر: أهلاً بسيد الروم.. لقد شرفتني بزيارتك أيها القيصر العظيم.. |
قيصر: لست في حاجة إلى ترحيبك ولا مجاملتك.. أتريد أن تخدعني بهما.. |
المنذر: (مستاء) أنا.. أنا.. |
قيصر: لقد عرفتم أيها العرب بقوة اللسان وسحر البيان.. وأظنك تود أن تداري سوء خيانتك بفضيح قولك وبراعة منطقك.. |
المنذر: أنا خنتك.. أنا.. |
قيصر: (مقاطعاً) أنت ومن قبل خان أبوك عمي جوستنيان.. |
المنذر: (يضغط على أعصابه ويقول).. أرى قيصر اليوم غير الذي شهدته يشيد بمآثر غسان في احتفال أمس.. |
قيصر: كرمناك بالأمس كضيف دعوناه.. ونحاسبك اليوم كتابع مقصر في ولائه.. |
المنذر: (يضبط أعصابه) وعلام يحاسبني قيصر؟.. |
قيصر: سأذكر ذنوب أبيك ثم أعود إلى ذنوبك.. |
المنذر: ماذا يأخذ قيصر على والد الملك الحارث؟ |
قيصر: لقد تقاعس أبوك عن نصرة (بلزاريوس) قائد جيوشنا في قتالها مع جيوش كسرى الفرس وسبب لنا الهزيمة.. |
المنذر: لقد أراد قادة الروم الاستئثار بمجد المعركة وحدهم فخانهم الحظ.. |
قيصر: ولكن امتناع والدك عن نصرة جيوشنا أغرى ملك العراق بالزحف صوبنا حتى بلغت جيوشه مشارف القسطنطينية.. |
المنذر: ولكن الصلح تم أخيراً.. |
قيصر: وكان حصاد هذا الصلح حصناً أقامه المنذر النعماني على الشاطىء الآسيوي.. |
المنذر: وكان ذلك بموافقتكم.. |
قيصر: ألا تعذر أنه يذكرنا بذل الهزيمة في كل صباح.. ألم تره؟ إنه يقوم أمام هذا الحصن (ثم يحتد في صوته فيصرخ) ألم تره؟.. |
المنذر: هذه أحداث طواها التاريخ.. |
قيصر: ولكنها صفحات من التاريخ مذلة لنا لا تطوى.. وستبقى حديث الأجيال.. |
المنذر: ولكن قيصر ما يزال ينعم بمجد السلطان.. |
قيصر: (بحدة) وأنت تنعم بالسخر من قيصر.. أي مجد هذا الذي تعنى.. أهو في حلفي معك؟.. وقواد جيشي يقتلون في ديارك.. |
(يزداد زئير العاصفة في الخارج).. |
المنذر: أراك تذهب بعيداً في حقدك على غسان.. |
قيصر: ولكن غسان لم تفكر في الإهانة التي لحقت بقيصر.. |
المنذر: لو أن جوستنيان كان حياً لما عامل ابن الملك الحارث يمثل هذا الجفاء.. |
قيصر: كان عمي طيب القلب.. |
المنذر: بل كان شجاعاً وشريفاً.. |
قيصر: ما معنى هذا الذي تقوله.. |
المنذر: (يثأر لنفسه وللإهانة التي لحقت به فيقول) فسرها كما تشاء.. |
قيصر: (بحدة) ماذا تقول.. ماذا تقول؟.. |
المنذر: (يندفع في هجومه) معناه أن قيصر يهدم بيديه ما يحتاج إليه من صداقة غسان.. |
قيصر: حذار أن تلقي علي درساً فقد مللت هذا منك.. |
المنذر: ولكنك لن تستغني عن المشورة الصادقة لتدعيم ملكك.. |
قيصر: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ |
المنذر: (مندفعاً في كلامه) أقول إن قيصراً يهدم بيديه صرح بناء أقامه جوستنيان الكبير.. |
قيصر: ماذا تقول.. ماذا تقول؟.. |
المنذر: أقول إن قيصراً يتناسى يوم (تدمر) وما هو ببعيد.. |
قيصر: (بصوت عالٍ) أتمن علينا بذلك اليوم؟.. |
المنذر: كلا ولكن أحببت أن أذكرك بالضوء الذي نشرته غسان في ظلام ذلك اليوم.. |
المنذر: أعني أنه كان في وسع ملك العراق أن يواصل الزحف حتى يحتل القسطنطينية لو مساعدة غسان لقيصر.. |
قيصر: إذن أنتم تمنون على قيصر إنكم حفظتم ملكه من الانهيار.. |
المنذر: إنها الدماء العربية التي روت أرض المعركة.. |
قيصر: أمهدي أنت؟.. |
المنذر: لقد حمى الحارث ملك عمك جوستنيان من قبل ولم نتردد نحن في القيام بما تمليه هذه التقاليد التي ورثناها عن أبينا.. |
قيصر: أنسيت أنك تدير وجهك عن قيصر منذ ثلاث سنوات.. |
المنذر: وددت لو تذكر ظلم قوّادك وعمالك.. |
قيصر: وبسبب ما تزعم من ظلمهم قائدي (هيباس).. |
المنذر: أو تريد أن يعتدي (هيباس) على العذارى ويبقى حياً.. |
قيصر: ليس ما تتهمونه به صحيحاً.. |
المنذر: لقد تعرض (هيباس) لفتاة كريمة من أرفع البيوت وأرفعها في غسان وقد أعطته غسان درساً يليق بوحشيته.. |
قيصر: ليس هذا صحيحاً (وهيباس) ذهب ضحية الغدر.. |
المنذر: ليس من عادتنا أن نغدر.. |
قيصر: لقد مكر قومك وكنت أول الماكرين.. |
(يزداد زئير الرياح في الخارج وصخب الأمواج يعلو).. |
المنذر: أحذر يا سيد الروم أن تسيء إلى قومي فإنهم يغضبون سواء أكان صاحب الإساءة كسرى أم قيصر.. |
قيصر: أتهددني يا هذا؟.. |
المنذر: بل أذكرك أن غسان من درائبي وأن فتياتنا ليسوا أقل حماسة لمليكهم من فتيان الروم.. |
قيصر: أمهدي أنت بهؤلاء الحفاة العراة؟.. |
المنذر: ولكن هؤلاء الحفاة العراة كانوا دائماً سياج ملك قيصر.. |
قيصر: سوف أسحقك وإياهم.. |
المنذر: لقد أنذرتك من قبل.. وأنا أعيد لك النصيحة.. لا تغرر بمستقبل امبراطوريتك فإنها تقف على حافة الهاوية.. |
(يصفق قيصر بيديه بشدة ويكرر ذلك.. يزداد صفير العاصفة).. |
المنذر: أحذر الغدر يا قيصر.. |
قيصر: وهل يسمى قتل الخائن غدراً؟.. |
المنذر: أنت تخون شعبك باتباعك هذه السياسة الخرقاء وتبعد عنه أقوى حلفائه.. |
قيصر: لا بد من قتلك وسيحتفل شعبي بمراسم دفنك.. |
المنذر: لن يرضى شعبك عما تفعل.. |
قيصر: أنا صاحب الأمر هنا وسترى كيف ينفذ أمري.. ليس لأحد أن ينصح قيصر.. |
المنذر: ليس ملك غسان بالشخص العادي ليترفع قيصر عن الأخذ بنصائحه.. |
قيصر: لقد تقرر مصيرك وكلمتي هي الأخيرة.. |
المنذر: وقد يتقرر في هذا الموقف مصير الإمبراطورية كلها.. |
(يهتاج قيصر ويطوف في أرجاء القاعة بعجلة وهو يصفق ثم يقف ويقول انتهى الأمر ثم يعود للتطواف وهو يصفق (كلمتي هي الأخيرة) ثم يسرع فيفتح الباب ليدعوا بنفسه الحراس وفيما هو يحاول يفتح الباب بعنف فيصطفق الباب بوجهه فيقع أرضاً وهو يصرخ).. |
قيصر: آه.. (ثم يغمى عليه).. |
(تدخل الفتاتان العربيتان المحظيتان: هند وسلافة وهند تقول للمنذر): |
هند: لقد سقينا الحراس منوّماً قوياً وهم الآن في سبات عميق فأنج يا سيدي بنفسك.. |
(يخرج حنظلة من مكمنه وهو يقول): |
حنظلة: بورك فيكما.. بورك فيكما.. |
(ثم يلتفت إلى سلافة قائلاً): |
خذي هذه الزجاجة يا سلافة وأفرغي ما بها في جوف قيصر فإنه بحاجة إلى نوم طويل.. |
(تفرغ الزجاجة في جوفه): |
المنذر: (وقد أذهله الموقف) وماذا سيكون موقفي مع الروم بعد أن أصاب قيصر ما أصابه.. |
حنظلة: ستنجو يا مولاي ولن يصيبك أذى.. |
المنذر: وهذه الجثة جثة قيصر.. ماذا تفعل بها؟.. |
حنظلة: سوف تدبر أمرها فلا تقلق.. |
(ثم يقول للمنذر).. |
ولقد هيئنا لك زورقاً فيه عشرة من رجالنا الأشداء.. إنهم ينتظرون في الجهة الشرقية من الحصن.. |
(ثم يلتفت للفتاتين قائلاً): |
خذا مولاكما إلى القارب.. |
سلافة: عجل يا مولاي.. |
هند: هيا بنا يا سيدي فإن الأمور تسير حسب الخطة المرسومة.. |
المنذر: ونترك حنظلة هنا ليفتكوا به.. |
سلافة: لا تخف عليه يا سيدي.. إنه سينسل من المؤامرة كما تنسل الشعرة من العجينة.. |
حنظلة: أسرع يا مولاي وسألحق بك بعد قليل.. |
(خبطة موسيقية قوية) |
مزنة: وماذا تم بعد ذلك.. أكملي يا أماه.. أكملي.. |
سلمى: لقد أوغل الليل فإلى غد إن شاء الله يا بنيتي.. |
مزنة: أمرك يا أماه.. أمرك.. تصبحين على خير.. |
سلمى: وأنت من أهل الخير يا ابنتي.. |
|