على هامش مشروع القرش |
قرأنا، ثم كتبنا، ثم سمعنا، ثم ضللنا الطريق. قرأنا فكرة "مشروع القرش" في أول ظهورها، وكتبنا حولها بما ظنناه موصلاً للطريق، ثم سمعنا بضرورة تعضيد هذا المشروع، ولكن ضللنا، ولم نهتد إلى الطريق، فلذلك استرشدنا. |
إذا كانت الحياة في الأمم جميعها هي العمل، وإذا كان العمل من الأسس الضرورية للحياة، وإذا كان الزعماء من إحدى تلك الأسس، وإذا كانت تلك الأسس من الضروريات لطلاب التقدم، كان لزاماً علينا أن نتلمس الطريق الموصل إلى الغاية، الغاية التي تنشدها الأمم الحية، أما الهراء والجعجعة، والهرج والمرج، كل هذه أشياء تميت الشعور الحي، وتقضي على كل الذكاء والحماس والوطنية الصادقة. |
قرأنا فكرة مشروع القرش، فتحركت فينا -وفي غيرنا- عاطفة التشجيع فزججنا بأنفسنا في بحث الموضوع على ذلك يخرجه من دور التفكير إلى دور العمل، من حيز العدم إلى حيز الوجود. دفعنا إلى ذلك الواجب، وحفزنا إليه الإخلاص، وإذا طالبنا الغير بأن يعمل فإنا لم نطالبه إلا بواجب عليه نحو هذا الوطن البائس المسكين. |
قرأنا بأحرف بارزة في جريدة "صوت الحجاز": "مشروع القرش في الحجاز واجب وطني على كل مسلم تعضيده" أسرنا ذلك، وأحببنا أن نعرف نظام هذا المشروع، وأعماله ومكانه، والأيدي التي تديره، لنقوم بالواجب علينا، فبحثنا طويلاً، فلم نعثر على شيء من ذلك وخرجنا بالنتيجة أن الموضوع أشبه بحركة مذبوح، ما لبث أن رقص قليلاً حتى طاح همداً لا حراك ولا صوت، ولا جمعية ولا عمل. |
هذه الحقيقة مؤلمة، ومرَّة، ولكن لا مكابر في الحقائق، وليس من العدل إخفاءها وإلباسها ثوباً مزيفاً. |
سنة التطور تكفي أن تكون حكماً في هذا الموضوع، ومن شذّ سقط، والطفرة محال، فلماذا لا نسير على ذلك؟ ولماذا نشذ؟ ولماذا نطفر في القول فقط، ولماذا لا ننظر في الطرق التي سار عليها غيرنا فنسير على إثرهم؟ ولماذا لا نقتبس من النظم التي وضعها غيرنا ونأخذ منها ما وافق عقليتنا، وطابق عادتنا، ونطبق علينا؟ لماذا لا نفعل ذلك؟ وعلى من تقع المسؤولية؟. |
نحن لا نشك أن جميع الذين خاضت أقلامهم في بحث هذا الموضوع، كتبوا ما اعتقدوا أنه موصل للغاية، وكانوا مدفوعين إلى ذلك بدافع الإخلاص، لا يخامرنا في ذلك شك ولا ريب، ولكن هل الكتابة وحدها تكفي لإبراز هذا المشروع إلى حيز الوجود؟ لا نظن ذلك، ونعتقد أن الكثيرين يوافقوننا على ما نقول. |
قام الضعفاء أمثالي فكتبوا في هذا الموضوع وبحثوه، وقام الأفراد فلهجوا به مثنى وثلاث، ولم نتعد ذلك، أما قادتنا، وكبراؤنا، وأغنياؤنا، والمتسيطرون على أمورنا، فإنهم لم يحركوا ساكناً، ولم ينبسوا ببنت شفة وأظن أن ذلك لم يخطر لهم على بال، ولم يرد لهم على خاطر. |
والله إن ذلك أمر مخجل، وعمل يقضي على كل بادرة خير، وحركة مباركة، وقضاء نهائي على تفكير يؤمل من وراءه فائدة وإصلاح لهذا الوطن العزيز. |
إن الضروريات الأولية –في نظري– لنجاح هذا المشروع أن الذين يتولون أمر إدارته لا بد وأن يكونوا من ذوي الوجاهة والثراء، والحيثيات البارزة، ليكون ذلك أنفى للشك وأنجح للعمل، وما مصر وطلعت حرب ببعيد، أما كون مدارس الفلاح تتولى بنفسها أمر هذا المشروع وتقوم به فهذا –في نظري– عقيم الفائدة، وسيجعل المشروع ضمن قيود ليس من الحق ولا من العدل أن يقيد بها. نحن تهمنا مدارس الفلاح، ويهمنا أمرها، ويسرنا نجاحها، ونود لها فرجاً ومخرجاً مما هي فيه، ولكن هذا العمل لا يجدي نفعاً إذا هي قامت به، لأنها –بكل صراحة– لا تستطيع أن تقوم به، وليس هذا خطأ في حق المنتمين إليها، لا، بل لأن اشتغالها بإدارة أعمالها الداخلية يعوقها عن ذلك، وهذا المشروع –كما قلنا– يتطلب جهوداً عظيمة، وبالأخص في تكوينه الأولي، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أن مشروع القرش مشروع حيوي عام، يجب أن تصرف وارداته في مشروعات البلاد الحيوية العامة، وكما أنا نقول بهذا، فإنا نرى من الحق أن لا تحرم هذه المدارس، وأمثالها من ثمرات هذا المشروع، وذلك بتخصيص قسم من وارداته لسد حاجياتها ولوازماتها الضرورية. |
أما المسؤولية –في نظري– فملقاة على قادة البلاد وكبرائها، ونجاح هذا المشروع متوقف على جهودهم، وما يبذلونه نحو ذلك، وهم وحدهم الذين يستطيعون أن يخرجوا هذا المشروع إلى حيز الوجود، وعليهم وحدهم تقع تبعة فشله، ولسنا نريد منهم إلا العمل الأولى فقط، ويكفينا منهم الجهود العملية، والمساعدة الذاتية في تكوين الجمعية وتنظيم أمورها، وإخراج تصريح بالعمل ثم بعد ذلك لهم منا التقدير والشكر، ومن التاريخ تسجيل عملهم بما يستحق. |
هذه كلمات بريئة أوجهها إليهم، أرجو أن يبحثوها، وينظروا في الواجب عليهم، ثم يعملوا ما يعتقدون فيه الخير. وإذا لم ترق لهم فليضربوا بها عرض الحائط، ومني عليهم وعلى هذا المشروع السلام. (قل كل يعمل على شاكلته وما ربك بظلام للعبيد). |
|
|
|
الاثنين 18 صفر سنة 1352هـ |
|
|
|