ليلى:
|
أعِندكما للسرِّ أَمنٌ وموضعُ؟
|
|
|
صبح ومسك:
|
|
|
نعم! أَفصحي، إنّا لسرّكِ أَمنعُ
|
ليلى:
|
رأيت ((سُليمى)) وابن ((عَبْدُوسَ)) خِلْسةً
|
|
وبينهما للكأسِ مغنًى ومرتعُ
|
|
ولما استطالَ الشربُ وانقشعَ الحيا
|
|
وأمستْ كؤُوس الراحِ بالخزيِ تُجْرَعُ
|
|
ودارتْ على ثوبِ العفافِ معاركٌ
|
|
فلم يبقَ فيه للفضيلةِ مَوْضِعُ
|
|
تجلّى كَنِين السرّ يا هَوْلَ سرّهم
|
|
بهِ الشرّ يَدوي والفجيعة تُقرعُ
|
صبح (متحمساً):
|
وما هوَ؟ قولي، لا تَخَافِي ملامةً
|
|
يدانا وقلبانا سلاحٌ ومَفْزَعُ
|
ليلى:
|
مؤامرة بين الخليعين دُبِّرَتْ
|
|
لسيدتي ((وَلاَّدة)) الليلَ تشرعُ
|
|
تروم ((سُليمى)) أنْ تَنِمَّ بكِذبةٍ
|
|
لعلَّ بها قلبَ ((ابن زيدون)) يَقْنَعُ
|
|
تقول له إنَّ ((ابن عبدوسَ)) عاشِقٌ
|
|
وسيّدتي بالعاشقِِ الفذَّ تَطْمَعُ
|
|
تُساقيه خمر الحُبِ من مَبِسمٍ المنى
|
|
وفي صدرها الوثّاب إنْ شاءَ مَضْجَعُ
|
|
وأما ((ابن عبدوسٍ)) فيذهبُ قائلاً
|
|
لسيدتي إنَّ ((ابن زيدون)) مُولَعُ
|
|
وإنّ هواه بنت؟ ذي النُّونِ))
(1)
ذائعُ
|
|
تَحدَّثُ عنه الناسُ طُرًّا وأَجْمَعُوا
|
مسك:
|
سأقتلها إن صحَّ ما قلتِ حالُها
|
|
لعلَّ الدمَ المُهْرَاقَ يَغْسِلُ ذَنْبَها
|
|
وأَخْلُصُ مِمَّنْ خانتِ العهد يافعاً
|
|
وأبرىء قلباً يحمل اليوم حًبَّها
|
ليلى:
|
أرى لِيَ رأياً غير رأيك فاستمع
|
|
دع الخزيَ والأَدرَانَ تأكلْ قلبها
|
|
وقُم نُبْلِغِ الأخبارَ يا ((صُبح)) قبلما
|
|
تُصَدِّقُ مَوْلاتي العَشِيَّةَ كِذبها
|
مسك:
|
دَعُوني
|
|
|
صبح:
|
دعي يا ليلُ مِسكاً وهمَّهُ
|
|
فإِنّ له فيه مشاغلَ لا تُحْصَى
|
|
(يذهبان ويبقى مسك وحده)
|
مسك:
|
يقولُ الوشاةُ ويا وَيْحَهُمْ
|
|
((سُليمى)) بغيري غَدَتْ مُولَعهْ
|
|
لئن صحَّ ما قيلَ عن غَدْرِهَا
|
|
فَحُبّي لعمري إذَنْ مَضْيَعَهْ
|
|
ولكنْ أشُكُّ بأقوالهم
|
|
فكأسُ هوانا بِنا مُتْرَعَهْ
|
|
سيَبَقى فؤادي على عَهدِها
|
|
وفيًّا لِحُبِّ رَأَى مَصْرَعَهْ
|
|
(تدخل سليمى)
|
|
((سُلَيْمَى))!
|
|
|
سليمى:
|
أجل يا ((مسكُ))!
|
|
|
مسك:
|
ربَّاهُ فُرْصَةً
|
|
|
|
|
|
تَلُوحُ وكم قلبي إلى مِثْلها يَصْبُو
|
|
إلى أين يا من يَعْشَقُ الكونُ ظَرْفَها
|
|
إلى أينَ يا مَنْ يبتغي وصلَها القَلْبُ؟
|
|
أَتَنْسَيْن إِذْ كُنَّا رفيقين في الصّبا
|
|
وَجَارَيْنِ في دارٍ يُسَرْبِلُها الحبُّ
|
|
أَراكِ نسيتِ العَهْدَ،
|
|
|
سليمى (مندهشة):
|
ما العهدُ؟ مَا الهوى؟
|
|
وأيّ كلامٍ رحتَ يا ((مسكُ)) تهرفُ؟
|
مسك (متأثراً):
|
لقد كنتِ قبل اليوم كعبةَ قِبْلَتِي
|
|
وكنتِ هوايَ البِكْرَ والعيشُ أَغْيفُ
|
|
سكرتُ بخمر الحبِّ في مَيْعَةِ الصِّبا
|
|
ورحتُ به نشوانَ أَلهو وأَرشُفُ
|
|
أُرَدِّدُ في الآصالِ نُعمى وِصَالِهِ
|
|
وفي هدأَةِ الأسحار أَدعُو وأَهْتِفُ
|
|
وكنتَ بها يا قلبُ جِدَّ مُتَيَّمٍ
|
|
وكنتَ بها حتى السَّويعةَ تَحْلِفُ
|
|
أجلْ خابَ ظَنِّي يا رفيقةَ صَبْوَتي
|
|
فيا بينُ رفقاً بالذي بِتَّ تَعْصِفُ
|
|
(يخرج وهو باك)
|
سليمى (شبه نادمة):
|
وَيلاه ما أَقساني
|
|
ربَّاهُ ما أَنساني
|
|
يَا وَيْحَ من أَغْراني
|
|
(يدخل مالك بن سليمان قائد قرطبة في طريقه إلى الندوة)
|
مالك:
|
أ ((مالكُ)) و ((سُلَيْمَى))!!
|
|
|
سليمى (لنفسها):
|
قَلَّما اجتَمعا!!
|
|
|
مالك:
|
|
|
أَراكِ وَحْدَكِ تَختالينَ في مَهَلِ
|
|
أأنتِ قاصدةٌ للسَّامرِ الفَخِمِ
|
|
أَمَّ أنتِ في موعدٍ مِنْ نُخْبةٍ مُثُلِ
|
سليمى:
|
نَعَمْ، صَدقتَ. فإنّي بانتظارِهُمُ
|
|
|
مالك:
|
|
|
يا ليتَ أنّيَ منهُمْ،
|
سليمى (بغضب):
|
|
|
كُفَّ عَن غَزَلِي
|
مالك:
|
أَلَيْسَ يُرْضِيكِ عَنهم فارسٌ بطلٌ
|
|
ألَيْسَ قَلبْكِ مَشْغولاً بذا البَطلِ
|
|
كلاَّ، فمثليَ لا تُرضيكِ صُحْبتَهُمْ
|
|
|
سليمى:
|
|
|
أرجوكَ يا سيّدِي إنّي على عَجَلِ
|
|
(تذهب من طريق وهو من طريق آخر ثم عندما يغيب ترجع إلى مكانها ساخرة عابثة)
|
سليمى:
|
لَمْ يَبْقَ إِلاّ هوى كهلٍ كمثل أَبي
|
|
يا بِئْسَ حَظّي أرى الأيام تَعْبَسُ لَيَ
|
|
أَأُنفِقُ العُمرَ في لهوٍ وفي نزقٍ
|
|
أَأُنفِقُ العُمْرَ في كيدٍ وفي خَطَلِ
|
|
ألِلْبُكا جِئْتُ في هَذا الوُجُودِ تُرى!
|
|
ألِلشَّقَا خُلِقَتْ نَفْسي! أللزَّلَلِ!
|
|
أم إنَّه ظِلُّ أتْراحِ يَمُرُّ عَلَى
|
|
عُمري، وبَعْدئذٍ أغْفو على القُبَل!
|
|
(تتناسى كل شيء ولا تذكر إلا ابن زيدون فتقول):
|
|
حَمَلَ الشَّوقَ إليكَ القلمُ
|
|
فإذا الأَسْطُرُ دَمْعُ ودَمُ
|
|
وإذا الذِّكْرى وَقَدْ هاجَتْ مُنًى
|
|
الهَنَا فيها وفِيهَا الأَلَمُ
|
|
والنَّدامى حُفَّلٌ حَوْلي وقد
|
|
دارتِ الكأسُ وجالَ النَّغَمُ
|
|
وأنا أنتَ ومالي أملٌ
|
|
أنتَ آمالي وأنت النَّعَمُ
|
|
أَلِوَصْلٍ عند ((وادي النَّرْجِسِ))
|
|
ولَيالي الأُنسِ ((بالمُقْتَبَس))
|
|
مِنْ شُعاعٍ يُرتَجى أو قَبسِ
|
|
((ما لِقَلْبي كُلَّما هبَّتْ صَبا))
|
|
هزَّهُ الشَّوقُّ لأَيَّامِ الصِّبا
|
|
وتَمنَّى العيشَ في تِلك الرُّبى
|
|
هَكذا الدُّنيا وِصالٌ وجفاً
|
|
ونعيمٌ مُتْرَفٌ أو عَدَمُ
|
|
(تسمع صوتاً وحركة)
|
|
أسمعُ صوتاً إِنَّهُ صَوْتُ حَبِيبي
|
|
ومُنى قلبي ورُوحي وطبِيبي
|
|
(تتغير ملامحها ويبدو عليها شبح الإجرام)
|
|
أجَلْ حَانَ تنفيذُ الخَدِيعةِ إِنّها
|
|
سَيَسْحَقُ يا ((وَلاَّدة)) القلبَ وقعُها
|
|
وسَوْفَ تَريْني و ((ابن زيدونَ)) غُدْوَةً
|
|
حَبيبينِ فِي حالٍ تَمنَّيْنَ حالَها
|
|
وسوف يراكِ الناسُ سوداءَ حِلْيَةً
|
|
مُلَطَّخةً بالعارِ والخِزْيِ حِلْيُها
|
|
أتوارى الآن عنه
|
|
لأَرَى ما فيهِ مِنْهُ
|
|
(تتوارى في الجهة المقابلة. يدخل ابن زيدون)
|
ابن زيدون
|
(كما لو كان يخاطب وَلاَّدَة):
|
|
هِيَ كالفَجْرِ بَسْمةً ورُواءَ
|
|
وهْيَ كالزَّهرِ نُضْرَةً في الخَميلهْ
|
|
قد تجَلَّى جمالُ ((بَلْقيسَ)) فيها
|
|
أينَ مِنْ حُسْنِها ((اعتماد))
(2)
الجميلهْ
|
|
وهْيَ كالْبانِ في القَوَامِ وفي الدَّلِّ
|
|
وسِحْرٌ بهِ القُلُوبُ قَتِيلَهْ
|
|
هِيَ في مَبْسَمِ الزَّمانِ حديثٌ
|
|
ما رَوى الذَّاكرونَ قَبلُ مثيلهُْ
|
|
فيهِ من عَالَمِ القُصور أحاسيسُ
|
|
وَنَعْمَاءُ مُورِقاتٌ ظَلِيلَهْ
|
|
فيهِ مِن سَامرِ المحبِّينَ عِطْرٌ
|
|
ورجاءٌ يُحيي النفوسَ العَلِيلَهْ
|
|
رقَّ كالنَّسْمةِ الصّبوحِ وكاللَّمحِ
|
|
تَبدَّى مِن العُيونِ الكَحِيلَهْ
|
|
أتَدري يا أخا البَدرِ
|
|
أتدري بالهوى العُذْرِي
|
|
وأشْواقِي إِذا تَسرِي
|
|
على الزَّهرِ، على الصّخْرِ،
|
|
على الوادي، على النَّهرِ
|
|
على النَّجمِ، على البَحْرِ
|
|
تُسابِقُ زورقاً يجرِي
|
|
كأحْلامِ الهوى البِكْرِ
|
|
وأيَّامِ الصِّبا الغُرِّ
|
|
إلى النّدمانِ والخمرِ
|
|
وساقٍ في سَنا البَدرِ
|
|
إلى القَيْنَاتِ في القصرِ
|
|
وغيدٍ خُرَّدٍ زُهْرِ
|
|
ورمَّانٍ على الصَّدرِ
|
|
وأنفاسٍ من العِطْرِ
|
|
تَرِفُّ كنَسمةِ الفَجْرِ
|
|
وحُلْمِ اللَّيلةِ الدُّرِّي
|
|
هنا أمَلِي، هنا عُمرِي!
|