شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأمل الحياة.. والحياة الأمل
نشر هذا المقال في العدد (591) من جريدة أم القرى بتاريخ 11 محرم سنة 1355هـ ويمثل "افتتاحية العدد" وبروح العالم النفساني، وأسلوب الأديب البارع. كتب (ابن عبد المقصود) هذا المقال، يدعو فيه ابناء مجتمعه إلى (توسيع دائرة الأمل).
(الحياة جهاد، تتصل حلقاته بجميع ما يحيط من ظروف، وظروف الحياة تتقلب بتقلب الحياة نفسها وما يؤثر فيها من مؤثرات. ومؤثرات الحياة تتكيف إلى حد ما بالعوامل النفسية التي تستولي على عقل الإنسان وتفكيره فتظهر بارزة في أعماله. وليست أعمال الإنسان إلا نتيجة محسوسة لعوامل نفسية مختلفة تضاربت في قرارة نفسه حيناً ثم برزت، متأثرة إلى حد ما بتلك العوامل.
وللاتجاه النفسي أثره القوي في تكييف تلك العوامل وتوجيهها، فإذا كان ذلك الاتجاه ميالاً إلى الخير، فيطبع تلك العوامل بطابعه الخاص فتتجه نحو الخير مسوقة بعاملها النفسي ومتأثرة به أيما تأثير، وإذا كان ذلك الاتجاه ميَّالاً للشر فيطبع تلك العوامل بطابعه الخاص فتتجه نحو الشر مسوقة بعاملها النفسي، ومتأثرة به أيما تأثير.
وهذه العوامل أشبه شيء بالسلسلة الواحدة تتصل حلقات بعضها ببعض ونتائجها تكون في الغالب متماثلة في الاتجاه النفسي إلا في ظروف استثنائية فقد تشذ عن هذه القاعدة لأسباب خاصة، وظروف خاصة أيضاً.
وكما أن للاتجاه النفسي أثره القوي في تكييف تلك العوامل النفسية وتوجيهها فكذلك للأمل أثره الفعَّال في نجاح أعمال الإنسان لما بينه وبين الحياة من صلة، ويظهر أثر هذه الصلة قوياً في توجيه الحياة.
وإذا قال الناس: "الأمل الحياة، والحياة الأمل" فهم لم يقولوا ذلك إلا لكون الصلة بين المال والحياة وثيقة من جهة، ولأن أثر الواحد في الآخر قوي من جهة ثانية.
والأمل يتأثر إلى حد ما بالمنظار الذي ينظر به الإنسان إلى هذه الحياة. فالإنسان الباسم للحياة والذي ينظر إليها بمنظار أبيض ويسير في خطط ثابتة قوية يترسم فيها حياة السعادة بطريق التطور، وما يلائم وضعية تلك الحياة، من ملابسات، لا بد وأن يجد من خيوط النور الرفيعة دليلاً إلى طريق النجاة وإن طال الزمن. والإنسان الذي يعيش للحياة، وينظر إليها بمنظار أسود ومظلم ويسير في طرق متعرجة ملتوية، ويقفز للسعادة عن غير طريقها، لا بد وأن تعبس له الحياة فيضله منظارها الأسود ويبقى تائهاً في نفس ضلاله، يدور طويلاً في طرقه المتعرجة الملتوية فلا يلبث أن يعود إلى النقطة التي بدأ دورانه منها، أو تزل به القدم فيهوي من حيث يريد الصعود، وإن في جملة "كن جميلاً ترَ الوجود جميلاً" معانٍ دقيقة يرى في تضاعيفها صدق النظرية.
والأمل هو الابتسام للحياة والنظر إليها بالمنظار الأبيض، واليأس هو العبوس للحياة والنظر إليها بمنظار أسود مظلم، ونجاح الإنسان أو فشله يتوقف إلى حد ما على الأمل أو اليأس.
ويجب أن نؤمن إلى أبعد الحدود بأن اليأس معناه الوقوف عند النقطة التي أوقف الإنسان نفسه فيها من دائرة الحياة، ولا أقول النقطة التي أوقفت الحياة الإنسان فيها، لأن الإنسان بأعماله يكيف حياته، لا الحياة بأعمالها تكيّف الإنسان.
وللأمل وسائل، فإذا وجدت وسائله تامة، خطا خطوته نحو تحقيق أغراضه أما إذا فقدت وسائله أو انتقصت فالنجاح أمر مستبعد، ووسائل الأمل العمل، وأمل بلا عمل خيالات لا ظل لها من الحقيقة.
ويجب أن لا يفوتنا أن للحظ أثراً قوياً في تكييف ظروف العمل.
إن الآمال الواسعة، والأحلام الحلوة، والخيالات اللذيذة - كل هذه ستكون حقائق محسوسة ملموسة إذا وجدت وسائلها كاملة غير منقوصة، وإذا سارت في طريق سوي يتفق مع الحياة وتطور الحياة.
أما الآمال الواسعة مع الكسل، والأحلام الحلوة مع الخمول، والخيالات اللذيذة مع التواكل - فكل هذه أماني لا تجدي نفعاً، ولم تكن الأماني وحدها وبدون وسائلها في عصر من العصور مدعاة للنجاح في هذه الحياة.
هذه كلمة كتبناها لا لنملأ بها فراغاً في هذه الصحيفة ولا ليمر بها القراء كما يمرون بكثير من الكتابات دون تفهم الغرض منها والعمل معنا على تحقيقه. بل كتبناها لندعو فيها لتوسيع دائرة الأمل التي نرى حدودها انكمشت لدى كثير من شيوخنا وشبابنا، ففضَّلوا الحياة في هذه الحياة على مسيرات الحياة نفسها، وهذا بلا شك له أثره السيء في حياتنا العامة والخاصة على السواء. أقول العامة والخاصة على السواء، لأن كلاً من الجانبين يتأثر بتأثر أحدهما بالآخر أيما تأثير.
وأن من الجناية على أنفسنا وعلى هذا الوطن العزيز أن نضيق من هذه الحياة الواسعة تحت تأثر نفسي، فنضيع شطراً من حياتنا ونحن في أشد الحاجة إلى استغلاله والاستفادة منه.
يجب أن نقدر المواقف حق قدرها، وأن نعرف للوقت قيمته، فإن اليوم الذي يذهب سدى من حياتنا معناه اختزال من قوتنا، ومِعْوَلٌ جديد من معاول الهدم.
وإني أعيد ما قلته سابقاً، إن الإنسان بأعماله يكيف حياته، لا الحياة بأعمالها تكيف الإنسان، يجب أن نوسع دائرة الأمل وأن نجعل اتجاهنا النفسي ميَّالاً إلى الخير، والخير لا يزرع في أرض إلا أينع وأثمر.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :574  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 63 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.