شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المشهد الثاني

ليلى:

أعِندكما للسرِّ أَمنٌ وموضعُ؟

   

صبح ومسك:

   

نعم! أَفصحي، إنّا لسرّكِ أَمنعُ

ليلى:

رأيت ((سُليمى)) وابن ((عَبْدُوسَ)) خِلْسةً

 

وبينهما للكأسِ مغنًى ومرتعُ

 

ولما استطالَ الشربُ وانقشعَ الحيا

 

وأمستْ كؤُوس الراحِ بالخزيِ تُجْرَعُ

 

ودارتْ على ثوبِ العفافِ معاركٌ

 

فلم يبقَ فيه للفضيلةِ مَوْضِعُ

 

تجلّى كَنِين السرّ يا هَوْلَ سرّهم

 

بهِ الشرّ يَدوي والفجيعة تُقرعُ

صبح (متحمساً):

وما هوَ؟ قولي، لا تَخَافِي ملامةً

 

يدانا وقلبانا سلاحٌ ومَفْزَعُ

ليلى:

مؤامرة بين الخليعين دُبِّرَتْ

 

لسيدتي ((وَلاَّدة)) الليلَ تشرعُ

 

تروم ((سُليمى)) أنْ تَنِمَّ بكِذبةٍ

 

لعلَّ بها قلبَ ((ابن زيدون)) يَقْنَعُ

 

تقول له إنَّ ((ابن عبدوسَ)) عاشِقٌ

 

وسيّدتي بالعاشقِِ الفذَّ تَطْمَعُ

 

تُساقيه خمر الحُبِ من مَبِسمٍ المنى

 

وفي صدرها الوثّاب إنْ شاءَ مَضْجَعُ

 

وأما ((ابن عبدوسٍ)) فيذهبُ قائلاً

 

لسيدتي إنَّ ((ابن زيدون)) مُولَعُ

 

وإنّ هواه بنت؟ ذي النُّونِ)) (1) ذائعُ

 

تَحدَّثُ عنه الناسُ طُرًّا وأَجْمَعُوا

مسك:

سأقتلها إن صحَّ ما قلتِ حالُها

 

لعلَّ الدمَ المُهْرَاقَ يَغْسِلُ ذَنْبَها

 

وأَخْلُصُ مِمَّنْ خانتِ العهد يافعاً

 

وأبرىء قلباً يحمل اليوم حًبَّها

ليلى:

أرى لِيَ رأياً غير رأيك فاستمع

 

دع الخزيَ والأَدرَانَ تأكلْ قلبها

 

وقُم نُبْلِغِ الأخبارَ يا ((صُبح)) قبلما

 

تُصَدِّقُ مَوْلاتي العَشِيَّةَ كِذبها

مسك:

دَعُوني

   

صبح:

دعي يا ليلُ مِسكاً وهمَّهُ

 

فإِنّ له فيه مشاغلَ لا تُحْصَى

 

(يذهبان ويبقى مسك وحده)

مسك:

يقولُ الوشاةُ ويا وَيْحَهُمْ

 

((سُليمى)) بغيري غَدَتْ مُولَعهْ

 

لئن صحَّ ما قيلَ عن غَدْرِهَا

 

فَحُبّي لعمري إذَنْ مَضْيَعَهْ

 

ولكنْ أشُكُّ بأقوالهم

 

فكأسُ هوانا بِنا مُتْرَعَهْ

 

سيَبَقى فؤادي على عَهدِها

 

وفيًّا لِحُبِّ رَأَى مَصْرَعَهْ

 

(تدخل سليمى)

 

((سُلَيْمَى))!

   

سليمى:

أجل يا ((مسكُ))!

   

مسك:

ربَّاهُ فُرْصَةً

   
     

تَلُوحُ وكم قلبي إلى مِثْلها يَصْبُو

 

إلى أين يا من يَعْشَقُ الكونُ ظَرْفَها

 

إلى أينَ يا مَنْ يبتغي وصلَها القَلْبُ؟

 

أَتَنْسَيْن إِذْ كُنَّا رفيقين في الصّبا

 

وَجَارَيْنِ في دارٍ يُسَرْبِلُها الحبُّ

 

أَراكِ نسيتِ العَهْدَ،

   

سليمى (مندهشة):

ما العهدُ؟ مَا الهوى؟

 

وأيّ كلامٍ رحتَ يا ((مسكُ)) تهرفُ؟

مسك (متأثراً):

لقد كنتِ قبل اليوم كعبةَ قِبْلَتِي

 

وكنتِ هوايَ البِكْرَ والعيشُ أَغْيفُ

 

سكرتُ بخمر الحبِّ في مَيْعَةِ الصِّبا

 

ورحتُ به نشوانَ أَلهو وأَرشُفُ

 

أُرَدِّدُ في الآصالِ نُعمى وِصَالِهِ

 

وفي هدأَةِ الأسحار أَدعُو وأَهْتِفُ

 

وكنتَ بها يا قلبُ جِدَّ مُتَيَّمٍ

 

وكنتَ بها حتى السَّويعةَ تَحْلِفُ

 

أجلْ خابَ ظَنِّي يا رفيقةَ صَبْوَتي

 

فيا بينُ رفقاً بالذي بِتَّ تَعْصِفُ

 

(يخرج وهو باك)

سليمى (شبه نادمة):

وَيلاه ما أَقساني

 

ربَّاهُ ما أَنساني

 

يَا وَيْحَ من أَغْراني

 

(يدخل مالك بن سليمان قائد قرطبة في طريقه إلى الندوة)

مالك:

أ ((مالكُ)) و ((سُلَيْمَى))!!

   

سليمى (لنفسها):

قَلَّما اجتَمعا!!

   

مالك:

   

أَراكِ وَحْدَكِ تَختالينَ في مَهَلِ

 

أأنتِ قاصدةٌ للسَّامرِ الفَخِمِ

 

أَمَّ أنتِ في موعدٍ مِنْ نُخْبةٍ مُثُلِ

سليمى:

نَعَمْ، صَدقتَ. فإنّي بانتظارِهُمُ

   

مالك:

   

يا ليتَ أنّيَ منهُمْ،

سليمى (بغضب):

   

كُفَّ عَن غَزَلِي

مالك:

أَلَيْسَ يُرْضِيكِ عَنهم فارسٌ بطلٌ

 

ألَيْسَ قَلبْكِ مَشْغولاً بذا البَطلِ

 

كلاَّ، فمثليَ لا تُرضيكِ صُحْبتَهُمْ

   

سليمى:

   

أرجوكَ يا سيّدِي إنّي على عَجَلِ

 

(تذهب من طريق وهو من طريق آخر ثم عندما يغيب ترجع إلى مكانها ساخرة عابثة)

سليمى:

لَمْ يَبْقَ إِلاّ هوى كهلٍ كمثل أَبي

 

يا بِئْسَ حَظّي أرى الأيام تَعْبَسُ لَيَ

 

أَأُنفِقُ العُمرَ في لهوٍ وفي نزقٍ

 

أَأُنفِقُ العُمْرَ في كيدٍ وفي خَطَلِ

 

ألِلْبُكا جِئْتُ في هَذا الوُجُودِ تُرى‍‍!

 

ألِلشَّقَا خُلِقَتْ نَفْسي! أللزَّلَلِ!

 

أم إنَّه ظِلُّ أتْراحِ يَمُرُّ عَلَى

 

عُمري، وبَعْدئذٍ أغْفو على القُبَل!

 

(تتناسى كل شيء ولا تذكر إلا ابن زيدون فتقول):

 

حَمَلَ الشَّوقَ إليكَ القلمُ

 

فإذا الأَسْطُرُ دَمْعُ ودَمُ

 

وإذا الذِّكْرى وَقَدْ هاجَتْ مُنًى

 

الهَنَا فيها وفِيهَا الأَلَمُ

 

والنَّدامى حُفَّلٌ حَوْلي وقد

 

دارتِ الكأسُ وجالَ النَّغَمُ

 

وأنا أنتَ ومالي أملٌ

 

أنتَ آمالي وأنت النَّعَمُ

 

أَلِوَصْلٍ عند ((وادي النَّرْجِسِ))

 

ولَيالي الأُنسِ ((بالمُقْتَبَس))

 

مِنْ شُعاعٍ يُرتَجى أو قَبسِ

 

((ما لِقَلْبي كُلَّما هبَّتْ صَبا))

 

هزَّهُ الشَّوقُّ لأَيَّامِ الصِّبا

 

وتَمنَّى العيشَ في تِلك الرُّبى

 

هَكذا الدُّنيا وِصالٌ وجفاً

 

ونعيمٌ مُتْرَفٌ أو عَدَمُ

 

(تسمع صوتاً وحركة)

 

أسمعُ صوتاً إِنَّهُ صَوْتُ حَبِيبي

 

ومُنى قلبي ورُوحي وطبِيبي

 

(تتغير ملامحها ويبدو عليها شبح الإجرام)

 

أجَلْ حَانَ تنفيذُ الخَدِيعةِ إِنّها

 

سَيَسْحَقُ يا ((وَلاَّدة)) القلبَ وقعُها

 

وسَوْفَ تَريْني و ((ابن زيدونَ)) غُدْوَةً

 

حَبيبينِ فِي حالٍ تَمنَّيْنَ حالَها

 

وسوف يراكِ الناسُ سوداءَ حِلْيَةً

 

مُلَطَّخةً بالعارِ والخِزْيِ حِلْيُها

 

أتوارى الآن عنه

 

لأَرَى ما فيهِ مِنْهُ

 

(تتوارى في الجهة المقابلة. يدخل ابن زيدون)

ابن زيدون

(كما لو كان يخاطب وَلاَّدَة):

 

هِيَ كالفَجْرِ بَسْمةً ورُواءَ

 

وهْيَ كالزَّهرِ نُضْرَةً في الخَميلهْ

 

قد تجَلَّى جمالُ ((بَلْقيسَ)) فيها

 

أينَ مِنْ حُسْنِها ((اعتماد)) (2) الجميلهْ

 

وهْيَ كالْبانِ في القَوَامِ وفي الدَّلِّ

 

وسِحْرٌ بهِ القُلُوبُ قَتِيلَهْ

 

هِيَ في مَبْسَمِ الزَّمانِ حديثٌ

 

ما رَوى الذَّاكرونَ قَبلُ مثيلهُْ

 

فيهِ من عَالَمِ القُصور أحاسيسُ

 

وَنَعْمَاءُ مُورِقاتٌ ظَلِيلَهْ

 

فيهِ مِن سَامرِ المحبِّينَ عِطْرٌ

 

ورجاءٌ يُحيي النفوسَ العَلِيلَهْ

 

رقَّ كالنَّسْمةِ الصّبوحِ وكاللَّمحِ

 

تَبدَّى مِن العُيونِ الكَحِيلَهْ

 

أتَدري يا أخا البَدرِ

 

أتدري بالهوى العُذْرِي

 

وأشْواقِي إِذا تَسرِي

 

على الزَّهرِ، على الصّخْرِ،

 

على الوادي، على النَّهرِ

 

على النَّجمِ، على البَحْرِ

 

تُسابِقُ زورقاً يجرِي

 

كأحْلامِ الهوى البِكْرِ

 

وأيَّامِ الصِّبا الغُرِّ

 

إلى النّدمانِ والخمرِ

 

وساقٍ في سَنا البَدرِ

 

إلى القَيْنَاتِ في القصرِ

 

وغيدٍ خُرَّدٍ زُهْرِ

 

ورمَّانٍ على الصَّدرِ

 

وأنفاسٍ من العِطْرِ

 

تَرِفُّ كنَسمةِ الفَجْرِ

 

وحُلْمِ اللَّيلةِ الدُّرِّي

 

هنا أمَلِي، هنا عُمرِي!

 
طباعة

تعليق

 القراءات :813  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 70 من 150
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.