شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الوحدة العربية وآمالنا فيها
المحاضرة القيمة التي ألقاها الأديب محمد سعيد خوجه
بين يدي الشباب العراقي، في حفلة الشباب بمكة
الوحدة العربية وآمالنا فيها، وإنها لآمال عظيمة، ستتحقق ما دام في العرب عرق ينبض، وعضو يتحرك، وجارحة تحس، لا يوجد اليوم عربي مخلص للعرب وأبناء العرب، إلا وحب الوحدة العربية قد تغلغل في فؤاده، وامتزج بروحه؛ واختلط بلحمه ودمه، وما هذا الموقف الذي نحن فيه الآن إلا أس من أسس الوحدة العربية، ودعامة من دعائم الوحدة العربية، وأنا لا نرضى بتاج للعرب غير تاج الوحدة، ولا نقبل حياة للعرب غير حياة الوحدة، بالوحدة العربية نعيش، وفي سبيل الوحدة نموت.
لقد عرف أعداء العرب خطر الوحدة العربية عليهم فحاكوا خيوط الدسائس، ونصبوا شراك الحيل، واتخذوا من (سياسة فرق تسد) أصوب سهم سدوه للعرب وأبناء العرب في بلاد العرب (فويل لهم مما عملت أيديهم وويل لهم مما يكسبون).
يجب أن يعرف العرب أن لا حق إلا للقوة، وأن لا حكم إلا للسيف، وما الاحتجاجات إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
لغة المدافع والقنابل والقنا
يشفى الخطاب بها والاستفهام
لا الاحتجاج ولا التكلم نافع
كذب اليراع وصدق الصمصام
لا قوة للعرب إلا بالتضامن، لا عز للعرب إلا بالتآلف، لا رقي للعرب إلا بالتكاتف، لا مجد للعرب إلا بالتآزر، لا سعادة للعرب إلا بالتعاون، وما التضامن والتآلف والتكاتف، والتآزر والتعاون إلا الوحدة، الوحدة العربية هي كل شيء، وفوق كل شيء. إن التعصب الجنسي والتحزب الوطني هو الداء، هو التفرقة، يجب أن نعلم جيداً خطر الموقف، ويجب أن نلاحظ أن أعداءنا لم يبثوا فينا النعرة الجنسية إلا ليوزعوا قوتنا، ويفرقوا بها جموعنا وما قولهم لنا: الحجاز للحجازيين، نجد للنجديين، اليمن لليمنيين، العراق للعراقيين، سوريا للسوريين، فلسطين للفلسطينيين، مصر للمصريين، ما قولهم لنا هذا حباً في سواد عيوننا ولا رحمة بنا ولا شفقة علينا، وإنما هي أقوال صاغوها لنتخاذل على حسابها، ونعرات أوجدها لنتفرق بأسبابها. إن العربي عربي أينما حل وحيثما استقر، العربي عربي إن أنجد أو أتهم، وإن أمصر أو أعرق. إن العربي وطنه بلاد العرب، وقومه العرب، وبلاد العرب وطن لكل عربي يجري في شرايينه دم العروبة.
إن بلاد العرب جزء لا يتجزأ، إن بلاد العرب قطعة واحدة لا تفصل ولا تقطع، وأن الأمة العربية أمة واحدة لا تقبل التفرقة ولا الانفصام، إن الجزيرة العربية خالية من أي حاجز طبيعي يقطعها، أو يقسمها، أو يفصلها فما بالنا نرضخ لتقسيم العدو الذي يرى أن تمزيقنا ضروري لحياته، ولا نرى أن القضاء عليه واجب لبقائنا وحياتنا.
إن بلاد العرب خلقت للوحدة العربية، فيجب أن تكون لما خلقت له اليوم أو غداً وبعد غد، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
إن العرب من أصل واحد، ومن سلالة واحدة، ومن دم واحد، وأن من العار، والعار المشين أن يتفرق العرب، أو تتجزأ بلاد العرب. أن تفرق العرب قضاء على العرب، وأن تجزأ بلاد العرب ضياع لبلاد العرب، وأن تقسيم البلاد العربية داء فتّاك سيذهب ببلاد العرب من أيدي العرب، وعند ذلك ويل للعرب من أعداء العرب.
وأيم الحق لو أقتدر أعداء العرب على العرب لجدعوا منهم الأعناق، ولبتروا منهم الأرواح، ولقطعوا منهم الأوصال، وإن مدنيتهم التي يتشدقون بها لم تمنعهم عن ذلك.
إن أعداء العرب لم يعدوا النار ولا البخار إلا ليكتسحوا بها بلاد العرب، وليقضوا بها على البقية الباقية من العرب وأبناء العرب، يجب أن نعرف هذا جيداً ويجب أن نلقنه لأطفالنا في حجور أمهاتهم ولمراهقينا في مدارسهم، ولشبابنا في حياة جهادهم.
إن الخطر مداهم لنا، وشره محيط بنا، وسهمه مسدد إلينا، ولا خلاص لنا إلا بتشييد صرح الوحدة العربية. إن الوحدة العربية هي الدواء الناجع من هذا الداء العضال، وهي البلسم الشافي من هذا العياء.
يا شباب العراق:
إنا نعد هذه الزيارة من أعظم الأدلة القاطعة والبراهين الناطقة على ارتباط قلوبنا ببعضها، وهي إحدى الأسس التي تبني عليها أحكام الوحدة بين العرب، وأن هذه الزيارة قد تركت في نفوس أفراد الشعب الحجازي والنجدي أطيب الذكرى وأحسن الأثر، وسيبقى أثرها مثالاً خالداً يذكره العرب كلما وضعوا لبنة جديدة في بناء صرح الوحدة العربية. إن الشعب الحجازي والنجدي يحملان بين جوانحهما للعراق الشقيق بل ولكل عربي مخلص الحب الخالص، والود العظيم، وإنا نود أن تكونوا رسل خير وسلام فتبلغوا من في الفراتين ما تكنه لهم قلوبنا وتحمل لهم نفوسنا، إنا نود أن يعمل شعب هذه المملكة مع الشعب العراقي الشقيق متكاتفين متآزرين، وأن يسيروا جنباً لجنب متحدين متساعدين، لأن في ذلك سعادة العرب، وعز العرب، وحفظ العرب.
إن أفراد هذا الشعب يناشدون كل عربي يؤمن بفائدة الوحدة أن يسعى في بناء هيكلها، لأن في ذلك حفظ روحه، وحفظ أمته، وحفظ بلاده من عبث العابثين وطمع الطامعين الذين ناصرناهم بالأمس فخذلونا اليوم.
يا أبناء العرب؛ إن شعب المملكة العربية السعودية، الشيخ منه والشاب، والذكر منه والأنثى يضع في أعناقكم أمانة يطلب منكم تأديتها إلى كل عربي تلتقون به أينما أقام وحيثما ظعن. ألا وأن أمانته هي إبلاغهم هذه الصرخة، صرخة الوحدة العربية التي فيها عز العرب، ومجد العرب، وحضارة العرب، وأنا نعاهد الله ونعاهدكم، ونعاهد قادة العرب وزعماء العرب في هذا الموقف المبارك بهذه الأرض المقدسة في هذا الشهر المحرم، إننا ننتظر الساعة التي تنفجر من القنبلة لنضحي بأرواحنا في سبيل العرب، فإما سعادة مغمورة بعز النعمة، وإما موت في سبيل ذلك، وأنه موت شريف، موت نبيل سيبقى أثراً خالداً حياً على توالي الأجيال ومر العصور.
إن الروح في العرب لم تخلق إلا لتنعم بوحدة العرب، أو لتذهب ضحية في سبيل وحدة العرب. إن وحدة العرب هي كل شيء وفوق كل شيء، وعلى كل شيء.
والسلام على كل من عمل لخير العرب، وسعى في تمهيد طريق الوحدة بين العرب، في حياته، ويوم يموت ويوم يبعث حياً.
صوت الحجاز: العدد: 151
يوم الثلاثاء 28 ذو الحجة سنة 1353هـ
الموافق 2 إبريل سنة 1935م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :861  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.