شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأدب الحياة. والحياة الأدب
تحت هذا العنوان كتب محمد سعيد عبد المقصود في افتتاحية العدد 582 من جريدة أم القرى الصادر في 7 ذي القعدة سنة 1354هـ:
(الأدب فن من الفنون الجميلة، تملك ألفاظه الرقيقة مشاعر القلوب، وتسخر تعابيره الجميلة الشعور فيندفع الإنسان وراء عواطفه ليشبعها من تلك النغمات.
ويسترسل الإنسان المتذوق لذة فن الأدب مع الأديب السابح في الخيال، فيسبح معه إلى أبعد حدود الخيال، ويذهب مع الأديب المصور فيسير معه في التصوير إلى أبعد حدود التصوير، وقد أثرت تعابيره الشجية بقلبه فحركت أوتاره، وفي حواسه فاستولت عليها.
الأدب الذي يدع في القلب روعة الجمال، وفي النفس جمال التصور، وفي السمع لذة أنشودة النغمة العذبة الرقيقة. هذا الأدب هو الأدب الصحيح، وهذا الفن هو الفن الجميل.
والأديب الذي يستلهم فنه من وحي الطبيعة وتصويره من حوادث الحياة وآلامه وآماله من شؤونه وشجونه؛ هذا الأديب هو الأديب الصحيح، وفنه هذا هو الفن الخالد والأدب كان ولا يزال عنوان الحرية، ومرآة الحياة التي يحيا فيها، ثم هو تحليل لنفسية الأديب وتصوير لمحيطه الذي يعيش فيه.
والأديب كان ولا يزال النور الوهاج لسبل الخير والهداية، محبذ الفضيلة، وباني صرحها، ومستنكر الرذيلة، وطالب تقويض هيكلها.
تقرأ قطعة شعرية لشاعر فنان عفى رسمه وجهلت نفسيته، وخفيت أحوال بيئته، فلا تلبث أن تستشف من بين تلك السطور الشيء الكثير عن الشاعر، ومحيط الشاعر، وأماني الشاعر، وآلام الشاعر، وآمال الشاعر.
إن الأدب الرائع الجميل أثر من الآثار التاريخية الخالدة، وقطعة من قطع القصص الحكيمة الصادقة، له قدسية الآثار وعظمة الآثار.
ولكل أمة أدب يختلف عن أدب غيرها، ولكل جيل أدب يتباين عما سواه، ولكل زمن أسلوب يعرف به عما سبقه، ولكن الأدب الرائع الذي اكتسب روعته من الفن، وفنه من الروعة، الأدب الخالد الذي كون خلوده من جودة السبك وحسن التعبير، الأدب الجميل الذي صور جماله بدقة الحوادث وصدق الإحساس؛ هذا الأدب لا يرضخ لهذا التقسيم، ولا يقبل هذا التحليل، الأدب الرائع والخالد والجميل، رائع، وخالد، وجميل عند كل أمة وجيل وزمن، إذ قوة تأثيره؛ وغزير مادته، وجمال فنه، أكسبته الروعة، والطلاوة الأبدية. جديد وهو مقول في أقدم العصور، ورائع وهو مقول في صحراء قاحلة، وجميل وهو صادر من أغلظ الأكباد، وقوي وهو مقول في دور النزاع.
الأدب الرائع، رائع في جميع عصور التاريخ، وجميل لدى كل الأمم المتذوقة معنى الجمال، إن الأدب لا يعرف الأزمنة ولا الأمكنة، ولكن يعرف الشعور الفياض، والإحساس الصادق، والتصوير الصحيح والتعبير القوي.
منظر من المناظر تحرك في الأديب الفنان مكامن الإحساس فلا يلبث أن ينشد أنشودة شجية، أو يرتل قصته البديعة، أو يتلو مقاله الحكيم، فيكون لشدوه وترتيله وتلاوته وقع في القلوب التي تشعر وتحس بجمال الأدب، وأدب الجمال.
والأدب ألصق شيء بهذه الحياة، وأشد ما يكون بها اتصالاً، لأنه يتناول ما يحيطها من سعادة وهناء، وما يحيطها من شقاء وبؤس، وما يحيطها من آلام وآمال، وهو الذي يصور السعادة في عظمتها، والشقاء في تعاسته، والهناء في رفعته، والبؤس في محنته، والعدل في عليائه، والظلم في خسته وحضيضه. الأدب هو الذي يصور الحياة كما هي، لأنه أدب، ولأن الأدب الحياة والحياة الأدب.
والأدب في الأمم يتمشى مع تطور حياة الأمم وتغيرها فإذا كانت تلك الحياة هادئة ناعمة كان الأدب فيها أحسن منه في حياتها القلقة المضطربة، لأنه حيث ما وُجد الترف والثراء واللذة وُجد الأدب، وفنون الأدب، وإذا أصابت نقمة الحياة أمة من الأمم اعترى مركزها الأدبي الضعف والوهن، وربما تقوضت أركانه، وانهار بنيانه تحت تأثير عوامل الضعف فيها، فتسلب أحسن أمانيها.
إن الأديب أمنية من أعز أماني الأمم لو كانوا يعلمون.
والأدب كثيراً ما خدم السياسة فيقدم لها أجل الخدمات في أشد أيام محنتها وأنكى أوقات بلوائها. وقد كان ولا يزال يعتمد عليه في إثارة الرأي العام، وفي تهدئة الخواطر الهائجة، وفي قمع الفتن الملتهبة، وفي الإنذار والتحذير. وما هذا كله إلا خدمات للسياسة والأغراض السياسية.
وهذا كله لأنه الأدب، ولأن الأدب الحياة والحياة الأدب.
والأدب العربي أرقى الآداب العالمية على الإطلاق، نال من علو المكانة، وشرف المنزلة، وسعة الانتشار، ما لم ينله أدب من آداب الأمم الأخرى. مرت عليه أدوار كثيرة كان يسير مع كل دور منها طبق ما يحوطه من مؤثرات ويكتنفه من ملابسات، تلقح أدب الفرس فأخذ خفته، وبأدب الرومان فأخذ قوته، وكونه أدباً راقياً يعتبر بحق أدب العالم على الإطلاق.
وقد كان للأدب الحجازي شأن رفيع في الأدب العربي، فقده حينما طرأ على الحياة الحجازية الوهن والضعف. والقلق والاضطراب. والمعروف في التاريخ الحجازي أن الحجاز فقد ثروته الأدبية الرائعة في أوائل العصر العباسي الثاني فقداناً تاماً، ومن ثم لم يسعفه الحظ باستعادة تلك الثروة لما طرأ على حياته السياسية من تقلبات وبلاوي ومحن. ولقد بقي في تقلقله حتى بعيد الحرب العامة بقليل حيث أخذ يكون أدباً حديثاً (1) ، صبغ بصبغات شتى شأن كل الأمم الآخذة في استعادة قوتها المفقودة، وقد أخذ أخيراً يتحلل من تلك الصبغات إلا أنه حتى الآن لم يلقح بالآداب الغربية كالأدب الإنجليزي والفرنسي، وهو فراغ واسع لم يفكر أحد من أدبائنا حتى الآن في ملئه. والذي نود أن يكون على الأدب الحجازي الصبغة الحجازية، وأن يكون عليها مسحتها حتى يكون له مركزاً مستقلاً يأخذ مكانه في مستوى الأدب العربي الحاضر.
نحن لا نعيب على إخواننا هذا التقليد الذي نراه في الأدب الحجازي والذي اندفعوا إليه مرغمين بعوامل مختلفة. إنا نعتقد أن زمن التقليد في فن الأدب قد ولى، وأصبح في إمكاننا أن نكون لأدبنا مركزاً مستقلاً يصطبغ اصطباغاً تاماً بحياتنا، وأن نلقحه تلقيحاً قوياً بالآداب القوية العالمية، إذ ذاك أدعى لنجاح المسعى، وبلوغ الغاية، ألا وأن أعظم خطر يهدد حياتنا الأدبية فقدان الرابطة الأدبية.
الرابطة الأدبية مفقودة، وهذا له أثره السيئ في حياتنا الأدبية، ومن ثم الاجتماعية والأخلاقية والعلمية، وعسى أن تسمح لنا الفرص لنقول كلمتنا عن ذلك في وقت غير).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :778  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 52 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .