شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نحن والعادات
لكل أمة من الأمم عوائد مخصوصة، تتقيد بها، وتسير على نظامها، وتحافظ محافظة تامة على عدم العبث بها، وقد تتمكن بعض العادات من النفوس، وتتغلغل في قلوب الأمة فتصير واجباً من الواجبات، وفرضاً من الفروض المقدسة. وقد يبلغ حد التمسك بالعادات إلى مقامة من أراد العبث بها، ومن الصعب جداً نزع العادات من الأمم، وبقاءها خالية منها. وإن التغير الذي نراه يحدث في عادات بعض الأمم، ما هو إلا ناشئ من محاربة قلمية أو دساتير رسمية لتلك العادات، فأثمرت، وتغيرت تلك العادات السيئة بأخرى أحسن منها، فصارت هذه الأخيرة عادة لتلك الأمم.
فالعادات باقية ببقاء الحياة لا يمكن أن تزول إلا بزوالها، وإذا نحن كتبنا فيها، فلا نكتب فيها لاستئصالها، لا، بل لأجل أن نضع موضعها عادة حسنة نستفيد منها أكثر من الأولى التي كانت تضرنا، وتفتك فينا، أما استئصال العادات تاماً فهذا شيء من المستحيل لأنه لا يمكن بقاء الأمة خالية من العادات، فمثلاً إذا كانت عادتنا في غذاء أطفالنا سيئة لا تنطبق على الوجهة الصحيحة، وقلنا بإزالتها، فمعناه أننا نطلب أن تكون التغذية على وجهة فنية لكي تفيد أطفالنا، وتحسن من صحتهم، وعند ذلك نكون قد أبدلنا العادة السيئة بعادة أخرى حسنة. وكل شيء يتفق عليه العرف، وتعمله الأمة، وتواظب عليه يكون عادة فيها.
وكل أمة من الأمم يجد لديها من العادات ما هو حسن وما هو قبيح، وحجازنا كذلك، ولما كان القصد الفائدة ليس إلا فسنقتصر في بحث العادات على ذكر السيء منها المضر بنا فقط، أما العادات الحسنة فمالنا وإياها، لأن الحسن حسن، والقبيح قبيح، وقد يظن البعض أن القصد من هذا هو التشهير بمعائبنا، ونقائصنا والتنديد بما فينا من سيئات –وقد جزم البعض بذلك– حالة كوني ما قصدت ذلك، ولا أردته، وليس لي فيه غاية، وإنما قلت ما قلته، وما سأقوله وغرضي لفت نظر الأمة إلى الداء الساري الذي يفتك بها من حيث لا تشعر، علَّها تنتبه فتقاومه، وتحس فتتأصله، وهذا واجب قمت به، وهو الذي دفعني إلى ذلك، وإني لا أريد من أحد جزاءاً ولا شكوراً ما دمت أقوم بأداء واجبي، وأداء ما علي نحو وطني وأمتي.
وإني أقول أن من رأى في كتاباتي غير الحقيقة فليردها عليّ مقرونة بالبراهين، وإذا فعل فإني أقبلها وأنا له من الشاكرين.
كيف ننفق؟؟
كل منا يعرف أن ليس لنا مرتزقاً غير ما نتحصل عليه من الموسم، وهو كل ثروتنا، وكل ما نعلق عليه من آمال، فنحن نكابد أيام الموسم للاستحصال على ما نصرفه طيلة سنتنا، فنخرج بما نخرج، من قليل أو كثير، ولم نكن لنقتصد فيه ولا لندخر منه لعوزنا قليلاً ولا كثيراً حتى ولا نوزعه على أيام سنتنا كلها، بل اعتدنا أن نصرف جميع ما يصل إلى أيدينا في الحلوة والمرة والحسنة والسيئة والجديد والقديم:
يوم في جعرانة، وآخر في سولة، وثالث في الوادي و....
ثم ثوب لاس، وآخر كتان، وثالث رشوان و....
وفوق ذلك كوت نزك، وآخر ملوكاني، وثالث وزيرية و....
يلحقه إحرام صوف، وآخر حرير، وثالث مشروك و....
متبعين الموضة التي مضت أجسامنا، وأنهكت قوانا، وأخذت ما تحصلنا عليه بأعظم المشقات، غير مبالين بما سيعقب ذلك من أتراح تدمي القلب، وأيام سود تكسر العظم، وتفتت الكبد، فلطفك اللهم وحنانك، وعفوك فاهدنا إلى سواء السبيل.
إني أكتب هذه والقلب يتقطع ألماً من العادات السيئة التي اعتدناها في مصرفنا، وبذخنا، ولهونا، ولو تدبرنا وحاسبنا أنفسنا وناقشناها لكان أولى، وكم كان جميلاً لو عدلنا هذه العادة، واتبعنا عادة تؤمن مصلحتنا، وأحسنا التصرف في أعمالنا، وحسبنا للزمان ألف حساب، واستيقظنا لمثل هذه الحوادث، وادخرنا لها بعض شيء نقاومها به، ولو لم تكن فائدته إلا عدم مد يدنا لزيد وعمرو وتكسفنا على بكر وخالد لكفى.
فعسى أن تفيدنا كل هذه الدروس القاسية التي تلقيها علينا هذه الحوادث المؤلمة، فتعلمنا وتوقظنا فتجعلنا ندخر قرشنا الأبيض ليومنا الأسود، ونسير في صرفنا على طريقة حسنة. وإذا أبينا
إلا التمادي فنكون قد جنينا على أنفسنا بأنفسنا، وعلى مستقبلنا بيدنا.
مكة المكرمة: (الغربال)
جريدة "أم القرى" العدد 389
يوم الجمعة 21 محرم 1351هـ
الموافق 27 مايو 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :380  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 85 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج