شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 6 ـ
سلمى: هيه يا مزنة! بم تفكرين؟
مزنة: أفكر في مصير أمية بن أبي الصلت المجنون وأرجوك أن تحدثيني عنه قليلاً قبل أن تشرعي في تكملة قصة الأمس..
سلمى: لك ما تريدين فاسمعي: أمية بن أبي الصلت من قبيلة ثقيف التي تسكن الطائف، كان من عقلاء قومه وعشيرته.. وكان يتجر إلى بلاد الشام فيلقى أهل الكتاب من النصارى واليهود فيجالسهم وينمي معرفته بصحبتهم.. وقد علم منهم أن نبياً سيبعث في العرب فطمع أن يكون هو.. فلما بعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلم اغتاظ وتأسف وظل على هذه الحال من الشرود والخبال كما سمعت في الحلقات السابقة.
مزنة: ولكن أمية فارق صحبه في الحلقة الماضية فأين ذهب يا أماه؟..
سلمى: عاد إلى الطائف وراودته نفسه مرة أن يسلم ولكن الحسد الذي استبد به حال دون ذلك فرجع إلى بلده ثانية حيث وافته المنية ويروي أنه ندم على كل عمل فأنشأ يقول قبل وفاته..
إن يوم الحساب يوم عظيم
شاب منه الصغير شيباً طويلا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي
في رؤوس الجبال أرعى الوعولا
كل عيش وإن تطاول دهرا
صائر مرة إلي أن يزولا
ثم شهق شهقة كانت فيها نفسه..
مزنة: مسكين.. مسكين.. لم تكتب له الهداية.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
سلمى: والآن إلى أين وصلنا في قصصنا أمس يا مزنة؟..
مزنة: وصلنا إلى أبي سفيان يا أماه وهو يقول..
(نقلة صوتية بدون موسيقى)..
أبو سفيان: هيا بنا يا حسان!
(يشتد وقع حوافر الخيل..)..
حسان: على رسلك يا أبا سفيان.. أرى الجماهير تسد منافذ المدينة.. فهلا تمهلت حتى تتبين طريقنا..
أبو سفيان: إني أبصر شيخاً وقوراً عليه سيماء النعمة واليسار فلنعرج عليه نسأله..
(يصلان إلى الشيخ فيبتدره أبو سفيان قائلاً)..
أبو سفيان: عم صباحاً يا أخا العرب!
الشيح: عما صباحاً.. ممن القوم؟..
أبو سفيان: من الحجاز.. نريد مشاهدة موكب العزة والكرامة.. موكب الملوك.. الصيد من آل جفنة.. فهلا أرشدتنا إلى أقصر الطرق إليه؟
الشيخ: أنتما الآن على المنفذ الجنوبي للمدينة.. والمهرجان ما يزال في بدايته.. والاستعراض لم يشرع بعد.. إن سيد غسان يستعرض جيشه ليطمئن على قوته قبل مغادرته دمشق إلى القسطنطينية؟..
حسان: أرى في حديثك ما يدل على احتمال وقوع أحداث خطيرة!
الشيخ: إننا نعيش في حذر من أتباع قيصر، وأهبة للذود عن بلادنا ومليكنا..
أبو سفيان: وهل وقعت هنالك اصطدامات؟..
الشيخ: كلا.. ولكن النفوس معبأة.. وكل فريق ينام وهو شاك سلاحه..
حسان: أو مرّ بك أحد قبلنا؟..
الشيخ: مرّ بي الأعشى في الصباح الباكر ووجهه ينم عن قلق كبير.. كان يتكلم عن أحداث تتمخض بها أرض العراق.
أبو سفيان: هل أفصح بشيء عن طبيعة هذه الأحداث؟..
الشيخ: سمعته يقول: إن كسرى يهدد ملك الحيرة ويرهقه بطلباته..
حسان: إني لأخشى أن يتحالف كسرى وقيصر على العرب..
أبو سفيان: لن يكون هذا فاطمئن.. إن كل واحد منهما يضمر الشر للآخر.. وإذا وقع ما تقول فسيكون لا محالة سبباً في توحيد الكلمة ورأب الصدع بين غسان وملوك الحيرة..
حسان: لقد سرقنا حديثك العذب يا أخا العرب عما جئنا إليه.
الشيخ: إنه ليوم شديد الزحام وأخشى أن تضلا الطريق وسأبعث معكما غلامي ليوصلكما إلى ساحة الاستعراض..
أبو سفيان: شكراً لك يا شيخ العرب.. طاب يومك..
الشيخ: طابت أيامكما يا ضيوفنا الأعزاء..
(صوت وقع حوافر الخيل على الأرض)..
الغلام: انظرا.. لقد اقتربنا من ميدان الاستعراض..
أبو سفيان: بورك فيك أيها الغلام..
الغلام: سآخذكما إلى دار ابن سيدي ومن شرفاتها تشهدون العرض الرائع. زغاريد تنطلق من إحدى الشرفات يدور بعدها الحوار التالي بين فتاتين كانت تقفان مع المزغردات)..
الفتاة (1): لقد ألهب الحماس كفي وفمي وأنا أرى شبابنا الغر الميامين يمرون أمام منصة الملك رافعي الرأس والصدر.. والأرض تهتز من تحت أقدامهم.
الفتاة (2): إن جيشنا يزخر بالفتية الأشداء وبالرجولة الشماء.. فلا عجب إذا ما رأينا مليكنا مزهواً وفخوراً بجيشه الباسل.
الفتاة (1): (تقول وهي تضحك) ألم تشاهدي عامراً بين الجنود البواسل أخال عينيك لم تبصر أروع ولا أنضر ولا أشد منه فتى!..
الفتاة (2): أف لك يا ((ندى)) حتى في هذه المواقف لا تملين المزاح..
(يصل أبو سفيان وحسان والغلام الدار ويخرجان إلى الشرفة فيقول أبو سفيان):
أبو سفيان: ما أجملها شرفة.. إنها تطل على ساحة الشرف والبطولة..
(صوت أناشيد الحرب والأبواق وقعقعة السلاح وضجيج الجماهير المحتشدة):
حسان: انظر يا أبا سفيان!.. انظر هذا هو المنذر ملك غسان يستعرض الجيش ووراءه جبلة بن الأيهم وولده الحارث.. ما أروع المشهد وما أعظمه..
(تعلو الأصوات وتختلط بالموسيقى الحماسية فيقول حسان):
حسان: إنها لأنغام شجية تلهب النفوس حماساً وتملأ القلوب فخراً واعتزازاً..
أبو سفيان: أراك تحلق في كلامك يا بن الفريعة.. إن شيطان الشعر تلبسك..
حسان: وهل هنالك ما يطرب النفس ويشجعها أكثر من أن ترى عزة قومها ومنعتهم.. إننا بعد اليوم لن نرهب كسرى أو قيصر ما دام عندنا هذا الحشد من الأبطال..
الغلام: انتهى الاستعراض وعاد الملك مع الأمراء والقواد والحاشية إلى القصر..
أبو سفيان: ولكن الميدان ما يزال يغص بأمواج الجماهير..
الغلام: إن الجماهير تتطلع إلى معرفة نتيجة الاجتماع الذي سيعقده الملك المنذر مع أمرائه وقواده ومستشاريه بعد نهاية هذا الاستعراض مباشرة..
(نقلة صوتية)..
المنذر: أيها السادة.. لقد دعوتكم لأستطلع رأيكم في دعوة تلقيتها من قيصر..
جبله: أو يتطير الملك من لقاء قيصر؟..
المنذر: أظنه يبيت أمراً فنحن نعيش هنا مع أتباعه في حذر دائم..
جبلة: ما عساه يفعل وهو يعلم مكانتك في العرب ولا يجهل حاجته إلى سيوفنا..
المنذر: إنه لا يملك تعقل عمه جوستنيان، وإني لأخشى أن يجره الحمق إلى ما لا تحمد عقباه..
جبلة: إذا أرغمنا قيصر على القتال فليس لنا أن نختار..
المنذر: هذه الحماسة تطربني ولكني ضنين بالدماء أن تراق.. دعوني أفكر قليلاً..!!
جبلة: أخشى أن يفسر أحجامنا بالجبن والضعف..
الحارث: أنا على رأي ابن عمي فلا يجب أن نتردد في مجابهة قيصر وسنكون هنا على أهبة الاستعداد لمواجهة أي تحدي..
جبلة: وستنفر غسان لنصرة مليكها..
المنذر: أريد أن أطمئن علي وحدة صفوفكم..
جبلة: ستبقى كما تعهدنا صفاً واحداً فكن مطمئناً..
المنذر: يسرني أن تتفق كلمتكم على من يقود غسان في غيابي..
جبلة: ليس غير الحارث من يقوم مقام الملك في غيابه..
المنذر: لقد قطع ابن عمنا ألسنة السوء قبل أن تمتد..
الحارث: إنه عودنا الحب والوفاء وإليه نرجع في الملمات..
جبلة: ليس أجدر من الحارث على رعاية غسان في غياب مليكها فهو المجلي..
المنذر: ولكنه بحاجة إلى تعضيدكم ومساندتكم له..
جبلة: كلنا جنود الملك نضرب بسيفه وسيف خليفته..
المنذر: سيطلبنا قيصر بدم قائده هيباس..
جبلة: ولكن هيباس قد حكم على نفسه بالموت بعد أن اعتدى على كرامة الناس..
الحارث: لو أن قيصر نفسه كان المعتدي للقي جزاءه..
المنذر: هذه الغيوم تتجمع وتعكر صفاء الرحلة إلى قيصر وفي هذا ما يبعث على التفكير بالأمر..
جبلة: هل يعني هذا…..؟
المنذر: كلا - لم أتردد بعد الذي سمعته منكم ولكنني أبسط الأمور جلية أمامكم..
جبلة: إننا نقدر مسؤولياتنا حق قدرها..
الحارث: غسان يقظة ولا خوف عليها..
المنذر: أخشى أن يستفزكم الحمقى من قادة الروم..
جبلة: سنداريهم جهدنا، والويل لهم إذا تناولوا الملك بسوء!
المنذر: أنتم أقوياء ما دمتم على حق وسيتهيبكم قيصر..
جبلة: سيوفنا لا تشرع إلا لنصرة الحق والعدالة..
المنذر: بارك الله في هذه الروح العالية إن ما أسمعه يثلج صدري ويزرع الاطمئنان في نفسي.
الحارث: لقد مل العرب سيطرة كسرى وقيصر وملوا أن يقاتلوا بعضهم في سبيلها..
جبلة: لا مصلحة للعرب في هذا الصدام الدائم بين كسرى وقيصر.
المنذر: إننا نشعر بجو جديد يحوم في سماء الجزيرة العربية..
جبلة: يشيع على ألسنة الناس أنه سيكون هنالك حديث جديد؟
الحارث: وإننا سننتقل إلى عالم جديد تكون لنا فيه الكلمة الأولى..
المنذر: ليس هذا العالم الجديد بالبعيد عنكم، وهاأنتم تسمعون أن الشعراء في عكاظ قد تحدثوا عن أفكار جديدة تعرض لها أصحاب المعلقات في موسم هذا العام..
جبلة: بلغني أن أبا سفيان وحسان ابن ثابت في ضيافتنا وسنعرف منهما الكثير عن هذا الذي يتحدثون عنه..
المنذر: وهل بلغكم اسم المجلي في الموسم..
جبلة: لقد ترأس النابغة الحفلة وحضر أرباب المعلقات وجاء الأبطال من كل ناحية..
المنذر: ومن أجاد؟..
جبلة: فاز عنترة بهدية غسان وأجاد زهير وعمرو ابن كلثوم..
المنذر: وحسان؟.. إني أتوقع لهذا الشاعر النابه مستقبلاً زاهراً..
جبلة: كلنا نحب غسان.. ولكن الحظ خانه فنقَّدته الحساد وأعتقد أن هذا النقد سيثير حماسته ولسوف نراه يحمل إلينا شعر جديداً لم نألفه من قبل.
المنذر: لعلّكم تسمعون إنشاداً جديداً عن العالم الجديد..
جبلة: سأبقيه ريثما يعود الملك ليسمعه.
الحارث: وأنا أحب هذا الشاعر فقد نذر نفسه لآل جفتة يشيد بمآثرهم ويترنم بشجاعتهم..
جبلة: لا شك بأنه يحمل روحاً جديدة وسيطرب الملك لسماعه..
منذر: وأمية ابن أبي الصلت، أليس من خبر عنه؟..
جبلة: إن أمية يحلم في هذه الأيام أحلاماً عميقة الغور وقد قيل لي إنه لم يطق صحبتهما فغادر دمشق إلى حيث لا رجعة..
الحارث: لا يعدم أبو سفيان وسيلة للإيقاع بين حسان وأمية..
المنذر: أو ما يزال أمية يحلم بأن يكون نبي هذا العصر؟..
جبلة: لا يصلح أمية لهذا..
الحارث: إنهم يتحدثون عن فتى من قريش من آل عبد المطلب..
المنذر: لا بد من أن يكون لغسان دورها في العالم الجديد وسننهي موقفنا مع قيصر.. فإلى الغد الباكر..
هتافات
عاش المنذر وعاشت غسان
(خبطة موسيقية قوية)..
مزنة: قلت يا أماه إنهم يتحدثون عن فتى من قريش.. فمن هو؟..
سلمى: لا تستبقي الحوادث.. ستعلمين كل شيء في حينه..
مزنة: حاضر يا أمَّاه..
سلمى: إلى غد إن شاء الله يا مزنة..
مزنة: تصبحين على خير يا أمّاه..
سلمى: وأنتِ من أهل الخير يا ابنتي..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :861  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 69
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج