شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(المشهد الرابع)
 

(هي ((فيلا)) أنيقة قائمة على ذروة التل، تطل شرفتها الأمامية على مدينة ((بيروت)) وجونها الجميل، حيث تكتحل العين بمشهد رائع خلاب، ومن وراء ((الفيلا)) حديقة غناء، فاحت أزاهيرها ونسقت أشجارها، ومهدت مسالكها، وأقيم فيها كهف صناعي يتساقط الماء من ثنايا صخوره في خرير عذب تستجم به النفس، وينشرح له الخاطر. كانت ((الفيلا)) ملكاً لـ ((خطّار)) الذي عاد من أمريكا موسوقاً بالدولار. نرى ابنته ((ليلي)) وهي تداعب الأزهار وتناجي الطيور، وترقب بنظرة الهائم، الماءَ وهو ينساب من قلب الصخور. لقد اهتاجها المنظر فأسال عاطفتها لحناً عبقرياً رجعته الأطيار، وصفقت له الأشجار، وأنَّ له الماء حنيناً فتدفق يتلوى في خرير يردد أعذب الأنغام. ((ليلي)) تغني والموسيقى تصاحب (غناءها):

الغناء:

دمي، يا ليته ينبوعُ ماءٍ

 

بوادي الحبّ ينسابُ العشيّهْ

 

يروي أنفساً عطشى غراماً

 

تكاد من الجوى تلقى المنيّهْ

 

وليتك يا حبيب معي بقفرٍ

 

وكنّا ظامئين به سويّهْ

 

لفجرت الدماء سيولَ ماءٍ

 

وقلت دمي لمن أهوى ضحيّهْ

 

(يظهر ((فؤاد)) ابن عمها، وهو رجل جاوز الأربعين، دميم الخلقة، تشف قسماته عن الغدر والخيانة، يحب ((ليلي)) حبًّا أعمى، أرّقه وأسهده، و ((ليلي)) تشعر أنه يحبها ولكنها لا تميل إليه أبداً، إنها على العكس بدأت تكرهه لتحرُّشه بها، وملاصقته لها. لقد عمل ((فؤاد)) المستحيل لإرضائها فأرسل إليها من الهدايا ما قيمته بالألوف، ولكن القلوب لا تشترى ولا تباع. تنقطع ((ليلي)) عن الغناء فجأة وقد أبصرت ((فؤاداً)) وتتغير ملامحها، ويشيع الغضب في محياها، وقد كان قبيل قدومه طلقاً مرحاً. يقترب منها ((فؤاد)) قائلاً):

فؤاد:

((حياتي، منيتي، روحي، ملاكي

 

فديتك غنّ يا نور العيون))

 

((إليك مددت ((يا لِيلِي)) يميني

 

تؤدي العهد عن حبي المكين))

 

((وهذا القلب أوقفه ((للِيلِي))

 

أميناً مخلصاً أمد السنينِ))

 

(تضحك ((لِيلِي)) ساخرة، وكانت سخريتها سهاماً تسدد إلى قلبه حتى أثخنته بالجراح فتدفق دمه غضباً شاع في وجهه، وحزناً لمع في عينيه، وألماً رجعته حركات عطفيه فيقول):

 

أتضحكين؟

   

لِيلِي:

ولِمْ لا؟

   

فؤاد:

رب ضاحكة

 

بكت طويلاً على من كان يهواها

لِيلِي:

شيخ كمثل أبيها عمرهُ

   
 

(وتشير إليه إمعاناً في إغضابه، فيشتد غضبه فيقول):

فؤاد:

((لِيلِي)) أتهزئين؟

   

لِيلِي:

   

نعم، لفظاً ومعناها

 

(ويتخذ فؤاد موقف المستعطف وقد رأى اندفاعها في إغضابه فيقول):

فؤاد:

كفاك صداً وهجراً وارحمي دنفا

 

حياته في يديك اليوم ألقاها

 

(وتشفق ((لِيلِي)) على ذله ولكنها أرادت أن تضع حداً لآماله فتقول بجد وحزم):

لِيلِي:

لقد طلبت محالاً..

   
 

(يصرخ ((فؤاد)) وقد هالته هذه اللطمة وحطمت آماله):

فؤاد:

أنت قاسية

   
 

(ويهتاج صراخه غضب ((ليلي)) فتجيبه):

لِيلِي:

أجل ..

   
 

(ويندفع ((فؤاد)) في ثورته فيقول):

فؤاد:

   

تقولينها ما كان أقساها

 

(يظهر والدها ((خطّار)) من مكمنه الذي التجأ إليه ليسترق أحاديث ابنته وابن عمها، فأبصرته ((لِيلي)) ففرحت بمقدمه، وهللت، وساء ((فؤاداً)) حضوره لأنه قطع عليه خلوة ساعة، هي على مرّها وبؤسها جميلة في نظر العاشقين أمثاله، ((لِيلِي)) تخاطب أباها):

لِيلِي:

أبي: أتيت ..

   
 

(وتسعى إليه فيحتضنها ويقول):

خطّار:

نعم، بنتاه:

   
 

(ثم يلتفت إلى ((فؤاد)) متظاهراً بأنه ربما كان قدومه قد عكر (صفو الحديث فيقول):

     

أحسبُني قطعت مجرى أمان..

 

(وتقول ((لِيلِي)) لنفسها):

لِيلِي:

   

بئس مجراها

 

(ويستمر ((خطّار)) في تجاهله فيقول):

خطّار:

فللأصائل يا لِيلِي مباهجها

   
 

(ويبتسم فؤاد ويقول):

فؤاد:

   

وللخمائل يا عماه نجواها

 

(كان ((خطّار)) على علم بحب ابن أخيه لابنته. وكان يساعد على تنمية هذا الحب ويتمنى أن تحققه الأيام، فقد كانت ((لِيلِي)) وريثته الوحيدة. وكان يخشى إن هي أحبّت غير ابن عمها أن تنتقل ثروته إلى أناس ليسوا من أهله، ولكنه كان يتفادى إظهار هذه الرغبة لأن في إظهارها إكراهاً لابنته على حبٍّ ربما ساءت عواقبه، أضف إلى ذلك أن ثقافته وتربيته تحولان دون فرض مثل هذا الزواج. فهو إذاً يترك للزمن تحقيق حلمه. على أنه يحاول، كلما سنحت الفرصة، أن يجنح للتلميح والتعريض فنراه يقول):

خطّار:

وللشباب أحاسيس مجنحة

 

تعلو فيصعب مرآها ومسراها

 

وقد تفيض كنور الفجر مندفعاً

 

إلى الخمائل يسبيه محياها

 

(ويدرك ((فؤاد)) ما جال بخاطر عمه فيظهر إعجابه بما فاه به قائلاً):

فؤاد:

خيالك الخصب أسرى بي تصورّه

 

إلى نعيم ودنيا ما أحيلاها

 

(وتضيق ((لِيلِي)) ذرعاً بأحاديثهما التافهة فتقول لأبيها وهي تتأفف):

لِيلِي:

الليل أقبل فلنذهبْ

   

خطّار:

ويصحبنا ((فؤاد))...

   
 

(وتمتعض ((لِيلِي)) من تصرف أبيها الفجائي إلا أنها تخجل فتقول):

لِيلِي:

   

إن شاء..

 

(يلتفت إلى ((فؤاد)) وإليها في الوقت نفسه مكرراً ((إن شاء))):

خطّار:

   

يا نعمى تمناها

 

أليس ذلك ما تبغي؟

   
 

(يهتبل ((فؤاد)) الموقف فيقول):

فؤاد:

نعم أَبتي

 

نعمى سأحفظها دوماً وأرعاها

 

(وتريد ((لِيلِي)) أن تضع الخطة لتبيان أحاجي والدها وألغاز ابن عمها وقد راعها تطوّر الموقف، فتلتفت إلى أبيها سائلة إياه بسأم وضجر):

لِيلِي:

أبتاه: ما هذي الأحاجي أفصحا...

 

فلقد برمت وضاق ذرعاً صدريا

 

(ويرى ((فؤاد)) الفرصة سانحة للقول ووضع حد لمحاولاته، فقد سئم هو صدودها، وأراد أن يكشف الحقيقة أمام أبيها علّ ((لِيلِي)) عندما تشاهد ميل أبيها إلى ابن عمّها، تخضع فتقبل الزواج به. يلتفت إلى عمّه مخاطباً):

فؤاد:

أأقول يا عماه..؟

   
 

(ويريد ((خطّار)) أن يزيل ما بصدره من علّة فيجيب):

خطّار:

قل....

   
 

(وتنتصب ((لِيلِي)) وقد هالها أن ترى والدها راغباً في زواجها من ابن عمّها الكهل، وهو الذي تثقف ثقافة غربية أهم ما فيها: حرية الرأي والقول، فتلتفت إليهما قائلة وهي لا تملك نفسها من الغضب):

لِيلِي:

أتآمرٌ؟! وتشاورٌ؟!

 

أحكمتماه معاً ليا؟!

 

(ثم تسرع فتغلق باب الجدل عليهما فتندفع بصراحتها المعهودة مخاطبة فؤاد):

 

إن كان ما تبغي الزواج.. فبئسما

 

أملت ما أنت النَّزيل بقلبيا

 

(ثم تلتفت إلى والدها قائلة بالصراحة نفسها):

 

أبتاه.. قلبي ليس سلعة تاجر

 

تشرى

 

(وتلتفت إلى ابن عمها مخاطبة بتهكم):

     

أتسمع يا فؤاد جوابيا؟؟

 

(وتلوح لهما بيدها وتعدو إلى جهة القصر تاركة والدها وابن عمّها في حيرة من تصرّفها. يصحو والدها من أثر الصدمة فيناديها):

خطّار:

((لِيلِي: إليَّ....

   
 

(ويهزأ ((فؤاد)) بندائه فيقول):

فؤاد:

نداء الضَّال في أجَمٍ

 

لا الطير رجَّع ما نادى ولا الأجمُ

خطّار:

((لِيلِي))

   

فؤاد:

لقد نفرت غضبي ولا أملٌ

 

في أن تعودَ

خطّار:

   

ستأتي كلها ندمُ

فؤاد:

((لِيلِي)) ستندم! ما ((لِيلِي)) بنادمة

 

ولو صرخت وبُحَّ الصوتُ والكلمُ

 

لها تركت عنان الرأي منفلتاً

 

فلم تعد لجميل الرأي تحترمُ

 

حرية الرأي للأبناء مفسدةٌ

 

الغرب أرسلها للشرق تخترمُ

 

(وعندما يتبيّن أن لا أمل في رجوع ((لِيلِي)) يصافح عمّه مودعاً قائلاً):

خطّار:

طاب يا عمّاه ليلُكْ

 

وأطلَّ البشر فجركْ

 

صانك الله ويسَّر

 

أمري اللّيل وأمركْ

 

(يذهب ((فؤاد)) يائساً يتلفت ذات اليمين وذات الشمال. ويبقى خطّار وحده منفعلاً من عمل ابنته. يمشي بين ممرّات الحديقة ذهاباً وإياباً يقلّب هذا الأمر على وجوهه وهو يقول):

 

قد بلوت الزمان حلواً ومراً

 

واحتسيتُ الحياة صاباً وجمرا

 

عجمتني فكنت أصلب عوداً

 

وأناخت فكنت أرحبَ صدرا

 

ما ((للِيلِي)) وخيرها كنت أبغي

 

ما ((للِيلِي)) تَشيحُ عنه وتبرا

 

قَدَرٌ، رُمْتُ أن يكون وشاءتْ

 

حكمة اللَّه غير ذلك أمرا

 

(يهمّ ((خطّار)) بالدخول إلى منزله، وإذا بشخصين ملثمين هما ((منصور)) و ((فهد)) يخرجان من بين الأشجار مصوّبين إلى صدره مسدسيهما ويقول ((منصور)) له):

منصور:

مكانك قف.....

   
 

(يقف ((خطّار)) مكانه وقد أخذه الموقف. يتفرس في الشخصين الملثمين علّه يعرفهما، بيد أن الظلام يمنعه من تحقق هويتهما. يشير منصور إلى رفيقه قائلاً):

 

كبّلْ يديه.....

   
 

(ولما اقترب منه ليكبّله يقول له ((خطّار))):

 

ترَّيثا

 

بربّكما ماذا جنيت؟ وما الذنبُ؟

فهد:

هو الثأر يا ((خطّار)) هل أنت ذاكر

 

أخاً غلته في ليلة ذكرها كربُ

 

(يسترجع ((خطّار)) الماضي البعيد ويجيب):

خطّار:

أجل....

   

منصور:

حان وقت الثأر أوثقه جيداً

 

ليعلم أن الثأر لم ينسه العربُ

 

(يكممان فم ((خطّار))، ويسوقانه، وبينما هم كذلك يمر خادم من خدم خطّار فيرى سيده على هذه الحال فيصرخ فيلحقه أحدهما ويضربه بالمسدس على رأسه فيقع على الأرض مغشياً عليه. يقود الملثمان خطّاراً إلى سيارة خارج بوابة الدار ويرميان به داخلها وتتحرك تنهب الأرض نهباً و((خطّار)) غارق في تفكيره لا يدري مصيره ولا يدري ما الذي سيحل بابنته إذا ما افتقدته غداً).

 
طباعة

تعليق

 القراءات :764  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 150
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج