شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رؤية ناقدة "للعوين"
أورد الدكتور محمد عبد الله العوين في كتابه "المقالة في الأدب السعودي الحديث" من سنة 1343هـ إلى سنة 1400هـ - ترجمة مختصرة عن حياة الأديب محمد سعيد عبد المقصود خوجه، الذي أعتبره من أبرز كتّاب المقالة الاجتماعية، ثم تحدث –بشيء من التفصيل– عن أدبه وأسلوبه في الكتابة:
وتمثل آراء "العوين" التي جاءت في مؤلفه المذكور أحدث ما كتب عن الأديب الراحل محمد سعيد عبد المقصود، برؤية نقدية، ذات أبعاد فكرية وثقافية تستحق التأمل، يقول الدكتور العوين (1) :
(اجتهد هذا الكاتب في الدعوة إلى الأصالة ونبذ التقليد، وعني بمحاربة السلوك البعيد عن القيم الدينية والعربية، فأثار على صفحات جريدتي "أم القرى" و "صوت الحجاز" معارك عديدة مع نفر من الكتاب، اختلف معهم في تفاصيل فكرة جديدة يدعو إليها، وهم عنها صادون وغير منصتين، أو مع نفر آخر لا يميل إلى المحافظة على كثير من التقاليد العربية الموروثة، فانهالوا عليه لوماً وتقريعاً، وواجههم في صبر وقوة مدافعاً عن أفكاره، وساعياً إلى خصومه محاوراً ومقنعاً في لطف وأناة.
لقد عاش (أبو عبد المقصود) –وهذا لقبه– المرحلة الانتقالية الصعبة في التاريخ الأدبي والاجتماعي، فالبلاد كانت مقبلة على مرحلة طويلة من التغيير في أساليب الحياة، وفي طرق التربية والتعليم، وفي تنظيم الإدارة، وسبل الاقتصاد.. وكان من الطبيعي أن تختفي عادات وتجيء أخرى، وأن يحتدم الصراع بين تقليد موروث وطريقة جديدة في الحياة، فموقف الكاتب من هذه القضية أقرب إلى الأصالة وأكثر إشفاقاً على الموروث الاجتماعي من السلوك، والأزياء، والإنفاق، ووسائل الترفيه، والمعارف العامة، فأخذ يصور مرامي التغيير الطارئ على الحياة، وبخاصة ما كان مصدره الغرب، أو مجتمعات عربية أخرى تتصل به.
والحق أن (محمد سعيد عبد المقصود) كانت له يد طولى في المحافظة على بعض التقاليد، وفي إثارة الشك في قيمة تقاليد بالية أخرى، ثم في الدعوة إلى تجنب اتباع المخدوعين بأنماط السلوك الغربي.
وقد كتب –خلافاً لذلك– مقالات أخرى في تاريخ الأدب الحجازي، وفي مياه مكة عبر أطوارها التاريخية، وهما مقالتان طويلتان أقرب إلى البحث العلمي، ثم كتب عن المدرسة والتعليم، ودعا إلى تعليم المرأة الحجازية، وإلى الاهتمام بتربية الأطفال، وإحسان تثقيف النشء، وكان أول من دعا إلى الإصلاح الاقتصادي المنظم حين اقترح "مشروع القرش". وله في باب "الاجتماعيات" نصيب وافر).
ثم يبدأ العوين في إلقاء نظرة تحليلية على أدب "محمد سعيد عبد المقصود":
(غير أننا نلحظ في أدبه أمرين هامين، أولهما: ضعف الأسلوب المقالي الذي أجرى به الكاتب هذه الموضوعات، وافتقادها إلى كثير من الطراوة والإمتاع الأدبي، واقترابها من الأساليب العادية المكرورة، ولولا نفس أدبي يتبين بين الحين والاخر في بعض مقالاته ما تناولتها في هذا الفصل كنموذج للمقالة الأدبية الاجتماعية، وثانيهما: غلوه في المحافظة على كل قديم، على الرغم من دعوته إلى الأخذ بجدية الحياة كموقفه من تعليم الفتاة، بيد أن تمسكه بأمور شكلية في المظاهر الاجتماعية العامة كنقمته على (التواليت) وسخريته ممن يعنون بمظهرهم العام، ويكثرون التزين والتطيب ومس ما يجعلهم مقبولين من ناظريهم، هذا التمسك المبالغ فيه قعد ببعض أفكاره عن النهوض، وطمرهها في النسيان مع الموات الكثير من الأفكار البالية المنقرضة.
وما نعلم –الآن– من يبذل مثل هذا الحرص في الدعوة إلى التقشف في المظهر وعدم الاعتناء بما يحبب الإنسان في عيون أهله وأصحابه ويقربه منهم بالرائحة الزكية، والزي الأنيق، والمظهر المتناسق.
ونلحظ ميله في ميدان التقاليد إلى القديم وتجافيه عن الجديد واقتباس ما يصلح الحياة في البلاد من عادات وتقاليد الأمم الأخرى، ولعلَّ هذا السبب كان دافعاً لإعلان الداعين إلى التجديد -كالعوّاد وأضرابه- الحرب على محمد سعيد عبد المقصود، وجرى عليه نفراً آخرين من الشباب المتطلعين إلى الإفادة من جديد العصر، فناوشوه بمقالات حادة، اشتطوا فيها عن جادة النقد وبعدوا عن الصواب، كما فعل من لقب نفسه بـ (المنسف) ومن رمز لنفسه بـ (محمد راسم).
ولعلَّ للفترة التي قضاها موظفاً في الحسبة، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر أثراً في اتجاهه هذا نحو المحافظة الشديدة والحرص على التقاليد.
على أننا –ندع هذا المأخذ– ونقبل منه مقالات كثيرة أثار فيها قضايا اجتماعية عديدة أشعلت الصحافة بالنقاش، وكانت سبباً في تغيير مفاهيم من حوله نحو بعض القيم التقليدية، وبعض الأمور في الاقتصاد، وفي التربية وغيرها.
ويعلِّل الدكتور محمد بن سعد بن حسين، موقف أكثر معارضيه بأنهم كانوا (ينفسون عليه تفوقه عليهم وسبقه إياهم، ولذا تألبوا عليه ونقدوه وعابوا عليه من كتاباته ما يستحق عليه الشكر والثناء). وأرى أن الغيرة ليست سبباً مقنعاً في هذه المناوشات، ولكن اختلاف المفهوم من إنسان إلى إنسان آخر، وتباين اتجاه ابن عبد المقصود، واتجاه معارضيه كان كافياً لما حدث من اختلاف كبير في الآراء، ولأن كاتبنا ليس أكثرهم ثقافة ولا أوفرهم حظاً من الأدب، والبراعة في فنونه، ولا أصدقهم إحساساً بجمال الكلمة ورقتها "إذ كان محصوله العلمي قليلاً، وثقافته محدودة، ولكنه بحيويته القوية، ونضوج عقليته استطاع أن يكون لنفسه مكانة مرموقة قل أن يستطيع الحصول عليها من كان في مثل ثقافته وسنه".
وليس أدل على اعتنائه بالتعبير المباشر، والوضوح في التعبير، وعدم إقباله على الصياغات البيانية الجميلة من لومه أحمد السباعي على أسلوبه الذي نعته بأنه أسلوب فيه "مياعة" (ويمضي الأستاذ العوين قائلاً):
ولنتتبع هذه المناوشة الصغيرة في موضوع أسلوب الرجلين فهي تكشف لنا عن اتجاه "محمد سعيد عبد المقصود" نحو المعنى فقط، ونحو الخشونة في اللفظ وفي السلوك وفي الحياة، فكأنما لا يميل إلى نعيم الحياة، ولا يستلذ بأطايبها ولا يميل في الأسلوب إلى الترف في اللفظ، والصور اللطيفة في الخيال، فهو في مستهل مقاله في نقد أسلوب "السباعي" يؤكد على حاجة المجتمع إلى النقد البريء وتجنب الضعف "المياعة في القول وإرضاء النفوس الضعيفة بتسويد الصحف" ويذكر أن "السباعي" أحد الأقلام التي تحارب العادات السيئة غير أنه يستأذنه في محاسبته على "مياعة" أسلوبه، فهو يخاطبه قائلاً: (أنت تعرف –أيها الصديق– أني أنقم عليك أسلوبك في الكتابة، ومياعتك في الأسلوب، وأتمنى لو فكرت فقدرت فعدلت عن هذه المياعة في الأسلوب، وذاك الأسلوب في الكتابة إلى ما يتفق وروحك إن لم يكن إلى أبعد حد ما، ولكنك أبيت وأصررت على رأيك).
وحين رد "السباعي" أشار إلى أن تواضع ابن عبد المقصود "ليس إلا فذلكة ومشايعة للناس، وكان "السباعي" أكثر حدة، وأرفع صوتاً من كاتبنا، فلم يرحب بملاحظته عليه في أسلوبه، ولم يأبه بها، ما دام أن "ابن عبد المقصود" ليس نابغة هذا العصر فتضرب له قبة يحتكم إليها الأدباء في أذواقهم. ويتساءل "السباعي" عن الأسلوب الذي يستذوقه ناقده فيقول: "أهو هذا الاسترسال في عطف جمل فاترة الروح أخذ بعضها برقاب بعض في سلسلة طويلة تنتهي بالإمضاء لا يجد القارئ فيها متعة ولا تروح فيها عنه نكتة؟ لئن كان ذلك فما أهونه أسلوباً وأبره فناً.
والمياعة أو –الميعة– بالأصح ماذا تعني بها؟ لئن كنت تعني هذا الهزل في الجد الذي أنحوه فثق أن في أحبائك من يعيب عليك أكثر ما يعيب عليك فقدانه في كتابتك وأظنك –أظنك تثور الآن وتغضب وتصرخ في حدة"– لا.. لا أشتهي لنفسي هذا!".
على رسلك يا عزيزي فما ضيعك كقضيتك. ألا واستجب في هدوء إلى الفن واستوحه جمالاً ليقرأ الناس أدباً يصافح القلوب بعذوبته ومرحه ولتعرف أن ما تسميه "ميوعة" ليس أبعد بينه وبين (الميوعة).
ويتبين من أسلوب (محمد سعيد عبد المقصود) ميله إلى الاقتصاد في العبارة والبعد عن الترف في استخدامها، وقلَّة احتفاله بالصياغة، وطلبه القديم يتأسى به، غير أنه لم يصل إلى تأسيه في الصوغ والسبك، ووقف عند النداء له، والدعوة إلى تقديره وامتثاله.
ويتميز أيضاً بالهدوء في المناوشة، والصبر على المناقشة، والبعد عن الإسفاف والتجريح، فقد وقف أمام خصومه –على إسفافهم في نقدهم تجاهه– موقف المتعقل الرزين، الذي لا ينظر إلى الخصومة في سبابها وتهور أصحابها قدر نظره في أسبابها الداعية لها، والأفكار التي يدور حولها الخلاف.
ومن حق هذا الكاتب الاجتماعي المجتهد أن يأخذ حظه من الدرس، وأن يجد نصيبه من الباحثين، فإن لآرائه الاجتماعية تأثيرها، ولها دلالاتها على نمط من التفكير كان سائداً، وعلى نوع من الجهاد في سبيل بث الرأي، وإذاعته على الرغم من العقبات والعثرات التي تصد الكاتب عن سبيله.
وحين توفى "محمد سعيد عبد المقصود" رثاه أصدقاؤه والعارفون فضله المدركون لقيمة بعض اتجاهاته نحو الأصالة، ونحو التقاليد الفاضلة، والعادات الحسنة، فرثاه صديقه "أحمد السباعي" بمقالة تنم عن إعجابه الكبير به، وتقديره لذكائه ونشاطه، وقوة شخصية، ورثاه "عبد الله عريف" بمقالة أخرى طويلة معدداً فضائله، وذاكراً بالخير مساعيه في مشاريع نافعة عديدة، وجمع في وقت واحد بين أعمال ينوء حملها الإنسان، ومشيراً إلى سعيه في مقالاته نحو تغيير الرديء من العادات والبالي من التقاليد بما هو متفق مع قيم الدين، والأصالة العربية. ورثاه "فؤاد شاكر" و "عبد القدوس الأنصاري" وغيرهم) .- انتهى كلام العوين.
مناقشة هادئة:
مع احترامي لما أدلى به الأستاذ العوين من آراء حول الأسلوب المقالي لـ "محمد سعيد عبد المقصود" ونظرته لبعض العادات في مجتمعه، فإن لدي بعض الملاحظات أرجو أن يتسع لها صدر الدكتور الفاضل:
أولاً –ملاحظة الأستاذ العوين التي ينتقد فيها الأسلوب المقالي لـ "محمد سعيد عبد المقصود" وأنه (يفتقد إلى كثير من الطراوة والإمتاع الأدبي).
لعلَّ الدكتور "العوين" قد تأثر بأحداث المحاورات التي جرت بين (ابن عبد المقصود) ومنتقديه، وخاصة الرد الذي كتبه الأستاذ (السباعي) حين اتهمه صديقه بالمياعة.
كما فات عليه أنه في الجزء الأول من كتابه قد أشاد بأسلوب "ابن عبد المقصود" وأكد توفر "الطراوة والصياغة المعتدلة حيث كتب (2) : (ومن علامات القوة في "وحي الصحراء" وتقدمه على ما سبقه وصفه أن يعد ابتداء للنهضة المقالية، وبالأخص ما كان منهما في كتاب ما حفل به من دارسات متفرقة، تدل على طراوة في الأسلوب واعتدال في الصوغ، وتوفيق في اختيار الموضوعات كدراسة محمد سعيد عبد المقصود عن الأدب الحجازي والتاريخ، ومحاضرة أحمد العربي عن الأدب الحديث في الحجاز، ودراسة عبد القدوس الأنصاري عن الشعر ونفوذه في المجتمع العربي القديم).
وإذا كان ما يعنيه الباحث هنا، ما يتعلق بأسلوب "ابن عبد المقصود" في الكتابة الأدبية، فقد أشرت في كتابي "الغربال" إلى ما يفسر لجوء "الكاتب الاجتماعي" لاستعمال الأسلوب الأسهل توضيحاً عند كتابة (المقالة الاجتماعية)، وذلك ضمن مقارنة سريعة بين أسلوبي "السباعي وابن عبد المقصود:
(فالأديب السباعي يحلق في فضاء الفن والجمال، فهو صاحب أسلوب أدبي رشيق في كل ما يكتبه، حتى في التاريخ. اقرأوا له (تاريخ مكة) لتجدوا لذة السرد القصصي الموشي بأسلوب الأدب الرفيع.
والأديب "ابن عبد المقصود" منح لكل فن مذاقه، فحين يكتب في الأدب يعتمد الأصول في طروحاته، وفي التاريخ طرائق بحثه ومنهجه، أما في الصحافة التي بلي بمتاعبها، فإنه التزم "الأسلوب الصحفي" المعروف الذي يخاطب عامة الناس، ليصل إلى الأذهان مباشرة) (3) .
ثانياً- يرى الأستاذ العوين بأن محمد سعيد عبد المقصود كان مغالياً "في المحافظة على كل قديم على الرغم من دعوته إلى الأخذ بجديد الحياة كموقفه من تعليم الفتاة". ونلاحظ هنا تناقضاً في العبارة بين قوله (المحافظة على كل قديم) ثم (دعوته إلى الأخذ بجديد الحياة) وقد جاءت (كل) هذه لتقلل من الفعل الحقيقي لجهود الرجل في مناحٍ أخرى غير "تعليم الفتاة". فقد كانت له آراء متقدمة تستشرف صور المستقبل في مجالات "التربية، والاقتصاد، والصحة وغيرها.
أما مسألة "التواليت" التي أثارها "ابن عبد المقصود"، وانتقده العوين في تناولها (وسخريته ممن يعنون بمظهرهم العام، ويكثرون من التزين والتطيب) فالحقيقة أن الكاتب لم ينكر اهتمام العرب بتربية شعورهم وحرصهم على المظهر اللائق؛ غير أن الأسلوب الذي كان يمارسه شبان الحجاز –آنذاك– في تربية شعورهم يختلف عن المألوف حيث وجدهم يقلدون المجتمع الأوروبي (في تربيته ومشطه وفرقه ودهنه وتعطيره)، والصورة التي عرضها الكاتب (ابن عبد المقصود) عن هذا الأمر تكفي للدلالة على أن هذه العادة كانت مضيعة للوقت (حيث تستغرق العملية من نصف ساعة إلى ساعة) والبلاد –في عهد التأسيس– بحاجة لهذا الوقت من أجل البناء الاجتماعي والحضاري.
ثالثاً- لم يكن (العوين) -في اعتقادي على الأقل- منصفاً في تقييمه لبعض الجوانب من شخصية (الأديب) محمد سعيد عبد المقصود، وبالتحديد عندما خالف رأي (أستاذه) الناقد الدكتور محمد بن سعد بن حسين في تعليل موقف أكثر معارضي (ابن عبد المقصود) بأنهم كانوا (ينفسون عليه تفوقه عليهم وسبقه إياهم، ولذا تألبوا عليه ونقدوه وعابوا عليه من كتاباته ما يستحق الشكر والثناء). فالعوين يرى بأن التعليل يكمن في (اختلاف المفهوم من إنسان إلى إنسان آخر، وتباين اتجاه ابن عبد المقصود واتجاه معارضيه كان كافياً لما حدث من اختلاف كبير في الآراء..).
ولعلَّ هذا الرأي كان مقبولاً لو توقف عند هذا الحد، فقد أضاف الأستاذ العوين قائلاً: (ولأن كاتبنا ليس أكثرهم ثقافة ولا أوفرهم حظاً من الأدب والبراعة في فنونه، ولا أصدقهم إحساساً بجمال الكلمة ورقتها "إذ كان محصوله العلمي قليلاً، وثقافته محدودة، ولكنه بحيويته القوية ونضوح عقليته، استطاع أن يكون لنفسه مكانة مرموقة قل أن يستطيع الحصول عليها من كان في مثل ثقافته وسنه" (4) - والكلام بين الأقواس الأربعة للأديب الراحل محمد عمر عرب كما أشرت في الهامش).
وتبدو نظرة الأستاذ العوين نحو الأسلوب المقالي الاجتماعي أو الأدبي فيما كتبه (ابن عبد المقصود) متباينة وغير مستقرة، وتتعارض أحياناً مع بعض المفاهيم الأدبية التي أوردها في كتابه المشار إليه.
لنقرأ ما كتبه من وصف لطريقة الكتابة عند الرومانسيين والواقعيين (5) وما تتميز به كل من المدرستين "الرومانسية، والواقعية" لتتضح لنا حقيقة ما ذهبت إليه:
الرومانسيون:
- يخلصون كثيراً في مقالاتهم للحديث عن الذات.
- لا يميلون إلى النقد المكشوف، ويهربون من المواجهة.
- يعتمدون الرقة في المشاعر والحزن واستدرار الدموع.
- يمكن أن نعد الطبيعة ملجأهم في شكواهم ومصدر إلهام كثير منهم.
- يجعلون من أنفسهم فداء لقضاياهم، فيسخرون من الواقع عن طريق سخريتهم من أنفسهم.
- يهربون من الألم الاجتماعي والضغوط النفسية بالغناء الذاتي، واستدرار معاني الجمال في الطبيعة.
- لا يميلون إلى المباشرة ويلفون قضاياهم بغلالة رقيقة من الرمز أو اللفظ الموحي.
- لا يعتقدون نجاح الأدب في الإصلاح، ولا يرون اتخاذه وسيلة ذلك، فالأدب لديهم متعة وسمو، وبرج عاج.
- يتفاعلون مع لفتات الجمال في المشهد الطبيعي وفي المرأة، وفي السمع، والشدو، وغيرها، فيصورون استلاب ذلك الأثر وجدانهم ومشاعرهم .
- المثال لديهم بعيد المنال، والوصول إليه واقعياً أكثر بعداً، ولذلك يتغنون بالأحلام، وكأنهم يسعدون بتمنعها عليهم.
- يعنون بأدواتهم الفنية ولا يعدون من الأدب أي نص لا يحتفل صاحبه بتزيينه ومعاودته بالنظر والصقل، فالمقالة الأدبية لديهم –مثلاً– فكرة وشكل، وربما كان الشكل أكثر أهمية، وأدعى للتنبيه إليه.
- لا يعنيهم أن يفهمهم الآخرون، فهم في عزلة نفسية عمن يسمعهم، فالشدو بالجماليات مطلب ذاتي بحت وليس ضرورة اجتماعية، وربما لأن من حولهم –فيما يرون– لا يسعون إلى الفتنة والسحر والخلب.
- الوجدان والقلب لديهم موضعان لفيض المعاني، وإثراء النفس، والعقل والتفكير يفسدان الفن، ويذهبان بروائه.
- يتشاءمون ويسيئون الظن بالناس وبالحياة.
الواقعيون:
يلتقون مع الرومانسيين في نقاط قليلة، أو في أجزاء منها، ويختلفون معهم في كثير، فهم يتميزون بما يأتي:
- يخلصون أكثر مقالاتهم للحديث عن الواقع.
- ميالون إلى النقد المكشوف، ومواجهون لخصومهم.
- ليست العاطفة ذات بال، وليس لها شأن كثير في تفوق المقالة عندهم.
- يستنبطون أفكارهم من الواقع، ولا يذهبون وراء الخيال.
- يميلون إلى الحقائق والمعارف الثابتة، ويتجافون عن الأوهام والخيالات ويسعون إلى تحقيق ما يرونه صحيحاً.
- يسخرون أدبهم لخدمة المرامي الفكرية التي يرجون تحقيقها، ولا ينفكون عن الدأب على بعث نشاط فكرة إصلاحية خبت.
- الفكرة لديهم هي الأساس، والشكل الفني مكمل لها، وحين تصل الفكرة إلى متلقيها في سهولة ويسر ودون إسراف في تزيين الشكل فلذلك مبلغ التوفيق لديهم.
- الوظيفة الأدبية ليست غاية في ذاتها، بل هي وسيلة إلى غاية أكثر شرفاً من المتعة الفنية.
- لا يولون اهتمامهم للنزعات الفردية، كالتأثر بمعاني الجمال، ويرون ذلك مسألة ذاتية، والأدب لديهم هم اجتماعي.
- لا يحلمون كثيراً، ولا يرون آمالهم محلقة في الخيال، بل ينظرون إلى ما يريدونه فيرسمون حدوده ثم يسعون إلى تحقيقه.
- الحقائق أولاً، ثم ما تصاغ فيه، وكل حقيقة لديهم ملزمة الأديب بتمثلها.
- الواقعيون يرون أن الأدب الجماعي حقيق بالبقاء والخلود، لأنه مصور آلام الأمة وآمالها، وأما الأدب الفردي فمصيره النسيان.
- العقل والتفكير لديهم في الدرجة الأولى من الاهتمام، ثم العاطفة والخيال مسألتان مكملتان.
- الأداة الفنية لدى الواقعيين تؤدي مهمتها في الإيضاح وشرح الفكرة، أما التزويغ والصنعة والفن للفن فمرتبة متأخرة.
- يتفاءلون ويعملون بوحي من هذا التفاؤل.
ثم يشير "العوين" إلى العلاقة بين أصحاب المدرستين (الرومانسية، والواقعية): (ونجد أن الفريقين يلتقيان قليلاً ويختلفان كثيراً، وهذه سمات نجدها في أكثر ما نقرأه من أدب المدرستين، وقد يتميز بعض الكتّاب بميزات يتفرد بها، ويخرج أحياناً عن نطاق هذين التيارين. كما أن عدداً من المقاليين قد يتحول من اتجاه إلى آخر لتأثره بعوامل مختلفة، فعزيز ضياء بدأ رومانسياً، وانتهى واقعياً، وبعضهم لا يزال يخلط النزعتين معاً كالفقي، وإن كان الغالب عليه الاتجاه الذاتي المحض..).
- وقد أدرج الأستاذ العوين اسم "محمد سعيد عبد المقصود" ضمن قائمة "الواقعيين" وهو ما أوافقه عليه، غير أن الاختلاف يظهر عندما أجده - في نقده لابن عبد المقصود - ينزع إلى النظرة الرومانسية مستخدماً بعض أدواتها التي لا تنطبق على الأسلوب "الواقعي" الذي اشتهر به الأديب الراحل.
وكان من العدل أن لا نحمل كاتباً "واقعياً" مسؤولية العناية باتجاهات "المدرسة الرومانسية".
والمقارنة بين أسلوب "ابن عبد المقصود" (الواقعي) وأسلوب منتقديه ومعارضيه "الرومانسيين" أصلاً، كان يجب أن تتم وفق المفاهيم التي عرضها الأستاذ "العوين" حول ما يتميز به (الرومانسيون) و (الواقعيون).
وهذه الملاحظات لا تلغي –بطبيعة الحال– النظرة الإيجابية للأستاذ العوين نحو شخصية أديبنا الراحل، وإشادته بآرائه الاجتماعية وتأثيرها، ودعوته إلى (أن يأخذ هذا الكاتب الاجتماعي حظه من الدرس، وأن يجد نصيبه من الباحثين).
ولا شك أن الأستاذ (العوين) قد أجاد وأوفى في بحثه الشيق، وفتح الباب أمام الباحثين للوصول إلى المزيد عن حياة وآثار الأديب الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه. وكتاب الدكتور محمد عبد الله العوين: (المقالة في الأدب السعودي الحديث) يعد من أبرز المراجع في هذا المجال، لقيمته الأدبية، وحسن توثيقه للمعلومات التاريخية، وما يحتويه من آراء قيمة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :664  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 112 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.