بين عام وعام.. دمعة وابتسام |
مع إشراقة عام جديد، كتب (محمد سعيد) افتتاحية العدد 590 من جريدة (أم القرى) الصادر في 4 محرم 1355هـ، يودع فيها عامه المنصرم، ويستقبل عاماً آخر بتفاؤل، وأمل يختلج في النفوس: |
- (فلك دوار، وزمان يتعاقب، وحوادث تمر، وذكريات ترسم في صحيفة الذكريات صور الحزن والأسى، وصور الغبطة والسرور. |
دار الفلك دورته فطوى في سجل الماضي عاماً كاملاً من سني حياتنا، دار الفلك دورته فأطل علينا عام جديد من سني حياتنا، فكلاهما من حياتنا، وإلى حياتنا، وكلاهما من أعمارنا وإلى أعمارنا. |
فنحن إذا ودعنا العام المنصرم فإنما نودع سجلاً من سجل حياتنا، يحمل في طياته الكثير من أعمال حياتنا، ونحن إذا استقبلنا العام الجديد فإنما نستقبل صفحة جديدة من صفحات حياتنا المقبلة ستملأها الساعات والأيام بالكثير من حوادث حياتنا المقبلة. |
نودع العام المنصرم وفي القلب أسى وحزن على أوقات قتلناها فلم نقدرها، وفرص أضعناها فلم نغتنمها، وعبر مرت فلم نعتبر بها، ومواعظ حدثت فلم نتعظ بها. |
نودعك أيها العام الراحل، ونحن نكفكف الدمع من مآقينا لأن شطراً من حياتنا ذهب معك في طيات سجلك. نودعك أيها العام الراحل وفي القلب آلام فراقك، وذكريات حوادثك، فوداعاً أيها العام الراحل، وداعاً أيها العام المنصرم. وداعاً إلى أن نلتقي، وسنلتقي في نوم نحاسب فيه على حوادثك وما جنته نفوسنا في أيامك ولياليك - حساباً عسيراً. |
وداعاً وداعاً أيها العام الراحل، ووا أسفاه على أيامك التي أثقلناها بذنوبنا، وصحائفك النقية التي لوثناها بخطايانا، وواحسرتاه على لياليك التي قضيناها في إشباع نهماتنا بتخم الحياة وملذات الحياة. |
وداعاً وداعاً أيها العام الراحل، وإن ذكراك تشجي الأفئدة، وتؤلم القلوب، وإنا سنبكي تفريطنا وإهمالنا كلما شعرنا بهذا الإهمال، وذاك التفريط، كلما عرضت ذكرياتك على أفكارنا، فوداعاً وداعاً أيها العام الراحل. |
أما أنت أيها اللوح النقي الأبيض من ألواح حياتنا، أما أنت أيها المولود الجديد من مواليد الكون؛ أما أنت أيها العام المقبل في ثوبك القشيب، فإنا نستقبلك بثغر باسم، لأن من لا يبسم للحياة، فلا تبسم له الحياة. |
نستقبلك أيها العام الجديد والأذهان مزدحمة بكثير من المشاريع الاقتصادية والعمرانية والإصلاحية في هذا الوطن العزيز، والأفكار مختمرة بكثير من وسائل تثقيف نشء هذا الوطن العزيز. فهل نحقق في غضون أيامك ولياليك هذه المشاريع وتلك الوسائل، أم تذهب كما ذهب غيرها فيخنقها الإهمال، ويكفنها الجمود، ويدفنها اليأس، فتنتهي مهمتك الفلكية، ثم تعود حاملاً من جنايات أبناء الوطن على الوطن الشيء الكثير. |
لا أدري أيها العام الجديد.. فإن أماني أيامك وأحلام لياليك، وتخيلات ذكرياتك سيحفظها التاريخ وسيسجلها التاريخ، ففي ذمة التاريخ ما كان وما سيكون. |
إن التاريخ بالمرصاد، وسيسجل حوادثك كما سجل حوادث سلفك، ثم يكون الحساب، وإن حساب التاريخ لشديد. |
لا أعلم أيها العام الجديد، هل أنت رسول السلم أو نذير الحرب، وهل أنت مثبت قواعد المدنية أم هادم صرحها؟ |
لا أعلم أيها العام الجديد أيهما أنت، فإن العام اليوم على مفترق الطرق، وأن سفينتك تتجاذبها الأهواء، فلا أدري على أي شاطئ السلامة أم الندامة. |
لا أدري أيها العام الجديد، ولعلَّك أنت لا تدري أيضاً. |
إن الحوادث العالمية غامضة للغاية، ومعقدة تعقيد ذنب الضب، ومشبكة تشبيك خيوط الحرير بإبر شجر الورد، فهل يزول هذا الغموض، ويحل هذا التعقيد، وينتظم هذا التشبيك؟ أم يبقى العالم يسير ولا يدري ما يراد به، ويتخبط ولا يعلم ما يصيبه. |
لا أعلم ولعلَّك لا تعلم أنت أيضاً. |
إن أيامك أيها العام الجديد أيام الحوادث، وسنرى ما يكون من حوادثك وكل ما لدينا، ابتسامة الأمل فهي لا تزال مرتسمة على أفواهنا. |
فإلى الملتقى أيها العام الجديد حينما أودعك –إذا قسم الله لي البقاء– فأذكر حوادثك. |
إلى الملتقى القريب، أيها العام الجديد. |
|