شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأدب الحجازي
لا أريد أن أستعرض الأدب، وتأثير نهضته في الأمم وما يبنى على صروحه من مجد أثيل، وعز شامخ، ولا أريد أن أستعرض ما كان في هذه البلاد من مرتع خصب للأدب في الجاهلية، وعصور الإسلام الأولى، لأن ذلك قد قتله الكتاب بحثاً، والفلاسفة تحليلاً وأصبح أشهر من نار على علم، والواجب علينا العمل لإعادة ذلك العهد، وإشادة ذلك المجد، أما التغني بذكر الماضي، وإهمالنا الحاضر فلا فائدة منه.
إن الذي أريد بحثه في هذه العجالة، الأدب الحجازي في هذا العصر، والأدباء في بلادنا، والرابطة الأدبية فيها.
الأدب الحجازي:
حل بالحجاز ما حل بالأمم الشرقية، فأخذ نصيبه من التقهقر والتأخر والاستسلام للذل، لقد كان نصيب الأدب الحجازي من ذلك وافراً، فمضت عليه الأيام تتلو الشهور والأعوام، وهو في تأخر مستمر، فأكل عليه الدهر وشرب وبلى وتجدد، وهو في غطيط نومه، ولذيذ أحلامه ساه لاه، لا حراك ولا صوت. ولقد كان وجود تركيا في الحجاز إحدى العوامل التي زادتنا بلاءاً على بلائنا وتأخراً على تأخرنا لأن لسعيها في تتريك أهله - وليس هذا في الحجاز فقط بل وفي غيره من البلاد العربية التي سيطرت عليها - أثراً قوياً في تأخر اللغة العربية، وبالتالي في الأدب الحجازي.
قبل الحرب العمومية بقليل تنبهت الأمة الحجازية إلى ذلك فأخذت تعاكس هذه الفكرة وتقاومها، ولكن تلك المقاومة كانت ضعيفة جداً، ومع ذلك فقد أفادت القليل، ولقد كان لنهضة الحجاز على تركيا وخروجه من قبضتها ومحاربته لكل ما هو تركي أثر قوي في إحياء الأدب الحجازي، فسرت تلك الروح إلى القلوب، ولقد وجدت من النفوس الكامنة المتطلعة إلى هذا المنهل العذب بعض ما كانت ترنو إليه، فأخذت في التوسع والانتشار، وبينما هي كذلك فوجئت بمقاومة غير منتظرة –وهي من نفس الأشخاص الذين كانوا يقاومون كل تركي– فشلت من حركتها، وثبطت من همتها، كادت أن تقضي على تلك الطائفة التي سمعت صوت الحياة فحنت إليه ورأت طريق الحياة فسعت إليها، ولقد كان لمقاومي هذه الحركة مقاصد سياسية، وهي عدم تنور الأفكار وتنبهها، وبقاؤها على جهلها وغباوتها، لئلا تقاوم الظلم المنتشر، ولئلا تطالب بحقوقها وواجباتها، وتدافع عن وطنها وأمتها، وقد تكون هناك أسباب غير هذه، ولكن في الحقيقة هذه هي أهمها، ومما يؤسف له أن هذه المقاومة لم تكن مقتصرة على الأدب فقط بل امتدت إلى غيره من العلوم والفنون، ولا حاجة للتبسط فيها لأنها معلومة عند الكثير. وبالرغم من المقاومة التي وجدها متطلبو فن الأدب فإن هذه الفكرة أخذت تنمو وتتسرب إلى الأفئدة متحفزة إلى الظهور، فما أن حدث الانقلاب الحجازي - النجدي حتى كانت قد اختمرت في العقول، واستولت على القلوب فكانت الحرب قائمة، والفكرة الأدبية تظهر إلى حيز الوجود في مكة وجدة، ولم أغفل هنا المدينة إلا لأن من فيها كانوا في ذلك الوقت يعانون شدائد وأهوالاً أنستهم الشيء الكثير من أمور الحياة.
مما تقدم يظهر أن الأدب الحجازي الموجود الآن، هو نتيجة الحركات القديمة التي كانت القوة ضاغطة عليها، ومقاومة لها، أرجو أن لا يعتقد القارئ أنه يوجد لدينا الآن حركة أدبية عظيمة، لا بل يوجد لدينا حركة أدبية لا بأس بها –بالنسبة لنا– وإذا أخذت تعمل بجد، وإذا شجعت ولم تقاوم فستثمر ثمراً حسناً وستكون عظيمة. وهذا وإن كان يرجع أمره إلى الأمة نفسها، إلا أن على الحكومة في ذلك واجباً عظيماً وقسطاً وافراً يجب أن تقوم به، وإني أطلب ذلك، وألح في طلبي رافعاً صوتي بضرورة مساعدة الحركة الأدبية الموجودة في بلادنا مادة ومعنى، وبذلك تكون قد أدت واجباً من الواجبات عليها وكما أني أطلب هذا من الحكومة أطلب مثله أيضاً من الأمة فيجب أن تقدم يد مساعدتها، وبالأخص مثروها، وإذا لم تتكاتف الأمة و الحكومة في كل الأعمال فإنا لا ننجح، لأنه لا يمكن أن تعمل الحكومة وحدها كل شيء - هذا إذا أردنا أن نحيا حياة سعيدة، وأن نسير إلى الأمام.
مكة المكرمة: متألم
"صوت الحجاز" في 3/1/1351هـ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :803  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 50 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.