حفلة مدرسية شائقة |
كان الاحتفاء لائقاً بمكانة أديب محترم مثل "محمد سعيد عبد المقصود" وقد سُرَّ صديقه "عبد القدوس الأنصاري" بحضوره حين دعاه إلى حفل افتتاح (درس الخطابة) بمدرسة العلوم الشرعية في المدينة المنورة، ونشرت وقائع حفل الافتتاح في مجلة المنهل
(1)
. |
(كانت ساعة جميلة، تلك الساعة التي افتتحت فيها مدرسة العلوم الشرعية "درس الخطابة" في أول عامها الدراسي بحضور صديقنا النابه "محمد سعيد عبد المقصود" مدير جريدة أم القرى ومطبعتها. وقد أعلن افتتاح الحفلة بالعشر الذي تلاه التلميذ حامد حسين، وأعلن افتتاح الدرس بالكلمة الارتجالية التي ألقاها عبد القدوس الأنصاري، وقد نشرناها فيما يلي.. وتتابع التلاميذ، يلقي كل منهم ما أعد من شعر ونثر، وقام عقب انتهائهم الأستاذ الشيخ عبد الخبير فألقى كلمة ارتجالية مكونة من نثر وشعر رحب فيها بالأستاذ الجليل ترحيباً مشكوراً، وتمنى له العودة إلى الزيارة مراراً والتوفيق دواماً. ثم نهض الأستاذ أبو عبد المقصود فألقى الخطاب الارتجالي الرائع الذي أثبتناه فيما يأتي، فكان له أثره الباهر واستحسانه الجم في صدور الجميع لما حواه من نفيس الحكم وسامي العبارات ولطيف الإشارات. وقد قام بعده عبد القدوس الأنصاري فألقى كلمة شكر فيها الأستاذ النابه باسم المدرسة إزاء تشجيعه وعطفه ثم وجه الخطاب إلى التلاميذ ونصحهم بأن يصغوا إلى حكم الأستاذ إصغاء المستفيد لما فيها لهم من فائدة منشودة). |
ثم ارتجل الأستاذ عبد القدوس الأنصاري الكلمة التالية: |
(أيها السادة.. أيها التلاميذ النجباء
|
بسم الله الرحمن الرحيم نفتتح في هذا اليوم المبارك درس الخطابة لهذا العام الدراسي بمدرسة العلوم الشرعية، وأنه ليضاعف سرورنا ويزيد تفاؤلنا أن يكون افتتاح هذا الدرس لهذا العام الدراسي بحضور الشاب النبيل المعروف بالتشجيع الأديب الكبير الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود، إنها لفرصة سعيدة أن يكون افتتاح هذا الدرس في هذه المناسبة السعيدة. |
أيها التلاميذ النجباء
|
إن الخطابة هي الفن ذو التأثير القوي على أفئدة الجماهير قديماً، ونحن إذا أعدنا النظر في تاريخ نشأة الإسلام وازدهاره، نجد أن للخطابة الأثر القوي المجيد في ترسيخ دعائمه وتعميم أنواره فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم داعياً إلى ربه، وكان في كل مناسبة دينية أو اجتماعية أو حربية أو سياسية يهتبل الفرصة فيقوم خطيباً، فيؤثر أثره الحميد بخطابه الرائع، ولهجته العالية على القلوب. |
ولقد دخل كثير من العرب في دين الله أفواجاً بهذا التأثير الخطابي النبوي العالي، وسرى تيار هذا الفن النفيس في صدور المسلمين، في صدر الإسلام نذكر من خطبائهم المصاقع أبا بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وسحبان وائل، وهكذا كانت الخطابة قائدة النهضة الإسلامية توجهها دواماً الوجهة النافعة وتحميها من مهاوي انحلال العزائم. وبعد القرون الثلاثة الأول اضمحل هذا الفن الجميل من بني الإسلام فأصبح وضعاً تقليدياً بحتاً، ثم ما هو إلا أن رأينا نوره الوضاء ينتشر دفعة واحدة في أوروبا، في أواخر القرن الثالث عشر الهجري فإذا هي ناهضة قوية النهضة يسيرها زعماؤها المفوهون بخطبهم الحماسية البارعة كيفما يشاؤون فإذا هم متفوقون. وجميل جداً أن نرى اليوم هذه البلاد العربية السعودية تستعيد مركزها الخطابي تدريجياً، لتستعيد قوتها المعنوية ومجدها التاريخي الحافل. |
إن المجد الحق والخطابة الحقة متلازمان في كل زمان ومكان. |
رضيعي لبان ثدي أم تحالفا |
باسحم داج عوض لا نتفرق |
|
أيا التلاميذ النجباء
|
أملنا إذن أن تتجهوا إلى الخطابة، على أن لا تضيعوا بقية دروسكم بأن يطغى درس الخطابة عليها، فلكل درس أهميته وحصته. ونريد أن لا تكون خطابتكم مترسمة شكلاً تقليدياً باهتاً، والخطابة إنما تتضح وتترقى بالتعلم والتمرن والتعليم والتمرين وليست الخطابة بالقول الأجوف الرنان ولا بالحركات التمثيلية الفارغة، ولا بالصياح المزعج الأجوف، وإنما هي بيان رائع يخرج من لسان منطق وقلب ثابت في اتزان وتأثير على قلوب السامعين. إنكم ناشئة اليوم، وشباب الغد، وإن على الشباب تلقي أغلب أعباء النهوض. فهذا الدين الإسلامي إنما تقبله بادئ ذي بدء وتنهض به زمرة الشباب نذكر منهم علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة. |
ونقول لكم كلمة أخيرة في الموضوع، وهي أن هذه دروس وليست احتفالات، وباجتهادكم في الإصلاح تنجحون وتترقون، ونرجو منكم بذل الجهود حتى إذا أراد الله ويسر للصديق الأستاذ أبي عبد المقصود أن يزور المدينة في العام القادم وما يليه من أعوام يجدكم أرقى مما أنتم عليه الآن. سيروا إلى الأمام، بارك الله فيكم، وأتاكم تقواكم وهداكم سواء السبيل. |
* * * |
كلمة الأستاذ (محمد سعيد عبد المقصود) الارتجالية |
سادتي، إخواني:
|
يسرني أن أشاهد افتتاح مدرسة العلوم الشرعية لدرس الخطابة في عام 1357هـ، وهذا الفن الذي اهتم به الغربيون اليوم اهتماماً عظيماً، لما لمسوه من الفوائد الجمة، وأهمله العرب اليوم إهمالاً فظيعاً، إن هذا الفن لم يك للغربيين، بل هو للعرب قبل أن يكون للأوروبيين، وللإسلام قبل أن يكون للغرب، فنحن إذا اعتنينا بهذا الفن، فإنما نعتني بتراث آبائنا الذي أضعناه، وأخذه الغربيون عنا وأصبحوا لا يعتمدون على شيء كاعتمادهم عليه، فهم بالخطابة يؤثرون على قلوب شعوبهم ويصلون إلى بغيتهم فيحاربوننا بها، يحاربوننا بسلاحنا. |
إن الخطابة فن جليل، وله قواعد وأصول، وليست الخطابة الأصوات المرتفعة والجعجعة المزعجة، لقد سمعت كثيراً من الخطابات في شتى المدارس والمحافل، فكانت أشبه بشيء بالندب في المآتم. |
إن الخطيب لا يكون خطيباً إلا إذا كان قوي الشكيمة، طلق اللسان، بليغ العبارة، يستطيع أن ينفذ بخطابته إلى قلوب سامعيه، فيستولي عليها، وإذا لم يستطع الخطيب تحقيق ذلك فإن خطابته ستكون ثقيلة على الأسماع، ثقيلة على القلوب، وربما كان صاحبها ثقيلاً على الأبصار. |
لهذا يجب أن نعتني بهذا الفن عناية كاملة، وندرسه دراسة فنية كاملة، وإنه يسرني أن يكون صديقي الأستاذ عبد القدوس الأنصاري هو الذي يقوم بتدريس هذا الفن في هذه المدرسة التي آمل لها من كل قلبي النجاح، ولصديقي الأستاذ التوفيق في مهمته. |
|