شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النقد شيء والشخصيات شيء آخر
(تابـع لما سبق)
أعود بعد هذا فأستسمح خاطر الأديب لأناقشه فيما زعمه من جهة الكشف الطبي غاضاً النظر عما كتبه من تحليل شخصيتي، ومعارفي، ومبلغ كتاباتي، لأن ذلك ليس له عندي من الأهمية مكان ما دمت أدرى بما في نفسي وما دام المثل العربي يقول "مهما تبطن تظهره الأيام".
يقول حضرة الأديب أن الكشف الطبي غير موجود في أوروبا، وأنهم حاولوا تطبيقه فلم يفلحوا فلأجل ذلك يجب علينا أن نتركه نحن أيضاً لأن أوروبا لم تسبقنا إليه - هذا معنى ما رد به الأخ العزيز فيما يتعلق بالموضوع، مع كون هذا القول فيه ما فيه من مخالفة للحق والحقيقة إلا أني أسلم لحضرة الأديب بذلك جدلاً وأناقشه من الوجهة الثانية فأقول: أي رابطة تربطنا بأوروبا؟ وما هو المانع في كوننا لا نقبل على أمر إلا بعدها؟ من الخطأ –والخطأ المهلك– أن نبقى مكتوفي الأيدي عن أي عمل حتى تسبقنا إليه أوروبا وإذ طبقنا هذه النظرية على أنفسنا وبقينا تحت رحمة أوروبا فستقضي علينا أوروبا بخيلها ورجلها ونحن متوسدون الأرض لا قدر الله.
أوروبا يا أخي تعمل لمحونا، تعمل لهلاكنا، تعمل لتمزيقنا، فإذا لم ننافسها ونسير معها القذة بالقذة وإلا نجحت "لا أراد الله" وبؤنا بالفشل "لا سمح الله".
أوروبا غيرنا، ونحن غير أوروبا، فلماذا نبقى عالة عليها؟ ولماذا لا نقدم على شيء إلا بعدها؟ لماذا نقبل أن تكون هي السيدة السائدة؟ وهي وحدها المتفننة المخترعة؟ لماذا؟
كما لأهل أوروبا رؤوس لنا رؤوس وكما لهم أفكار لنا أفكار. وإنما هم سعوا وجدوا فتقدموا، ونحن تقاعسنا ونمنا فتأخرنا، وإذا عملنا اليوم وجدينا نافسناهم في كل شيء فسننجح، أما إذا بقينا متمسكين بمثل ما تفضلت به فسنتأخر بدون شك. فأيهما أجدر؟
إن أوروبا ما بلغت الشأو الذي هي فيه إلا بعد أن كدت وجدت، ولو بقيت تنتظر غيرها يخترع وغيرها يتفنن ثم تأتي هي فتأخذ عنه ذلك لكانت اليوم تعمه في دياجير الجهل، ولما رأينا لها هذه الصولة، ولما سمعنا لها بهذا الصيت ولما قلت أنت ما قلت. أوروبا تعرف –من القديم– أنه لا حياة لها إلا بتمزيقنا والشرق - مع الأسف عن قريب- أصبح يعتقد أنه لا حياة له إلا بمنافسة أوروبا والقضاء عليها. فهل بعد هذا يحق لنا أن لا نقدم على أمر إلا بعد أن تسبقنا إليه أوروبا؟ وهل هذا دليل على الحياة؟
لنرجع قليلاً إلى ما تفضلت به عن الكشف الصحي وهو: "أي فائدة إذن في ذلك الكشف الصحي هلا كان يحس به "أي الغربال" قبل أن يبدأ برأيه في شيء أن يشيد دعائمه منعاً من التهافت والانفراج؟".
كأن حضرة الأديب يقول "وإذا كان الكشف الطبي مقصوراً على الرجال دون النساء فلا فائدة منه" وهو اعتراض جميل لو سلم من السخرية والهزء.
حضرة الأديب محق في بعض الأمر ولكنه نظر بعين واحدة إلى جهة واحدة، وترك الجهة الثانية وأغمض عينه عنها. وقد نظرت إلى تلك الجهة التي نظر إليها "وهي مسألة النساء" ورأيت من الأصلح إسدال الستار عليها لأن الأفكار والمعارف في الحجاز لم تبلغ درجة التعرض للنساء، وهم يرون أن بحث ذلك جرم لا يغتفر ذنب فاعله، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، هم بعيدون عن الأشياء التي تسبب الأمراض "والعارف لا يعرَّف" فلذا وذاك عدلت عن ذلك ووضعت هذه الجملة الاعتراضية: (ولا أقول للزوجة معه لأسباب لا تخفى على من تدبر وتبصر) التي لا أشك في أن ذكاء الكاتب قد عرف مضمونها، إذ هي تدل على ما كان ينتابني من الأفكار من هذه الوجهة، والظاهر أن الأخ المحترم أحب أن يتجاهل ذلك.
هذا هو السبب الذي جعلني أقول باقتصار الكشف الطبي على الرجال دون النساء عملاً بذلك المثل "ما لا يدرك كله لا يترك جله" أما كونه إذا اقتصر على نوع دون آخر فيكون عديم الفائدة فذا بعيد عن الصواب، ولو قال حضرة الأديب تكون الفائدة غير تامة لسلمت له بذلك لأنه ليست الأمراض محصورة في النساء دون الرجال لا بل هي في النوعين وربما زادت في الرجال عن النساء لأسباب كثيرة، وبهذه المناسبة أطلب من الأطباء الموجودين في الحجاز أن يتفضلوا بكتابة كلمة عن هذا البحث لأنهم أصحاب خبرة ودراية. وختاماً أستسمح خاطر حضرة الأديب إن حصلت مني هفوة ولم أقصدها، أو زلة لم أتقصدها شاكراً له ما تفضل به علي، وما أسداه إلي من جميل ومعروف. والله الهادي إلى سواء السبيل.
مكة المكرمة: (الغربال)
صوت الحجاز: العدد 31
8 رجب 1351هـ
7 نوفمبر سنة 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :401  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 99 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.