استــفتــاء المنهل |
ما هو الأثر الذي أوجده الأدب الحديث في الحجاز |
|
|
رأي الأستاذ "أبي عبد المقصود" مدير مطبعة أم القرى وجريدتها |
|
|
قبل البدء في ذكر الأثر الذي أحدثه الأدب الحديث في الحجاز أود ذكر الأسس التي قام هذا الأثر عليها والوسائل والعوامل التي مهدتا لظهوره حتى تكونت النهضة الفكرية الجديدة. |
قادة النهضة الفلكية في الحجاز اليوم أفراد من شبابه، جلهم إن لم يكن كلهم تثقفوا فيه، وبالرغم من المادة المدرسية التي تغذوا بها بين جدر المدارس الحجازية المختلفة المبادئ والاتجاهات، فإن ثقافتهم التي لمسنا أثرها في كثير من المواقف هي نتيجة مطالعات خاصة؛ ودراسات شخصية مستقلة؛ أي ليس للمدرسة الحجازية فيها إلا التكوين البدائي المحدود، والنهضة الفكرية بدأت بتأثر قسم كبير من الشباب -في العصر الحسيني- بكتاب المهجر، فشفوا أدبهم والتهموه وقلما تجد شاباً متعلماً يومذاك إلا وقد تأثر بالثقافة المهجرية ولو إلى حد ما، وبالرغم من تأثر أكثر الشباب بالثقافة المهجرية فإن لتلك الثقافة لم تنتج نتاجاً طيباً إلا لدى قسم ضئيل جداً كان استعداده الشخصي قوياً؛ ولما لم تجد بعض النفوس في الثقافة المهجرية الغاية التي تقصدها بدأت تفتش عن ثقافة أكبر ملائمة لحياتها فحولت وجهها إلى الثقافة المصرية وعشقتها عن طريق الصحف والمجلات، وكانت أساليب الضغط التي اتخذتها السياسة الحسينية يوم ذاك تحول دون التعمق في هذا السبيل وبالرغم من كل هذا فقد كان لهذا المسعى أثرة الثقافي المحدود لدى أفراد قلائل كان استعدادهم الشخصي أقوى من غيرهم. |
وكما كان للنهضة الحسينية عام 1334هـ انقلاب بارز في بعض نواحي الحياة الحجازية، فقد كان للحرب السعودية (عام 1343 - 1344هـ) انقلاب بارز في التفكير والاتجاه؛ ساعد عليه ووسع من دائرته رفع بعض الحواجز الاستبدادية السابقة، فأخذت الصحف والمجلات المصرية تغزو الحجاز وتغمر مكاتب الشباب وطغت الثقافة المصرية على الثقافة المهجرية فبدأت الثقافة المهجرية تتحلل عناصرها شيئاً فشيئاً حتى زالت معالمها تماماً؛ وأخذ الشباب يلتهم الثقافة المصرية بقوة ويهضم كل ما تنتجه ويتعشق كيانها ويقلدهم لا في الكتابة والأسلوب فحسب بل في التفكير والاتجاهات أيضاً. |
هذا الاتجاه الجديد أفاد العقلية الحجازية فائدة قوية وصقلها فتكونت على أساسه الثقافة الحجازية الجديدة التي ظهرت آثارها في كثير من المناسبات، أقول المناسبات لأن حياتنا الثقافية الحاضرة حياة محدودة حياة مناسبات محضة، ولقلة المناسبات ضعفت الفائدة التي كان يجب أن يستفيدها المثقف من وراء ثقافته؛ ومن ثم ضعفت النتيجة المترتبة عليها والتي كان يجب أن يجنيها الشعب وافية كاملة. ثم لكون هذه المناسبات كانت في وضعها ومظهرها، وأهدافها وأشكالها مناسبات أدبية، ولكون الصبغة التي اصطبغت بها ثقافتنا الجديدة كانت أدبية محضة لأسباب وعوامل مختلفة - لهذا كله فقد كانت الناحية الأدبية أعظم بروزاً من النواحي الثقافية الأخرى، ولهذه الأسباب نفسها كتب للتسمية الأدبية الغلبة على غيرها من أسماء نواحي الثقافات الأخرى التي تأثرنا بها، وللأسباب نفسها انغمس عدد كبير من الشباب في الأدب وعملوا له مدة، استطاعوا خلالها تكوين أدب مستقل ظهرت على الكثير من قطعه المسحة الحجازية والتكوين الحجازي، كما ظهرت عليه الطلاوة والروعة والجمال والأثر الفني، فهو حديث ومن نتاج المدرسة الحديثة. |
هذه الغلبة التي تمت للأدب عندنا سيطرت على النفوس، وأثرت في قسم من الناشئة، فولجوا بابه بعضهم عن استعداد وبعضهم عن غير استعداد، وهذا الاختلاط ونتائجه مع الإساءات التي كانت تظهر من بعض الشباب عن طريق الانتقام الشخصي بحجة أنه قد أوجدت كراهية للأدب والشباب معاً لدى بعض الطبقات فقامت تحاربه من وراء جدر ولا تزال هذه الحرب متقداً أوارها، فلا الشباب استطاعوا إفهام هذه الطبقات غايتهم النبيلة، ولا الطبقات نفسها تفهمت حقائق الأمور بجلاء ووضوح، وقد نتج من جراء ذلك الركود الذي نشاهده الآن في حياة الشباب الثقافية والعملية معاً، هذا الركود الذي قام على هياكل السدود والتي نصبتها الكراهية في طريق الشباب. |
هذا الأدب الحجازي الحديث هو أثر من مآثر الثقافة الحديثة التي تأثرنا بها، أقول أثر من آثار الثقافة الحديثة، ولا أقول أثر من آثار الأدب الحديث لأنا لم نتأثر بالأدب الحديث وحده، بل تأثرنا بكثير من نواحي الثقافة الحديثة، بالرغم من أن تأثرنا بالناحية الأدبية أقوى وأعظم، وبالرغم من أن نتاجنا الأدبي أكثر وأظهر، نحن كما قرأنا لطه حسين وهيكل والعقاد والزيات في الأدب قرأنا لهم في التاريخ وفي السياسة، وكما قرأنا لأحمد أمين وسلامة موسى في الأدب قرأنا لهما في الفلسفة، وكما قرأنا لمحمد عبد الله عنان في التاريخ، قرأنا له في الحقوق، وكما تأثر قسم كبير منا بالناحية الأدبية من هؤلاء وغيرهم، تأثر قسم منا بنواح أخرى، وعلى أسس هذا التأثير وبقوة هذا التثقيف بدأنا نكون ثقافة جديدة مختلفة النواحي وأنتجنا إلى جانب المحصول الأدبي محصولاً علمياً ومحصولاً اجتماعياً. |
ربما طالبني القارئ بأن أضع يده على هذه المحاصيل، وهو محق في ذلك، لأن أكثرها مجهولة وهي لا تزال سجينة المكاتب لم يحكم عليها بالإفراج بعد ولا يعرف عن بعضها إلا القليل منا، إن في مكاتب الشباب الكثير من التآليف الجيدة لو تحسنت حالته المادية ورفعت بعض الحواجز المطبعية والصحفية لرأينا قسماً كبيراً من التآليف الحجازية في عالم الوجود، ولرأينا المعارك الأدبية والبحوث المستفيضة المتنوعة تملأ الصحف والمجلات، ولرأينا نتاجاً حسناً له أثره القوي في إعانة الثقافة العامة وغزو الأفكار ولرأينا هذا الركود الذي أحاط بالشباب يتغير بحركة قوية تسير مسرعة بلواء العلم إلى الأمام. |
لم يك ما ذكرت وحده من آثار الثقافة الحديثة فإن لها آثاراً أخرى ظهرت واضحة في المجتمع؛ منها توجيه قسم لا بأس به من الطبقة الحاروية والعامية إلى التعليم، وحدوث تغيير لا بأس به في النفسيات وفي المظاهر، وفي المجاملات، فهم بحكم التأثر آمنوا بفائدة العلم، وبحكم الاختلاط والاحتكاك اكتسبوا الكثير من التعابير الأدبية الراقية، فأصبحوا يتحدثون بها، وهم لا يحتاجون إلا إلى توجيه حسن ومساعدات مادية، وإذا توفرت الأسباب واستعملت لها طرقها سيكون لهذا العمل أحسن الأثر. |
إن من آثار هذه الثقافة الحديثة أن جعلت العقول مستعدة استعداداً كاملاً لقبول الثقافة العامة. أثرت الثقافة الحديثة في الشباب عن طريق المطالعة العلمية والأدبية في مختلف الجماعات بطريق الاحتكاك والاختلاط وتبادل المنافع، وحكم تنازع البقاء وبقاء الأصلح. |
هذا قسم بسيط من آثار الثقافة الحديثة أتينا عليه نزولاً على رغبة صديقنا الأستاذ الأنصاري، ولعلنا وفقنا بعض التوفيق إلى ما يريد. |
|
مكة المكرمة: أبو عبد المقصود |
|
|
|
|
|
|