شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نحن والتقاليد (2)
فات بول (1) :
ظهرت في الحجاز في المدة الأخيرة رياضة جديدة تسمى "فات بول" أي: كرة القدم. إن هذه الظاهرة الجديدة لها في الأمم الراقية مقام عظيم لما تحويه من المنافع الرياضية وهذه الرياضة ليست هي لأوروبا كما تدعي، بل إن مخترعيها هم العرب، لأنهم كانوا يتناولونها بالصوالج "العصي المعقوفة الرأس" بدلاً من الأقدام، وإليك قول الشاعر العربي:
والخيل تلعب بالقتلى سنابكها
لعب الصوالج يوم الروع بالأكر
فأوروبا استعاضت عن الصوالج بالأقدام، وادعت تلك الرياضة لها –عادتها في كل شيء– وليس هنا موضع هذا البحث، وعسى أن نأتي عليه يوماً ما.
قلت انتشرت كرة القدم في حجازنا، وانتشرت معها ألفاظها الأجنبية التي تدل على مدلولات أخرى هي جزء منها، وبقدر ما سررت من انتشار هذه الرياضة في بلادنا، وبقدر ما أطلب تشجيعها من مواطنينا، استأت من استعمالنا لألفاظها الأعجمية، وأطلب مقاومتها، وقد سمعت مؤخراً أن بعض الأدباء في جدة عربوا جميع ألفاظها واستعملوها، وإني أشكر لأولئك النفر تلك العاطفة، وأغبطهم على هذا الإحساس والشعور الذي دفعهم لذلك، والذي ترك في نفسي أحسن الذكرى لهم، وإني أطلب من الحجازيين أن يحذوا حذو إخوانهم فيستعملوا الألفاظ العربية بدل غيرها، وبذلك يخدمون لغتهم ووطنهم، كما أني أطلب من جريدة "صوت الحجاز" وهي التي نعلق عليها آمالاً عظيمة (حققها الله) أن تعتني بالاستحصال على هذه الألفاظ، ونشرها، لأنها خصصت قسماً منها للرياضة، الأمر الذي جعلنا نكبر لها هذه الخدمة، ونقدر لها هذه المساعي، وبذلك تكون الفائدة أعم، لأن المرمى الذي نرنو إليه جميعاً هو الخدمة الحقة للوطن والأمة.
التحيـة
يمر المسلم على المسلم فلا يسلمان على بعضهما إلا إذا كانت بينهما سابق معرفة، وإذا عدمت تلك المعرفة عدم معها السلام.
ولا أعرف لماذا نقيد أنفسنا بهذا القيد مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام، ولنا برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.
والحقيقة أن هذا الداء عام بأكثر البلاد الإسلامية، ولم ينج منه إلا القليل، وقد تقيد بعض الحجازيين بهذا القيد، وأضافوا إليه زيادات وحواشي، عادتنا في كل شيء "بدون مؤاخذة" - فأصبح ذو الجناب الرفيع لا يتنازل أن يسلم على من هو أقل منه منزلة –في نظره– من الذين يعرفهم إلا بعد أن يرمقه بنظره مرات عديدة، ولا أرى لهذا تعديلاً إلا الإعجاب والغرور بالنفس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولدينا نوع آخر فشي من قبل سنين قليلة، وهو إذا دخل إنسان على آخر فبدلاً من أن يبدأه بالسلام يقول له: "صباح الخير، أو مساء الخير"، وكثيراً ما يكون جواب الآخر: عليكم السلام، ظناً منه أن الداخل سلم عليه، وكثيراً ما يمر الواحد منا على أخيه ويسلم عليه، فبدلاً من أن يرد عليه السلام يجيبه قائلاً: "مرحباً اتفضل".
هذه الأنواع موجودة، وكلها مخالفة لأصول الدين الإسلامي الحنيف، الذي قد أضعنا الشيء الكثير منه، وعطلنا الشيء العظيم من تعاليمه المقدسة.
يقول الله عز وجل: يَآ أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا فهنا أمرنا الله عز وجل بالسلام فلم لا نفعل؟ يقول الله عز وجل: وَإذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أوْ رُدُّوهَا، وهذه الآية تأمرنا برد التحية كما هي إذا لم نأت بأحسن منها، فلم نخالف ذلك. ومن أين أتينا بمرحبا، واتفضل؟
ولماذا نتمسك بها ونحن لم نُؤمر بذلك، ونترك ما أمرنا به؟
أنا لا أقول أن كل أهل الحجاز يعملون ذلك، لا، بل أقول بعضهم، وإني والله أخجل أن أقول أن هذا البعض يشاطرهم قسم من الطبقة المتعلمة.
وهنا نوع من التحية جديد، خطره أعظم من جميع الأنواع السالفة الذكر، لأنه خارج عن التعاليم الدينية والتقاليد العربية القديمة، وهذا النوع هو التحية بالإشارة، ولست أقصد التحية العسكرية، فهذه لا أقصدها لأن لها ميزتها الخاصة في القوانين العسكرية عند أصحابها المخصوصين، كما أني لا أقصد التحية من بُعْد، وإنما أقصد الإيماء بالرأس، هذه الظاهرة الأوروبية الجديدة ظهرت في جدة عن قريب، وبالرغم من كون استعمالها قليل جدّاً، أو أن الذين يستعملونها يعدون على الأصابع فهي خطر على الدين والأمة الحجازية والقومية العربية، لأنها ستنتشر وستعم، والذي يساعد على ذلك هو حبنا للتقليد من جهة، وسرعة أخذنا واستعمالنا لكل ما يعمله الأجنبي أمامنا، أو ما نسمع به في غيرنا من جهة ثانية، ويا حبذا لو كان ذلك في صالح ديننا ووطننا، أو فيما يعود بالنفع علينا وعلى بلادنا، والله لو كان كذلك لقدسنا ذلك الفعل، وأكبرنا تلك الحسنة، ولكنه مع الأسف الشديد فيما يضرنا، ويقضي على قوميتنا، ويشل في تعاليم ديننا المقدس الذي يجب أن نعض على أصوله بالنواجذ. فلطفك اللهم، ورحمتك، وحنانك. والله إني لعلى وجل من هذه الظاهرة الجديدة، ومن كل ظاهرة لا تتفق مع الدين، والقومية العربية، وإني أطلب من أدبائنا محاربة هذه الظواهر بكل ما في استطاعتهم لأن ضررها عظيم، وعاقبتها وخيمة، وليكونوا قدوة حسنة لأبناء وطنهم فلقد كفى ما مضى من زمن قضيناه فيما يضرنا، كفى، كفى يا قوم.
مكة المكرمة: (الغربال)
جريدة "أم القرى" العدد 387
يوم الجمعة 7 محرم 1351هـ الموافق 13 مايو 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :584  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 83 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.