الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

الأدب الحجازي في أدواره التاريخية (3)

الشبيبة الحجازية:

في أواخر عصر الحسين تكون في مكة وجدة ⁽¹⁾ لفيف من الأدباء دعوهم بالشبيبة الحجازية، ولكن ذلك اللفيف البائس كان يتستر مخافة أنه إذا قال كلمة في موضع ما أو عقد اجتماعاً في مكان ما قيل له أنت تتكلم في السياسة وتعمل ضد الحكومة، وهكذا بقي أمر الشبيبة مختفياً، وبقيت أفكارها تأكل قلبها وكان الكاتب منهم يكتب لأجل أن يكدس كتاباته في مكتبه، أو لأجل أن يعود فيمزقها مرة أخرى غير واجد عليها ولا آسف ففي ذمة التاريخ.

ظهور الشبيبة:

استدبر الحجاز عصر المرحوم الحسين واستقبل عصر غيره، فكانت الشبيبة على حالتها بالأمس لم تحرك ساكناً لأن الحالة الوضعية في ذلك الوقت كانت تقضي بذلك، ثم ما لبثت أن أخذت في الظهور ولكنه ظهور بطيء، وقد كانت أعناقها مشرئبة تتطلع إلى مساعدة أدبية تأخذ بيدها وتقيلها من عثرتها، ولكن هيهات أن تجد، فبقيت سائرة على مهل ولكن نفوساً كانت تتوثب للظهور، وقد أخذ بعض الغيورين يعمل على تعضيد هذه الفئة وتشجيعها، وكان من نتيجة ذلك التعضيد أن ظهر كتابان يحملا شيئاً من الأدب الحجازي الجديد أحدهما (أدب الحجاز) ⁽²⁾ وثانيهما (المعرض) ⁽³⁾ وبظهورهما لهجت ألسن الأمة بلفظ الشبيبة بعدما كانت لا تعرف عنها شيئاً، ثم عقب ذلك صدر كتاب (خواطر مصرحة) ⁽⁴⁾ فكان أشبه بالقنبلة حين قذفها إذ أحدث دوياً هائلاً في جميع طبقات الأمة لما حواه من نقد لم تألفه الأمة وهذا الدوي كان منتظراً لأن الأفكار الحجازية لم تكن تأهلت بعد لأن تقابل أمثال ذلك.

الشبيبة والخيال:

الكتابة الخيالية من حيث هي شيء له لذته الخيالية ولقد تملك الخيال ببعض الشبيبة حتى ملك عليهم لبهم، وأضحت كتابات كتاب المهجر دستوراً لهم فانهمكوا في قراءتها بكثرة مفرطة، وقل أن تجد أديباً إلا وهو مغرم بها، وهذا الإقبال أثر على حركة الأدب الجديدة لأنه صرفنا عن أشياء كثيرة نحن في حاجة إليها، كما أنه شرب أفكار بعضنا بأشياء لا تتفق وعوائدنا ووطنيتنا وليس هنا مكان نقد الشبيبة والخيال وإنما الحقيقة أتينا عليها لأنا في بحثنا هذا مؤرخون لا منتقدون.

"للبحث صلة"

مكة المكرمة: الغربال

جريدة (صوت الحجاز)

23 جمادى الأولى 1353هـ

3 أغسطس 1934م

[1]	سيرى القارئ أن بحثي يكاد يكون محصوراً على مكة وجدة، وهو كذلك، أما المدينة المنورة فإني آسف غاية الأسف عن كوني لا أعرف الحقيقة التامة عن كيفية تكوين الأدب وظهوره فيها إلا أني أعتقد أن الحالة الأدبية هناك اليوم هي أحسن منها في مكة وجدة، وعسى أن يقسم الله لنا بالوصول إليها وندرس الحالة الأدبية هناك من جميع وجوهها ونكتب عنها، أو عسى أن أجد أفاضل أهلها يسبقنا إلى ذلك فنكون له من الشاكرين.
[2]	أدب الحجاز: كتيب يحتوي على قطع شعرية ونثرية لبعض أدباء الحجاز يبحث في مواضيع شتى جمعه ورتبه الأستاذ محمد سرور الصبان والكتيب من حيث الغاية كان بمثابة إعلان عن أدب الحجاز وإذا شئت فقل لإفهام أمم الأرض بأنه يوجد في الحجاز أدب لا بأس به، وأن هناك أدباء يحتاجون إلى التشجيع والمعاضدة، شأن كل الأمم في بدء نهوضها.
[3]	المعرض مجموعة أجوبة على سؤال وَجَّهه الأستاذ محمد سرور الصبان إلى بعض أدباء الحجاز يستطلعهم رأيهم في أساليب اللغة العربية، والمجموعة من حيث الجموع حسنة بالنسبة للحالة الفكرية في ذلك الوقت.
[4]	خواطر مصرحة مجموعة مقالات في مواضيع مختلفة بقلم الأديب محمد حسن عواد، تناول فيها الأديب نقد بعض العادات الحجازية أو تطرق إلى حالة البلاد الاجتماعية وغير ذلك، ولقد حذا في كتاباته حذو كتاب المهجر أسلوباً ولهجة، والمجموعة فيها الصالح وفيها الطالح ولهجة صاحبها شديدة وبعض المواضيع فيها تحامل شديد، وهنا حقيقة أحب أن أدلي بها وهي أن سبب النزاع الناشب الآن بين الشيوخ والشباب، مع كون الشباب منها براء، وليس هذا موضع انتقاد خواطر حضرة الأديب، ولكن هي الحقيقة دفعتنا إلى ذلك لكون بحثنا هذا بحث تاريخي وأرجو أن هذه الكلمة لا تؤلم حضرة الأخ العزيز؛ ولا تؤثر في مجرى صداقتنا لأني أجله وأجل صداقته ولكن الصداقة شيء والحقائق شيء آخر.