الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

الحلقة ـ 4 ـ

مزنة: ما رأيت أطول من نهاري هذا، لقد كنت أحصيه بالثواني وأنتظر في لهفة موعد الحديث عن أمجاد الجزيرة - هيا يا أماه هيا..

سلمى: حاضر يا بنتي..

(موسيقى انتقال)

أصوات: أدركوا الرجل.. إنه يموت.. إنه يتلوى من الألم..

أبو سفيان: أعينونا علي حمله أيها الرجال إلى أقرب مكان فقد جاءته نوبة الصرع والخبال وأراها في هذه المرة أشد منها في كل مرة..

حسان: يا للمسكين! لن يكون له مكان في المواكب الفردة..

أبو سفيان: وسيظل هائماً في بيداء أوهامه..

((يختلج أمية.. ثم يصرخ بحجرشة قائلاً))..

أمية: دعوني.. دعوني..

أحدهم: إلي بشربة ماء وقدح من اللبن الممزوج بالعسل..

(يؤتى بهما ويتابع الرجل كلامه)..

((أشرب يا أمية، فستشعر بالراحة.. لقد أضعفك طول الطريق.. وأضنتك وعثاء السفر.. هيا اشرب.. اشرب..

(يسمع صوت أمية وهو يشرب)..

حسان: وستقضي عليه أوهامه وأفكاره..

(لغط وصخب بين الجماهير وأصوات تقول):

أصوات: انظروا إلى الغبار الهائل إنه ينشق عن كوكبة من الفرسان قادمة إلينا..

(صوت وقع حوافر الخيل.. وصهيلها وانقطاع الصوت حين وصلت كوكبة الفرسان)..

أحدهم: إنهم فرسان طييء.. من أين جئتم أيها القوم؟

أحد القادمين: من دارة قريش من مكة..

أبو سفيان: وكيف القوم والأهل هناك؟

أحد القادمين: أأنت أبو سفيان..

أبو سفيان: نعم..

أحد القادمين: إنهم بخير يا أخا العرب.. إنهم لا حديث لهم إلا عن فتى يتيم الأبوين اسمه ((محمد))..

أبو سفيان: (باهتمام ظاهر) وما شأن هذا الفتى يا هذا؟..

أحد القادمين: إنه يدعو إلي دين جديد.. إنه يدعو الناس إلى عبادة إله واحد لا شريك له.. إنه يسحر الناس بحديثه.

رجل آخر من القادمين: لقد استمعت إلى حديثه وكدت أصبو إلى ما يقول.. إن عاش هذا الفتى فسيتسيد بل والعرب جميعاً..

أبو سفيان: بانفعال، كذبت يا هذا.. إن لقريش شيوخها وأعلامها وسيعرفون كيف يؤدبون هذا الفتى وأمثاله..

سطيح: لا عليك أيها الأخ العربي من كلام أبي سفيان.. فإنه يخشى علي زعامته من هذا الفتى حدثني عن محمد في مكة.. حدثني..

رجل آخر من القادمين: إليك يساق الحديث.. إن اسم هذا الفتى ليملأ الأسماع والأبصار.. رأيته يحب الفقير ويرحم الصغير ويعرف قدر الكبير.. أتباعه الضعفاء والمساكين والأحداث الغلمان والنساء قلّما يتبعه أحد فيفارقه، يصل الرحم، ويحمل الكل ويكسو المعدوم ويقري الضعيف ويعين على نوائب الدهر..

سطيح: كفى.. كفى.. إنها صفات النبي الذي ننتظره.. ما موقف قريش منه؟..

رجل آخر من القادمين: إنهم لفي دهشة مما يقول علي إنهم يأبون أن يتخلوا عن آلهتهم..

سطيح: أما تزال قريش ترجو الخير من حجارة لا تتحرك؟..

سطيح: أسكت يا أمية لقد أعمى الحسد ناظريك، وأصم الحقد أذنيك..

حسان: إذن ستخضل أعراف هذه الصحراء بالنبي الجديد وستقول شعراً يهز مسمع هذا الوجود..

سطيح: هذه فرصتك يا حسان.. ستنثال عليك معان جديدة لم يكن لك عهد بها من قبل..

حسان: زدنا يا سطيح حديثاً عن هذا النبي القائد..

سطيح: ستقولون غير الذي قاله الناس في الجاهلية.. وستتحدث عنكم الأمم.. وستمتلىء هذه الصحراء بالرياحين والأزاهير..

أمية: أتؤمن بمحمد نبياً ورسولاً؟..

سطيح: إن رياحاً جديدة تهب على وجهي ليس فيها نفحة من دنياكم.. إنها نسمات ربيع جديد..

حسان: يا لها بشرى لعالم جديد.. يا لها بشرى لعالم جديد..

أبو سفيان: ما هذا الذي تحدثنا به يا سطيح؟..

سطيح: كنتم تسيرون في رحلات قصيرة وحملكم متاع من الدنيا قليل.. وغداً ستسيرون إلى آفاق الدنيا وبضاعتكم الهدى والرحمة..

أمية: على رسلكم يا قوم، إن سطيحاً يهذي ولعلّه قد أصابته الحمّى..

سطيح: بل إنك أنت الذي أصاب عقله الخبل - لقد كنت تحلم بالذي أتى محمداً ولكنك أعجز من أن تحمل مثل رسالته..

أمية: أو يكون صاحب رسالة ودعوة؟..

سطيح: أجل وسيقودكم إلى عالم جديد يسوده العقل وتملأ الرحمة رحابه.. سيحب بعضكم بعضاً وستسيرون صفوفاً تحملون رايته وتبشرون برسالته..

حسان: مرحى.. مرحى.. وأهلاً بالنبي الكريم..

سطيح: هيىء نفسك يا حسان لأناشيد جديدة تقولها وألحاناً تنتعش الدنيا بجرسها..

الأعرابي: لقد ظهر محمد.. لقد ظهر محمد..

سطيح: وأنه لخير نبي وخير رسول..

(يركض أمية هائماً على وجهه في الصحراء ويلحق به أبو سفيان وحسان)..

أبو سفيان: إلى أين تجري يا أمية؟..

أمية: إلى راهب دير بصرى..

أبو سفيان: وماذا تؤمل أن تجد عنده؟..

أمية: سأجد عنده هدوء البال وراحة النفس..

حسان: لقد زاد سطيح في قلقك يا أمية ولكنني أقول بأنك لن تشفي من علتك قبل أن تطرح الأوهام من رأسك.. لن تكون نبياً..

أبو سفيان: عد يا أمية إلى قول الشعر عسى أن تحسنه فيرتفع ذكرك..

حسان: ولن يكون شاعراً.. فقد مس عقله الخبل..

أمية: ألا تتركاني وشأني؟..

أبو سفيان: لن نزعجك بعد الآن وليس لنا ما نقوله لك فقد تركنا ذلك إلى راهب بصري..

(موسيقى صاخبة)

حسان: أظن أننا لا نلبث أن نصل إلى الدير - فهذه معالمه تطل علينا..

((تبدأ حركة الفلاحين الذاهبين إلى الدير تنعش نفس أمية))..

أبو سفيان: ها قد وصلنا.. هيىء نفسك يا أمية للقاء جديد مع الراهب.. عسى أن تطمئن نفسك إلى حديثه..

(يبرز راهب الدير من البوابة الكبيرة)..

الراهب: أهلاً بالضيوف.. أهلاً بكم أحبتنا وأصدقائنا..

أبو سفيان: لقد عودتنا جميل الضيافة فأطمعتنا أن نمر بالدير كلما جئنا في طريقنا إلى دمشق..

الراهب: أهذا أنت أبا سفيان أين هي قافلتك؟ لعلّك جئت لغير التجارة في هذه المرة أليس هذا أمية الذي معك؟ ومن الرجل الآخر؟

أبو سفيان: إنه لأمية والآخر حسان ابن ثابت الشاعر النابه..

الراهب: أهلاً بكم ولقد سرني أن يكون الشاعر في صحبتكم.. لقد سمعت الكثير عنه.. لعلّكم قادمون من عكاظ..

أبو سفيان: أجل.. ولقد كان موسماً خصباً تألق فيه الشعراء، ثم أوصانا النابغة أن نمر على سطيح..

الراهب: بماذا حدثكم سطيح؟..

أبو سفيان: حدثنا عن نبي يقلب وجه هذه الدنيا إلى عالم جديد..

الراهب: هل ذكر لكم اسمه؟..

أبو سفيان: قال إنه محمد وأنه من قريش من آل عبد المطلب..

الراهب: لم يخب ظني.. فقد مر بنا أبو طالب ومعه محمد ولقد وجدت فيه الصفات التي تذكرها كتبنا عن نبي منتظر.. ولقد حذرت أبا طالب أن يحرص على محمد من اليهود..

حسان: أو تظن أن كلمته ستعلو وأن رسالته ستنتشر؟..

الراهب: سيكون ملء سمع الدنيا..

حسان: يا للبشرى.. يا للبشرى..

أمية: يا لخيبتي.. يا لخيبتي..

(يركض هائماً على وجهه فيلحقه أبو سفيان وحسان قائلين)..

أبو سفيان وحسان: مكانك يا أمية.. أيها المجنون.. أيها المجنون.. مجنون..

(خبطة موسيقية قوية)

مزنة: حقيقة يا أماه إنه لمجنون.. يا ليته يموت فنستريح منه.. طمنيني يا أماه هل سيموت؟..

سلمى: (ضاحكة) غداً ستعرفين كل شيء إن شاء الله..