شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مجاري السيول وفضلات المياه بمكة (2)
السيول ووضع المسجد:
يلاحظ المتتبع لأخبار المسجد الحرام وعمارته، وأنباء السيول في مكة وحوادثها، أن المسجد الحرام كان بعد وضعه الأخير (أي بعد عمارة المهدي بن أبي جعفر) عرضة لسيول مكة أكثر من أي زمان آخر، والسبب في هذا يرجع إلى أن البقعة التي أنشئ المسجد فيها كانت مطرقاً لسيول مكة -بالنظر لوضع مكة القديم- فالجانب الشامي مطرق للسيول التي تنصب من جبل قعيقعان مما يلي المسجد وقرارة المدحي (الفلق والقرارة)، والجانب الجنوبي مطرق لسيول جبل أبي قبيس وأجياد الصغير، والجانب الشرقي الجنوبي عرضة لمسيل وادي إبراهيم، ولهذا نقرأ في حوادث السيول والمسجد أن بعضها وصل قناديل المطاف، وبعضها تناول قفلها. وهذا يعود في صميمه إلى أن الأماكن التي تتنسم منها سيول المسجد تكون مغلقة فيحدث مثل ذلك، وكثيراً ما يتجاوز هذا الضرر إلى النفوس فيذهب ضحيته الشيء الكثير.
وقد بذل المسلمين وأمراؤهم جهوداً في إزالة هذه الأضرار أو على الأقل في تخفيفها، فمرة كانوا يضعون صدامات تقي المسجد من السيول، وأخرى يزعقون الأرض التي أمام أبواب المسجد، ولكن كل تلك الجهود وإن خفت من الأضرار إلا أنها لم تزلها فبقت السيول مستمرة، وقد أصاب الكعبة والمسجد من أذاها الشيء الكثير.
مجرى باب إبراهيم:
لا يعرف بالتأكيد أول من صنع مجاري السيول في مكة، ولم يوضح التاريخ الحجازي ذلك، وكل ما فيه نتف زج بها في عرض الكلام عن إصلاح من الإصلاحات. وبالرغم من البحث الدقيق الذي قمت به فلم أوفق إلى إزاحة الستار عن ذلك.
والثابت في التاريخ الحجازي أن دولة الأشرف الغوري عمل مجرى بطول ممر باب إبراهيم الداخلي والخارجي، أي أنه يمتد من درج باب إبراهيم المطلة على حصوة زيادة باب إبراهيم إلى ما بعد درج باب إبراهيم المطلة على الشارع. وقد ذكر هذا ابن ظهيرة في تاريخه.
والذي يخيل لي أن هذا المجرى لم يعمل لتخفيف أضرار السيول من المسجد، إذ لو كان كذلك لما كان بهذا الحد الضيق المحدود، وإنما عمل إتقاء للبنايات التي حول وفوق باب إبراهيم، وإذا عرفنا أن باب إبراهيم هو المنفذ الذي تتسرب منه جميع سيول المسجد، أدركنا السر الخفي الذي من أجله أُنشئ هذا المجرى.
- لعلَّ هذا أول سرداب للسيول؟
لا أشاطر الرأي من يقول بأن هذا المجرى هو أول مجرى لسيول مكة إذ أن سرداب العنبة أقدم منه، وقد ورد ذكره في بعض كتب التاريخ المكي، إلا أن مما يقطع الكبد ويزيد في الألم أن أغلب الكتابات التاريخية لهذا الوطن البائس يحوطها الغموض، ويكتنفها الاضطراب، وإني أنفي بشدة هذا القول، وآمل أن يساعدني التوفيق فأتوصل إلى حقيقة أقررها بارتياح واطمئنان.
مجرى العنبة:
في عام 983هـ اتجهت أنظار الدولة العثمانية بصورة جدية لمنع دخول السيول إلى المسجد الحرام، فوفقت بعض التوفيق في مهمتها، ونجد القطبي يحدثنا عن عملها هذا فيقول ما معناه: "في ليلة 14/5/983هـ دخل السيل إلى المسجد من أبوابه ووصل الماء إلى قفل باب الكعبة، وتعطلت صلاة الجماعة سبعة أوقات، وبعد تنظيف المسجد شرع في تهبيط الأرض من جانبي المسجد الجنوبي والشامي، فصار السيل ينحدر من الجهة الجنوبية إلى المسفلة، ومن الجهة الشامية فيدخل سرداباً يسمى (العنبة) بباب زيادة، ويخرج بالقرب من باب إبراهيم، وبهذا أصبحت السيول تسيل ولم تصل إلى باب المسجد ولم تقرب منه" (1) .
وبهذا الترتيب أصبح دخول السيل إلى المسجد من الجهة الجنوبية يتوقف على صلاح هذا السرداب، ومن الجهة الشرقية والجنوبية والغربية الجنوبية يتوقف على انخفاض الأرض وعلوها.
وإذا لاحظنا أن أرض المسجد منخفضة عن أرض الشارع بمقاسات تتراوح من مترين إلى أربعة أمتار تبعاً لتوازن أرض الشارع في علوها وانخفاضها، أدركنا أن الأتربة التي يجرفها السيل تحدث ارتفاعاً مهولاً في الأرض، وإذا عرفنا أن درج المسجد التي على الشارع العام يبلغ عدد بعضها عندما أنشئت خمس عشرة درجة وأنها اليوم تتراوح بين الخمس والسبع أدركنا مبلغ الارتفاع الذي أحدثه تجمع الأتربة. ونحن نشاهد الآن مبلغ التلال المهولة التي تتجمع عقب مرور السيل أمام مخفر شرطة الصفا.
كل هذه الاعتبارات تعطينا مغزى تخفيض أرض المسيل وفائدته. وقد نبه القطبي على ضرورة الاعتناء بذلك وعده من الأشياء الضرورية لحفظ المسجد من الأقذار وسلامته من التصديع.
وإنا في كلمتنا هذه المتواضعة نلفت نظر الجهة المسؤولة عن هذا ونطلب منها إعطاء هذه الناحية جانباً من الأهمية. فإن قدسية المسجد الحرام ونظافته تهم المسلمين عموماً، والمسؤولين عنه خصوصاً.
والعمارة أو الإصلاح الذي تم على يد الأمير أحمد بك صرف عليه مبلغ طائل، وقد أشار القطبي إلى ذلك فقال: "إنه مئة ألف دينار، غير أثمان الأخشاب والحديد التي أحضرت من مصر" والذي يظهر لنا من سرد رواية القطبي أن هذا المبلغ لم يصرف على هذا الإصلاح وحده، بل على تعميرات أخرى في المسجد ليس هذا محل إيضاحها.
"للبحث صلة"
مكة: ابن عبد المقصود
جريدة (أم القرى): العدد: 595
يوم الجمعة 9 صفر سنة 1355هـ
الموافق 1 مايو سنة 1936م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :890  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج