الأدب الحجازي في أدواره التاريخية (5) |
الأدب الحجازي والتقليد: |
الأدب ابتكار له مسحته الأدبية وروعته الفنية، وله اتصاله القوي بحياة الفرد والجماعة، وله مقامه الممتاز في نظر أرباب الذوق السليم، وما أحرانا ونحن نكون نهضة أدبية أن نسير على أساس ثابت يقويها ويدعم أطامها التي تقول أننا سنشيدها. |
إن الأدب الصحيح لم يكن في عصر من العصور ضرباً من التقليد، ولا تعصباً لأسلوب مخصوص ولم يكن ذلك أبداً ولن يكون، ولو أردنا أن نبحث الأدب العربي في أدواره وعصوره التاريخية لكانت النتيجة أن وجدنا لكل عصر مسحة مخصوصة تتفق مع التكوين القومي والحياة العلمية، وقل إذا شئت أيضاً تتفق مع أساليب السياسة المتسيطرة في ذلك العصر، ومن أراد التحقيق فما عليه إلا بحث الأدب العربي في عصره الجاهلي، ثم بحثه في صدر الإسلام، ثم بحثه في العصر الأموي والعصر العباسي. |
إن الباحث بلا شك سيخرج بالنتيجة التي تقدمت. وما دام الأدب فناً وابتكاراً لا ضرباً من التقليد الأعمى، ولا تعصباً لأسلوب من الأساليب، فلماذا لا تسير على سنن سنها، ولماذا لا نتفنن، ونبتكر ولماذا نولي سنن الأدب ظهرنا، ونأخذ بأسباب التقليد. |
إن الأدب الحجازي القديم اليوم يكاد يكون مجموعة ضرب من التقليد -إلا من رحم ربك-. |
إننا إذا قرأنا مقالاً لأديب حجازي –وكان يجيد الكتابة- نشعر أننا نقرأ مقالاً لكاتب مصري ولكنك لو قرأت مقالاً لكاتب مصري فإنك تجد عليه المسحة المصرية؛ وتكاد تلمس الروح المصرية تسري في المقال، وهذه بلا شك ميزة راقية للعلم والأدب. إن تقليدنا لغيرنا في الأساليب واللهجات، وحذونا حذو غيرنا في أشياء تأباها الروح الأدبية نفسها خطة للأدب الحجازي وأن الوطنية الحجازية تدعونا لأن نربأ بأنفسنا عن ذلك ونعمل جهدنا في جعل أدبنا يسير مع شعورنا.. في جعل أدبنا عليه مسحة الحجاز في جعل أدبنا حجازي وحجازي محض. |
نعم إن المدة التي مضت هي مدة تكوين لا مدة خلق وابتكار، هذا صحيح، ولكن إلى متى نظل باقين على خطة التكوين إننا إذا لم نعمل من الآن بوضع الأساس فسيصعب علينا الأمر فيما بعد، ونكون في أدبنا مقلدين لا مبتكرين، وهذا أظنه مؤلم ومؤسف. |
هذا رأيي الخاص أسوقه فإن كنت أصبت الحقيقة فالحمد لله، وإن كنت أخطأت فأستغفر الله وأستسمح الأدباء المخلصين لأمتهم ودينهم ووطنهم. |
الأدب الحجازي والنقد: |
النقد كما يقولون - أو كما تقوله الحقيقة غربلة، ونخل، وتحليل، ومناقشة ضمن دائرة أدب المناظرة، هذا هو النقد كما عرفه النقاد وكما عرفه العلم، أن النقد لم يكن في عصر من العصور، ولا في يوم من الأيام، ولا في أمة من الأمم، تناول أعراض الناس أو شتمهم، أو تحليل شخصياتهم، إن النقد شيء والشخصيات شيء آخر، إن النقد جميل وجميل جداً إذا ضمن حدود النقد، أما إذا خرج عن دائرة الأدب فهو مناف للأدب. |
أنا أحد الذين يؤمنون بفائدة النقد ويدعون إليه، ولكن ضمن حدوده المتعارف بها في العالم الأدبي، وإني بالرغم من حبي للنقد أفضل أن يكون نقدنا في العوائد السيئة أي أننا نترك نقد كتابات الكتاب في الوقت الحاضر؛ وهذا من أجل التشجيع فقط. |
إني أخجل وأتألم معاً إذا صرحت بأن كثيراً من الأدباء محجمين عن الكتابة خوفاً من النقد، وقد صرح لي بذلك غير واحد، وليس هذا كرهاً منهم في النقد، بل لكونهم يرون أن المنتقدين يحذون في نقدهم النقد الغير بريء، وإني أعتقد أنه إذا بقيت الحالة على ما هي عليه فإن هذا سيؤخرنا مراحل في سيرنا. |
هذه حقيقة أكتبها بعد البحث والدرس وأرجو أن يعيرها النقاد ما لها من الأهمية فيشجعون بعضهم البعض بدلاً من أن يكونوا عقبات في طريق بعضهم البعض، لأن هذا أمر مؤلم، يجب أن لا نرضاه لهذا الوطن العزيز. |
هذا رأيي الخاص في النقد الحجازي أتيت به فإن أصبت فذلك مبتغاي، وإن حدت عن الصواب فمن الله أطلب الهداية والغفران. |
"للبحث صلة" |
|
|
|
|
|