ابن زيدون:
|
(ينشد وولاّدة مصغية ووجهها يعبر عن كل معنى في هذه القصيدة)
|
|
يا نائحاً وسَوادُ اللَّيلِ يُخفيهِ
|
|
وهائماً وبياضُ الصُّبح يُفْشيهِ
|
|
يَسْتمطِرُ الدَّمْع من بَرْحِ الفراقِ فلا
|
|
دمعٌ يُهَدْهِدُ آلاَم الهوى فِيهِ
|
|
حيرانُ في مَهْمَهِ الأَقدارِ تقذِفُهُ
|
|
بيدٌ وبيدٌ من الأَشجانِ تَطْويهِ
|
|
لم تُبْقِِ فيهِ تباريحُ النَّوى رَمَقاً
|
|
إِلاَّ شُعاعاً من الذِّكْرى يُناجيهِ
|
|
ذِكْرى حبيبٍ سَقاهُ الكأْسَ مُتْرعةً
|
|
من خالص الوُدِّ مُنْساباً على فِيهِ
|
|
بينَ الخمائلِ والأنسامُ تُسِكرُهُ
|
|
بينَ الجداولِ والأَمواهُ تُشْجِيهِ
|
|
ووارفٍ من نعيمِ الوَصْلِ لَفَّهما
|
|
في غفوةِ الدَهرِ في أحلى مجَاليهِ
|
|
وزَوْرَقٍ عَلَويِّ الصُّنعِ ضمَّهما
|
|
الحُبُّ في ركبهِ والموجُ حاديهِ
|
|
يَنْسَابُ فوقَ لُجيْنِ الماءِ تُرْقِصُهُ
|
|
أنغامُهُ ونُسَيْماتٌ تُناغيهِ
|
|
في هدأةِ اللَّيلِ والبدرُ الرقيبُ سَرَى
|
|
بالسِرّ يَفْضَحُ خافيهِ وباديهِ
|
|
دُنْيا من الأملِ المَنْشود حطَّمَها
|
|
صَحْوُ الزّمانِ وغدرٌ من لَيَالِيهِ
|
|
يا هاجِري لفتةً أرسلْتها فَذكتْ
|
|
عهداً تَنوَّرتِ الدُّنيا بماضيهِ
|
|
أَتُرْجِعُ اللّفتةُ البيضاءُ ما دَرَسَتْ
|
|
أَيدي الزَّمانِ وما كادتْ حَوَاشيه
|
|
أم أَنها ظلُّ أفراحٍ يمرُّ على
|
|
عُمْري كظلِّ سحابٍ مَرَّ بالتيهِ
|
|
(وما إن انتهى من غنائه حتى صفقت ولاّدة من فرحها وطربها وفي أثناء ذلك يسمعان طرقاً على الباب).
|
ولاّدة:
|
أُدخل (تدخل ليلى وصبح مضطربين وما إن تراهما ولاّدة حتى تقول):
|
|
أ ((صبحُ)) و ((ليلى)) ما وراءكما؟
|
|
|
صبح:
|
|
|
رُسلُ ((ابن جَهْورَ))
|
ولاّدة:
|
|
|
أَغيارٌ وأَشْرَارُ
|
|
(يقتحم رسل ابن جهور الباب ويدخلون فتبادرهم ولاّدة قائلة):
|
|
بأيّ حقٍّ دَخَلْتم؟
|
|
|
أحد الرسل:
|
|
|
إنّنا رُسُلٌ
|
|
|
|
من ((ابن جَهْوَرَ))
|
ولاّدة:
|
|
|
غَدَّارٌ ومَكارُ
|
|
ما تَبْتَغونَ؟
|
|
|
ابن زيدون:
|
أَنا، لا شَكَّ مَطْلَبُهمْ
|
|
هيَّا إليهِ نَسِرْ واللَّهُ سَتَّارُ
|
ولاّدة:
|
(تسرّ إلى صبح)
|
|
اِلْحَقْ بِهِ ((صُبْحُ)) عن بُعْدٍ لتُبْلِغَنِي
|
|
مَجْرى الأمورِ فعندَ القومِ أَسْرَارُ
|
|
فالشرُّ مُسْتَيْقِظٌ والدَّسُّ مُنْتَشِرُ
|
|
والظُّلْمُ شَاعَ وما في النَّاسِ أَخْيَارُ
|
|
(ثم تسرّ إلى ابن زيدون)
|
|
حَذَارِ مِنْ كَيْدِهِم
|
|
|
ابن زيدون:
|
اللَّهُ يحفظُنا
|
|
مِنْ شَرِّهِم وَيقِيناً عُصْبةً جَارُوا
|
|
(يذهب ابن زيدون مع الرسل ويتبعه صبح وبعد ذهابهم تقول ليلى)
|
ليلى:
|
خيراً فعلتِ
|
|
|
ولاّدة:
|
إلهي نجِّهِ فلَقدْ
|
|
حُمَّ القَضاءُ وسادَ الناسَ جَبّارُ
|
|
(تتهاوى على أحد المقاعد باكية وبينما هي كذلك وليلى مطرقة أسفاً وحزناً يسمعان آذان الصبح وما إن انتهى المؤذن من آذانه حتى دخل صبح فلما رأته خاطبته ولاّدة بلهفة):
|
ولاّدة:
|
أَين ((ابن زيدون))؟
|
|
|
صبح:
|
مَوْلاتي.
|
|
|
ولاّدة:
|
أَمِنْ خَبرٍ عنهُ؟
|
|
أَفي السِّجنِ؟ أم في سامرِ الصّيد؟
|
صبح (مضطرباً):
|
عفواً
|
|
|
ولاّدة:
|
تكلَّمْ فإني جدُّ موقنةٍ
|
|
أنَّ ((ابن زيدونَ)) رَهنُ السجنِ والقَيدِ
|
|
(يغلبها البكاء)
|
صبح (بتأثر):
|
هِيَ الحقيقةُ أُزجيها وَبِي أَسفٌ
|
|
|
ولاّدة:
|
(وقد ترنحت من هول الصدمة)
|
|
وَيْلاهُ مِنْ ظالمِ قاسٍ ومرِِّيدِ
|
|
(يغمى عليها فتسقط فتتلقاها ليلى قبل سقوطها وتصرخ)
|
ليلى:
|
إليَّ ((صُبحُ: سُليمى: مسك)) نُسْعفها
|
|
يا وَيْحهمْ رَوَّعوا بنْتَ الصَّناديد
|
|
(تدخل سليمى ومسك مسرعين)
|
سليمى:
|
(وقد هالها وأحزنها هذا المنظر المؤلم الذي كانت هي سببه. تلتفت إلى النظارة وهي تقول):
|
|
ويلِي جَنَيْتُ ولكنِّي سأُنقذُهُ
|
|
من ظُلمةِ السجنِ من أيَّامهِ السُّودِ
|
|
نَحْنُ النساءَ متى ثُرنا لعِزَّتِنا
|
|
نُلْقي بمنْ يَعتَدي بَطنَ الأخاديدِ
|
|
فإنْ أردْنا انتقاماً يا لَنِقْمتِنا
|
|
وإنْ وَعَدْنا فيا حُسنَ المواعيدِ
|
|
(ستار)
|