شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة حق للحق نفسه
حول مقال طرائف عن الحجاز
نشرت مجلة (كل شيء والدنيا) الغراء بعددها 575 مقالاً تحت عنوان "طرائف عن الحجاز".. الحلاق يحلق نصف ذقنك ثم يساومك على الأجر، استهله الكاتب، بأن حكومة الحجاز تتمسك بالبقاء على اللحى، وأنها أصدرت قانوناً فرض على الحلاقين إبلاغ السلطة بأمر كل شخص يطلب من الحلاق جز لحيته لمعاقبته بغرامة مالية.
واسترسل الكاتب في الخيال حتى قال: "ولا يساوم الحلاق زبونه في أجر الحلاقة إلا بعد أن يكون قد قطع شوطاً كبيراً في مهمته، كأن يكون مثلاً قد حلق له نصف ذقنه ثم يتركه فيقول له بلغته الدارجة:
- كم بتسلم يا سيدي؟
فيجيب الزبون: كذا.
فيقول الحلاق: زدني قليلاً.
ولا يزال به يساومه، هذا يرفع السعر والآخر يطلب المزيد، حتى إذا ما انتهى الحلاق إلى أجر يرضاه قال: مرحباً يا سيدي هو كذلك ثم ينشط لإتمام الحلاقة.
ثم أردف حضرة الكاتب ذلك بخيالات عدها طرائف عن العربات (الكرو) وأجورها، والزواج، وعاداته وغير ذلك.
والواقع أن حضرة الكاتب لم يوفق لذكر الحقيقة بل استرسل في الخيال وأخذ يخلط بين العادات في عقد القران، والعادات في الزفاف، والكل محرف تحريفاً يعد طعناً في الصميم.
ويسرنا جداً أن يتناول الناس عاداتنا بالكتابة والبحث، ويسرنا أكثر تحليل تلك العادات وانتقادها، ولكن على ضوء الحق والحقيقة؛ أما بالكذب والخلط فهذا ما لا يقره البحث، وما لا ترضاه الكرامة، وما لا نقبله لأنفسنا.
إذا تمسكت حكومة الحجاز باللحى فهي لم تتمسك إلا بسنة سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يعاب، فوالله الموت خير من الحياة.
أما أن حكومة الحجاز أصدرت قانوناً فرضت فيه على الحلاقين إبلاغ السلطة أمر كل شخص يطلب من الحلاق جز لحيته لمعاقبته بغرامة مالية؛ فهذا غير صحيح، وأما أن الحلاق يساوم زبونه على الأجر بعد حلق نصف ذقنه (هكذا) فهذا اختلاق محض لا نصيب له من الصحة. ولا أدري كيف سها على الكاتب مناقضته نفسه، ففي أول المقال أثبت تمسك الحكومة والحلاقين بالبقاء على اللحى، وفي وسطه نفى قوله الأول وأثبت حلق اللحى، فقال: "أن المساومة على أجر الحلاقة لا يكون إلا بعد حلق نصف ذقن الزبون"، وهذا تناقض مفضوح، كنا نود أن يتيقظ إليه حضرة الكاتب.
إنا نكتب على هذا مشهد من الألوف المؤلفة من الحجازيين وغيرهم من الأجانب، ولا يستطيع أحد تكذيبنا فيما نقول، (وأهل مكة أدرى بشعابها) كما يقول المثل، فنحن أبناء هذا البلد أدرى بعاداتنا قبل غيرنا.
إن الحلاق في هذا الوطن العزيز أحسن منه في بلاد العالم من حيث الإلحاح والمطالبة بالأجر فما أعطيته من أجر أخذه حامداً شاكراً لا يستطيع عده وأنت أمامه خجلاً منك فضلاً عن مساومتك بعد حلق نصف الذقن، وقد يقاطع الحلاق لسبب من الأسباب قبل البدء في الحلاقة، أما بعد البدء في الحلاقة فهذا ما ننفيه بشدة ونتحدى كل من يقول به.
أمَّا ما قاله حضرة الكاتب عن أجرة الراكب الواحد في عربات الكرو، فهو قول مبالغ فيه، فإن العربة تؤجر بأكملها بنصف ريال، وإذا ارتفع الأجر فإنها تؤجر بريال سعودي. (أي ثمانية قروش مصرية)، لأكبر مسافة في البلدة، ولا صحة لقوله أن أجرة الراكب ريال، وأن الحوذي لا يؤجر عربته إلا إذا اكتمل ركابها.
وقال إنها خمسة، ومعنى هذا أن أجرة العربة الواحدة خمسة ريالات، ولا صحة لقوله أن صاحب العربة لا يؤجر عربته لشخص واحد، أن العربجية في هذا الوطن أحسن معاملة من غيرهم في بلاد العالم، وإذا دفعت لهم أجرة كاملة فلا يمانعون في تأجير عربتهم، والمنطق والعقل لا يقبلان هذه الممانعة.
ومن الغريب أن الكاتب أخذ يخلط في عادات حفلة القران وعادات حفلة الزفاف فادعى أن كتابة العقد لا تتم إلا أمام العروس، وعلى أثرها يكشف العروس وجه عروسه، وخلط بين ذلك ما شاء له الخيال أن يخلط، ومن الغريب ما ذكره عن عادات الزواج قوله: "إذ أن بين الحلي العربية التي تتزين بها المرأة كفاً من الفضة الخالصة تلبس في اليد كالقفاز (هكذا) ومن عادات العروس إذا لبستها أن ترفع يديها إلى أعلى لتري الناس زينتها، فنحن أبناء البلد وأدرى بعاداتها ولا نعرف أن من بين حلي العروس القفاز الذي ذكره صاحبنا ولم نسمع بأن العروس ترفع يدها إلى أعلى لتري الناس زينتها، وإنا ننفي هذا وننبه عليه. وختم حضرة الكاتب مقاله بأن في الحجاز تليفونات وأجهزة للراديو - في شيء من الاستغراب - وقال: ليست التليفونات غير مخصصة. ولا أدري هل يظن الكاتب أننا نعيش في جبال هملايا أو أنا لا نزال نستعمل وسائط أهل القرون الوسطى؟ ولا أدري كيف أنكر وجود نمر للتليفونات وهي أشهر من نار على علم، وقل أن تجد شركة تجارية أو تاجراً ولا تجد في أوراق تحاريره نمراً تليفونية.
إذا أراد المخلطون أن يخلطوا على حسابنا، ولا يسترسلوا مع خيالهم في الأوهام باسمنا، وإنا نريد أن ينتقدنا الناس، لكن بالحق والحقيقة، فإذا فعلوا فإنا لهم من الشاكرين، وإذا حادوا فلا تثريب علينا في رد زيفهم وبهتانهم، وإنا لفاعلون إن شاء الله.
مكة المكرمة: ابن عبد المقصود
جريدة "صوت الحجاز" العدد 237
الثلاثاء 8 شوال 1355هـ
الموافق 22 ديسمبر 1936م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :362  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.